اعتبار عدم إقامة من شغله السفر عشرة أيام في الحكم بالتمام 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4154


   [ 2280 ] مسألة 49 : يعتبر في استمرار من شغله السفر على التمام أن لا يقيم في بلده أو غيره عشرة أيام (2) ،

 ــــــــــــــــــــــ
   (2) المشهور أنّ المكاري ونحوه ممّن شغله السفر يشترط في بقائه على التمام أن لا يقيم في بلده أو غيره عشرة أيام ، وإلاّ انقـطع عنه حكم عملية السفر وأصبح كسائر المسـافرين ، فيقصّر في السفرة الاُولى ، بل الثانية والثالثة على خلاف في الأخيرتين :

   ويستدلّ له بوجوه :

   أحدها : صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة ويصوم شهر رمضان»(2) بدعوى أنّ المراد بالتقييد بعدم الإقامـة هي الإقامـة الشرعية التي حدّها عشرة أيام

ـــــــــــــــ
(2) الوسائل 8 : 484 /  أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1 .

ــ[170]ــ

لا مطلق الإقامة ولو في الجملة ، لتحققها من كلّ مكار غالباً ولو يوماً أو بعض اليوم .

   ويندفع : بأنّ المنسبق إلى الذهن من مثل هذه العبارة أنّ قوله (عليه السلام) : «وليس له مقام» بيان لقـوله : «الذي يختلف» وتفسير له ، لا أ نّه تقييد آخر زائداً على ما تقدّمه . والمقصود اختصاص الحكم بالتمام بالمكاري الذي يتّصف فعلاً بصفة المكاراة ، وهو الذي يختلف في سيره ويتردّد في سفره فلم يكن له مقر ولا مقام ، في قبال من يكون مستقراً ومقيماً في مكان واحد ولم يسافر إلاّ أحياناً واتفـاقاً . فالرواية ناظرة إلى جهة اُخرى ، وأجنبيـة عمّا نحـن فيه كما لا يخفى .

   ثانيها :  ما رواه الشيخ باسناده عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم ويتم ، قال : أ يّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبداً ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير والإفطار» (1) .

   والخدش في دلالتها بظهورها في اعتبار الأكثر من عشرة أيام في انقطاع حكم عملية السفر وهو خلاف المدعى من كفاية العشرة نفسها ، مدفوع بظهور الشرطية الثانية في كونها تصريحاً بمفهـوم الشرطية الاُولى ، فتعم العشرة وما فوقها .

 وقد ورد نظير هذا التعبير في الذكر الحكيم قال تعالى : (فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ) (2) أي الثنتان فما زاد ، ونظيره أيضاً ما ورد من عدم العفو عن الدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 488 /  أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1 ، التهذيب 4 : 219 / 639 .

(2) النِّساء 4 : 11 .

ــ[171]ــ

الزائد على الدرهم ، المراد به الدرهم فما زاد ، كما تعرّض إليه صاحب الجواهر (قدس سره) في بحث النجاسات(1) ، ومثل هذا التعبير شائع متعارف كما لا يخفى . فدلالتها على المدعي تامّة ، غير أ نّها ضعيفة السند من وجهين :

   أحدهما : من حيث اشتماله على إسماعيل بن مرار ، ولم يوثّق . وربما يجاب عنه بأ نّه من رجال نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى ، فانّ هذه الرواية قد رواها الشيخ في التهذيب من كتابه ، وقد استثنى ابن الوليد شيخ الصدوق وتبعه القميون من رجال النوادر جماعة ، فصرّح بعدم العمل برواياتهم (2) ، بل قد صرّح الصدوق بضعف بعضهم ولم يذكر الرجل في تلك الجماعة ، فعدم الاستثناء يكشف عن الاعتماد برواياته المستلزم بطبيعة الحال لتوثيقه .

