نجاسة الميت قبل البرد 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 12003

 

الماء المستعمل في الاستنجاء

    القسم الرابع من الماء المستعمل :

   (1) هذا هو القسم الرابع من أقسام الماء المستعمل ، فهل هو كالمستعمل في رفع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 211 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 1 .

ــ[301]ــ

ولو من البول (1) فمع الشروط الآتية طاهر (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحدث الأكبر والأصغر من حيث طهارته ، وجواز استعماله في كل ما يشترط فيه الطهارة من شربه واستعماله في رفع الحدث والخبث ؟

   فيه خلاف بين الأعلام . ويقع الكلام في طهارته ونجاسته أوّلاً ، وبعد إثبات طهارته نتكلم ثانياً في كفايته في رفع الحدث والخبث وعدمها . وبناء على القول بطهارته لا بدّ في منع كفايته في رفعهما من إقامة الدليل عليه ، فان مقتضى القاعدة كفاية الماء الطاهر في رفع كل من الحدث والخبث ، وينعكس الأمر إذا قلنا بنجاسته فان جواز استعماله في رفع الحدث والخبث وعدم تنجيسه لما لاقاه يتوقف على إقامة الدليل عليه ، فان القاعدة تقتضي عدم كفاية الماء المتنجس في رفع شيء من الحدث والخبث .

   (1) سنشير إلى الوجه في إلحاق الماء المستعمل في الاستنجاء من البول بالماء المستعمل في الاستنجاء من الغائط ، مع عدم صدق الاستنجاء في البول فانتظره .

   (2) لا ينبغي الاشكال في أن القاعدة تقتضي نجاسة الماء المستعمل في الاستنجاء لأنه ماء قليل لاقى نجساً وهو ينفعل بالملاقاة ، كما أن مقتضى القاعدة منجسية كل من النجس والمتنجس لما لاقاه ، ولا سيما إذا كان المتنجس من المائعات فان تنجيس المتنجس وإن كان مورد الخلاف بين الأصحاب ، إلاّأن منجسية الماء المتنجس أو غيره من المائعات مما لا خلاف فيه بينهم ، وذلك لموثقة عمار الآمرة بغسل كل شيء أصابه ذلك الماء (1) وعليه فالماء المستعمل في الاستنجاء نجس ومنجس لكل ما لاقاه هذا كلّه حسبما تقتضيه القاعدة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عمّار بن موسى الساباطي «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضأ من ذلك الإناء مراراً ، أو اغتسل منه ، أو غسل ثيابه ، وقد كانت الفأرة متسلخة فقال : إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ، ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء...» المروية في الوسائل 1 :  142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

ــ[302]ــ

   وأمّا بالنظر إلى الأخبار : فقد دلّ غير واحد منها على عدم نجاسة الملاقي لماء الاستنجاء ، أو على عدم البأس به على اختلاف ألسنتها ، وهذه الأخبار وإن وردت في خصوص الثوب إلاّ أن الظاهر أن لا خصوصية له ولا فرق بينه وبين سائر الملاقيات .

   وكيف كان لا إشكال في طهارة الملاقي لماء الاستنجاء ولا خلاف فيها بينهم . وإنما الكلام في وجه ذلك ، وأن طهارته هل هي مستندة إلى طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء ، وإلى أن عدم نجاسته من جهة عدم المقتضي لها فالسالبة سالبة بانتفاء موضوعها ، وخروج الملاقي لماء الاستنجاء عما دلّ على تنجس الملاقي للمائع المتنجس خروج موضوعي ، أو أنها مستندة إلى ما دلّ عليها تخصيصاً لما دلّ على منجسية النجاسات والمتنجسات فماء الاستنجاء وإن كان في نفسه محكوماً بالنجاسة إلاّ أنه لا  ينجس ملاقيه ؟ ولا بدّ في استكشاف ذلك من مراجعة روايات الباب .

   فمنها : ما عن يونس بن عبدالرحمن ، عن رجل ، عن الغير أو عن الأحول أنه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) في حديث : «الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به ؟ فقال : لا بأس ، فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به ؟ قال : قلت : لا والله ، فقال : إن الماء أكثر من القذر»(1). وهذه الرواية لولا ما في ذيلها من التعليل لأمكن أن يرجع نفي البأس في كلامه (عليه السلام) إلى الثوب ومعنى نفي البأس عن الثوب طهارته ، وعليه كانت الرواية ساكتة عن بيان طهارة الماء المستعمل ونجاسته إلاّ أن التعليل المذكور يدلنا على أن نفي البأس راجع إلى الماء المستعمل في الاستنجاء لأنه أكثر من القذر فلا يتغيّر به ، ولأجل طهارته لا ينجس الثوب فالسالبة سالبة بانتفاء موضوعها وأن عدم نجاسة الملاقي من جهة أنه لا مقتضي لها .

   ولكن الرواية مع ذلك مخدوشة سنداً ودلالة : أمّا بحسب السند ، فلجهالة الرجل الذي روى عنه يونس فهي في حكم المرسلة ودعوى أن يونس من أصحاب الاجماع فمراسيله كمسانيده ، ساقطة بما مرّ مراراً من عدم إمكان الاعتماد على المراسيل كان مرسلها أحد أصحاب الاجماع أم كان غيره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 222 / أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2 .

ــ[303]ــ

   وأمّا بحسب الدلالة ، فلأنها في حكم المجمل حيث إن التعليل الوارد في ذيلها كبرى لا مصداق لها غير المقام ، فان معناه أن القليل لا ينفعل بملاقاة النجس إلاّ أن يتغيّر به وتقدم بطلان ذلك بأخبار الكر وغيرها مما دلّ على انفعال القليل بمجرد ملاقاة النجس وإن لم يتغيّر به ، والتغيّر إنما يعتبر في الكر فهذه الرواية ساقطة .

   ومنها : حسنة محمد بن النعمان الأحول بل صحيحته قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به ؟ فقال : لا بأس به» (1) وهذه الرواية وإن كانت تامة بحسب السند إلاّ أن دلالتها كالسابقة في الضعف ، وذلك لأن قوله «لا بأس به» يحتمل أن يكون راجعاً إلى وقوع ثوبه في الماء ، ويحتمل أن يرجع إلى نفس الثوب ، فلا دلالة لها على طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء .

   ومنها : موثقة محمد بن النعمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قلت له : أستنجي ثم يقع ثوبي فيه وأنا جنب ؟ فقال : لا بأس به» (2) . وهذه الرواية إن قلنا إنها ناظرة إلى نفي البأس عما لاقته غسالة المني بقرينة قوله «وأنا جنب» فتخرج عما نحن بصدده ، وهي حينئذ من أحد أدلة عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة ، وأمّا إذا قلنا إنها ناظرة إلى نفي البأس عما لاقاه ماء الاستنجاء كما هو الأظهر ـ  لأن إضافة قوله «وأنا جنب» مستندة إلى ما كان يتوهم في تلك الأزمنة من نجاسة الماء الملاقي لبدن الجنب  ـ فحال هذه الرواية حال سابقتها من حيث عدم تعرضها لطهارة الماء المستعمل في الاستنجاء ونجاسته .

   ومنها : صحيحة عبدالكريم بن عتبة الهاشمي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجّس ذلك ثوبه ؟ قال : لا» (3) وهي صريحة الدلالة على طهارة الملاقي لماء الاستنجاء ، ولكنها غير متعرضة لطهارة نفس ذلك الماء ونجاسته ، ولم تدل على أن عدم نجاسة الثوب مستند إلى طهارة الماء ، أو مستند إلى تخصيص ما دلّ على منجسية المتنجسات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) الوسائل 1 : 221 / أبواب الماء المضاف ب 13 ح 1 ، 4 ، 5 .

ــ[304]ــ

   فتحصّل إلى هنا أن الأخبار الواردة في المقام كلها ساكتة عن بيان طهارة ماء الاستنجاء وإنما دلت على طهارة ملاقيه فحسب .

   وعليه فيقع الكلام في الحكم بطهارة الماء المستعمل في الاستنجاء من جهة استلزام الحكم بطهارة الملاقي الحكم بطهارة نفس الماء ، أو من جهة الملازمة العرفية بين طهارة الملاقي وطهارة الملاقى .

   أمّا من ناحية استلزام الحكم بطهارة الملاقي طهارة نفس الماء فلا ينبغي الاشكال في أنه لا ملازمة بينهما عقلاً ، لاحتمال أن يكون الماء نجساً ، وإنما لم ينجس الملاقي تخصيصاً لعموم ما دلّ على منجسية المتنجسات ، فلا مناص من التمسك بعموم ما دلّ على انفعال الماء القليل بالملاقاة ، ولا مجال للتمسك بعموم ما دلّ على منجسية النجس والمتنجس كي تثبت بأصالة عدم تخصيصه طهارة ماء الاستنجاء ، ويستكشف بذلك أن خروجه عن ذلك العموم تخصصي لا تخصيصي ، فانّه لو كان نجساً لكان الحكم بطهارة ملاقيه موجباً لتخصيص العموم .

   والوجه في عدم إمكانه ما أشرنا إليه في محله من أن التمسك بالعموم إنما يسوغ فيما إذا شكّ في حكم فرد بعد إحراز فرديته والعلم بدخوله في موضوع العموم ، كما إذا شككنا في وجوب إكرام زيد العالم ، فانه لا مانع في مثله من التمسك بعموم إكرام العلماء مثلاً بمقتضى بناء العقلاء وبه يثبت وجوب إكرامه ، وأمّا إذا انعكس الحال وعلمنا بالحكم في مورد وشككنا في أنه من أفراد العام ، كما إذا علمنا بحرمة اكرام زيد وترددنا في أنه عالم أو جاهل ، فلم يثبت بناء من العقلاء على التمسك بأصالة العموم لاثبات أنه ليس بعالم .

   ومقامنا هذا من هذا القبيل ، لأ نّا علمنا بعدم منجسية ماء الاستنجاء بمقتضى الأخبار المتقدمة وإنما نشك في أنه من أفراد الماء المتنجس ليكون عدم منجسيته تخصـيصاً في عموم ما دلّ على منجسية الماء المتنجس ، أو أنه طاهر حتى يكون خروجه عن ذلك العموم تخصصاً ، فلا يمكننا التمسك بأصالة العموم لاثبات طهارة ماء الاستنجاء ، بل لا مناص من الرجوع إلى عموم ما دلّ على انفعال القليل بالملاقاة

ــ[305]ــ

ويرفع الخبث أيضاً لكن لا يجوز استعماله ((1)) في رفع الحدث (1) ولا في الوضوء

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبه يحكم بنجاسته ونلتزم بتخصيص ما دلّ على منجسية الماء المتنجس في خصوص ماء الاستنجاء ، فان عمومه ليس من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص ، وعليه فالمتعيّن هو ما ذهب إليه الشهيد (قدس سره) كما يأتي عن قريب من أن ماء الاستنجاء نجس لا يجوز اسـتعماله في رفع شيء من الحدث والخبث . نعم ، ثبت العفـو عن الاجتناب عن ملاقيه حسب الأخبار المتقدمة .

   وأمّا من جهة الفهم العرفي فلا ينبغي التأمل في أن العرف يستفيد من حكمه (عليه السلام) بعدم نجاسة الثوب الملاقي لماء الاستنجاء عدم نجاسته بأتم استفادة ، حيث لم يعهد عندهم وجود نجس غير منجس . ويزيد ذلك وضوحاً ملاحظة حال المفتي والمستفتي، فانّه إذا سأل العامي مقلده عما أصابه ماء الاستنجاء وأجابه بانّه لا بأس به فهل يشك السائل في طهارة ماء الاستنجاء حينئذ . فكما أن الحكم بنجاسة ملاقي شيء يدل بالملازمة العرفية على نجاسة ذلك الشيء نفسه كذلك الحكم بطهارة الملاقي يدل بالملازمة العرفية على طهارة ما لاقاه ، فلا سبيل إلى إنكار الملازمة العرفية بين الملاقي والملاقى من حيث الطهارة والنجاسة ، فاذا ورد أن ملاقي بول الخفاش مثلاً طاهر يستفاد منه عرفاً طهارة بول الخفاش أيضاً .

   وبهذا الفهم العرفي نحكم بطهارة ماء الاستنجاء شرعاً ، فيجوز شربه كما يجوز استعماله في كل ما يشترط فيه الطهارة من الغسل والوضوء ورفع الخبث على ما هو شأن المياه الطاهرة ، إلاّ أن يقوم دليل خارجي على عدم كفايته في رفع الحدث أو الخبث .

   فاذا عرفت طهارة ماء الاستنجاء فيقع الكلام في أنه مع الحكم بطهارته شرعاً هل يكفي في رفع الخبث والحدث أو لا يكفي في رفعهما أو أن فيه تفصيلاً ؟

   (1) الأقوال في المسألة ثلاثة :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

ــ[306]ــ

والغسل المندوبين

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   الأوّل : نجاسة ماء الاستنجاء وعدم جواز استعماله في رفع شيء من الخبث والحدث . نعم ، ثبت العفو عن الاجتناب عن ملاقيه بالروايات ذهب إليه الشهيد (قدس سره) (1) وكل من رأى نجاسته .

   الثاني : طهارته وجواز استعماله في رفع كل من الحدث والخبث ، اختاره صاحب الحـدائق (قدس سره) وقوّاه ونسبه إلى المحقق الأردبيلي (قدس سره) (2) في شرح الارشاد مستنداً إلى أنه ماء محكوم بالطهارة شرعاً فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة على المياه الطاهرة .

   الثالث : الحكم بطهارته وكفايته في رفع الخبث دون الحدث ، ذهب إليه الماتن (قدس سره) وجملة من محققي المتأخرين ، للاجماعات المنقولة على أن الماء المستعمل في إزالة الخبث لا يرفع الحدث .

   وقد ظهر بطلان القول الأول بما ذكرناه في المسألة المتقدمة ، لأن الالتزام بنجاسة ماء الاستنجاء على خلاف ما تقتضيه الأخبار المتقدمة عرفاً فلا مناص من الحكم بطهارته .

  وأمّا القولان الآخران فالأشبه بالقواعد منهما هو الذي اختاره صاحب الحدائق (قدس سره) وذلك لعدم ثبوت ما يمنع عن استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث بعد الحكم بطهارته شرعاً ، سوى الاجماعات المدعى قيامها على أن الماء المستعمل في إزالة الخبث لا يرفع الحدث كما ادعاه العلاّمة (قدس سره) (3) وتبعه جملة من الأعلام كصاحب الذخيرة (4) وغيره . وهذه الاجماعات مختلفة فقد اشتمل بعضها على كبرى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الذكرى : 9 السطر 8  .

(2) الحدائق 1 : 469 ، 477 .

(3) المنتهى 1 : 142 .

(4) الذخيرة : 243 السطر 28 .

ــ[307]ــ

كلية طبقوها على ماء الاستنجاء ، كالاجماع المدعى على أن الماء المزيل للنجاسة لا يرفع الحدث ، حيث طبقوه على ماء الاستنجاء لأنه أيضاً ماء مزيل للنجاسة . واشتمل بعضها الآخر على دعوى الاجماع على عدم رافعية خصوص ماء الاستنجاء.

   ولا يمكن الاعتماد على شيء من تلك الاجماعات ، وذلك :

   أمّا أوّلاً : فلما أثبتناه في محله من عدم حجية الاجماعات المنقولة والاجماعات المدعاة في المقام من هذا القبيل ، فان المراد بالاجماع المنقول هو الاجماع الذي لم يبلغ نقله حد التواتر كي يفيد القطع بقول المعصوم (عليه السلام) وإن نقله غير واحد منهم ، ومن الظاهر أن ما ادعاه العلاّمة وغيره من الاجماع غير مفيد للقطع بحكم الإمام بعدم جواز استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث ، بل ولا يفيد الظن الشخصي أيضاً بالحكم ، وغاية ما هناك أن يفيد الظن نوعاً وهو مما لا يمكن الاعتماد عليه .

   وأمّا ثانياً : فلأن بعض مدعي الاجماع في المسألة استند في حكمه ذلك إلى رواية عبدالله بن سنان ، ومع العلم بمدرك المجمعين أو احتماله كيف يكون الاجماع تعبدياً كاشفاً عن قول الإمام (عليه السلام) بل يكون الاجماع مدركياً ولا بدّ من مراجعة مدركه ، فاذا ناقشنا فيه سنداً أو دلالة يسقط الاجماع عن الاعتبار ، ومن ذلك يظهر أ نّا لو علمنا باتفاقهم أيضاً لم يمكن أن نعتمد عليه لأنه معلوم المدرك أو محتمله فلا يحصل العلم من مثله بقول الإمام (عليه السلام) .

   وأمّا ثالثاً : فلأن من المحتمل أن دعواهم الاجماع إنما هي من جهة ذهابهم إلى نجاسة الغسالة مطلقاً ، وعلى ذلك فحكمهم بعدم ارتفاع الحدث بماء الاستنجاء على القاعدة ، فان النجس لا يكفي في رفع الحدث ، فليس هذا من الاجماع التعبدي في شيء .

  وأمّا رواية عبدالله بن سنان (1) التي استند إليها بعض المانعين فهي التي قدمنا نقلها (2) عن أحمد بن هلال حيث ورد فيها «الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل به

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 215 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 13 .

(2) في ص 283 .

ــ[308]ــ

الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه» وتقريب الاستدلال بها أن ذكر الوضوء في الرواية إنما هو من باب المثال والغرض مطلق رفع الحدث به فيعم الغسل أيضاً ، كما أن الثوب ذكر فيها من باب المثال فان المستعمل في غسل غير الثوب أيضاً محكوم بهذا الحكم ، ويدل عليه ذيل الحديث «وأمّا الذي يتوضأ الرجل به فيغسل وجهه ويده في شيء نظيف فلا بأس ...» أو نلحق الغسل بالوضوء من جهة قوله (عليه السلام) «وأشباهه» أي لا يجوز الوضوء وأشباه الوضوء كالغسل ، فالرواية تدل على أن الماء إذا غسل فيه شيء طاهر نظيف فلا بأس باستعماله في الوضوء والغسل وأمّا إذا غسل فيه شيء غير نظيف فلا يصح استعماله في رفع الحدث مطلقاً ، ومن ذلك يظهر حكم ماء الاستنجاء أيضاً فان مقتضى الرواية عدم كفايته في رفع شيء من الغسل والوضوء حيث غسل به شيء قذر .

   ويدفعه : أن الرواية كما قدمناها ضعيفة سنداً ودلالة ، أمّا بحسب السند ، فلأجل أحمد بن هلال الواقع في طريقها فانّه مرمي بالنصب تارة وبالغلو اُخرى ، وبما أن البعد بين المذهبين كبعد المشرقين استظهر شيخنا الأنصاري (1) (قدس سره) أن الرجل لم يكن له دين أصلاً (2) .

   وأمّا بحسب الدلالة ، فلأن الاستدلال بها إنما يتم فيما إذا قلنا بطهارة الغسالة مطلقاً أو بطهارة بعضها ونجاسة بعضها الآخر ، حيث يصح أن يقال حينئذ إن الرواية دلت باطلاقها على أن الحدث لا يرتفع بالغسالة مطلقاً ولو كانت محكومة بالطهارة كماء الاستنجاء . وأمّا إذا بنينا على نجاسة الغسالة فلا يمكن الاستدلال بها على عدم كفاية ماء الاستنجاء في رفع الحدث ، حيث لا بدّ حينئذ من الاقتصار على مورد الرواية وهو الغسالة النجسة ، ولا يمكن التعدي عنه إلى ماء الاستنجاء لأنه محكوم بالطهارة ولعلّه (عليه السلام) إنما منع عن استعمال الغسالة في رفع الحدث من جهة نجاستها فالرواية لا تشمل ماء الاستنجاء كما أن أكثر المانعين لولا جلهم ذهبوا إلى نجاسة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطهارة :  57 السطر 19 .

(2) تقدّم [ في ص 288 ] أن الرجل موثق ولا ينافيه رميه بالنصب أو الغلو كما مرّ .

ــ[309]ــ

وأمّا المسـتعمل في رفع الخبث غير الاسـتنجاء فلا يجوز استعماله في الوضـوء والغسل ، وفي طهارته ونجاسته خلاف ، والأقوى أن ماء الغسلة المزيلة للعين نجس ، وفي الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغسالة مطلقاً ، ومن هنا ناقشنا في تمامية الاجماع المدعى على المنع فان اتفاقهم هذا مستند إلى نجاسة الغسالة عندهم وليس اجماعاً تعبدياً .

   فالمتحصل أن ما ذهب إليه صاحب الحدائق ونسبه إلى الأردبيلي (قدس سره) من كفاية ماء الاستنجاء في رفع الحدث والخبث هو الأوفق بالقواعد ، وإن كان الأحوط مع التمكن من ماء آخر عدم التوضؤ والاغتسال منه ، كما أن الاحتياط يقتضي الجمع بينهما وبين التيمم في سعة الوقت لهما ، ويقتضي تقديمهما على التيمم مع الضيق ، فان الاكتفاء بالتيمم حينئذ خلاف الاحتياط .

   (1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

   أحدهما : في جواز استعماله في رفع الخبث والحدث .

   وثانيهما : في طهارته ونجاسته .

