اعتبار إباحة السفر حدوثاً وبقاءً - قطع المسافة بنيّة سائغة ثمّ الاستمرار بقصد المعصية 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4378


ــ[123]ــ

   [ 2264 ] مسألة 33: إباحة السفر كما أ نّها شرط في الابتداء شرط في الاسـتدامة أيضاً(1)، فلو كان ابتداء سـفره مباحاً فقصد المعصية في الأثناء انقطع ترخّصه ووجب عليه الإتمام وإن كان قد قطع مسافات ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موضوعاً ، فانّ التمام قد اُنيط في لسان الروايات بسفر يكون معصية بنفسه أو بغايتـه ، بحيث إنّ مسـيره لم يكن مسير حقّ ، وشيء من ذلك لا ينطبق على الرجوع ، إذ ليس هو بذاته معصية كما هو واضح ، ولا بغايته ، فانّ مقصده العود إلى البلد والأهل .

   بل ربما تكون الغاية راجحة أو واجبة كتحصيل القوت والإنفاق على الأهل والعيال . فلا يصدق على الرجوع أ نّه مسير ليس بحقّ إلاّ أن يقصد به معصية اُخرى ، فيكون فرداً آخر لسفر المعصية محرّماً بنفسه أو بغايته .

   وعلى الجملة : وحدة السفر خارجاً وكون الإياب جزءاً من الذهاب عرفاً ـ  لو سلّمناها  ـ لا دخل لها في صدق سفر المعصية والاتصاف بهذا العنوان الذي هو المناط في تعلّق الحكم بالتمام في لسان الروايات .

   فانّ السفر الواحد يمكن أن يتبعّض حكماً لزوال العنوان واختلاف الموضوع حسبما عرفت ، فلا يصدق على الرجوع عن الصيد مثلاً أ نّه طالب للصيد ، ولا أنّ مسيره ليس بحقّ إلاّ أن يقصد به المعصية مستقلاً ، فيكون حكمه حينئذ حكم الذهاب ، لكن لا من حيث إنّه رجوع عن سفر المعصية ، بل لأجل أ نّه بنفسه سفر المعصية فلاحظ ، نعم الاحتياط بالجمع استحباباً لا بأس به ، أمّا الوجوب فلا وجه له أبداً .

   (1) لوحدة المناط في الموردين بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فتنقطع الرخصـة لو عدل إلى المعصية بقاءً ، لعدم كون مسيره وقتئذ مسير حقّ ، بل يصدق عليه أنّ

ــ[124]ــ

سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو سعاية ، أو ضرر على قوم من المسلمين ونحـو ذلك ممّا هو مذكور في صحيحة عمار بن مروان المتقدّمة (1) . وهذا ممّا لا ريب فيه ولا إشكال .

   إنّما الكلام فيما لو قطع المسافة الشرعية خارجاً بنيّة سائغة كما لو سافر إلى كربلاء سفراً مباحاً فوجب عليه القصر ، ثمّ سافر منها إلى بغداد بقصد المعصية من غير أن ينقطع السفر الثاني عن الأوّل باقامة العشرة أو المرور على الوطن وإلاّ فمع الانقطاع لا ريب في وجوب التمام في السفر الثاني ، فهل يحكم حينئذ بالقصر كما كان أوّلاً ، أو بالتمام لأ نّه سفر المعصية ؟

   الذي يظهر من الجواهر هو عدم الخلاف في الثاني ، وأ نّه يتم ، لكـونه من سفر المعصية (2) كما عرفت .

   ولكن استشكل فيه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (3) واحتمل أن يكون الحكم هو القصر ، نظراً إلى أنّ سفر المعصية بالإضافة إلى التقصير من قبيل عدم المقتضي لا المقتضي للعدم ، فغايته أ نّه لا يقتضي القصر ، لا أ نّه يقتضي التمام كما يقتضيه الحضور في الوطن كي يكون مزيلاً للقصر الثابت سابقاً بسبب آخر ، فاذا لم يكن له إلاّ عدم الاقتضاء فلا يعارض ما كان مقتضياً للقصر ولا يزاحمه بوجه .

   وعلى الجملة : متى تحقّق السفر بنيّة سائغة وقطعت المسافة فقد حكم بالقصر وهو باق ما لم ينقطع بقاطع مقتض للتمام ، وليس منه سفر المعصية ، فانّه لا يقتضيه ، كما لا يقتضي القصر أيضاً كما عرفت ، بل التمام هو مقتضى الوضع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 95 .

(2) الجواهر 14 : 260 .

(3) [  لم نعثر عليه ] .

ــ[125]ــ

الأوّل، وقد خرج عنه السفر حيث ثبت القصر، ولم ينقطع . فالواجب هو التقصير لعدم حدوث الموجب للتمام .

   وهذا التقريب وإن كان له وجه في بادي الرأي ، إلاّ أنّ دقيق النظر يقضي بخلافه ، لما هو المقرر في محلّه (1) من أنّ الحكم المتعلّق بعنوان تابع لفعلية ذلك العنوان حدوثاً وبقاءً كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقية إلاّ إذا قام الدليل بالخصوص على كفاية مجرّد الحدوث في بقاء الحكم كما في الوطن الشرعي على القول به ، حيث دلّ الدليل على أنّ من سكن في مكان له فيه ملك ستّة أشهر أتمّ صلاته مهما دخله وإن أعرض عنه ، وكما في المحدود حيث لا يصلح لإمامة الجماعة ولو صار ورعاً تقياً ، فثبوت الحد آناًما يوجب سلب هذا المنصب عنه مؤبّداً .

   وحيث إنّ المفروض في المقام أنّ مطلق السفر لم يكن موضوعاً للقصر ، بل حصّة خاصّة منه ، وهو المعنون بعدم كونه سفر المعصية بمقتضى النصوص المتقدّمة (2) ، فلا بدّ وأن يكون الموضوع باقياً بقيوده ليحكم عليه بالقصر ، فلو تبدّل بعضها ولو بقاءً تغيّر الحكم حتماً .

   وبما أنّ السفر المباح الموجب للقصر لم يبق في المقام محتفظاً بقيوده ، بل تبدّل إلى سفر المعصية فلا جرم ينقلب حكمه إلى التمام ، لا لأجل أنّ سفر المعصية يقتضيه ليدّعى أ نّه لا اقتضاء فيه ، بل لأجل زوال مقتضى القصر بقاءً بارتفاع موضوعه الموجب للعود إلى التمام ، الذي هو مقتضى الوضع الأوّل كما مرّ .

   ونظير المقام ما لو قطع المسافة ثمّ اتّصف بكونه مكارياً ونحوه ممّن شغله السفر ، أو بدا له في طلب الصيد لهواً ، فانّه يحكم عليه بقاءً بوجوب التمام بلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ اُشير إلى ذلك في موارد منها ما في مصباح الاُصول 2 : 46 وما بعدها ] .

(2) في ص 95 وما بعدها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net