   ويندفع :  بأنّ عدم الاسـتثناء وإن دلّ على العمل بروايات الرجل كما ذكر إلاّ أ نّه لا يدلّ على توثيقه بنفسه ، لجواز أن يكون مبنى ابن الوليد على أصالة العدالة كما هو مسلك العلاّمة ، إذ لم يظهر لنا مبناه في هذا الباب .

   وعلى الجملة : العمل بمجرّده أعم من التوثيق بعد تطرّق الاحتمال المزبور، فلا يجدي ذلك لمن يرى ـ كما هو الصحيح ـ اعتبار وثاقة الراوي في العمل بروايته .

   ثانيهما : من حيث الإرسال، فانّ يونس يرويها عن بعض رجاله، وهو مجهول .

   ودعوى أ نّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم قد تقدّم الجواب عنها مراراً ، وقلنا إنّه ليس المراد من معقد هذا الإجماع الذي ادّعاه الكشي(3) عدم النظر إلى مَن بعد هؤلاء ممّن وقع في السند بحيث يعامل معه معاملة الصحيح وإن كان الراوي مجهولاً أو كذاباً ، فانّ هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 6 : 110 .

(2) كما حكاه النجاشي في رجاله : 348 / 939 .

(3) رجال الكشي : 556 / 1050 .

ــ[172]ــ

غير مراد جزماً .

   بل المراد اتفاق الكلّ على جلالة هؤلاء ووثاقتهم ، بحيث لم يختلف في ذلك اثنان ، وبذلك يمتازون عن غير أصحاب الإجماع ، فلا يتأمل في الرواية من ناحيتهم ، لا أ نّه يعمل بالرواية ويحكم بصحّتها على الإطلاق ، كيف وقد ظفرنا على رواية هؤلاء عمّن هو مشهور بالكذب والضعف كما أشرنا إلى جملة من ذلك في كتابنا معجم الرجال(1) فراجع إن شئت .

   نعم ، لو تمّ ما ادّعاه الشيخ في العدّة من الإجماع على أنّ مراسـيل ابن أبي عمير وأضرابه بمنزلة المسـانيد ، بدعوى أنّ هؤلاء لا يروون إلاّ عن الثقة (2) حكم في المقام بصحّة الرواية . لكنّه لا يتم ، كيف والشيخ (قدس سره) نفسه لم يعمل بمراسيل ابن أبي عمير في كتاب التهذيب(3) . فيظهر أنّ تلك الدعوى اجتهاد منه كما نبّهنا عليه في الكتاب المزبور (4) .

   فتحصّل من جمـيع ما ذكرناه : أنّ الرواية وإن كانت تامّة الدلالة إلاّ أ نّها ضعيفة السند من جهة إسماعيل بن مرار أوّلاً ، ومن جهة الإرسال ثانياً ، هذا .

 ولكن المناقشة من الجهة الاُولى قابلة للدفع ، نظراً إلى أنّ إسماعيل بن مرار مذكور في أسانيد كتاب التفسير لعلي بن إبراهيم، وقد التزم هو في تفسيره (5) ـ كجعفر بن محمد بن قولويه في كامله(6) ـ بأن لا يروي إلاّ عن الثقة ، فكانت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم رجال الحديث 1 : 63 ـ 66 .

(2) عدّة الاُصول 1  : 58 السطر 7 .

(3) التهذيب 8 : 257 / 932 .

(4) معجم رجال الحديث 1 : 62 .

(5) تفسير القمي 1 : 4 .

(6) كامل الزيارات : 4 .

ــ[173]ــ

هذه منه شهادة عامّة بتوثيق كلّ من وقع في أسناد التفسير ، ولا بدّ من الأخذ به ، فانّه لا يقلّ عن توثيق مثل النجاشي ، بل هو أعظم ، لكون عهده أقرب .

   نعم ، المذكور في الطبعة الجديدة من التفسير المذكور : إسماعيل بن ضرار في موضع(1) ، وإسماعيل بن فرار في موضع آخر(2) ، وكلاهما غلط من الناسخ، والصحيح إسماعيل بن مرار كما في الطبعة القديمة منه .