   أمّا المقام الأوّل : فالكلام فيه هو الكلام في ماء الاستنجاء بعينه ، فان قلنا بنجاسته فلا يجوز شربه ولا استعماله في رفع الخبث والحدث ، كما أنه إذا قلنا بطهارته تصح إزالة الخبث به ويجوز استعماله في رفع الحدث كما يجوز شربه لأنه ماء طاهر . ولا دليل على عدم جواز استعماله في رفع الحدث غير الاجماعات المنقولة ورواية ابن هلال ، وقد تقدم الكلام عليهما .

   وأمّا المقام الثاني : فملخص الكلام فيه أن الغسالة إن كانت متغيرة بالنجاسة في أحد أوصافها فلا ينبغي الاشكال في نجاستها وهو خارج عن محل النزاع ، وأمّا إذا لم تتغيّر بأوصاف النجس فقد وقع الخلاف في طهارتها بين الاعلام ، فذهب في المتن إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وإن كان الأظهر طـهارة الغسـالة التي تتعقـبها طهارة المحل ، فحكمها حكم ماء الاسـتنجاء المحكوم بالطهارة .

ــ[310]ــ

التفصيل بين غسالة الغسلة المزيلة للعين فحكم بنجاستها ، وبين غسالة الغسلة غير المزيلة ـ  إمّا لإزالة العين قبلها بشيء أو لأجل عدم العين للنجاسة  ـ فاحتاط فيها بالاجتناب . وذهب جماعة إلى نجاستها مطلقاً ، والتزم جماعة اُخرى بطهارتها كذلك ومنهم صاحب الجواهر (قدس سره) حيث استدلّ على طهارتها بوجوه وأصر عليها غايتـه ، بل جعل طهارتها من الواضحات (1) ، وهناك قول رابع وهو التفصيل بين غسالة الغسلة التي تتعقبها طهارة المحل فهي طاهرة سواء أ كانت مزيلة للعين أم لم تكن ، وبين غيرها مما لا تتعقبه طهارة المحل فهي نجسة ، فاذا كان المتنجس مما يكفي في تطهيره الغسل مرة واحدة فغسالة الغسلة الاُولى طاهرة لتعقبها بطهارة المحل ، وأمّا إذا احتاج تطهيره إلى تعدد الغسلات فغسالة الغسلة الأخيرة هي المحكومة بالطهارة لتعقبها بالطهارة دون غيرها من الغسلات ولعلّ هذا التفصيل هو الصحيح .

   ولا يخفى أن القول بطهارة الغسالة لا يحتاج إلى إقامة الدليل إذ الأصل في المياه هو الطهارة ونجاستها تحتاج إلى دليل . فان قام دليل على نجاسة الغسالة فهو ، وإلاّ فلا مناص من الالتزام بطهارتها ، ولا بدّ في ذلك من النظر إلى أدلّة القائلين بالنجاسة ، وقد استدلوا على ذلك بوجوه :

   أحدها : ما ادّعاه العلاّمة (قدس سره) من الاجماع على نجاسة الماء القليل المستعمل في غسل الجنابة والحيض إذا كان على بدن المغتسل نجاسة كما نقله في الحدائق (2) .

   وثانيها : عموم ما دلّ على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس .

   وثالثها : الأخبار الدالّة على نجاسة الغسالة بخصوصها كما يأتي عن قريب .

   أمّا الوجه الأول : فيدفعه : أن الاجماع المدعى من الاجماع المنقول بخبر الواحد وهو مما لا يمكن الاعتـماد عليه ، ولا سيما في أمثال المقـام فان مورد كلام العلاّمة (قدس سره) هو الماء الذي يستعمله الجنب والحائض وعلى بدنهما نجاسة من دم أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 1 : 348 .

(2) الحدائق 1 : 478 .

ــ[311]ــ

مني ، وهما لا يزولان بمجرّد صب الماء على البدن ومعه يحكم بنجاسة الماء لملاقاته لعين النجس ، وليس في هذا أي تناف للقول بطهارة الغسالة التي لم تكن معها عين فللقائل بالطهارة أن يلتزم بنجاستها فيما إذا كانت معها عين النجس .

   وأمّا الوجه الثاني : فيرده أن منطوق ما دلّ على أن الماء إذا بلغ كراً لا ينجّسه شيء سالبة كلية ، وهي عام أفرادي ولها إطلاق بحسب الأحوال أيضاً ، ومفادها أن كل شيء صدق عليه عنوان الماء عرفاً إذا بلغ قدر كر لا ينفعل بشيء في جميع حالاته كوروده على النجس وبالعكس وغير ذلك ، وأمّا مفهومه فهو كما بيناه في بحث انفعال القليل وبعض المباحث الاُصولية موجبة جزئية ، ومفادها أن الماء غير البالغ قدر كر ينفعل بشيء ، وليس لها عموم أفرادي ولا إطلاق أحوالي ، فلا يستفاد منها في نفسها انفعال الماء القليل بملاقاة كل واحد من أفراد النجاسات .

   نعم ، أثبتنا عمومها بمعونة القرينة الخارجية وهي الاستقراء التام في أفراد النجاسات ، والاجماع القطعي على عدم الفرق بين آحادها من الكلب والميتة وغيرهما ، وأيضاً ألحقنا المتنجسات بالأعيان النجسة بما دلّ على أن المتنجس منجّس إما مطلقاً أو فيما إذا لم يكن مع الواسطة كما قرّبناه في
محلّه(1). وبهذا كله نحكم بثبوت العموم ، وأن الماء القليل ينفعل بملاقاة كل واحد من أفراد النجاسات والمتنجسات . وأمّا الإطلاق الأحوالي أعني انفعال الماء القليل بملاقاة النجس في جميع حالاته فلا  يستفاد من المفهوم لأنه موجبة جزئية ، ولا دليل على العموم من القرائن الخارجية . فاذن لا دليل لنا على انفعال الماء القليل حال كونه غسالة .

   وتوضيح ذلك : أن المتنجس إذا كان مما يعتبر في تطهيره تعدد الغسل ـ  كالثوب المتنجس بالبول والأواني ونحو ذلك مما فيه عين النجس ، كما إذا كان في المتنجس عين النجاسة ولم تكن تزول بصب الماء عليه مرة واحدة ، والجامع أن لا تكون الغسلة الاُولى متعقبة بطهارة المحل  ـ نلتزم فيه بنجاسة الغسالة لأنه ماء قليل لاقى نجساً ولا  يفرق في ذلك بين حالاته بحسب الذوق العرفي كما بيناه في رد تفصيل السيد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 137 .

ــ[312]ــ

المرتضى (قدس سره) بين ورود القليل وكونه موروداً (1) فان العرف لا يرى فرقاً بينهما بارتكازه ، وإنما يرى انفعاله معلولاً لمطلق الملاقاة ولو حال كونه غسالة وارداً أو موروداً .

   وأمّا إذا كان المتنجس مما لا يعتبر في تطهيره تعدد الغسل ـ  كالمتنجس بغير البول فيما إذا كانت نجاسته حكمية ، وكذا فيما إذا كانت عينية ولكن زالت عينها قبل غسله والجامع أن تكون الغسلة الاُولى متعقبة بطهارة المحل  ـ فلا يمكن الحكم فيه بنجاسة الغسالة ، والوجه فيه أن القول بنجاسة الغسالة حينئذ يستلزم الالتزام بأحد محذورين : فإمّا أن نلتزم بطهارة الماء القليل حين ملاقاته للمتنجس وما دام في المحل ويحكم بنجاسته عند انفصاله عنه بالعصر أو بغيره ، وإمّا أن نقول بانفعاله من حين وصوله للمتنجس ونجاسته مطلقاً قبل انفصاله عنه وبعده ، إلاّ أن خروجه من المتنجس يوجب الحكم بطهارة المتنجس كما هو صريح بعضهم . ولا يمكن الالتزام بشيء منهما :

   أمّا أوّلهما : فلأن القليل لو كان محكوماً بالطهارة حال اتصاله بالمتنجس لم يكن وجه لنجاسته بعد الانفصال ، فلنا أن نسأل عن أنه لماذا تنجس بعد خروجه عن المحل مع فرض طهارته قبل الإنفصال ؟

   ودعوى : أن السبب في تنجسه إنما هي ملاقاته للمتنجس ، وهي تقتضي انفعال الماء القليل على ما دلّ عليه مفهوم روايات الكر .

   مندفعة : بأن أخبار الكر إنما تدل بمفهومها على نجاسة القليل من حين ملاقاته للنجس أو المتنجس ، ولا دلالة لها على انفعالها بعد ملاقاة النجس بزمان من دون أن يتنجس به حين ملاقاته ، فهذا الالتزام بعيد عن الفهم العرفي .

   وأمّا ثانيهما : فلأن طهارة المحل مع فرض نجاسة الماء المستعمل في تطهيره أمر بعيد ، وكيف يطهر بغسله بالماء النجس ، وذلك لأ نّا إذا بنينا على نجاسة الماء حال اتصاله بالمتنجس لزم الحكم بنجاسة المقدار المتخلف منه في الثوب بعد عصره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في شروط التطهير بالماء قبل المسألة [ 308 ] .

ــ[313]ــ

وانفصال غسالته ، فان الماء لا ينفصل عن الثوب بتمامه ، ومع نجاسته كيف يحكم بطهارة المحل فلا مناص من الحكم بنجاسته ، وكذا الحال فيما إذا كان المتنجس بعض الثوب ، فان غسله يستلزم عادة سراية الماء إلى غير الموضع المتنجس منه ولو بمقدار يسير ، وإذا حكمنا بنجاسة الماء فلا محالة يوجب نجاسة غير الموضع المتنجس أيضاً فهذا الوجه كالوجه السابق بعيد عن الأنظار العرفية ، وإن كانا غير مستحيلين عقلاً بحيث لو قام دليل على طهارة الثوب بذلك لم يكن مانع من الالتزام بطهارة المحل ونجاسة غسالته ، كيف وقد عدّ الماتن (قدس سره) خروج الغسالة من شرائط التطهير بالماء ، والتزم كغيره من الأعلام بانفعال الماء القليل حين اتصاله بالثوب وقد عرفت بعده ، وإن لم يكن في الاستبعاد بمثابة الوجه الأول فلا مناص حينئذ من الالتزام بطهارة الغسالة .

   ولا يمكن الاستدلال على نجاسته في هذه الصورة بعموم أدلّة انفعال القليل بالملاقاة ، وذلك لأ نّا وإن بنينا على عدم التفرقة عرفاً في انفعال الماء القليل بين حالاته ، إلاّ أنه إنما يتم في الغسالة غير المتعقبة بطهارة المحل دون ما تتعقبه الطهارة لاستلزام القول بانفعاله ـ  حال كونه غسالة  ـ الالتزام بأحد المحذورين المتقدمين ، وقد عرفت استبعادهما حسب الفهم العرفي ، ونحتمل وجداناً أن تكون للماء القليل ـ  حال كونه غسالة  ـ خصوصية تقتضي الحكم بعدم الانفعال ، ومقتضى القاعدة طهارة الغسالة ، لأنها الأصل الأولي في المياه حتى يقوم دليل على نجاستها ، وليس للمفهوم إطلاق أحوالي حتى يتشبث به في الحكم بنجاسة القليل في جميع حالاته .

   وأمّا الوجه الثالث : فقد استدلوا على نجاسة الغسالة بعدة روايات :

   منها : رواية عبدالله بن سنان المتقدمة (1) حيث دلت على أن الماء الذي غسل به الثوب أو اغتسل فيه من الجنابة لا يصح استعماله في الوضوء وأشباهه ، فلو كانت الغسالة طاهرة لم يكن وجه لمنع استعمالها في الوضوء .

   وترد هذا الاستدلال جهتان : إحداهما : ضعف سندها كما تقدم ، وثانيتهما : المناقشة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 283 .

ــ[314]ــ

في دلالتها ، وذلك لأن المنع فيها من استعمال الغسالة في رفع الحدث حكم تعبدي وغير مستند إلى نجاستها . ومن هنا التزم جمع بطهارة ماء الاستنجاء ومنعوا عن استعماله في رفع الحدث . فلا دلالة للرواية على نجاسة الغسالة بوجه .

   هذا غاية ما يمكن أن يقال في المنع عن دلالة الرواية على نجاسة الغسالة ، إلاّ أن الصحيح أن دلالة الرواية غير قابلة للمناقشة فيما نحن فيه كما اتضح في التكلّم على استعمال الماء المستعمل في الاستنجاء في رفع الحدث الأكبر أو الخبث(1) . فالصحيح في المنع عن الاستدلال بالرواية هي الجهة الاُولى فقط أعني ضعفها بحسب السند .

   ومنها : ما عن العيص بن القاسم ، قال : «سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء ؟ فقال : إن كان من بول أو قذر ، فيغسل ما أصابه» (2) وقد رواها في الوسائل عن الشهيد في الذكرى وعن المحقق في المعتبر ، ونقلها صاحب الحدائق عن الشيخ في الخلاف (3) وكأنه الأصل فيها ، ومع هذا لم يسندها في الوسائل إلى الشيخ .

   ثم إن للرواية ذيلاً وهو «وإن كان وضوء الصلاة فلا يضره» ولكن لم يثبت كونه من الرواية ومن هنا لم ينقله صاحب الوسائل (قدس سره) وأسنده في الحدائق إلى بعضهم قائلاً «وزاد بعضهم في آخر هذه الرواية ... الخ» وكيف كان فقد دلت الرواية على نجاسة الغسالة ، ولأجلها حكم (عليه السلام) بغسل ما أصابه من الطشت .

  ويدفعه أيضاً أمران : أحدهما : المناقشة في سندها ، حيث لم يعلم أن الشيخ نقلها من كتاب العيص وهو الذي يعبّر عنه بالوجادة ، لاحتمال أن ينقلها عن شخص آخر نقلها عن العيص ، وذلك الشخص المتوسط مجهول عندنا . فالرواية مقطوعة لا يعتمد عليها في شيء . نعم ، لو ثبت أن الشيخ نقلها عن كتاب العيص لم يكن مناص من الحكم بصحتها لأن طريق الشيخ إلى كتاب العيص حسن على ما صرح به في الحدائق وغيره (4) إلاّ أنه لم يثبت كما عرفت ، ولم يظهر أن الرواية كانت مورداً لاعتماده (قدس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 307 .

(2) الوسائل 1 : 215 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 14 .

(3) الحدائق 1 : 478 .

(4) بل طريقه إليه صحيح . ثم إن الطريق وإن وقع فيه ابن أبي جيد وهو ممن لم يذكر بمدح ولا    قدح إلاّ انّه لما كان من مشايخ النجاشي (قدس سره) وهو قد التزم بأن لا يروي عمّن فيه غمز أو ضعف إلاّ مع واسطة بينه وبينه فيستفاد منه توثيق جميع مشايخه الذين روى عنهم من دون واسطة ومنهم ابن أبي جيد فلاحظ .

ــ[315]ــ

سره) فانّها لو كانت كذلك عنده لأوردها في كتابيه في الأخبار ، ولم يوردها إلاّ في الخلاف (1) ، وكأنه نقلها على وجه التأييد ، فان الفقيه قد يتوسع في الكتب الاستدلالية بما لا يتوسع في كتب الأخبار .

   وثانيهما : المناقشة في دلالتها بأن الأمر بالغسل فيها مستند إلى نجاسة ما في الطشت لا إلى نجاسة الغسالة ، وتوضيحه : أنه قد علق الحكم بغسل ما أصابه في الرواية ، بما إذا كان الوضوء من بول أو قذر ، والبول من الأعيان النجسة يبس أم لم ييبس .

   وأمّا ما عن المحقق الهمداني من أن البول قد يغسل بعد جفافه ولا تبقى له عين حينئذ (2) فظاهر الفساد لوضوح أن البول من الأعيان النجسة سواء أ كان رطباً حال غسله أم كان يابساً .

   وكذا الحال في القذر ، لأنه أيضاً بمعنى عين النجاسة من عذرة أو دم ونحوهما على ما تساعد عليه المقابلة بالبول ، إذ القذر ـ  بفتح الذال  ـ غير القذر ـ  بكسره  ـ فان الثاني بمعنى المتنجس وما يتحمّل القذارة ، وعلى هذا لا بدّ في غسلهما من إزالة عينهما وبذلك يتنجس الماء المزال به عين النجاسة لملاقاته لعين النجس ، وأمّا ما يصب على المتنجس مستمراً أو ثانياً أو ثالثاً فهو ماء طاهر كما مر إلاّ أنه يتنجس بعد وقوعه في الطشت بما فيه من الغسالة الملاقية لعين النجس ، فنجاسة ما في الطشت مستندة إلى امتزاج الغسالة الثانية أو الثالثة مع القليل الملاقي لعين النجس قبل زوالها ، وغير مستندة إلى نجاسة الغسالة كما لا يخفى ، فنجاسة الماء في الطشت في مفروض الرواية مما لا خلاف فيه حتى من القائلين بطهارة الغسالة ، فلا يمكن الاستدلال بها على نجاسة الغسالة في محل الكلام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 1 : 179 .

(2) مصباح الفقيه (الطهارة) : 647 السطر 18 .

ــ[316]ــ

   ومنها : موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سئل عن الكوز والاناء يكون قذراً كيف يغسل ؟ وكم مرة يغسل ؟ قال : يغسل ثلاث مرات ، يصب فيه الماء فيحرك فيه ، ثم يفرغ منه ، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ، ثم يفرغ ذلك الماء ، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر ...» الحديث (1) فلو كانت الغسالة طاهرة لم يكن وجه لوجوب إفراغ الماء عن الاناء في المرتبة الثالثة .

   والجواب عن هذا أن مجرد جعل الماء في الإناء لا يوجب صدق عنوان الغسل بالماء القليل ولا يتحقق بذلك مفهومه ، مثلاً إذا أخذ ماء بكفه أو جعل الماء في إناء ليشربه لا يقال إنه غسل كفه أو إناءه بالماء ، بل يتوقف صدق عنوان الغسل على إفراغهما منه ، فالأمر بالافراغ من جهة تحقق عنوان الغسل الواجب ثلاث مرات في تطهير الاناء بالماء القليل ، وغير مستند إلى نجاسة الغسالة .

   ومنها : الأخبار الناهية عن غسالة الحمّام (2) فان الغسالة لو كانت طاهرة لم يكن وجه للنهي عن غسالة الحمام ، وهذه الأخبار وإن كانت معارضة بما دلّ على طهارة غسالته (3) إلاّ أنها عللت طهارتها باتصال الغسالة بالمادّة أو بماء الحياض الصغار المتصلة بالمادّة بالأنابيب ، ومنها يظهر أن الغسالة محكومة بالنجاسة لولا اتصالها بمادتها .

  ولكن الاستدلال بهذه الأخبار إنما ينفع في مقابل القائلين بطهارة الغسالة مطلقاً كما التزم بها صاحب الجواهر (قدس سره) (4) لأن تلك الأخبار كما بيناها تدل على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 497 / أبواب النجاسات ب 53 ح 1 .

(2) كما في موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمام...» وفي روايته الاُخرى : «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام» وغيرهما من الأخبار المروية في الوسائل 1 : 220 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5 ، 4 .

(3) كصحيحة محمد بن مسلم وغيرها من الأخبار الدالّة على طهارة ماء الحمام المعللة في بعضها «بأن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً» ، «وأنه بمنزلة الجاري» وفي بعضها : «إذا كانت له مادّة» وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل 1 : 148 / أبواب الماء المطلق ب 7 ح 2 ، 7 ، 1  ،  4 .

(4) الجواهر 1 : 348 .

ــ[317]ــ

نجاسة الغسالة في نفسها ، ولا ينفع على مسلكنا من التفصيل بين الغسلة المتعقبة بطهارة المحل وسائر الغسالات ، وذلك لأن غسالة الحمام مجمع غسالات متعددة كغسالة المني والدم والكافر والناصب وغيرها من الأعيان النجسة ، والماء القليل إذا صبّ على عين النجاسة ينفعل بملاقاتها ، وأمّا الغسالات الاُخر المتعقبة بطهارة المحل فهي وإن كانت طاهرة في نفسها إلاّ أنها تتنجس في خصوص المقام من جهة اجتماعها مع الغسالة الملاقية لعين الدم أو المني وغيرهما ، وبذلك ينفعل مجمع الغسالة في الحمّامات .

   ولا إطلاق في هذه الروايات كي يتمسك به في الحكم بنجاسة الغسالة مطلقاً لاختصاص الأخبار بغسالة الحمام ، وهي تلاقي الأعيان المختلفة ، فلا تشمل الغسالة غير الملاقية لعين النجس من الغسلة المتعقبة بطهارة المحل .

   فالمتحصّل من جميع ذلك أنه لا دلالة في شيء من الأخبار المتقدمة على نجاسة الغسالة على الاطلاق ، فالغسالة من الغسلة المتعقبة بطهارة المحل باقية على طهارتها من غير حاجة إلى إقامة الدليل على طهارتها .

 

   بقي هنا شيء وهو أن شيخنا الهمداني (قدس سره) ذكر في ضمن كلامه في المقام أن استثناء الأصحاب خصوص ماء الاستنجاء عن عموم انفعال القليل بالملاقاة يشعر باختصاصه بالخروج وعدم طهارة غيره من الغسالات ، فانّها أيضاً لو كانت طاهرة لم يبق وجه لاستثناء خصوص ماء الاستنجاء، لأنه من أحد أفرادها. فتخصيصهم له بالذكر يدلنا على مسلمية نجاسة الغسالة عندهم (1) .

   وهذا الذي أفاده متين إلاّ أن غاية ما يترتب على ذلك هو استكشاف نجاسة خصوص ما كان كنفس ماء الاسـتنجاء من الغسالات الملاقية لعين النجس دون الغسالة غير الملاقية له ، لأن ماء الاستنجاء غسالة لاقت لعين البول والعذرة بل ويتغيّر بهما كثيراً ولو في قطراته الأولية ومقتضى القاعدة نجاسـته ، ولكنهم حكموا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 64 السطر 35 .

ــ[318]ــ

   [ 134 ] مسألة 1 : لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل ، ولو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بطهارته تخصيصاً لما دلّ على نجاسة الغسالة الملاقية لعين النجس ، فكأنهم ذكروا أن الغسالة الملاقية لأعيان النجاسات نجسة غير غسالة الاستنجاء ، لما دلّ على طهارتها مع ملاقاتها للبول والعذرة ، وليس في هذا أدنى دلالة على نجاسة الغسالة غير الملاقية للنجس .

    القطرات المنتضحة في الاناء

   (1) لا إشكال في أن القطرات الواقعة في الاناء من الماء المستعمل في رفع الجنابة غير مانعة عن الاغتسال بالماء الموجود في الاناء ، وهذا على القول بجواز رفع الحدث بالماء المستعمل في الجنابة ظاهر ، وأمّا على القول بالمنع فالأمر أيضاً كذلك لعدم شمول أدلّة المنع لماء الاناء . بيان ذلك : ان ما دلّ على عدم جواز رفع الحدث بالماء المستعمل في الجنابة أحد أمرين :

   أحدهما : الاجماع على أن الماء المستعمل في رفع الجنابة لا يرفع الحدث كما ادّعاه بعضهم ، وهو ـ  مضافاً إلى عدم تماميته في نفسه ، لوجود المخالف في المسألة  ـ لا يقتضي المنع عن استعمال ماء الاناء ، لأن الاجماع لم ينعقد على عدم جواز رفع الحدث بما وقعت عليه قطرات من الماء المستعمل ، لذهاب أكثر الأصحاب إلى الجواز فالإجماع على المنع غير متحقق قطعاً .

   وثانيهما : رواية عبدالله بن سنان التي دلّت على عدم جواز الوضوء وأشباهه من الماء المستعمل في رفع الجنابة أو في رفع الخبث ، وهي أيضاً ـ  على تقدير صحتها سنداً  ـ لا تشمل المقام ، وذلك لأن الموضوع للمنع فيها هو عنوان الماء المستعمل في إزالة الخبث أو في رفع الحدث ، ومن البديهي أن نضح قطرات يسيرة في ماء الإناء لا يوجب صدق عنوان الماء المستعمل عليه ، لاستهلاك القطرات في ضمنه ، وهذا لا  بمعنى استهلاك الماء في الماء فان الشيء لا يستهلك في جنسه بل يوجب ازدياده، بل

ــ[319]ــ

بمعنى أنه يوجب ارتفاع عنوانه ، فلا يصدق على ماء الاناء أنه ماء مستعمل في إزالة الخبث أو في رفع الحدث ، فأدلة المنع لا تشمله . ثم على تقدير تسليم شمولها لماء الاناء ففيما ورد في المسألة من الأخبار غنى وكفاية (1) لدلالتها على عدم البأس بما ينتضح من قطرات ماء الغسل في الاناء .

   وما ذكرناه في المقام إذا كان المنتضح قطرة أو قطرات يسيرة ممّا لا إشكال فيه وإنما الاشكال فيما إذا كانت كثيرة ، كما إذا جمع غسالته وألقاها على ماء آخر ، وهو بمقدار ثلثه أو نصفه بحيث لم يستهلك أحدهما في الآخر فهل يصح الوضوء والغسل من مثله ؟

   ذهب شيخنا الأنصاري (قدس سره) إلى الجواز (2) وهو الصحيح ، والسر في ذلك : أن عدم ارتفاع الحدث بالماء المستعمل في رفع الجنابة على خلاف القاعدة ومناف لطهوريته ، فان الماء المستعمل طاهر ومقتضى إطلاق طهوريته جواز الاكتفاء به في رفع الحدث ، فهب أ نّا خرجنا عن مقتضى القاعدة برواية عبدالله بن سنان ، وقد عرفت أن موضوع المنع فيها هو عنوان الماء المستعمل ، ومن الظاهر أن الماء إذا تركب من المستعمل وغير المستعمل لم يصدق عليه عنوان المستعمل بوجه ، لأن المستعمل جزؤه لا جميعه كما هو الحال في غيره من المركبات ، فان الذهب مثلاً لا يصدق على المركب من الفضة والذهب كما لا يصدق عليه الفضة أيضاً ، وكذا في غيره فان المركب من شيء لا يصدق عليه عنوان ذلك الشيء ، ومع عدم صدق عنوان الماء المستعمل على المركب من الماءين يبقى تحت إطلاقات طهورية الماء لا محالة ومقتضاها جواز الاكتفاء به في رفع الحدث .

   وعلى الجملة الماء المستعمل إما أن يستهلك في ضمن ماء الاناء لقلته ، وإما أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي صحيحة الفضيل قال : «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء ؟ فقال : لا بأس هذا ممّا قال الله تعالى : (ما جعل عليكم في الدِّين من حرج ) المروية في الوسائل 1 : 211 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 1 وغيره من أخبار الباب .

(2) كتاب الطهارة :  58 السطر 25 .

ــ[320]ــ

   [ 135 ] مسألة 2 : يشترط في طهارة ماء الاستنجاء اُمور :

   الأوّل : عدم تغيره في أحد الأوصاف الثلاثة (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يندك ماء الاناء في المستعمل لكثرته ، وإما ان يتركب الماء من كل منهما من دون استهلاك أحدهما في الآخر . فعلى الأوّل لا إشكال في الجواز لعدم صدق عنوان المستعمل عليه قطعاً . وعلى الثاني لا إشكال في المنع لصدق أنه ماء مستعمل جزماً . وأمّا على الثالث فلا مانع فيه أيضاً من الجواز ، لفرض عدم صدق المستعمل على المركب منه ومن غيره إذ المركب من الداخل والخارج خارج .

    شرائط طهارة ماء الاستنجاء :

   (1) وإلاّ فهو محكوم بالنجاسة ، لعموم ما دلّ على نجاسة الماء المتغير بأوصاف النجس ، والسر في هذا الاشتراط هو أن السؤال والجواب في روايات الباب ناظران إلى ناحية ملاقاة الماء القليل للعذرة فحسب ، ولا نظر لهما إلى سائر الجهات ، لأن انفعال القليل بالملاقاة كان مرتكزاً في أذهان الرواة ولأجله سألوهم عن حكم الماء القليل في الاستنجاء الملاقي لعين النجس وأجابوا بعدم انفعاله ، فلا يستفاد منها طهارته فيما إذا تغيّر بأوصاف النجس أيضاً ، فان التغيّر ليس أمراً غالبياً في ماء الاستنجاء بل هو نادر جداً فيخرج عن إطلاقات الأخبار لا محالة .

   ثم إن أبيت عن ذلك وجمدت على ظواهر الأخبار بدعوى أنها مطلقة ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق في طهارة ماء الاستنجاء بين صورتي تغيره وعدمه ، وأغمضت عن عموم ما دلّ على نجاسة الماء المتغيّر ، وعدم معهودية ماء متغيّر لم يحكم عليه بالنجاسة شرعاً من القليل والكثير وماء الأنهار والآبار والأمطار ، ولم تلتفت إلى أن السؤال والجواب في الأخبار ناظران إلى عدم سببية ملاقاة النجاسة للانفعال في ماء الاستنجاء .

   قلنا : إن النسبة على هذا بين أخبار ماء الاستنجاء ، وما دلّ على نجاسة الماء المتغيّر عموم من وجه، لأن الطائفة الاُولى تقتضي طهارة ماء الاستنجاء مطلقاً تغيّر بالنجس

 

ــ[321]ــ

   الثاني : عدم وصول نجاسة إليه من خارج (1) .

   الثالث : عدم التعدي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء (2) .

   الرابع : أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة اُخرى مثل الدم (3) . نعم ، الدم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أم لم يتغيّر به ، كما أن الطائفة الثانية دلت على نجاسة الماء المتغيّر كذلك سواء استعمل في الاستنجاء أم لم يستعمل ، فتتعارضان بالاطلاق في مادّة الاجتماع ، والترجيح مع الطائفة الثانية لأن فيها ما هو عام وهو صحيحة حريز : «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب ...» (1) وبما أن دلالته بالوضع فيتقدم على إطلاق الطائفة الاُولى لا محالة ، وبذلك يحكم بنجاسة ماء الاستنجاء عند تغيّره بأوصاف النجس .

   (1) بأن كانت يده متنجسة قبل الاستنجاء أو كان المحل كذلك أو تنجس بشيء أصابه حال الاستنجاء ، والوجه في هذا الاشتراط هو أن أدلّة طهارة ماء الاستنجاء إنما تقتضي عدم انفعاله بملاقاة عين الغائط أو البول حال الاستنجاء ، وأمّا عدم انفعاله بوصول النجاسة إليه خارجاً فلم يقم عليه دليل ، فيشمله عموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس .

   (2) هذا في الحقيقة مقوّم لصدق عنوان الاستنجاء وليس من أحد الشروط وإنما ذكروه تنبيهاً ، وحاصله اعتبار أن يكون الماء المستعمل مما يصدق عليه أنه ماء مستعمل في الاستنجاء ـ الذي هو بمعنى غسل موضع الغائط المعبّر عنه بالنجو ـ وهذا إنما يصدق فيما إذا لم يتجاوز الغائط عن الموضع المعتاد ، وأمّا إذا تجاوز عنه كما إذا كان مبتلى بالاسهال فأصاب الغائط فخذه أيضاً ، فلا يصدق على غسل الفخذ عنوان الاستنجاء بوجه فيبقى الماء تحت عموم ما دلّ على انفعال الماء القليل ، ولعلّ هذا مما لا خلاف فيه .

   (3) بمعنى أنه كما يشـترط في طهارة ماء الاسـتنجاء أن لا تصل إليه نجاسـة من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 137 / أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 .

ــ[322]ــ

الذي يعد جزءاً من البول ((1)) أو الغائط لا بأس به (1) .

   الخامس : أن لايكون فيه الأجزاء من الغائط(2) بحيث يتميز أمّا إذا كان معه

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخارج ، كذلك يشترط فيها عدم وصول النجاسة إليه من الداخل ـ  كالدم الخارج مع الغائط أو البول  ـ وهذا كما أفادوه ، لما مرّ من أن الاستنجاء بمعنى غسل موضع النجو وهو الغائط ، وأمّا غسل الدم فهو ليس من الاستنجاء في شيء .

   (1) لا وجه لهذا الاستثناء ، لأن الدم الخارج من الغائط مثلاً إن كان منعدماً في ضمنه بالاستهلاك فلا كلام في طهارة الماء حينئذ ، إلاّ أنه خارج عن اختلاط الدم بالغائط حيث لا دم ليعد جزءاً من الغائط . وأمّا إذا لم يستهلك فيه وكان موجوداً معه فتعود المناقشة المتقدمة ويقال : الاستنجاء بمعنى غسل موضع النجو ، ولا يصدق على غسل الدم وموضعه ، فلا مناص من الحكم بنجاسته فهذا الاستثناء مشكل .

   وأشكل منه ما إذا خرج الدم مع البول ، وذلك لأنه لم يدل دليل لفظي على الماء المستعمل في إزالته ، إذ الاستنجاء كما مرّ بمعنى غسل موضع النجو أو مسحه بالأحجار ، والنجو هو ما يخرج من الموضع المعتاد من غائط أو ريح وهو لا يشمل البول . وغسله ليس من الاستنجاء في شيء إلاّ أ نّا ألحقنا البول بالغائط من جهة الملازمة العرفية ، لعدم معهودية الاستنجاء من الغائط في مكان ، ومن البول في مكان آخر إذا العادة جرت على الاستنجاء منهما في مكان واحد ، وقد حكم على الماء المستعمل في إزالتهما بالطهارة ، فيستفاد من ذلك طهارة الماء المستعمل في إزالة البول أيضاً ، والمقدار المسلّم من هذه الملازمة هو طهارة الماء المستعمل في إزالة نفس البول . وأمّا المستعمل في البول مع الدم فلم تتحقق فيه ملازمة ، فان خروج الدم معه أمر قد يتفق ، وليس أمراً دائمياً أو غالبياً ، فلا يمكن الحكم بطهارته .

   (2) والوجه في هذا هو أنّ المتعارف في الإستنجاء ما إذا بقي من النجاسة في الموضع شيء يسير بحيث لا يوجد شيء من أجزائها المتمايزة في الماء وهو الذي حكمنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على نحو يستهلك في البول أو الغائط .

ــ[323]ــ

دود أو جزء غير منهضم من الغذاء أو شيء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به .

   [ 136 ] مسألة 3 : لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد وإن كان أحوط (1) .

   [ 137 ] مسألة 4 : إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء ثم أعرض ثم عاد لا بأس إلاّ إذا عاد بعد مدة ينتفي معها صدق التنجس بالاستنجاء فينتفي حينئذ حكمه (2) .

   [ 138 ] مسألة 5 : لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الاُولى والثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدّد (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيه بالطهارة ، وأمّا إذا كان الباقي في الموضع كثيراً خارجاً عن العادة على نحو وجد بعض أجزائها في الماء متميزاً حين الاستنجاء أو بعد الفراغ عنه ، فلا يمكن الحكم فيه بطهارة الماء وذلك لأن الأجزاء الموجودة في الماء نجاسة خارجية ، وملاقاتها توجب الانفعال فلا مناص من الحكم بنجاسته . وأمّا ما دلّ على طهارة ماء الاستنجاء فهو إنما دلّ على أن ملاقاة الماء القليل لعين النجاسة في موضعها لا توجب الانفعال ، دون ما إذا كانت الملاقاة في غير موضع النجس .

   (1) هذا هو الشرط السادس الذي اشترطه بعضهم في طهارة ماء الاستنجاء إلاّ أن جملة من المحققين (قدس الله أسرارهم) لم يرتضوا باشتراطه ، وهو الصحيح فان كلاً من سبق الماء على اليد وسبق اليد على الماء أمر متعارف في الاستنجاء ، والاطلاق يشملهما وهو المحكم في كلتا الصورتين. نعم، لو أصابت يده الغائط لا لأجل الاستنجاء بل بداعي أمر آخر لم يحكم عليها بالطهارة ، لعدم صدق الاستنجاء عليه .

   (2) لأجل عدم صدق الاستنجاء في حقه .

   (3) ليس الوجه في ذلك هو الاطلاق كما في بعض الكلمات ، حيث لا دليل لفظي على طهارة الماء المستعمل في إزالة البول حتى يتمسك باطلاقه، بل مستنده هو الملازمة العرفية التي قدمنا تقريبها آنفاً ، فان العادة جرت على الاستنجاء من البول والغائط في

ــ[324]ــ

   [ 139 ] مسألة 6 : إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعي ((1)) ومع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته (1) .

   [ 140 ] مسألة 7 : إذا شكّ في ماء أنه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات يحكم عليه بالطهارة ((2)) (2) وإن كان الأحوط الاجتناب .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مكان واحد مرة أو مرتين ، وقد حكم على المستعمل في إزالتهما بالطهارة .

   (1) قد فصّل الماتن (قدس سره) بين ما إذا كان خروج الغائط من غير الموضع المعتاد اعتيادياً ، كما إذا انسد مخرجه لمرض أو علاج ، وجعلت له ثقبة اُخرى ليخرج منها غائطه فحكم فيه بطهارة الغسالة ، وما كان خروجه عنه اتفاقياً ، كما إذا أصاب بطنه سكين فخرج من موضع إصابته غائط فحكم في غسالته بالنجاسة ، لأنه أمر اتفاقي لا يطلق عليه الاستنجاء .

   ولكن ما أفاده في نهاية الإشكال ، لأن الاستنجاء لا يصدق على غسل موضع الغائط أو مسحه في ما إذا خرج من غير موضعه ، إذ النجو هو ما خرج من الموضع المعتاد من ريح أو غائط ، وليس معناه مطلق ما خرج من البطن ، فالغائط الخارج من غير موضعه ليس بنجو ، وغسله أو مسحه لا يسمى استنجاء ، من دون فرق في ذلك بين كون الموضع العرضي اعتيادياً وعدمه ، هذا ولا أقل من انصراف الأخبار إلى الاستنجاء المتعارف .

    ما شكّ في كونه ماء الاستنجاء :

   (2) لقاعدة الطـهارة لأجل الشك في تأثر الماء وانفعاله ، أو لاستصحابها لعلمه بطهارة الماء قبل استعماله ، وما ذكره (قدس سره) يتوقف على القول بأن التخصيص ولو كان بمنفصل يوجب تعنون الباقي تحت العام بعنوان وجودي أو ما هو كالوجودي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع .

(2) بل يحكم عليه بالنجاسة إذا كان طرف العلم الاجمالي من الغسالات النجسة .

ــ[325]ــ

   [ 141 ] مسألة 8 : إذا اغتسل في كر كخزانة الحمام أو استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر أو غسالة الاستنجاء أو الخبث (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعليه فان عموم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس قد خصص بماء الاستنجاء ، فلا محالة يتعنون الباقي بعنوان المستعمل في سائر النجاسات ، أو بغير المستعمل في الاستنجاء، لأن عنوان الغير نظير العنوان الوجودي ، فيقال القليل المستعمل في سائر النجاسات أو غير المستعمل في الاستنجاء ينفعل بملاقاة النجس ، ومن الظاهر أن صدق هذا العنوان على الغسالة المفروضة غير محرز ، لاحتمال أنه من المستعمل في الاستنجاء ، ومع الشك في الانطباق لا يمكن التمسك بالعام ، فيرجع فيه إلى قاعدة الطهارة كما مر .

   وأمّا بناء على ما سلكناه من أن التخصيص بعنوان وجودي إنما يوجب تعنون العام بالعنوان العدمي ، فاذا ورد أكرم العلماء ثم خصص بلا تكرم فساقهم ، يكون الباقي تحت العموم معنوناً بالعالم الذي ليس بفاسق على نحو سلب الوصف ، لأن الظاهر من مثله عرفاً أن صفة الفسق مانعة من الاكرام ، فالعالم الذي لا تكون معه تلك الصفة هو الباقي تحت العموم لا العالم المقيد بالعدالة أو بغير الفسق ، وعليه فالماء القليل في المقام ـ  المحكوم بالانفعال على تقدير ملاقاة النجس  ـ إنما يتقيد بأن لا يكون مستعملاً في الاستنجاء وهو عنوان عدمي ولا وجه لتقييده بما يكون مستعملاً في سائر النجاسات أو بغير المستعمل في الاستنجاء .

   وحينئذ لا مانع من إحراز أن المشكوك من أفراد العموم بالاستصحاب ، لأن الماء المشكوك فيه لم يكن متصفاً بصفة ماء الاستنجاء في زمان وهو الآن كما كان ، فهو ماء قليل لاقى نجساً بالوجدان وليس بماء الاستنجاء بحكم الاستصحاب ، فبضم الوجدان إلى الأصل نحرز أنه من الأفراد الباقية تحت العام ويحكم عليه بالانفعال ، ومعه لا يبقى لقاعدة الطهارة أو لاستصحابها مجال .

    الماء المستعمل الكثير :

   (1) إذا بنينا على أن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر أو في الاستنجاء أو في

ــ[326]ــ

سائر الأخباث على تقدير طهارته كما في الغسلة المتعقبة بطهارة المحل لا يرفع الحدث فهل يختص هذا بالماء القليل أو يعم الكثير أيضاً ؟

   الصحيح أن المنع يختص بالقليل ، والمسألة اتفاقية بين الأصحاب . وقد ذكر المحقق (قدس سره) في المعتبر أن هذا المنع عن الاستعمال حتى في الكثير لو تمّ لمنع من الاغتسال في البحر أيضاً فيما اغتسل فيه جنب أو استنجى به أحد ، فانّه على هذا لا يفرق بين كر وأكرار ، وهو مما لا يمكن الالتزام به ، فالمنع مختص بالقليل .

   بل إن رواية عبدالله بن سنان (1) التي هي سند القول بالمنع إنما دلت ـ  على تقدير تسليم دلالتها  ـ على عدم جواز رفع الحدث بالماء الذي اغتسل به الجنب أو اُزيل به الخبث ، ومن الظاهر أن هذا كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره)(2) يختص بالماء الذي مسّ بدن الجنب وأصابه ، إذ لو لا مماسته وإصابته للبدن إما بوروده على الماء أو بورود الماء عليه لم يصدق عليه أنه ماء اغتسل به الجنب ، ومن الظاهر أن ذلك لا يصدق في مثل البحر والنهر والخزانة ونحوها إلاّ على خصوص الناحية التي اغتسل فيها الجنب ، ولا يصدق على الناحية الاُخرى التي لم يمس بدنه ولا أصابه فهل ترى صدق عنوان الاغتسال به على كأس منه إذا أخذناه من غير الناحية التي اغتسل فيها الجنب . وكذا الحال فيما إذا صبّ الكر على بدنه ، لأن ما ارتفع به حدثه ، واغتسل به هو المقدار الذي مسّ بدنه دون غيره .