   فالعمدة في المناقشة السندية إنّما هي الجهة الثانية أعني الإرسال ، وإلاّ فالرواية معتبرة من غير هذه الناحية .

   ثالثها :  ما رواه الشيخ أيضاً باسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : المكاري إذا لم يستقر في منزله إلاّ خمسة أيام أو أقل قصّر في سفره بالنهار وأتمّ صلاة الليل وعليه صيام شهر رمضان ، فان كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر قصّر في سفره وأفطر» (3) .

   ومحلّ الاستشهاد ذيل الرواية أعني قوله : «فان كان له مقـام ... » إلخ ، وأمّا صدرها المشتمل على التفصيل بين النهار واللّيل لدى الاسـتقرار خمسـة أيام فسيقع الكلام حول ذلك قريباً إن شاء الله تعالى(4).

   وقد دلّ الذيل بوضوح على انقطاع الحكم لدى الإقامة عشرة أيام ، وأنّ الواجب حينئذ التقصير في سفره والإفطار كسائر المسافرين .

   نعم ، قد يناقش في دلالتها بأنّ ظاهرها التقصير والإفطار في السفر إلى البلد الذي يقيم فيه عشرة أيام ، لا في السفر من البلد الذي أقام فيه عشرة الذي هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) تفسير القمي 1 : 205 ، 28 .

(3) الوسائل 8 : 490 /  أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 6 ، التهذيب 3 : 216 / 531 .

(4) في ص 179 .

ــ[174]ــ

محلّ الكلام . فما هو ظاهر الرواية من التقصير والإفطار في السفر الذي يتعقّب باقامة العشرة لا قائل به ، بل هو مقطوع البطلان ومخالف للإجماع ، إذ لم يتحقّق بعدُ ما يوجب انقطاع حكم عملية السفر كما هو واضح ، وما هو محلّ الكلام من قاطعية العشرة لحكم التمام ، أي وجوب التقصير والإفطار في السفر الواقع بعد ذلك لا تدلّ عليه الرواية بوجه .

   ولكنّ هذه المناقشـة لعلّها واضحة الدفع ، فانّ هذه الشرطية أعني قوله : «فان كان له مقام ... » إلخ في مقابل الشرطية الاُولى المذكورة في الصدر ، وظاهر المقابلة أ نّه لا اختلاف بين الصدر والذيل إلاّ من حيث الإقامة خمسة وعشرة فهما ينظران إلى موضوع واحد .

   وبما أنّ المراد من السـفر في الصدر السـفر من البلد الذي أقام فيه خمسة بالضرورة لا إلى ذلك البلد ، فكذا الحال في الذيل ، فيراد به التقصير في سفره من البلد الذي يذهب إليه ويقيم عشرة ، كما يؤيّده التعبير بقوله : «فان كان له مقام ... » إلخ بصيغة الماضي ، أي عندما أقام في ذلك البلد عشرة أيام قصّر بعدئذ في سفره ، فلا يراد إلاّ السفر الحاصل بعد تلك الإقامة لا قبلها كما هو ظاهر .

   فالإنصاف :  أنّ الرواية واضحة الدلالة على المطلوب من قاطعية الإقامة عشرة أيام لحكم عملية السفر .

   وأمّا من حيث السند فقد عرفت أنّ إسماعيل بن مرار الواقع في السند موثّق بتوثيق علي بن إبراهيم ، ولأجله يحكم بصحة الرواية .

   ومع الغض عن ذلك فتكفينا هذه الرواية على طريق الصدوق ، المحكومة حينئذ بالصحّة جزماً، فانّه (قدس سره) قد رواها بعين المتن المتقدّم عن الشيخ غير أ نّه أضاف بعد قوله : «عشرة أيام أو أكثر» قوله : «وينصرف إلى منزله




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net