   نعم ، لو كانت العبارة المذكورة في الرواية «اغتسل فيه» بدل جملة «اغتسل به» لصدق ذلك على جميع ماء النهر فانّه ماء اغتسل فيه الجنب . فعلى هذا فالمقتضي للمنع في غير الطرف الذي اغتسل فيه الجنب قاصر في نفسه ، بل نقول إذا كان الماء القليل في ساقية طولها عشرون ذراعاً مثلاً ، واغتسل الجنب في طرف منه لا يصدق على الطرف الآخر عنوان الماء الذي اغتسل به جنب ، وكذا فيما إذا استنجى أو غسل ثوبه في ناحية منه ، وعليه فالمنع يختص بالأجزاء التي مست بدن الجنب عرفاً دون غيره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدمة في ص 283 .

(2) كتاب الطهارة :  58 السطر 19 .

ــ[327]ــ

   ثم لو تنزّلنا عن ذلك فهناك صحيحتان قد دلتا على عدم المنع من استعمال الماء الكثير في غسل الجنابة وإن اغتسل به الجنب .

   إحداهما : صحيحة صفوان بن مهران الجمال قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع ، وتلغ فيها الكلاب ، وتشرب منها الحمير ، ويغتسل فيها الجنب ويتوضأ منها ؟ قال : وكم قدر الماء ؟ قال : إلى نصف الساق وإلى الركبة ، فقال : توضأ منه» (1) وذلك لوضوح أنه لا موضوعية لبلوغ الماء نصف الساق أو الركبة بل المراد بذلك بلوغه حدّ الكر ، فان الماء الذي يرده الجنب في الصحاري ويغتسل فيه يبلغ حدّ الكر لا محالة ، وقد رخّص (عليه السلام) في رفع الحدث به ، وإن اغتسل فيه الجنب .

   وثانيتهما : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ، ويستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الانسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ما حدّه الذي لا يجوز ؟ فكتب لا توضأ من مثل هذا إلاّ من ضرورة إليه» (2) والوجه في الاستدلال بها أن النهي فيها محمول على الكراهة ، لعدم الفرق عند القائلين بالمنع بين حالتي التمكن والاضطرار .

   وقد ورد في رواية محمّد بن علي بن جعفر المتقدمة(3) «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلاّ نفسه ...» (4) وهي أيضاً قرينة على إرادة الكراهة من النهي في الصحيحة المتقدمة ، لأنها في مقام الإرشاد إلى التحفظ من سراية الجذام .

   ثم إنه إذا بنينا على أن الماء الذي رفع به الحدث الأكبر أو استعمل في إزالة الخبث لا يجوز استعماله في رفع الحدث ثانياً ، وقلنا باختصاص هذا الحكم بغير الكر من جهة الصحيحتين فلا موجب للتعدي من الكر إلى غيره من المعتصمات ، لأن الدليل قد دلّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 162 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12 .

(2) الوسائل 1 : 163 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 15 .

(3) في ص 280 .

(4) الوسائل 1 : 219 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 2 .

ــ[328]ــ

   [ 142 ] مسألة 9 : إذا شكّ في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط يبني على العدم (1) .

   [ 143 ] مسألة 10 : سلب الطهارة أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر أو الخبث، استنجاءً أو غيره ، إنما يجري في الماء القليل دون الكر فما زاد كخزانة الحمّام ونحوها(2).

   [ 144 ] مسألة 11 : المتخلّف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر فلو اُخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة. وكذا ما يبقى في الاناء بعد إهراق ماء غسالته(3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باطلاقه على المنع من رفع الحدث بكل ماء استعمل في غسل الجنابة أو في رفع الخبث ، وإنما خرجنا عن هذا العموم بهاتين الصحيحتين في خصوص الكر ، وأمّا بقية المعتصمات فلم يقم على عدم المنع منها دليل ، فان اعتصام ماء وعدم انفعاله لا ينافي عدم جواز استعماله في رفع الحدث ، فالمطر وذو المادّة وإن كانا لا ينفعلان بشيء إلاّ أن ذلك لا يوجب ارتفاع الحدث بهما فيما إذا صدق عليهما عنوان الماء المستعمل في غسل الجنابة أو في رفع الخبث ، اللّهمّ إلاّ أن يقوم إجماع قطعي على عدم الفرق في ذلك بين الكر وغيره من المياه المعتصمة .

   (1) قد عرفت أن طهارة ماء الاستنجاء مشروطة بعدم وصول نجاسة خارجية إليه فان أحرزنا ذلك فهو ، وأمّا إذا شـككنا في إصابتها فالأصل أنه لم يلاق نجاسـة اُخرى وأنها لم تصل إليه ، وبالجملة النجاسة التي قد استنجى منها غير مؤثرة في نجاسة الماء ، وغيرها مدفوع بالأصل .

   (2) هذا على سبيل منع الخلو ، يريد بذلك سلب الطهارة والطهورية عن بعض أقسامه وسلب الطهورية عن بعضها الآخر ، ولكنه تكرار للمسألة المتقدمة .

    الماء المتخلّف بعد العصر

   (3) هناك أمران :

   أحدهما : طهارة المتخلف في الثوب بعد عصره بالمقدار المتعارف .

   وثانيهما : أن المتخلف فيه إذا أخرج بعد ذلك لا يكون غسالة فلا يلحقه حكمها

ــ[329]ــ

   [ 145 ] مسألة 12 : تطهر اليد تبعاً بعد التطهير فلا حاجة إلى غسلها ، وكذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب ونحوه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وليس الأمر الثاني متفرعاً على الأول بأن يكون عدم كونه غسالة مستنداً إلى طهارته لأنه ليس كل غسالة نجسة حتى يتوهّم أن الماء إذا حكم عليه بالطهارة فهو ليس بغسـالة ، وهذا كغسالة الاسـتنجاء وغسالة الغسلة المتعقبة بطهارة المحل على ما اخترناه .

   وعليه فتفريعه (قدس سره) بقوله : فلو اُخرج ... الخ في غير محله ، فلو انّه كان عكس الأمر وقال إن المتخلف في الثوب ليس بغسالة فهو طاهر كان أولى ، وكيف كان فلا اشكال في حكم المسألة ، فانّه لا اشكال في أن المتخلف في الثوب بعد عصره ماء آخر وليس من الغسالة في شيء ، فان الغسالة هي ما يغسل به الشيء ، والذي غسل به الثوب مثلاً هو الماء المنفصل عنه بالعصر المتعارف ، ولم يغسل بالماء الذي لم ينفصل عنه ، لما تقدم من أن مفهوم الغسل متقوم باصابة الماء للمغسول به وانفصاله عنه ، فلا يتحقق الغسل من دون انفصال الماء ، فالغسالة هي الماء المنفصل عنه بالعصر ، وبخروجها يتصف المحل بالطهارة وإن كان رطباً ، لوضوح عدم اشتراط صدق الغسل بيبوسة المحل ، ومع صدقه لا مناص من الحكم بطهارة المحل ، ومعه تتصف الأجزاء المتخلفة فيه بالطهارة ، ولا يصدق عليها عنوان الغسالة إذا انفصلت عن الثوب بعد ذلك . وكذا الحال في غسل الأواني إذ الماء بعد إصابتها وانفصاله عنها ـ  وهما المحققان لمفهوم الغسل  ـ يبقى فيها شيء من أجزائه وهو طاهر ولا يعدّ من الغسالة كما مرّ ، فلو كثرت الأواني أو الثياب واجتمع من مياهها المتخلّفة فيها مقدار أمكن به الوضوء أو الغسل ، لم يكن مانع من استعماله فيهما بعد الحكم بطهارته وعدم صدق الغسالة عليه .

    طهارة اليد ونحوها بالتبع

   (1) وقد استدلّ على طهارة اليد والظرف بالملازمة ، واستبعاد الحكم بنجاستهما مع طهارة المغسول من دون أن يتنجس بهما ، فبالسكوت في مقام الحكم بطهارة المغسول

ــ[330]ــ

وعدم التعرّض لحكم اليد والظرف يستكشف طهارتهما بتبع طهارة المغسول ، وقد ذكروا نظير ذلك في يد الغاسل وفي السدة والخرقة في غسل الميت ، وحكموا بطهارتها بالتبعية ، هذا .

   ولكن الصحيح أنه لا دليل على طهارة اليد والظرف بتبع طهارة المتنجس المغسول . نعم ، الغالب غسلهما حين غسل المتنجس ، وعليه فطهارتهما مستندة إلى غسلهما كما أن طهارة المغسول مستندة إلى غسله ، حيث لا يعتبر غسلهما عليحدة ولا مانع من تطهيرهما معه فيحكم بطهارة الجميع مرة واحدة . نعم ، لو أصاب الماء أعالي اليد والظرف في الغسلة الاُولى فيما يحتاج فيه إلى تعدد غسله ، ولم يبلغه الماء في الغسلة المطهّرة لم يمكن الحكم بطهارتهما بالتبعية لعدم الدليل عليه ، وبعبارة اُخرى إنما نحكم بطـهارة اليد والمركن عند تطهير الثياب مثـلاً ، لانغسـالهما بغسل الثوب ، لا لأجـل تبعيتهما للثوب في الطهارة إذ لا شاهد على الطهارة بالتبعية في المقام ، هذا كلّه في اليد والظرف . وأمّا طهارة يد الغاسل أو السدة والخرقة فسيأتي الكلام عليها في محلّه إن شاء الله .

    بقيت هناك شبهة وهي أن مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم (1) كفاية غسل المتنجس بالبول في المركن مرتين في تطهيره ، ومقتضى ما قدمناه هو الحكم بطهارة المركن أيضاً ، لانغساله بغسل الثوب فيه مرتين ، مع أن الحكم بطهارة مثله لا يستقيم إلاّ على القول بالتبعية ، فان الوجه في طهارته لو كان هو انغساله بغسل الثوب فيه لم يمكن الحكم بطهارته بمجرد غسله مرّتين ، لأن المركن من قبيل الأواني ، وهي لا تطهر إلاّ بغسلها ثلاث مرات على ما نطقت به موثقة عمار (2) فالحكم بطهارته بغسل الثوب فيه مرّتين لا وجه له غير القول بطهارته بتبع طهارة الثوب .

   ويدفعها: أن الآنية في لغة العرب عبارة عن الظروف المستعملة في خصوص الأكل والشرب أو فيما هو مقدمة لهما كالقدر ، ولم يظهر لنا مرادفها في الفارسية وليس معناها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 397 / أبواب النجاسات ب 2 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 496 / أبواب النجاسات ب 53 ح 1 .

ــ[331]ــ

   [ 146 ] مسألة 13 : لو اُجري الماء على المحل النجس زائداً على مقدار يكفي في طهارته ، فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر وإن عدّ تمامه غسلة واحدة ولو كان بمقدار ساعة ، ولكن مراعاة الاحتياط أولى (1) .

   [ 147 ] مسألة 14 : غسالة ما يحتاج إلى تعدد الغسل كالبول مثلاً إذا لاقت شيئاً ، لا يعتبر فيها التعدد وإن كان أحوط (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مطلق الظروف ، وعليه فلا يعتبر في تطهير المركن غسله ثلاث مرات ، لاختصاص ذلك بالآنية . بل وكذلك الحال في ما ورد من النهي عن استعمال أواني الذهب والفضة فان الحرمة مختصة بما هو معد للأكل والشرب أو لما هو مقدمة لهما ، ولا تعم مطلق الظروف وإن لم تكن آنية . وعلى الجملة ينحصر الوجه في طهارة المركن واليد بما أشرنا إليه آنفاً من انغسالهما بغسل الثوب ونحوه .

   (1) فان الماء الجاري عليه زائداً على المقدار المعتبر في غسله وطهارته لا يعد من الغسالة في شيء فلا يحكم بنجاسته على تقدير القول بنجاستها ، كما لا نمنع عن جواز استعماله في رفع الحدث إذا قلنا بالمنع في الغسالات ، والوجه فيه : أن المعتبر في تطهير المتنجس هو إجراء الماء عليه على نحو يعدّ غسلاً عرفاً ، وقد أسلفنا أن الغسل يتحقّق بخروج الغسالة وانفصال الماء عن المغسول به ، وعليه إذا أجرينا الماء على متنجس وأزلنا به عين النجس ثم انفصلت عنه غسالته فقد طهر بحكم الشرع ، فالماء الجاري عليه بعد المقدار الكافي في طهارته ماء ملاق للجسم الطاهر ، ولا يعد من الغسالة كي لا يرتفع بها الحدث على القول به ، بل الغسالة هي الماء الخارج بعد إجراء الماء عليه بمقدار يكفي في غسله ، وأمّا ما ذكره الماتن من الاحتياط باحتمال عد مجموع ما يخرج منه غسالة لاتصاله فهو ضعيف غايته .

    عدم اعتبار التعدّد في ملاقي الغسالة

   (2) إنما تعرض (قدس سره) لهذه المسألة في المقام لمناسبة طفيفة ، وحقها أن تؤخر إلى مبحث المطهرات ، ويتكلّم هناك في أن التعدد في الغسل يعتبر في أي غسالة ولا

ــ[332]ــ

يعتبر في أيها ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه ، وإنما نتكلّم عنها بمقدار يناسب المقام فنقول : الكلام في هذه المسألة يقع من جهتين :

   إحداهما : من جهة الأصل العملي ، وأنه إذا شككنا في طهارة شيء ونجاسته بعد غسله مرة واحدة ـ  لاختلاف النجاسات في ذلك حيث يعتبر في بعضها الغسل مرتين كما في البول ، وتكفي المرة الواحدة في بعضها الآخر كما يعتبر في بعضها الغسل سبع مرّات  ـ فهل يرجع فيه إلى استصحاب النجاسة للعلم بتحققها سابقاً والشك في زوالها بالغسل مرة ، أو أن المرجع حينئذ هي قاعدة الطهارة ؟ وهذه المسألة تبتني على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية وعدمه ، فعلى الأول يرجع في المقام إلى استصحاب النجاسة حتى نتيقن بزوالها ، كما أنه على الثاني يرجع إلى قاعدة الطهارة .

   وثانيتهما : من جهة الدليل الاجتهادي وأنه إذا بنينا على جريان استصحاب النجاسة في أمثال المقام فهل هناك دليل اجتهادي من عموم أو اطلاق يقتضي كفاية الغسل مرة كي يمنع عن جريان الأصل العملي حينئذ ؟ هذه الجهة هي التي يقع الكلام فيها في المقام ، وأمّا الجهة الاُولى فتحقيقها موكول إلى محلّه وقد ذكرنا فيه أن الصحيح عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية فنقول :

   الصحيح أن في المقام اطلاقات تقتضي الاكتفاء في تطهير المتنجسات بالغسل مرة واحدة وهي مانعة عن جريان استصحاب النجاسة ، وبها نحكم بكفاية الغسل مرة فيما لاقته غسالة متنجسة ، ولا تجري أحكام المتنجس إلى غسالته فلا نعتبر التعدد في غسالة ما يعتبر فيه التعدّد . ومن هنا اتفق الأصحاب (قدس سرهم) على عدم وجوب التعفير فيما لاقاه الماء المستعمل في تطهير ما ولغ فيه الكلب وعلى كفاية غسله مرّة واحدة . وعلى الجملة أن مقتضى تلك الاطلاقات الاكتفاء بالغسل مرة واحدة في تطهير أي متنجس من أي نجس . وتستفاد هذه الاطلاقات من الأوامر الواردة في غسل المتنجسات من دون تقييده بمرّتين أو أكثر ، وإليك بعضها :

   منها : صحيحة زرارة قال : «قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلّمت أثره إلى أن اُصيب له الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئاً وصلّيت ثم إني ذكرت بعد ذلك ؟ قال : تعيد الصلاة وتغسله . قلت : فانّي لم أكن رأيت

ــ[333]ــ

   [ 148 ] مسألة 15 : غسالة الغسلة الاحتياطيّة إستحباباً يستحب الاجتناب عنها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موضعه وعلمت أنه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته ، قال : تغسله وتعيد ...» الحديث (1) حيث اشتملت على الأمر بغسل الثوب المتنجس من دون أن يقيده بمرتين أو أكثر .

   ومنها : موثقة عمار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل ليس عليه إلاّ ثوب ولا تحل الصلاة فيه ، وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع ؟ قال : يتيمم ويصلي فاذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة» (2) وقد دلت على أن الثوب إذا لم تحل فيه الصلاة لنجاسته ـ لا لأجل مانع آخر ككونه مما لا يؤكل لحمه بقرينة قوله بعد ذلك : وليس يجد ماء يغسله ـ يطهر بمطلق غسله من دون تقييده بمرتين أو أكثر .

   ومنها : ما عن أبي الحسن (عليه السلام) «في طين المطر أنه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلاّ أن يعلم أنه قد نجسه شيء بعد المطر ، فان أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله وإن كان الطريق نظيفاً لم تغسله» (3) ومنها غير ذلك من الأخبار الواردة في أبواب النجاسات الآمرة بمطلق الغسل في تطهير المتنجسات يقف عليها المتتبع في تلك الأبواب ، هذا كلّه على أن القذارة الشرعية كالقذارات العرفية ، فكما يكتفى في الثانية بازالتها بالغسل فلتكن الاُولى أيضاً كذلك من دون أن يتوقف على تعدد الغسل .

   (1) وذلك لأن حال ماء الغسالة حينئذ حال المغسول به بعينه فكما أن استحباب الاجتناب عنه بملاك احتمال نجاسته، لأن قاعدة الطهارة أو استصحابها تقتضي طهارته فكذلك غسالته بناء على نجاسة الغسالة أو عدم جواز استعمالها في رفع الحدث ، فان قاعدة الطهارة وإن كانت تقتضي طهارتها إلاّ أن ملاك استحباب الاجتناب ـ  وهو احتمال نجاسة الغسالة أو عدم كفايتها في رفع الحدث  ـ يرجح الاجتناب عنها ، كما كان يقتضي ذلك في نفس المغسول به .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 479 / أبواب النجاسات ب 42 ح 2 .

(2) الوسائل 3 : 485 / أبواب النجاسات ب 45 ح 8 .

(3) الوسائل 3 : 522 / أبواب النجاسات ب 75 ح 1 .

ــ[334]ــ

 فصل

[  في الماء المشكوك  ]

    الماء المشكوك نجاسته طاهر (1) إلاّ مع العلم بنجاسته سابقاً ، والمشكوك إطلاقه لا يجري عليه حكم المطلق(2) إلاّ مع سبق إطلاقه ، والمشكوك إباحته محكوم بالاباحة إلاّ مع سبق ملكية الغير أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في الماء المشكوك

    (1) حتى يعلم نجاسته ولو بالاستصحاب كما إذا كان مسبوقاً بالنجاسة ويدل على ذلك قوله (عليه السلام) في موثقة عمار : «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر ...» (1) وقوله (عليه السلام) «الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنه قذر» (2) ويدل عليه أيضاً جميع ما دلّ على حجية الاستصحاب بضميمة ما دلّ على طهارة الماء في نفسه .

   (2) لأن الشك في إطلاق مائع وإضافته بعينه هو الشك في أنه ماء أو ليس بماء فلا بدّ في ترتيب الآثار المرغوبة من الماء عليه من رفع الحدث أو الخبث من اثبات أنه ماء ، فان أحرزنا ذلك ولو بالاستصحاب فهو ، وإلاّ فلا يمكننا ترتيب شيء من آثار الماء عليه .

   (3) للبحث في ذلك جهتان :

   إحداهما : حلية التصرفات فيه من أكله وشربه وصبه وغيرها من الانتفاعات المترقبة منه .

   وثانيتهما : صحة بيعه وغيرها من الآثار المتوقفة على الملك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4 .

(2) الوسائل 1 : 134 / أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5 .

ــ[335]ــ

   أمّا الجهة الاُولى : فلا ينبغي الاشكال في جواز الانتفاعات والتصرفات الواقعة فيه ، لقوله (عليه السلام) : «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام» (1) وقد يقال ـ  كما أشار إليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) في ذيل تنبيهات البراءة  ـ بأن الأموال خارجة عن أصالة الحلية والأصل فيها حرمة التصرف حتى يعلم حليته للاجماع ولرواية محمّد بن زيد الطبري : «لا يحل مال إلاّ من وجه أحلّه الله» (2) حيث دلت على أن الأموال محكومة بالحرمة حتى يتحقق سبب حليتها ، ومع الشك في وجود السبب المحلل يجري الأصل في عدمه (3) .

   ولكن الصحيح أن الأموال كغيرها فتجري فيها أصالة الحل ما لم يعلم حرمتها بدلالة دليل أو قيام أصل مثبت لحرمتها ، وذلك لأن الاجماع المدعى لا نطمئن بكونه تعبدياً كاشفاً عن رأي الإمام .

   وأمّا الرواية فيدفعها : أوّلاً : ضعف سندها حيث إن جملة ممن وقع في طريقها مجاهيل والمجلسي (قدس سره) وإن قوّى وثاقة سهل بن زياد (4) ، إلاّ أنها لم تثبت كما لم تثبت وثاقة غيره من رجال السند .

   وثانيا : أن الرواية قاصرة الدلالة على المدعى ، لأن المراد من قوله (عليه السلام) «لا يحل مال ...» الخ لو كان هو ما ادعاه المستدل ـ  من أن كل مال محكوم بحرمة التصرّف فيه حتى يتحقق سبب حليته  ـ لم تكن فيه جهة ارتباط بالسؤال ، حيث إن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قدّمنا أن هذه الجملة وردت في عدة روايات وبيّنا مواضعها في تعليقة ص 259 ، فراجع .

(2) والرواية هي عن محمد بن الحسن وعن علي بن محمد جميعاً عن سهل عن أحمد بن المثنى عن محمد بن زيد الطبري قال : «كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله الاذن في الخمس فكتب إليه : بسم الله الرّحمن الرّحيم إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب ، وعلى الضيق الهم ، لا يحل مال إلاّ من وجه أحله الله ، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا ، وعلى موالينا (أموالنا) وما نبذله ، ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته ...» الحديث المروي في الوسائل 9 : 538 / أبواب الأنفال ب 3 ح 2 .

(3) فرائد الاُصول 1 : 371 .

(4) رجال المجلسي (الوجيزة) : 224 .

ــ[336]ــ

السائل إنما سأله عن الإذن في التصرف في الخمس ، وهل له ربط بحرمة التصرف في الأموال حتى يتحقق سبب حليته ، فالظاهر أن مراده (عليه السلام) بذلك الاشارة إلى قوله عزّ من قائل : (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض ) (1) فان الخمس ملكهم (عليهم السلام) فلو أرادوا الاذن لأحد في التصرف فيه لم يجز ذلك إلاّ في ضمن معاملة عن تراض من هبة أو بيع أو غيرهما من الأسباب المحللة للتصرف وإلاّ كان من أكل المال بالباطل . ثم اعتذر (عليه السلام) عن إيقاع المعاملة على الخمس بأن الخمس عوننا على ديننا ودنيانا فلا نتمكن من هبته ولا من غيرها من المعاملات ، وهذا لا لأجل عدم جوازها شرعاً ، بل لأن الخمس عونهم على معيشتهم وبذلهم فلو خرج من أيديهم لم يتمكنوا من المعيشة والبذل ، وعليه فالرواية أجنبية عن المقام رأساً .

   وثالثاً : لو أغمضنا عن سندها ودلالتها فأصالة الاباحة والحلية من أحد الأسباب المحللة للتصرف في المال المشكوك إباحته ، هذا كلّه في الجهة الاُولى .

   وأمّا الجهة الثانية : أعني جواز ترتيب الآثار المتوقفة على الملك فالتردد في أن المال ملكه أو ملك غيره يتصوّر على وجوه :

   الأوّل : ما إذا كان المال مسبوقاً بالاباحة والحلية الأصليتين ، وقد علم بسبق أحد إليه بالحيازة ولا يعلم أنه هو نفسه أو غيره ، ولا مانع في هذه الصورة من استصحاب بقاء المال على إباحته السابقة إلى زمان الشك ، وهو يقتضي الحكم بحلية المال له فعلاً ومعناه عدم تسلّط الغير عليه بالحيازة وإلاّ لم يكن مباحاً في حقه ، وبعد ذلك يتملكه بالحيازة ، فيثبت بالاستصحاب أنه مال لم يتملكه غيره وهو الموضوع للتملّك شرعاً وبضمه إلى الوجدان أعني تملكه يثبت أنه ملكه ، ويترتب عليه جميع آثار الملكية من الانتفاعات والمعاملات .

   الثاني : ما إذا كان المال حينما وجد وجد مملوكاً له أو لغيره من غير أن تكون له حالة سابقة متيقنة ، ولا يجوز في هذه الصورة ترتيب آثار الملك عليه ، وهذا كما في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 29 .

ــ[337]ــ

البيضة لا يدري أنها لدجاجته أو لدجاجة غيره أو الثمرة لشجرته أو لشجرة غيره أو الصوف لغنمه أو لغنم غيره ، إلى غير ذلك من الأمثلة ، وفي هذه الصورة يجري استصحاب عدم دخوله في ملكه بسبب من الأسباب ، فان الملكية إنما تتحقق بأسبابها وهي مشكوكة التحقق في المقام والأصل عدم تحققها ، ولا يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب عدم دخوله في ملك الغير بأسبابه ، فانّه لا يثبت به دخوله في ملك نفسه .

   هذا ثم لو سلمنا جريان كلا الأصلين وتساقطهما بالمعارضة ، فلنا أن نجري الأصل في النتيجة المترتبة عليهما ، لأنه إذا شككنا في صحة بيعه حينئذ من جهة تعارض الأصلين نستصحب عدم انتقاله إلى المشتري ، وهو معنى فساد البيع . وعلى الجملة لا يجوز في هذه الصورة شيء من التصرفات المتوقفة على الملك ، وأمّا سائر التصرفات من أكله وشربه وأمثالهما فلا إشكال في جريان أصالة الحل والحكم بجوازها ، لأنها مشكوكة الحرمة حينئذ وكل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام .

   الثالث : ما إذا كان المال ملكاً لأحد سابقاً ثم علم بانتقاله إما إليه أو إلى غيره ، وفي هذه الصورة أيضاً لا يمكن ترتيب شيء من الآثار المتوقفة على الملك ، لاستصحاب عدم دخول المال في ملكه بأسبابه ، لأن الملك يتوقف على سبب لا محالة وهو أمر حادث مشكوك والأصل عدمه ، ولا يعارضه استصحاب عدم دخوله في ملك الغير لأنه لا يثبت دخوله في ملك نفسه ، ثم على تقدير جريانهما وتساقطهما بالمعارضة لا مانع من الرجوع إلى الأصل الجاري في النتيجة أعني أصالة عدم انتقاله إلى المشتري إذا شككنا في صحة بيعه كما ذكرناه في الصورة المتقدمة .

   هذا على أ نّا لو قلنا بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي لم يكن مانع من استصحاب ملكية الغير في المقام ، لأن ذلك الكلي كان متحققاً في ضمن فرد ـ  أعني المالك السابق  ـ وهو قد ارتفع قطعاً ، ونشك في قيام غيره مقامه فنستصحب كلي ملك الغير ، وبهذا يثبت عدم كونه ملكاً له ، إلاّ أ نّا لا نقول بالاستصحاب في القسم الثالث من الكلي .

   وأمّا بالاضافة إلى سائر التصرفات فهل تجري فيها أصالة الحل ؟

ــ[338]ــ

   قد يقال بجريانها ، لأنها مشكوكة الحرمة والحلية ، ومقتضى عموم كل شيء لك حلال إباحتها كما في الصورتين المتقدمتين ، إلاّ أن الصحيح عدم جريانها في هذه الصورة ، وذلك لأن المال كان ملكاً لغيره على الفرض ، ومقتضى قوله تعالى : (لا  تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض ) (1) وقوله (عليه السلام) «لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه» (2) عدم حليته له إلاّ بالتجارة عن تراض أو بطيب نفسه ، والأصل عدم انتقاله بهما ، وبه نحكم بعدم حلية التصرفات في المال ولا يبقى معه مجال لأصالة الحلية كما هو ظاهر ، ولا تقاس هذه الصورة بالصورتين المتقدمتين ، لعدم العلم فيهما بكون المال ملكاً لغيره سابقاً حتى يجري استصحاب عدم انتقاله بالتجارة أو بطيب نفسه .

   الرابع : ما إذا كان المال مسبوقاً بملكيتين بأن علم أنه كان ملكه في زمان وكان ملك غيره في زمان آخر ، واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر ، ففي هذه الصورة يجري استصحاب كل واحد من الملكيتين ويتساقطان بالمعارضة على مسلكنا ، ولا يجري شيء منهما على مسلك صاحب الكفاية (قدس سره) لعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، فلا أصل بالاضافة إلى الملكية ولا سبيل لاثباتها ، فلا يجوز في هذه الصورة شيء من التصرفات المتوقفة على الملك ، وأمّا سائر التصرفات فتجري أصالة الحل بالاضافة إليها كما مرّ للشك في حرمتها ، وليس في البين أصل يحرز به بقاء ملك الغير حتى يوجب حرمتها كما في الصورة المتقدمة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 29 .

(2) قد ورد مضمونه في موثقة زرعة عن سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث قال : من كانت عنده أمّانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فانّه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه» . ورواه في الكافي بسند صحيح وفيما عن الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال في خطبة الوداع «أيها الناس إنما المؤمنون اخوة ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلاّ عن طيب نفس منه» المرويتين في الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلِّي ب 3 ح 1 ، 3 . وفي الباب 3 من أبواب الأنفال في حديث محمد بن زيد الطبري «ولا يحل مال إلاّ من وجه أحله الله» كما قدمنا نقلها في تعليقة ص 335 . وغيره من الأخبار المروية في الباب المذكور .

ــ[339]ــ

   [ 149 ] مسألة 1 : إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور كاناء في عشرة يجب الاجتناب عن الجميع (1) ، وإن اشتبه في غير المحصور كواحد في ألف ((1)) مثلاً لا يجب الإجتناب عن شيء منه (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    الشبهة المحصورة

   (1) أمّا في المشـتبه بالنجس فلاحتمال نجاسة كل واحد من المشـتبهين ، والوضوء بالنجس غير سائغ . وهل يتمكن من التوضؤ بكل منهما بأن يتوضأ من أحدهما ثم يغسل مواضع الوضوء بالماء الثاني ، ويتوضأ منه حتى يقطع بالتوضؤ من ماء طاهر ؟ فهي مسألة اُخرى يأتي عليها الكلام في محلّها إن شاء الله . وأمّا في المشتبه بالمغصوب فلاحتمال حرمة التصرف في كل واحد من المشتبهين فضلاً عن التوضؤ به .

    الشبهة غير المحصورة

   (2) ما أفاده (قدس سره) يتوقف على مقدمتين :

   إحداهما : إثبات التفرقة بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة بوجوب الاجتناب في الاُولى دون الثانية ، وهي ممنوعة لما حققناه في محلّه (2) من أن العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي منجّز لمتعلقه مطلقاً كانت أطرافه كثيرة أم لم تكن ، فيما إذا أمكنت الموافقة والمخالفة القطعيتين أو إحداهما ولم يكن في البين مانع من ضرر أو حرج ، فلا اعتبار بكثرة الأطراف ولا بقلتها . بل لا مفهوم محصل للشبهة غير المحصورة في نفسها أصلاً فضلاً عن الحكم بعدم وجوب الاجتناب فيها ، وتحقيق الحال في ذلك موكول إلى علم الاُصول .

   وثانيتهما : إثبات أن الألف دائماً من الشبهة غير المحصورة بعد تسليم سقوط العلم الاجمالي عن التنجيز في مثلها ، ودون إثبات ذلك خرط القتاد ، لأن الألف في مثل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في كون اشتباه الواحد في ألف من الشبهة غير المحصورة دائماً وفي عدم وجوب الاجتناب عنها إشكال بل منع .

(2) مصباح الاُصول 2 : 375 .

ــ[340]ــ

   [ 150 ] مسألة 2 : لو اشتبه مضاف في محصور يجوز أن يكرّر الوضوء أو الغسل إلى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه ، فاذا كانا اثنين يتوضأ بهما ، وإن كانت ثلاثة أو أزيد يكفي التوضؤ باثنين ، إذا كان المضاف واحداً ، وإن كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكل ، وإن كان اثنين في أربعة تكفي الثلاثة . والمعيار أن يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد (1) . وإن اشتبه في غير المحصور جاز استعمال كل منها ((1)) كما إذا كان المضاف واحداً في ألف . والمعيار أن لا يعدّ العلم الاجمالي علماً ، ويجعل المضاف المشتبه بحكم العدم ، فلا يجري عليه حكم الشبهة البدوية أيضاً ولكن الاحتياط أولى (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العلم بنجاسة إناء واحد من ألف إناء ليس من غير المحصورة في شيء . بل قد يكون أكثر من الألف أيضاً كذلك ، كما إذا علم بنجاسة حبة من حبات الاُرز في طعامه ، وهو مشتمل على آلاف حبة ، ولا نظن أحداً يفتي بعدم وجوب الاجتناب حينئذ بدعوى أنه من الشبهة غير المحصورة . نعم ، لا مانع من عدّ العلم بحرمة امرأة من ألف نساء من الشبهة غير المحصورة ، إلاّ أنك عرفت عدم الفرق في تنجيز العلم الاجمالي بين المحصورة وغيرها فعلى ما ذكرناه لا يجوز التوضؤ من شيء من الأواني في ما مثّل به في المتن .

   (1) وذلك لأنه يوجب القطع بالتوضؤ من المطلق . ثم إن الوجه في جواز الوضوء منها بتلك الكيفية هو أن التوضؤ من المضاف ليس كالوضوء من المغصوب محرماً شرعاً ، فلا مانع من التوضؤ به مقدمة للعلم بالتوضؤ من المطلق ، وهذا بخلاف المشتبه بالمغصوب ، لأن التوضؤ منه حرام فلا يجوز جعله مقدمة للعلم بالامتثال .

   (2) هذه المسألة تبتني على ما هو محل الخلاف بين الأعلام من أن الشبهة غير المحصورة ـ  بناء على عدم وجوب الاجتناب عن أطرافها  ـ هل يكون العلم فيها كلا  علم ، أو أن الشبهة فيها كلا شبهة ؟ مثلاً إذا علمنا بحرمة أحد اُمور غير محصورة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل اللاّزم هو الاحتياط بتكرار الوضوء حتى يعلم بحصول التوضؤ بالماء المطلق .

 
 

ــ[341]ــ

يفرض العلم بحرمته كعدمه ، فكأنه لا علم بحرمتها من الابتداء فحالها حال الشبهات البدوية فلا مناص من الرجوع إلى الاُصول العملية المختلفة حسب اختلاف مواردها ففي المثال يرجع إلى أصالة الحل لأجل الشك في حرمتها ، أو أن الشبهة يفرض كلا  شبهة ، فكأنّ الفرد المحرم غير متحقق واقعاً فلا محرّم في البين ، ولا بدّ من الحكم بحلية الجميع إذ المحرّم محكوم بالعدم على الفرض وغيره حلال .

   وعلى هذا فان قلنا في المقام إن العلم باضافة ما في أحد الأواني كلا علم فلا يمكننا الحكم بصحة التوضؤ من شيء منها لأن العلم باضافة واحد منها وإن كان كالعدم إلاّ أن الأصل الجاري في المقام إنما هو أصالة الاشتغال ، وذلك لاحتمال إضافة كل واحد من الأطراف ، ومعه لا يمكن الحكم بصحة الوضوء ، فلا بدّ من الاحتياط بمقتضى قاعدة الاشتغال حتى يقطع بطهارته وفراغ ذمته .

   وأمّا إذا قلنا إن الشبهة كلا شبهة ، وأن المضاف الموجود في البين كالعدم فنحكم بصحة التوضؤ من كل واحد من الأواني ، وذلك للعلم باطلاق الجميع ، فان المضاف منها معدوم والباقي كلّه ماء مطلق ، فلا تدخل الأطراف في الشبهات البدوية ولا نحتاج فيها إلى إجراء الاُصول .

   هذا ولا يخفى أنه إن كان ولا بدّ من تعيين أحد هذين الاحتمالين فالمتعين منهما هو الأوّل ، وذلك لأن احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد من الأطراف أمر وجداني فلا بدّ معه من وجود المؤمّن ، ولا مؤمّن إلاّ الأصل الجاري فيه ، وقد فرضنا أن الأصل في المقام هو أصالة الاشتغال دون البراءة .

   نعم ، لو تمّ ما ذكروه في وجه عدم وجوب الاجتناب عن أطراف العلم الاجمالي من أن العقلاء لا يعتنون بالاحتمال إذا كان ضعيفاً من جهة كثرة الأطراف ، صح ما ذكر من أن الشبهة في أطراف الشبهة غير المحصورة كلا شبهة ، إلاّ أنه لا يتم لما ذكرناه في محلّه من أن ضعف الاحتمال إنما يوجب عدم الاعتناء به فيما إذا تعلق بمضرة دنيوية . وأمّا إذا تعلق بأمر اُخروي أعني به العقاب فلا يفرق في لزوم الحاجة معه إلى المؤمّن بين ضعفه وقوته ، فان احتمال العقاب ولو كان ضعيفاً يجب دفعه عقلاً وتمام الكلام في محلّه .

ــ[342]ــ

    [ 151 ] مسألة 3 : إذا لم يكن عنده إلاّ ماء مشكوك إطلاقه وإضافته ولم يتيقن أنه كان في السابق مطلقاً (1) يتيمم للصلاة ونحوها (2) ، والأولى الجمع بين التيمّم والوضوء به .

   [ 152 ] مسألة 4 : إذا علم إجمالاً أن هذا الماء إما نجس أو مضاف، يجوز شربه(3)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والذي يهوّن الأمر أن العلم الاجمالي منجّز للتكليف مطلقاً كانت الشبهة محصورة أم غير محصورة ، فلا تصل النوبة إلى تعيين أحد الاحتمالين المتقدمين .

   (1) وإلاّ يجب التوضؤ به لاستصحاب إطلاقه .

   (2) لأن مقتضى استصحاب العدم الأزلي عدم اتصاف المائع بالاطلاق ، لأنه صفة وجودية كنّا على يقين من عدمها ومن عدم اتصاف المائع بها قبل وجوده ونشك في اتصافه بها حين حدوثه ، والأصل عدم حدوثها وعدم اتصاف المائع بها ، ومع عدم تمكن المكلف من الطهارة المائية ينتهي الأمر إلى الطهارة الترابية وهذا مما لا إشكال فيه على ما اخترناه من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية .

   وأمّا إذا قلنا بعدم جريانه أو فرض الكلام فيما إذا كانت للمائع حالتان مختلفتان فكان متصفاً بالاطلاق في زمان وبالاضافة في زمان آخر واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر ففيه اشكال ، حيث لا مجرى لاستصحاب العدم الأزلي في هذه الصورة ، للقطع بتبدله إلى الوجود واتصاف المائع به جزماً ، وإنما لا ندري زمانه ، ويتولّد من ذلك علم إجمالي بوجوب الوضوء في حقه كما إذا كان المائع مطلقاً أو بوجوب التيمم لاحتمال كونه مضافاً ، ولا أصل يحرز به أحدهما فهل مثل هذا العلم الاجمالي أعني ما كانت أطرافه طولية كالوضوء والتيمم يقتضي التنجيز ويترتب عليه وجوب الاحتياط ؟ يأتي حكمه في المسألة الخامسة إن شاء الله .

    العلم الإجمالي بالنجاسة والاضافة :

   (3) إذ لا علم تفصيلي ولا اجمالي بحرمته ، لأن العلم الاجمالي بأنه نجس أو مضاف لا أثر له بالاضافة إلى جواز شربه لعدم فعلية متعلقه على كل تقدير فان المضاف ممّا

ــ[343]ــ

ولكن لا يجوز التوضؤ به(1) ، وكذا إذا علم أنه إما مضاف أو مغصوب (2) ، وإذا علم أنه إما نجس أو مغصوب ، فلا يجوز شربه أيضاً ، كما لا  يجوز التوضؤ به (3) والقول بأنه يجوز التوضؤ به ضعيف جداً (4) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يجوز شربه . نعم ، نحتمل حرمته بدواً وهو مدفوع بأصالة الإباحة .

   (1) للعلم التفصيلي ببطلانه ، فانّه كما لا يجوز الوضوء بالماء النجس كذلك يبطل بالماء المضاف .

   (2) فيجوز شربه إذ لا علم بحرمته تفصيلاً ولا على نحو الاجمال ، ويدور أمره بين الاباحة والحرمة ابتداء ومقتضى أصالة الحل إباحته ، ولكن لا يجوز الوضوء به ، للعلم ببطلانه على كل تقدير ، إذ الوضوء بكل من المضاف والمغصوب باطل .

    العلم الإجمالي بتنجس الماء أو غصبيته :

   (3) للعلم بحرمة شربه وبعدم جواز الوضوء به إما من جهة كونه نجساً وإما لكونه غصباً .

   (4) ذهب إلى ذلك بعض المحققين وهو الشيخ محمد طه نجف وتبعه المحقق الشيخ علي آل صاحب الجواهر (قدس سرهما) في هامش المتن ، وقد جوّزا التوضؤ بالماء في مفروض المسألة ومنعا عن شربه ، وقد بنيا هذه المسألة على ما ذكره المشهور في مبحث اجتماع الأمر والنهي ، وادعى عليه الاجماع في مفتاح الكرامة من أن الغصب لا يمنع عن صحة العبادة بوجوده الواقعي ، وإنما يمنع عنها بوجوده العلمي المحرز للمكلف ، وبما أن الغصب غير محرز في المقام لا على نحو التفصيل وهو ظاهر . ولا على نحو الاجمال لأن العلم الاجمالي إنما يتعلق بالجامع بين الأطراف أعني الجامع بين الغصب والنجس ، ولم يتعلق بخصوص الغصب ولا بخصوص النجس وعليه فلا يترتب أثر على أحد طرفي العلم الاجمالي في المقام ، لعدم بطلان الوضوء على تقدير كون الماء مغصوباً . نعم ، يبطل على تقدير كونه نجساً ، إلاّ أن نجاسته مشكوك فيها ومقتضى أصالة الطهارة طهارته من جهة التوضؤ به .

ــ[344]ــ

   وبتقريب آخر : تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على تعارض الاُصول في أطرافه وتساقطها ومع عدم جريانها لا يكون مؤمّن في البين ، واحتمال التكليف من دون مؤمّن يقتضي تنجز الواقع فلا محيص من الاحتياط ، وليس الأمر كذلك في المقام فان حرمة شربه لا شك فيها ، وأصالة الاباحة لصحة الوضوء به لا مجرى لها في نفسها لما مرّ من أن الغصب بوجوده الواقعي غير مانع من صحة العبادة فلا تجري فيه أصالة الاباحة للقطع بصحة العبادة معه ، فتبقى أصالة الطهارة بالنسبة إلى الوضوء بلا معارض ، ومقتضاها جواز الوضوء به .

   وبما ذكرناه في تقريب ما ذهبا إليه يندفع ما قد يورد عليهما من النقض بما إذا علم إجمالاً بغصبية أحد الماءين ، فانّه لا خلاف عندهم في عدم جواز التوضؤ من الماءين حينئذ والمقام أيضاً كذلك .

   والوجه في الاندفاع أن الغصبية في المثال محرزة وواصلة إلى المكلف بالعلم الاجمالي وبه تتنجز في حقه ، ويجب الاجتناب عن المغصوب من الماءين ، وقد عرفت أن الغصب المحرز بشيء من علمي التفصيلي والاجمالي مانع عن صحة العبادة .

   فالصحيح في دفع ذلك أن يقال : أوّلاً : أن ما ذهبا إليه فاسد مبنى ، ولا يمكن المساعدة عليه بوجه ، لما بيّناه في بحث اجتماع الأمر والنهي (1) من أ نّا إذا قلنا بالامتناع وتقديم جانب الحرمة ، وكانت المبغوضية ناشئة عن مثل الماء في الوضوء والمكان في المسجد ، فلا محالة تكون المبغوضية مانعة عن صحة العبادة بوجودها الواقعي وإن لم يعلم بها المكلف ، وذلك لعدم امكان التقرب بما هو مبغوض واقعاً .

   وثانياً : أن تطبيق المبنى المتقدم ـ لو تمّ في نفسه ـ على محل الكلام غير صحيح وذلك لأن الغصب بوجوده الواقعي وإن لم يمنع عن صحة العبادة كما هو المفروض ، إلاّ أنه مانع لا محالة عن جواز سائر التصرفات من رشّه واستعماله في إزالة القذارة وسقيه للحيوان أو للمزارع وغيرها من الانتفاعات لحرمة التصرف في مال الغير من دون اذنه ، كما أن النجاسة الواقعية مانعة عن صحة العبادة بلا خلاف . ومن هذا يتولّد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 4 : 233 .

ــ[345]ــ

   [ 153 ] مسألة 5 : لو اُريق أحد الاناءين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر وإن زال العلم الاجمالي (1) ، ولو اُريق أحد المشتبهين من حيث الاضافة لا يكفي الوضوء بالآخر ، بل الأحوط الجمع ((1)) بينه وبين التيمم (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

علم اجمالي بأن الماء في مفروض المسألة إما لا يجوز التوضؤ به ـ  كما إذا كان نجساً  ـ وإما لا يجوز التصرف فيه ـ  كما إذا كان مغصوباً  ـ وإجراء أصالة الطهارة حينئذ لاثبات طهارته من جهة الوضوء معارضة بأصالة الاباحة الجارية لاثبات حلّية التصرّف فيه ، ومع تعارض الاُصول وتساقطها لا مناص من الاحتياط لعدم المؤمّن في البين .

    زوال أحد طرفي العلم :

   (1) والوجه في ذلك هو ما ذكرناه في الاُصول من أن تنجيز الواقع لا ينفك عن العلم الاجمالي ما دام باقياً ، وإراقة أحد الماءين لا توجب زوال العلم وارتفاعه ، لأن العلم بحدوث نجاسة مرددة بين الماء المراق وغيره موجود بعد الاراقة أيضاً . نعم ، ليس له علم فعلي بوجود النجاسة في البين لاحتمال أن يكون النجس هو المراق إلاّ أنه لا ينافي بقاء العلم الاجمالي بالنجاسة . وبعبارة أخصر أصالة الطهارة في أحد الاناءين حدوثاً معارضة بأصالة الطهارة في الآخر حدوثاً وبقاءً .

   (2) ما أفاده (قدس سره) من أحد المحتملات في المسألة ، وهناك احتمالان آخران :

   أحدهما : جواز الاكتفاء بالتوضؤ بالباقي منهما من غير حاجة إلى ضم التيمم إليه .

   وثانيهما : وجوب التيمم فحسب . وهذه هي الوجوه المحتملة في المسألة .

   والوجه فيما ذهب إليه في المتن من إيجاب الجمع بين الطهارتين هو دعوى أن العلم الاجمالي كما يقتضي التنجيز فيما إذا كانت أطرافه عرضية كذلك يقتضي تنجيز متعلقه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وإن كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالتيمم .

ــ[346]ــ

فيما إذا كانت طولية ـ كالوضوء والتيمم ـ في هذه المسألة وفي المسألة الثالثة ، وذلك للعلم بوجوب الوضوء إن كان الباقي مطلقاً وبوجوب التيمم إن كان مضافاً ، ومقتضاه الجمع بين الطهارتين .

   وأمّا مبنى جواز الاكتفاء بخصوص التوضؤ من الباقي فالظاهر انحصاره في الاستصحاب ، حيث إن التوضؤ به كان واجباً قبل فقدان أحدهما للاحتياط واشتباه المطلق بالمضاف ، والأصل أنه باق على وجوبه بعد فقدان أحد الطرفين .

   ويدفعه : أن الوضوء لا بدّ من أن يكون بالماء المطلق شرعاً ، واستصحاب وجوب التوضؤ بالباقي لا يثبت أنه ماء مطلق فلا يحرز بهذا الاستصحاب أنه توضأ بالماء المطلق .

   وأمّا مبنى الاحتمال الأخير ـ وهو الذي نفينا عنه البعد في تعليقتنا ـ فهو أن العلم الاجمالي لا ينجز متعلقه فيما إذا كانت أطرافه طولية . بيان ذلك : أن وجوب الوضوء إنما هو مترتب على عنوان واجد الماء ، كما أن وجوب التيمم مترتب على عنوان فاقد الماء ، لأنه مقتضى التفصيل في قوله تعالى : (إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم إلى قوله وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النِّساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيداً طيِّباً ) (1) . ثم إن المراد بالفقدان ليس هو الفقدان الحقيقي ، وإنما اُريد به عدم التمكن من استعمال الماء وإن كان حاضراً عنده وذلك للقرينة الداخلية والخارجية .

   أمّا القرينة الداخلية : فهي ذكر المرضى في سياق المسافر والجنب فان الغالب وجود الماء عند المريض ، إلاّ أنه لا يتمكن من استعماله لا أنه لا يجده حقيقة . نعم ، لو كان اقتصر في الآية المباركة بذكر المسافر فقط دون المرضى لكان حمل عدم الوجدان على الفقدان الحقيقي بمكان من الامكان ، فان المسافر في البراري والفلوات كثيراً ما لا يجد الماء حقيقة .

   وأمّا القرينة الخارجية : فهي الأخبار الواردة في وجوب التيمم على من عجز عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

ــ[347]ــ

       [ 154 ] مسألة 6: ملاقي الشـبهة المحصـورة لا يحكم عليه بالنجاسة لكن الأحوط
الاجتناب ((1)) (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استعمال الماء لمرض أو ضرر ونحوهما . والمراد بالتمكن من استعمال الماء ليس هو التمكن من غسل بدنه ، بل المراد به أن يتمكن المكلف من استعماله في خصوص الغسل أو الوضوء ، لوضوح أن الماء إذا انحصر بماءالغير وقد أذن مالكه في جميع التصرفات في مائه ولو في غسل بدنه ، ولكنه منعه عن استعماله في خصوص الغسل والوضوء يتعيّن عليه التيمم لصدق عدم تمكنه من استعمال الماء وإن كان متمكناً من غسل بدنه فاذا تمهد ذلك فنقول :

   المكلف في مفروض المسألة يشك في ارتفاع حدثه على تقدير التوضؤ بالمائع الآخر لاحتمال أن يكون مضافاً ، ومعه لا مناص من استصحاب حدثه ، لما بنينا عليه في محله من جريان الاستصحاب في الاُمور المستقبلة ، ومقتضى هذا الاستصحاب أن التوضؤ من الباقي كعدمه ، وأن الشارع يرى أن المكلف فاقد الماء حيث إنه لو كان واجداًبتمكنه من استعمال المائع الباقي لم يبطل غسله أو وضوؤه ولم يحكم الشارع ببقاء حدثه ، فبذلك يظهر أنه فاقد الماء ووظيفته التيمم فحسب سواء توضأ بالباقي أم لم يتوضأ به ، ولا يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب بقاء حدثه على تقدير التيمم ، إذ لا يثبت به أن المكلف واجد للماء وأن المائع الباقي مطلق . وعلى الجملة وجوب التيمم مترتب على عدم تمكن المكلف من رفع حدثه بالماء ، فاذا حكم الشارع ببقاء حدثه وعدم ارتفاعه بالتوضؤ من المائع الباقي يترتب عليه وجوب التيمم لا محالة .

    حكم ملاقي الشبهة المحصورة

   (1) لا يمكن الحكم بنجاسة كل واحد من الأطراف في موارد العلم بنجاسة أحد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا كانت الملاقاة بعد العلم الاجمالي ، وإلاّ وجب الاجتناب عن الملاقي أيضاً على تفصيل ذكرناه في محلّه .

ــ[348]ــ

شيئين أو أشياء ، لعدم احراز نجاسته واقعاً لفرض الجهل به ، ولا بحسب الظاهر لعدم ثبوتها بأمارة ولا أصل فالحكم بنجاسة كل واحد منهما تشريع محرم . نعم ، إنما نحتمل نجاسته ، لاحتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد من الأطراف ، إلاّ أنه محض احتمال ، فاذا كان هذا حال كل واحد من الأطراف فما ظنك بما يلاقي أحدها ، فان الحكم بنجاسته من التشريع المحرم . فاذا وقع في كلام فقيه ـ كالمتن ـ أن ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة فليس معناه أن أطراف الشبهة محكومة بالنجاسة دون ملاقي بعضها كما قد يوهمه ظاهر العبارة في بدء النظر ، بل معناه أن الملاقي لا يجب الاجتناب عنه ويجوز استعماله فيما هو مشروط بالطهارة بخلاف نفس الأطراف وإن شئت قلت : إن ملاقي الشبهة يحكم بطهارته دون أطرافها ، وفي الاستدراك بكلمة «لكن» أيضاً اشعار بما بيّناه من المراد وإلاّ فلا معنى لكون الاجتناب أحوط .

    ثم انّ صور المسألة خمس :

   الصورة الاُولى : ما إذا حصلت الملاقاة بعد حدوث العلم الاجمالي بالنجاسة ، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الاناءين مثلاً ، وبعد ما تنجز الحكم وسقطت الاُصول فيهما بالمعارضة لاقى أحدَهما شيء ثالث فهل يحكم بطهارة الملاقي حينئذ للشك في نجاسته أو يجب الاجتناب عنه كالملاقى ؟

   الصحيح أن يفصّل في هذه الصورة بين ما إذا لم يختص أحد الأطراف بأصل غير معارض فنلتزم فيه بطهارة الملاقي وبين ما إذا كان لبعض الأطراف أصل كذلك فنلتزم فيه بوجوب الاجتناب عنه .

   وتوضيحه : أن لهذه الصورة شقين لأن الاُصول في أطراف العلم الاجمالي قد تكون متعارضة بأجمعها سببية كانت أم مسببية ، موضوعية أم حكمية ، عرضية أم طولية كما إذا علمنا بنجاسة أحد الماءين ، لأن استصحاب عدم ملاقاة النجس في كل واحد منهما ـ  وهو أصل موضوعي وفي مرتبة سابقة على غيرها من الاُصول  ـ معارض باستصحاب عدم الملاقاة في الآخر وهما أصلان عرضيان ، وكذا الحال في استصحاب الطهارة في كل واحد منهما ـ  وهما أصلان حكميان  ـ ثم في المرتبة الثانية قاعدة الطهارة

ــ[349]ــ

في كل منهما تعارضها قاعدة الطهارة في الآخر وهي أصل سببي ، وفي المرتبة الثالثة تتعارض أصالة الاباحة في أحدهما بأصالة الإباحة في الآخر ، وعلى الجملة لا يمكن الرجوع في هذه الصورة إلى شيء من تلك الاُصول .

   وقد يختص أحد أطرافه بأصل غير معارض بشيء ، وهذا كما إذا علمنا بنجاسة هذا الماء أو ذاك الثوب ، فان استصحاب عدم ملاقاة النجاسة في أحدهما معارض باستصحاب عدمها في الآخر ، كما أن قاعدة الطهارة كذلك ، إلاّ أن الماء يختص بأصل آخر لا معارض له في طرف الثوب، وهو أصالة الاباحة المقتضية لحلّية شربه، وحيث إنها غير معارضة بأصل آخر فلا مانع من جريانها ، وذلك لما ذكرناه في محله من أن تنجز الحكم في أطراف العلم الاجمالي غير مستند إلى نفسه وإنما هو مستند إلى تعارض الاُصول في أطرافه وتساقطها ، فان احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد من الأطراف حينئذ من غير مؤمّن عبارة اُخرى عن تنجز الواقع بحيث يترتب العقاب على مخالفته ، وأمّا إذا جرى في أحد أطرافه أصل غير معارض فلا يكون العلم الاجمالي منجزاً فان الأصل مؤمّن من احتمال العقاب على تقدير مصادفته الواقع وبما أنه غير معارض فلا مانع من جريانه لعدم العلم التفصيلي ولا العلم الاجمالي في مورده . وقد ذكرنا في محله أن الأصل الجاري في كل من الطرفين إذا كان مسانخاً للأصل الجاري في الآخر واختص أحدهما بأصل طولي غير معارض بشيء لا مانع من شمول دليل ذلك الأصل الطولي للطرف المختص به بعد تساقط الأصلين العرضيين بالمعارضة فنقول :

   أمّا الشق الأوّل : فملاقي أحد أطراف الشبهة محكوم بالطهارة فيه وذلك لقاعدة الطهارة واستصحاب عدم ملاقاته النجس ، فانّهما في الملاقي غير متعارضين بشيء لأنه على تقدير نجاسته يكون فرداً آخر من النجس غير الملاقى ، واستناد نجاسته إليه لا يقتضي أن تكون نجاسته هي بعينها نجاسة الملاقى الذي هو طرف للعلم الاجمالي لأن النجاسة كالطهارة ، فكما إذا طهّرنا متنجساً بالماء نحكم بطهارته كما كنّا نحكم بطهارة الماء ، فكل واحد من الماء والمغسول به فرد من الطاهر باستقلاله ، إذ ليست طهارة الثوب بعينها طهارة الماء وإن كانت ناشئة منها ، فكذلك الحال في نجاسة الملاقي

ــ[350]ــ

الناشئة من نجاسة الملاقى ، وحيث إنّا نشك في حدوث فرد آخر من النجس ، ولا علم بحدوثه لاحتمال طهارة الملاقى واقعاً فالأصل يقتضي عدمه .

   ودعوى : أن هناك علماً إجمالياً آخر ، وهو العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر ومقتضاه الحكم بوجوب الاجتناب عن الملاقي كالملاقى .

   مدفوعة : بأن العلم الاجمالي وإن كان ثابتاً كما ذكر إلاّ أن العلم الاجمالي بنفسه قاصر عن تنجيز الحكم في جميع أطرافه ، بل التنجيز مستند إلى تساقط الاُصول في أطراف العلم الاجمالي بالمعارضة ، وعليه فلا يترتب أثر على هذا العلم الاجمالي الأخير ، لأن الحكم قد تنجز في الطرف الآخر بالعلم الاجمالي السابق ونحتمل انطباق النجاسة المعلومة بالاجمال عليه ، والمتنجز لا يتنجز ثانياً ، فيبقى الأصل في الملاقي غير مبتلى بالمعارض فلا مانع من جريان قاعدة الطهارة أو استصحاب عدم ملاقاة النجس فيه .

   وأمّا الشق الثاني : فلا مناص فيه من الاجتناب عن الملاقي كالملاقى ، وذلك لأن استصحاب عدم الملاقاة في الماء أو قاعدة الطهارة فيه وإن كان معارضاً بمثله في الثوب فيتساقطان بالمعارضة وتبقى أصالة الحلية في الماء لجواز شربه سليمة عن المعارض إلاّ أن الثوب إذا لاقاه شيء ثالث يتشكل من ذلك علم اجمالي آخر ، وهو العلم بنجاسة الملاقي للثوب أو بحرمة شرب الماء ، فالأصل الجاري في الماء يعارضه الأصل الجاري في ملاقي الثوب ، للعلم بمخالفة أحدهما للواقع ، وبذلك يتنجز الحكم في الأطراف فيجب الاجتناب عن ملاقي الثوب كما يجب الاجتناب عن الماء .

    الصورة الثانية : ما إذا حصلت الملاقاة والعلم بها قبل حدوث العلم الاجمالي ، كما إذا علمنا بملاقاة شيء لأحد الماءين في زمان وبعد ذلك علمنا بنجاسة أحدهما إجمالاً فهل يجب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة ؟

   قد اختلفت كلمات الأعلام في المقام فذهب صاحب الكفاية (قدس سره) (1) إلى وجوب الاجتناب عن الملاقي حينئذ من جهة أن العلم الاجمالي قد تعلق بنجاسة هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 363 .

ــ[351]ــ

الطرف أو بنجاسة الملاقى والملاقي معاً ، فأحد طرفي العلم واحد والطرف الآخر اثنان لتقدم الملاقاة والعلم بها على حدوث العلم الاجمالي . وهو نظير العلم الاجمالي بنجاسة هذا الاناء الكبير أو ذينك الاناءين الصغيرين ، أو العلم بفوات صلاة الفجر أو بفوات صلاتي الظهرين بعد خروج وقتها ، فان قاعدة الحيلولة كما لا تجري بالاضافة إلى صلاة الظهر ، لمعارضتها بمثلها بالاضافة إلى صلاة الفجر كذلك لا تجري بالنسبة إلى صلاة العصر ، لتعارضها بمثلها بالاضافة إلى صلاة الفجر . وعلى الجملة : وحدة أحد طرفي العلم الاجمالي وتعدد الآخر لا يمنع عن تنجز الحكم في الجميع .

   وقد تنظّر في ذلك شيخنا الاُستاذ (1) تبعاً لشيخنا الأنصاري (قدس سرهما) (2) وذهبا إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة أيضاً . وذلك من جهة أن العلم الاجمالي وإن كان حاصلاً بوجوب الاجتناب عن هذا الماء أو الماء الآخر وملاقيه ، إلاّ أن الشك في نجاسة الملاقي مسبب عن الشك في نجاسة الملاقى ، والأصل الجاري في السبب متقدم بحسب المرتبة على الأصل الجاري في المسبب ، وبما أن الأصل السببي الجاري في الملاقى في المرتبة السابقة مبتلى بالمعارض أعني الأصل الجاري في الطرف الآخر فيتساقطان ويبقى الأصل في المسبب سليماً عن المعـارض وأمّا العلم الاجمالي الآخر المتعلق بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر فقد عرفت الجواب عنه في الصورة الاُولى فلا نعيد .

   ومما ذكرناه يظهر فساد قياس المقام بالعلم الاجمالي بفوات صلاة الفجر أو الظهرين أو بنجاسة الاناء الكبير أو الاناءين الصغيرين ، فان الشك في إحدى صلاتي الظهرين أو الاناءين الصغيرين غير مسبب عن الشك في الآخر بل كلاهما في عرض واحد وطرف للعلم الاجمالي في مرتبة واحدة ، وهذا بخلاف المقام لأن الشك في الملاقي مسبب عن الشك في الملاقى ، والأصلان الجاريان فيهما طوليان فاذا سقط الأصل المتقدم بالمعارضة فلا محالة يبقى الأصل المسببي سليماً عن المعارض .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 2 : 263 .

(2) فرائد الاُصول 2 : 425 .

ــ[352]ــ

   هذا ولكن الظاهر أنه لا يمكن تتميم شيء من هذين القولين على إطلاقهما ، لأن لهذه الصورة أيضاً شقين :

   أحدهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الاجمالي المتأخر عن الملاقاة وعن العلم بها متقدماً عليهما ، كما إذا علمنا بحدوث الملاقاة يوم الخميس وفي يوم الجمعة حصل العلم الاجمالي بنجاسة أحد الاناءين يوم الأربعاء فالكاشف ـ  وهو العلم الاجمالي  ـ وإن كان متأخراً عن الملاقاة والعلم بها إلاّ أن المنكشف متقدم عليهما .

   وثانيهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الاجمالي المتأخر عن الملاقاة وعن العلم بها مقارناً معهما ، وهذا كما إذا علمنا بوقوع ثوب في أحد الاناءين يوم الخميس وفي يوم الجمعة حصل العلم الاجمالي بوقوع قطرة دم على أحد الاناءين حين وقوع الثوب في أحدهما .

   أمّا الشق الأول : فالحق فيه هو ما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) من عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي ، وهذا لا من جهة تقدم الأصل الجاري في الملاقى على الأصل في الملاقي رتبة ، فان ذلك لا يستقيم من جهة أن أدلّة اعتبار الاُصول إنما هي ناظرة إلى الأعمال الخارجية ومتكفلة لبيان أحكامها ، ومن هنا سميت بالاُصول العملية ، وغير ناظرة إلى أحكام الرتبة بوجه ، ومع فعلية الشك في كل واحد من الملاقي والملاقى لا وجه لاختصاص المعارضة بالأصل السببي بعد تساوي نسبة العلم الاجمالي إليه وإلى الأصل المسببي .

   نعم ، التقدم الرتبي إنما يجدي على تقدير جريان الأصل في السبب بمعنى أن الأصل السببي على تقدير جريانه لا يبقي مجالاً لجريان الأصل المسببي ، وأمّا على تقدير عدم جريانه فهو والأصل المسببي على حد سواء . بيان ذلك : أن الأصل السببي إنما يرفع موضوع الأصل الجاري في المسبب فيما إذا كانت بينهما معارضة ، والمعارضة في المقام غير واقعة بين الأصل السببي والمسببي ، وإنما المعارضة بين كل من الأصل الجاري في السبب والمسبب وبين الأصل الجاري في الطرف الآخر ، ومن الظاهر أن نسبة العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر على حد سواء بالاضافة إلى الجميع وليست فيها سببية ولا مسببية . نعم ، الشك في الملاقي مسبب عن الشك في الملاقى .

ــ[353]ــ

   وبعبارة اُخرى أحد طرفي العلم مركب من أمرين يكون الشك في أحدهما مسبباً عن الشك في الآخر ، والأصل الجاري فيه متأخر عن الأصل الجاري في الآخر . وأمّا بالاضافة إلى الأصل الجاري في الطرف الآخر للعلم الاجمالي فلا تأخر ولا تقدم في البين ، وعليه فمقتضى العلم الإجمالي وجوب الاجتناب عن الجميع .

   ودعوى : أن الأصل الجاري في الملاقي كما أنه متأخر عن الأصل في الملاقى كذلك متأخر عن الأصل في الطرف الآخر ، وذلك لتساوي الملاقى مع الطرف الآخر رتبة والمتأخر عن أحد المتساويين متأخر عن الآخر أيضاً .

   تندفع : بأنها دعوى جزافية . إذ لا بدّ في التقدم والتأخر من ملاك يوجبه كأن يكون أحدهما علة والآخر معلولاً له وهذا إنما هو بين الملاقي والملاقى لا بين الملاقي والطرف الآخر ، حيث لا علّية ولا معلولية بينهما . بل الوجه في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي حينئذ إنما هو تقدم المنكشف بالعلم الاجمالي على الملاقاة والعلم بها ، وإن كان الكاشف وهو العلم متأخراً عنهما ، فان الاعتبار بالمنكشف لا بالكاشف لوجوب ترتيب آثار المنكشف ـ وهو نجاسة أحد الاناءين ـ من زمان حـدوثه فيجب في المثال ترتيب آثار النجاسة المعلومة بالاجمال من يوم الأربعاء لا من زمان الكاشف كما لا يخفى ، وعلى هذا فقد تنجزت النجاسة بين الاناءين والشك في طهارة كل منهما يوم الأربعاء قد سقط الأصل الجاري فيه بالمعارضة في الآخر ، وبقي الشك في حدوث نجاسة اُخرى في الملاقي ، والأصل عدم حدوثها ، ولا معارض لهذا الأصل لما عرفت من أن العلم الاجمالي الثاني المتولد من الملاقاة بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر مما لا أثر له .

   نعم ، التفصيل الذي قدمناه هناك بين ما إذا اختص أحد الأطراف بأصل غير معارض وما إذا لم يختص به ، يأتي في هذه الصورة أيضاً حرفاً بحرف .

   وأمّا الشق الثاني : فالحق فيه هو ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدس سره) من وجوب الاجتناب عن الملاقي أيضاً ، وذلك لاتحاد زمان حدوث النجاسة بين الاناءين والملاقاة ، فاذا علمنا بطرو نجاسة يوم الخميس إما على الملاقي والملاقى وإما على الطرف الآخر فهو علم إجمالي أحد طرفيه مركب من أمرين ، وطرفه الآخر متحد

ــ[354]ــ

نظير العلم الاجمالي بنجاسة الاناء الكبير أو الاناءين الصغيرين ، أو العلم بفوات صلاة الفجر أو صلاتي الظهرين . وأمّا اختلاف مرتبة الأصل في الملاقي والأصل الجاري في الملاقى فقد عرفت عدم الاعتبار به .

    الصورة الثالثة : ما إذا حصلت الملاقاة قبل حدوث العلم الاجمالي وكان العلم بها متأخراً عن حدوثه ، كما إذا لاقى الثوب أحد الماءين يوم الأربعاء ولكنه لم يعلم بها وحصل العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما إجمالاً يوم الخميس وحصل العلم بالملاقاة يوم الجمعة ، فهل يحكم بطهارة الملاقي في هذه الصورة ؟ فيه خلاف بين الأصحاب ولها أيضاً شقان .

   أحدهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الاجمالي متقدماً على الملاقاة بحسب الزمان وإن كان الكاشف ـ  أعني العلم الاجمالي  ـ متأخراً عنهما ، كما إذا لاقى الثوب أحد الماءين يوم الأربعاء ، وعلمنا يوم الخميس بطروّ نجاسـة على أحدهما يوم الثلاثاء وحصل العلم بالملاقاة يوم الجمعة .

   وثانيهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الاجمالي متحداً مع الملاقاة زماناً بأن لاقى الثوب أحد الاناءين يوم الخميس ، وعلمنا يوم الجمعة بطروّ نجاسة على أحد الاناءين يوم الخميس ، وحصل العلم بالملاقاة حال طروّ النجاسة يوم السبت .

   أمّا الشق الأوّل : فلا يجب فيه الاجتناب عن الملاقي ، فان النجاسة المرددة قد تنجزت بالعلم الاجمالي المتأخر من حين حدوثها ، وبه تساقطت الاُصول في كل واحد من الاناءين ، فالعلم بالملاقاة بعد ذلك لا يولد إلاّ احتمال حدوث نجاسة جديدة في الملاقي ، والأصل عدم حدوثها .

   وبعبارة اُخرى : لم يتعلّق العلم الاجمالي إلاّ بنجاسة أحد الاناءين ولم يتعلّق بالملاقي بوجه . بل في زمان حدوثه قد يكون الملاقي مقطوع الطهارة ، أو لو كان مشكوك النجاسة كان يجري فيه الاستصحاب ، فالعلم بالملاقاة بعد ذلك لا يترتّب عليه غير احتمال حدوث فرد آخر من النجس والأصل عدمه . والتفصيل الذي قدمناه في الصورة الاُولى بين عدم اختصاص بعض الأطراف بأصل غير معارض

ــ[355]ــ

واختصاصه به جار في المقام أيضاً .

   وأمّا الشق الثاني : فقد يقال بطهارة الملاقي فيه أيضاً ، ويظهر ذلك من بعض كلمات صاحب الكفاية (قدس سره) حيث ذكر أن العبرة بالكاشف دون المنكشف ، وبما أن العلم الاجمالي كان متقدماً على حصول العلم بالملاقاة فقد تنجزت النجاسة بذلك في الطرفين وتساقطت الاُصول قبل حدوث العلم بالملاقاة ، وعليه فلا يترتب على العلم بها إلاّ احتمال حدوث نجاسة جديدة ، والأصل عدمها وبذلك يفرق بين صورتي تقدم العلم بالملاقاة على العلم الاجمالي وتأخره عنه .

   إلاّ أن هذا الكلام بمعزل عن التحقيق ، والسر في ذلك أن أي منجّز عقلي أو شرعي إنما يترتب عليه التنجيز ما دام باقياً ففي زمان حدوثه يترتب عليه التنجيز بحسب الحدوث فقط ، ولا يبقى أثره وهو التنجّز بعد زواله وانعدامه ، وعلى هذا بنينا انحلال العلم الاجمالي ـ بوجود واجبات ومحرمات في الشريعة المقدسة ـ بالظفر بواسطة الأمارات على جملة من الأحكام لا يقصر عددها عن المقدار المعلوم بالاجمال ، حيث قلنا إن التكليف فيما ظفرنا به من الأحكام متيقن الثبوت ، وفيما عداه مشكوك بالشك البدوي يرجع فيه إلى البراءة ، لارتفاع أثر العلم الاجمالي وهو التنجز بانعدامه .

   وعلى الجملة أن العلم الاجمالي لا يزيد عن العلم التفصيلي بشيء ، فكما إذا علمنا بنجاسة شيء تفصيلاً ثم تبدل إلى الشك الساري يرجع إلى مقتضيات الاُصول ، ولا يمكن أن يقال إن النجاسة متنجزة بحدوث العلم التفصيلي ولا يرتفع أثره بعد ارتفاعه لوضوح أنه إنما يمنع عن جريان الاُصول ما دام باقياً لا مع زواله وانعدامه ، فكذلك العلم الاجمالي لا يترتب عليه أثر بعد انعدامه ، وفي المقام وإن حصل العلم الاجمالي بنجاسة أحد الاناءين ابتداء إلاّ أ نّه يرتفع بعد العلم بالملاقاة المقارنة لحدوث النجاسة ويوجد علم إجمالي آخر متعلق بنجاسة الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر ومقتضى ذلك وجوب الاجتناب عن كل واحد من الملاقي والملاقى .

   هذا تمام الكلام في صور ملاقي الشبهة المحصورة والغالب منها هو الصورة الاُولى وقد مرّ أن الملاقي فيها محكوم بالطهارة .

ــ[356]ــ

   [ 155 ] مسألة 7 : إذا انحصر الماء في المشتبهين تعيّن التيمم (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   انحصار الماء في المشتبهين

   (1) الكلام هنا في مقامين :

   الأوّل : في مشروعية التيمم وجوازه ، وهو مما لا إشكال فيه وقد ثبت ذلك بالنص ففي موثقة سماعة قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره ؟ قال: يهريقهما جميعاً ويتيمم» (1) وبمضمونها موثقة عمار(2) وهل الحكم المذكور على طبق القاعدة أو أنه تعبّدي ؟ .

   تظهر ثمرة الخلاف في إمكان التعدي عن موردهما ـ  وهو الماءان القليلان بمقتضى قوله : وقع في أحدهما قذر ، لأن الذي ينفعل بوقوع القذر فيه ليس إلاّ القليل  ـ فيصح على الأوّل دون الثاني ، ولا بدّ لتحقيق الحال في المقام من بيان صور التوضؤ والاغتسال بالماءين المشتبهين فنقول : إن لاستعمالهما صوراً ثلاثاً :

   الاُولى : أن يتوضأ بأحدهما ويصلي أوّلاً ، ثم يغسل مواضع إصابة الماء الأوّل بالماء الثاني ، ويتوضأ منه ويصلي ثانياً .

   الثانية : أن يتوضأ بكل واحد من المشتبهين ، ويصلي بعد كل واحد من الوضوءين من غير تخلل غسل مواضع إصابة الماء الأول بالثاني بين الوضوءين ، أو يصلي بعدهما مرة واحدة .

   الثالثة : أن يتوضأ بأحدهما من غير أن يصلي بعده ، ثم يغسل مواضع إصابة الماء الأول بالماء الثاني ، ويتوضأ منه ويصلي بعد الوضوءين مرة واحدة .

   أمّا الصورة الاُولى : فلا إشكال في أنها توجب القطع بفراغ الذمّة وإتيان الصلاة متطهراً بالطهارة الحدثية والخبثية حيث إنه طهّر مواضع إصابة الماء الأوّل بالثاني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 151 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2 .

(2) الوسائل 1 : 155 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 14 .

ــ[357]ــ

وهي نظير اشتباه المطلق بالمضاف فان الوضوء منهما يوجب القطع بحصول الطهارة لا  محالة ، ومعه لا ينبغي التأمّل في إجزاء ذلك ، بل لولا جواز التيمم حينئذ بمقتضى الروايتين المتقدمتين لقلنا بوجوب التوضؤ من المشتبهين على الكيفية المتقدمة لتمكن المكلف من الماء وعدم كونه فاقداً له ، إلاّ أن ملاحظة المشقة النوعية على المكلفين في التوضؤ ـ  بتلك الكيفية المتقدمة  ـ من الماءين المشتبهين دعت الشارع إلى عدم الحكم بتعيّن الوضوء حينئذ بتجويز التيمم في حقهم ، وما ذكرناه في هذه الصورة لا يختص بالماءين القليلين ويأتي في الكثيرين أيضاً كما هو ظاهر .

   أمّا الصورة الثانية : فهي غير موجبة للقطع باتيان الصلاة متطهراً ، لاحتمال أن يكون الماء الأوّل هو النجس ، ومعه يحتمل بطلان كلا وضوئيه ، أمّا وضوؤه الأوّل فمن جهة احتمال نجاسة الماء ، وأمّا وضوؤه الثاني فلأجل احتمال نجاسة مواضع الوضوء . وهذا أيضاً غير مختص بالقليلين كما هو ظاهر . فالمتعين حينئذ أن يتيمم أو يتوضأ على كيفية اُخرى ، ولا يمكنه الاكتفاء بالتوضؤ من الماءين بهذه الكيفية وهذا أيضاً لا كلام فيه .

   وإنما الاشكال في الصورة الثالثة : وأنه هل يمكن الاكتفاء بصلاة واحدة بعد التوضؤ من كلا الماءين المشتبهين وتخلل الغسل بينهما مع قطع النظر عن النص ؟

   ذكر صاحب الكفاية (قدس سره) (1) أن الماءين إن كانا قليلين فوجوب التيمم حينئذ على طبق القاعدة من غير حاجة فيه إلى النص ، وذلك للعلم التفصيلي بنجاسة بدن المتوضئ أو المغتسل عند إصابة الماء الثاني إما لنجاسـته أو لنجاسـة الماء الأوّل وبما أن الثاني ماء قليل لا يكفي مجرد إصابته في طهارة بدنه فبعد غسل مواضع الوضوء أو الغسل بالماء الثاني يشك في طهارة بدنه فيستصحب نجاسته المتيقنة حال إصابة الماء الثاني . ولا يعارضه استصحاب طهارته المعلومة إجمالاً إما قبل الغسل بالماء الثاني أو بعده ، وذلك للجهل بتاريخها وعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين فيها ، وهذا بخلاف النجاسة فان تاريخها معلوم ، وهو أول آن إصابة الماء الثاني بدنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 179 .

ــ[358]ــ

ولأجل أن التوضؤ من المشتبهين يوجب ابتلاء بدن المتوضئ بالنجاسة والخبث ، أمره الشارع بالتيمم حينئذ ، لأن الطهارة المائية لها بدل وهو التيمم ، ولا بدل للطهارة الخبثية فهي متقدمة على الطهارة المائية في نظر الشارع .

   وأمّا إذا كانا كرين فوجوب التيمم على خلاف القاعدة ، ولا نلتزم به مع قطع النظر عن النص ، وذلك لأن ثاني الماءين إذا كان كراً ، ولم يشترط في التطهير به تعدد الغسل كان مجرد وصوله ـ  على تقدير طهارته  ـ إلى أعضاء المتوضئ موجباً لطهارتها ، ومعه يقطع بصحة الوضوء إما لطهارة الماء الأول فالتوضؤ به تام ، وإما لطهارة الماء الثاني وقد فرضنا أنه غسل به أعضاء الوضوء ثم توضأ فوضوؤه صحيح على كل تقدير .

   نعم ، له علم إجمالي بنجاسة بدنه في أحد الزمانين إما عند وصول الماء الأول إلى بدنه أو حال وصول الماء الثاني إليه ، إلاّ أن هذا العلم الاجمالي لا أثر له ، للعلم الاجمالي بطهارة بدنه أيضاً ، ومع العلم بالحادثين والشك في المتقدم والمتأخر منهما لا يجري الاستصحاب في شيء منهما ، ومع عدم جريان الاستصحاب يرجع إلى قاعدة الطهارة ، وهي تقتضي الحكم بطهارة بدنه . هذا كلّه على مسلكه (قدس سره) من عدم جريان الأصل فيما جهل تاريخه .

   وأمّا على ما سلكناه في محله (1) من عدم التفرقة في جريان الاستصحاب بين ما علم تأريخه وما جهل فالنص على خلاف القاعدة في كلتا صورتي قلة الماءين وكثرتهما ، وذلك لتعارض استصحاب الطهارة مع استصحاب النجاسة في صورة قلة الماءين ، فان المكلف كما يعلم بنجاسة بدنه في زمان كذلك يعلم بطهارة بدنه في زمان آخر ، لأن المفروض أنه غسل مواضع إصابة الماء الأول بالماء الثاني ، وبعد تساقط الاستصحابين يرجع إلى قاعدة الطهارة في كل من القليلين والكثيرين أو القليل والكثير.

   ولكن التحقيق عدم جريان قاعدة الطهارة في شيء من الصورتين وأن النص فيهما على طبق القاعدة ، وذلك لمكان العلم الاجمالي بنجاسة بعض أعضاء المتوضئ ومقتضى ذلك عدم جواز الرجوع إلى أصالة الطهارة . وبيان ذلك : أن الماء الثاني كراً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 194 .

ــ[359]ــ

كان أم قليلاً إنما يرد على بدن المتوضئ متدرجاً ، لاستحالة وروده على جميع أعضائه دفعة واحدة حقيقة حتى في حالة الارتماس ، لأن الماء حينئذ إنما يصيب رجليه مثلاً أوّلاً ثم يصل إلى غيرهما من أعضائه شيئاً فشيئاً ، فيعلم المكلف بمجرد إصابة الماء الثاني لأحد أعضائه بنجاسة هذا العضو على تقدير أن يكون النجس هو الماء الثاني ، أو بنجاسة غيره كما إذا كان النجس هو الماء الأول ، ومقتضى هذا العلم الاجمالي وجوب غسل كل ما أصابه من الماءين ، ومعه لا مجال لقاعدة الطهارة في صورتي قلة الماءين وكثرتهما ، فالرواية في الصورة الثالثة كالثانية على طبق القاعدة ، ولا مانع من التعدي عن موردها إلى غيره .

   والمقام الثاني : في أنه هل يجوز التوضؤ من الماءين المشتبهين على الكيفية المتقدمة في الصورة الاُولى أو أن المتعين هو التيمم ؟

   والأوّل هو الصحيح ، لأن الأمر وإن كان يقتضي التعيين في نفسه إلاّ أنه في المقام لما كان وارداً في مقام توهّم الحظر أوجب ذلك صرف ظهوره من التعيين إلى التخيير وذلك لأن المكلف حينئذ واجد للماء حقيقة كما قدمناه ، ومقتضى القاعدة تعيّن الوضوء ، ولكن الشارع نظراً إلى أن في التوضؤ من المشتبهين على الكيفية السابقة حرجاً نوعياً على المكلفين قد رخص في إتيان بدله وهو التيمم ، فالأمر به إنما ورد في مقام توهّم المنع عنه ، وهو قرينة صارفة لظهور الأمر في التعيين إلى التخيير .

   وقد ذكر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في بعض تعليقاته على المتن ـ عند حكم السيد (قدس سره) بجواز التوضؤ في موارد الحرج وتخييره المكلف بين الوضوء والتيمم ـ أن هذا يشبه الجمع بين المتناقضين لأن موضوع وجوب التيمم إنما هو عنوان فاقد الماء كما أن موضوع وجوب الوضوء عنوان واجد الماء ، وكيف يعقل اجتماع عنواني الفاقد والواجد في حق شخص واحد ؟ فالتخيير بين الوضوء والتيمم غير معقول .

   وقد أجبنا عنه في محله بأن موضوع وجوب التيمم وإن كان فاقد الماء إلاّ أن باب التخصيص واسع ، ولا مانع من تجويز التيمم للواجد في مورد ولو لأجل التسهيل تخصيصاً في أدلة وجوب التوضؤ على الواجد ، فاذا كان الجمع بينهما ممكناً فالمتبع في

ــ[360]ــ

   وهل يجب إراقتهما أو لا ؟ الأحوط ذلك وإن كان الأقوى العدم (1) .

   [ 156 ] مسألة 8 : إذا كان إناءان أحدهما المعيّن نجس والآخر طاهر فاُريق أحدهما ولم يعلم أ نّه أيّهما ، فالباقي محكوم بالطهارة ((1)) (2) وهذا بخلاف ما لو كانا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوعه دلالة الدليل ، وقد دلّ على جواز الاقتصار بالتيمم مع كون المكلف واجداً للماء ومقامنا هذا من هذا القبيل .

   ثم إنه إذا كان عند المكلف ماء معلوم الطهارة فهل له أن يتوضأ من المشتبهين على الكيفية المتقدمة أو يجب التوضؤ مما علم طهارته ؟

   لا مانع من التوضؤ منهما وإن كان متمكناً من التوضؤ بما علم طهارته وذلك لما بنينا عليه في محله من أن الامتثال الاجمالي في عرض الامتثال التفصيلي ، ولا يتوقف على عدم التمكّن من الامتثال تفصيلاً  (2) ، ومقامنا هذا من صغريات تلك الكبرى وإن احتاط الماتن (قدس سره) بترك التوضؤ من المشتبهين . كما يأتي في المسألة العاشرة إلاّ أنه غير لازم كما عرفت .

   (1) والوجه في هذا الاحتياط احتمال أن تكون الاراقة واجبة مقدمة لحصول شرط وجوب التيمم وهو كون المكلف فاقداً للماء ، ولكن لمّا كان يحتمل قوياً أن يكون الأمر بالاراقة في الموثقة إرشاداً إلى عدم ترتب فائدة على المشتبهين ، فان منفعة الماء غالباً إما هو شربه أو استعماله في الطهارة وكلاهما منتفيان في مفروض المسألة لمكان العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما ، كان ذلك مانعاً عن حمل الرواية على الوجوب ، ومن هنا حكم (قدس سره) بعدم الوجوب .

    تردّد الزائل بين الاناء الطاهر والنجس

   (2) للشك في نجاسته شكاً بدوياً ، وهو مورد لقاعدة الطهارة ، حيث لا علم بنجاسته إجمالاً حتى يكون الأصل فيه معارضاً بالأصل في الطرف الآخر . اللّهمّ إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا لم يكن للماء المراق ملاق له أثر شرعي وإلاّ لم يحكم بطهارة الباقي .

(2) مصباح الاُصول 2 : 77 .

 
 

ــ[361]ــ

مشتبهين واُريق أحدهما ، فانّه يجب الاجتناب عن الباقي ، والفرق أن الشبهة في هذه الصورة بالنسبة إلى الباقي بدوية ، بخلاف الصورة الثانية فان الماء الباقي كان طرفاً للشبهة من الأوّل وقد حكم عليه بوجوب الاجتناب (1) .

   [ 157 ] مسألة 9 : إذا كان هناك إناء لا يعلم أنه لزيد أو لعمرو ، والمفروض أنه مأذون من قبل زيد فقط في التصرف في ماله ، لا يجوز له استعماله (2) وكذا إذا علم أنه لزيد مثلاً لكن لا يعلم أنه مأذون من قبله أو من قبل عمرو (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن يكون للمراق ملاق لأنه يولّد علماً إجمالياً بنجاسة الملاقي للمراق أو الاناء الباقي والأصلان فيهما متعارضان فلا مناص من تساقطهما ، وبذلك تتنجز النجاسة في كل واحد من الطرفين .

   (1) لأن العلم الاجمالي قد نجز متعلقه في كل واحد من الطرفين وتساقطت الاُصول فيهما بالمعارضة ، وقد مرّ أن التنجز لا ينفك عن العلم الاجمالي ما دام باقياً وهو باق بعد إهراق أحدهما كما كان قبله ولا يرتفع باراقته .

    التردّد في متعلق الإذن

   (2) ذلك لعموم أدلّة حرمة التصرف في مال الغير ، وإنما خرجنا عنه في صورة إذن المالك في التصرفات ، وإذن مالك هذا المال المعيّن الشخصي مشكوك فيه والأصل عدمه ، ولا ينافيه العلم خارجاً بإذن زيد في التصرف في ماله ، لأن الاعتبار في جريان الأصل في مورد إنما هو بالشك فيما يترتب عليه الأثر ، وهو إذن المالك في مفروض المسألة بما هو مالك دون إذنه بما هو زيد ، وإذن المالك مشكوك فيه والأصل يقتضي عدمه ، وهو نظير ما إذا رأينا أحداً قد مات وشككنا في حياة زيد ـ  وهو مقلَّدنا  ـ فان العلم بموت من لا ندري أنه زيد لا يمنع عن جريان الاستصحاب في حياة زيد لاثبات جواز تقليده وحرمة تزويج زوجته وغيرهما من الأحكام .

   (3) للشك في إذن مالكه وهو زيد والأصل عدمه ، وأصالة عدم إذن غيره وهو عمرو مما لا أثر له ، واستصحابه لاثبات أن الآذن هو زيد يتوقف على القول بالاُصول المثبتة .

ــ[362]ــ

   [ 158 ] مسألة 10 : في الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل وغسل بدنه من الآخر ثم توضأ به أو اغتسل ، صحّ وضوءه أو غسله على الأقوى ((1)) ، لكن الأحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة ، ومع الانحصار الأحوط ضم التيمم أيضاً (1) .

   [ 159 ] مسألة 11 : إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما أو اغتسل ، وبعد الفراغ حصل له العلم بأن أحدهما كان نجساً ، ولا يدري أنه هو الذي توضأ به أو غيره ، ففي صحة وضوئه أو غسله إشكال ، إذ جريان قاعدة الفراغ هنا محل إشكال ((2)) (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قدمنا وجه ذلك في المسألة المتقدمة .

 

   العلم بالنجاسة إجمالاً بعد العمل

   (2) الاشكال في جريان قاعدة الفراغ في وضوئه وغسله يبتني على اعتبار الالتفات حال العمل في جريانها ، وحيث إن مفروض المسألة عدم التفات المكلف إلى نجاسة أحد الماءين حال العمل فلا تجري فيها قاعدة الفراغ . وأمّا إذا لم نعتبر الالتفات في جريانها فلا إشكال في صحة وضوئه وغسله بمقتضى تلك القاعدة ، ولتحقيق الحال في اعتبار الالتفات وعدمه في جريان القاعدة محل آخر يطول بذكره الكلام ، إلاّ أنه لا بأس بالاشارة إلى القول المختار على وجه الاختصار فنقول :

   الصحيح عدم جريان القاعدة في غير ما إذا كان العامل ملتفتاً حال عمله ، لأن منصرف الاطلاقات الواردة في جريانها أن تلك القاعدة أمر ارتكازي طبعي وليست قاعدة تعبدية محضة ، لأن كل من عمل عملاً ثم التفت إليه بعد إتيانه ولو بعد مدة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نعم الأمر كذلك إلاّ أنه لا تصح الصلاة عندئذ للعلم الاجمالي بنجاسة بدنه بملاقاة الماء الأول أو الثاني وإن كان الثاني كراً على ما بيّناه في محله ، وحينئذ فلا بدّ من غسل تمام المحتملات حتى يحكم بصحة الصلاة ، وبذلك يظهر الحال في صورة الانحصار .

(2) والأظهر بطلان الوضوء فيما إذا كان الطرف الآخر أو ملاقيه باقياً ، وإلاّ فالوضوء محكوم بالصحة .

ــ[363]ــ

وأمّا إذا علم بنجاسة أحدهما المعيّن ، وطهارة الآخر فتوضأ ، وبعد الفراغ شكّ في أنه توضأ من الطاهر أو من النجس ، فالظاهر صحة وضوئه لقاعدة الفراغ (1) . نعم ، لو علم أنه كان حين التوضؤ غافلاً عن نجاسة أحدهما يشكل جريانها .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يشك في كيفية عمله ، وأنه أتى به بأي وجه إلاّ أنه لو كان ملتفتاً حال عمله ، وكان غرضه هو الامتثال وإفراغ ذمته عن التكليف لم يحتمل في حقه النقص عمداً لأنه خلاف فرض التفاته ، ونقض لغرضه ـ  أعني افراغ ذمّته  ـ واحتمال نقصه غفلة مندفع بأصالة عدم الغفلة ، وبهذا يحكم بصحة عمله إلاّ أن ذلك يختص بصورة التفات الفاعل حال عمله ، وكذلك الحال فيما إذا احتمل الالتفات حال عمله . وأمّا إذا كان عالماً بغفلته حين عمله ، فاحتمال عدم النقيصة في عمله لا  يستند إلاّ إلى احتمال الصدفة غير الاختيارية ، وليس إتيانه العمل صحيحاً مطابقاً للارتكاز ، وعلى هذا لا بدّ من اعتبار احتمال الالتفات حال العمل في جريان القاعدة .

   هذا على أن هناك روايتين : إحداهما : موثقة بكير بن أعين قال : «قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ ، قال : هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (1) .

   وثانيتهما : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال : «إن شكّ الرجل بعد ما صلّى فلم يدر أثلاثاً صلّى أم أربعاً وكان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتم ، لم يعد الصلاة ، وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك» (2) . وهما تدلان على اعتبار الأذكرية والأقربية حال العمل ـ  أعني الالتفات إلى ما يأتي به من العمل في مقام الامتثال  ـ في جريان قاعدة الفراغ ، فلو تمّ إطلاق بقية الأخبار ولم تكن منصرفة إلى ما ذكرناه ففي هاتين الروايتين كفاية لتقييد إطلاقاتها بصورة الالتفات .

   (1) لالتفات المكلف إلى نجاسة أحدهما المعيّن وطهارة الآخر ، وإنما يشك في صحة وضوئه بعد الفراغ، للشك في أنه هل توضأ من الطاهر أو من النجس، وهو مورد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 471 / أبواب الوضوء ب 42 ح 7 .

(2) الوسائل 8 : 246 / أبواب الخلل في الصلاة ب 27 ح 3 .

ــ[364]ــ

   [ 160 ] مسألة 12 : إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية ، لا يحكم عليه بالضمان ، إلاّ بعد تبين أن المستعمل هو المغصوب (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لقاعدة الفراغ كغيره من مواردها ، اللّهم إلاّ أن يعلم بغفلته عن نجاسة أحدهما المعيّن حال العمل .

    استعمال أحد المشتبهين بالغصبية

   (1) وذلك لأن العلم الاجمالي إنما يكون منجزاً فيما إذا تعلق بحكم فعلي على كل تقدير أو بغيره مما هو تمام الموضوع للحكم الفعلي . وأمّا إذا لم يكن المعلوم بالاجمال حكماً فعلياً ولا تمام الموضوع للحكم الفعلي فلا يترتب عليه التنجز بوجه ، وهذا كما إذا علم أن أحد الميتين ميت آدمي ، فان الميت الآدمي وإن كان تمام الموضوع لوجوب الدفن والكفن إلاّ أنه ليس بتمام الموضوع لوجوب غسل مس الميت ، لأن موضوعه هو مس الميت الانساني ، ومن الظاهر أنه إذا مس أحد الميتين لا يحرز بذلك أنه مس بدن الميت الآدمي ، لاحتمال أن يكون الميت ميتاً غير آدمي . فالعلم الاجمالي المذكور لا يترتّب عليه أثر بالاضافة إلى وجوب غسل مس الميت .

   ولهذه الكبرى أمثلة كثيرة ومنها ما مثل به في المتن ، لأن العلم بغصبية أحد الماءين مثلاً وإن كان يترتب عليه التنجيز بالاضافة إلى حرمة التصرف في المشتبهين ، لأن الغصب بما هو تمام الموضوع للحكم بحرمة التصرفات إلاّ أنه لا يترتب عليه أثر بالاضافة إلى الضمان ، لأن موضوع الحكم بالضمان مركب من أمرين : مال الغير وإتلافه أو الاستيلاء عليه ، وإتلاف أحد المشتبهين في المثال لا يوجب العلم بتحقق كلا جزئي الموضوع للحكم بالضمان ، لاحتمال أنه إتلاف لملك نفسه فلا يحرز به الاستيلاء على مال الغير ، وحيث إن الضمان مشكوك الحدوث فالأصل يقتضي عدمه .

   ثم إن وجوب الموافقة القطعية في موارد العلم الاجمالي غير مستند إلى نفسه كما ذكرناه غير مرة ، وإنما يستند إلى تساقط الاُصول في أطرافه ، وهذا إنما يتحقق فيما إذا

ــ[365]ــ

كانت الاُصول الجارية في أطراف العلم الاجمالي نافية للتكليف . وأمّا إذا كانت مثبتة وموافقة للعلم الاجمالي أو اختلفت وكان بعضها مثبتاً له ، فلا مانع من جريان المثبت منها في أطراف العلم الاجمالي ، حيث لا يترتب عليه محذور على ما ذكرناه في محلّه وبذلك يبقى الأصل النافي سليماً عن المعارض ويسقط العلم الاجمالي عن التأثير . ومثاله ما إذا علمنا بنجاسة أحد الاناءين إذا كان كلاهما أو أحدهما مسبوقاً بالنجاسة حيث لا مانع حينئذ من استصحاب النجاسة فيما هو مسبوق بها ، وبعد ذلك لا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة في الاناء الآخر لأنها غير معارضة بشيء ، ومن هذا تعرف أنه لا فرق فيما أفاده الماتن (قدس سره) من عدم الحكم بالضمان بين صورتي سبق العلم الاجمالي بالغصبية عن التصرف في أحدهما وتأخره عنه .

   وأمّا ما قد يقال : من التفصيل في الضمان بين الصورتين بالحكم بعدم الضمان في صورة تقدم العلم الاجمالي على التصرّف في أحدهما ، لاستصحاب عدم حدوث الحكم بالضمان بعد تساقط أصالة الاباحة في كل واحد من الطرفين بالمعارضة، والحكم بالضمان عند تقدم التصرف على العلم الاجمالي نظراً إلى أن العلم بغصبية الطرف المتلف أو الباقي يولد العلم بالضمان ـ  على تقدير أن يكون ما أتلفه هو المغصوب  ـ  أو بحرمة التصرف في الطرف الباقي إذا كان هو المغصوب ، وهذا العلم الاجمالي يقتضي التنجيز ، لمعارضة أصالة عدم حدوث الضمان لأصالة الإباحة في الطرف الآخر .

   فممّا لا يمكن المساعدة عليه لأن العلم بغصبية أحد الطرفين إذا كان متأخراً عن الاتلاف فهناك أصلان :

   أحدهما : أصالة عدم حدوث الحكم بالضمان وهو أصل ناف مخالف للعلم الاجمالي.

   وثانيهما : أصالة عدم كون الباقي ملكاً له أو لمن أذن له في التصرف فيه ـ  لو كان هناك مجيز  ـ حيث إن جواز التصرف في الأموال المتعارفة التي بأيدينا يحتاج إلى سبب محلل له من اشترائها وهبتها وإجازة مالكها وغيرها من الأسباب ، والأصل عدم تحقق السبب المحلل عند الشك فيه ، وهو أصل مثبت على وفق العلم الاجمالي بالتكليف ، فلا مانع من جريانه كما مر، وبهذا تبقى أصالة عدم حدوث الضمان في

ــ[366]ــ

 فصل

[  في الأسآر  ]

    سؤر (1) نجس العين كالكلب والخنزير والكافر ((1)) نجس (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطرف المتلف سليمة عن المعارض فلا يترتب على العلم الاجمالي بالضمان أو بحرمة التصرف في الطرف الآخر أثر .

   وقياس المقام بالملاقي لأحد أطراف الشبهة المحصورة ، فان الملاقاة إذا كانت متأخرة عن العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى أو الطرف الآخر يحكم بطهارة الملاقي لتساقط الاُصول في الطرفين ، فيبقى الأصل في الملاقي سليماً عن المعارض . وإذا كانت متقدمة على العلم الاجمالي يحكم بنجاسته فيما إذا فقد الملاقى أو خرج عن محل الابتلاء ، لتعارض الأصل في الملاقي مع الأصل الجاري في الطرف الآخر ، قياس مع الفارق فان الأصلين في المقيس عليه نافيان للتكليف وهما على خلاف المعلوم بالاجمال ، وأين هذا من المقام الذي عرفت أن الأصل فيه مثبت للتكليف في أحد الطرفين ، ومعه لا تتساقط الاُصول ، وقد مرّ أن وجوب الموافقة القطعية مستند إلى تساقط الاُصول في أطراف العلم الاجمالي وغير مستند إلى نفسه .

 فصل في الأسآر

    (1) المراد بالسؤر في الاصطلاح (2) هو مطلق ما باشره جسم حيوان ، كان ذلك ماء أم غيره وسواء أ كانت المباشرة بالفم أم بغيره من أعضائه .

   (2) لأنه لاقى نجساً ، وقد قدمنا في بحث انفعال الماء القليل ، ويأتي في محله أيضاً أن ملاقاة النجس إذا كانت برطوبة مسرية تقتضي الحكم بنجاسة ملاقيه ، بلا فرق في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط في الكتابي .

(2) وفي اللغة : البقية من كل شيء والفضلة . كذا في تاج العروس 3 : 251 ، وفي لسان العرب 4 : 339 ، السؤر : بقيّة الشيء .

ــ[367]ــ

وسؤر طاهر العين طاهر (1) وإن كان حرام اللحم (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذلك بين الماء القليل وغيره من الأجسام الرطبة . فاذا كان الحيوان المباشر من الأعيان النجسة كالكلب والخنزير فلا محالة ينجس الماء كما ينجس غيره من الأجسام الرطبة ، وكذا الحال في ملاقاة الكافر والمقدار المتيقن منه هو المشرك ومنكر الصانع وأمّا الكتابي فهو وإن كان مورد الخلاف من حيث طهارته ونجاسته على ما يأتي تفصيله في محلّه إن شاء الله (1) إلاّ أنه أيضاً على تقدير الحكم بنجاسته كبقية الحيوانات النجسة بالذات يوجب نجاسة ما باشره من الماء القليل، وسائر الأجسام الرطبة .

   (1) لطهارة الحيوان في ذاته ، ومعه لا مقتضي لنجاسة سؤره .

   (2) ذهب بعضهم إلى وجوب الاجتناب عن سؤر الحيوانات الطاهرة التي لا يؤكل لحمها فيما عدا الانسان والطيور وما لا يمكن التحرز عنه كالفأرة والهرة والحية ، من دون أن يحكم بنجاسة أسآرها وقد نسب ذلك إلى الشيخ في المبسوط (2) وغيره .

   وعن الحلِّي (قدس سره) القول بنجاسة أسآرها بدعوى أنها وإن كانت طاهرة إلاّ أنه لا ملازمة بين طهارتها وطهارة أسآرها ، وأيّ مانع من أن تكون ملاقاة الحيوان الطاهر موجبة لنجاسة ملاقيه (3) .

   ويمكن أن يستدل على هذا بروايتين :

   إحداهما : موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سئل عما تشرب منه الحمامة ، فقال : كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب ...» (4) .

   وثانيتهما : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس أن تتوضأ مما شرب منه ما يؤكل لحمه» (5) حيث قد علق جواز استعمال السؤر فيهما على كون الحيوان مأكول اللّحم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المسألة [ 197 ] .

(2) المبسوط 1 : 10 .

(3) السرائر 1 : 85 .

(4) الوسائل 1 : 230 / أبواب الأسآر ب 4 ح 2 .

(5) الوسائل 1 : 231 / أبواب الأسآر ب 5 ح 1 .

ــ[368]ــ

أو كان من المسوخ (1) أو كان جلاّلاً (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولا إشكال في سندهما وكذلك دلالتهما أمّا على القول بمفهوم الوصف ودلالته على الانتفاء عند الانتفاء على ما قربناه أخيراً في بحث الاُصول (1) فظاهر ، وأمّا بناء على القول بعدم المفهوم للوصف فلأن الروايتين واردتان في مقام التحديد ، ولا مناص من الالتزام بالمفهوم في موارد التحديد ، ومقتضاه ثبوت البأس في سؤر الحيوانات الطاهرة التي لا يؤكل لحمها وعدم جواز استعماله في شيء ، هذا .

   إلاّ أن هناك روايات كثيرة قد دلت على عدم البأس بسؤر ما لا يؤكل لحمه ومعها لا بدّ من حمل الروايتين على الكراهة ، ومن تلك الأخبار صحيحة البقـباق قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئاً إلاّ سألته عنه ؟ فقال : لا بأس به ...» (2) وهي صريحة الدلالة على طهارة سؤر السباع وإن لم يؤكل لحمها .

    سؤر المسوخ

   (1) قد وقع الكلام في طهارة سؤره ونجاسته ، ومنشأ الخلاف في ذلك هو الخلاف في طهارة نفس المسوخ ، وعلى القول بنجاسته لا إشكال في نجاسة سؤره كبقية الحيوانات النجسة ، وتحقيق الكلام في طهارته ونجاسته يأتي في بحث النجاسات إن شاء الله .

    سؤر الجلال

   (2) وسؤره أيضاً من جملة موارد الخلاف ، ومنشؤه الخلاف في طهارة نفسه ، فان قلنا بنجاسته فهو ، وإلاّ فلا مقتضي للحكم بنجاسة سؤره وإن كان محرم الأكل .

   وقد يقال: بنجاسة سؤره حتى على القول بطهارة نفسه نظراً إلى أن ريق فمه قد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ المحاضرات في اُصول الفقه 5 : 133 .

(2) الوسائل 1 : 226 / أبواب الأسآر ب 1 ح 4 .

ــ[369]ــ

نعم ، يكره سؤر حرام اللّحم (1) ما عدا المؤمن (2) والهرّة على قول(3) ، وكذا يكره

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنجس باصابة عين النجس فاذا أصاب شيئاً آخر ينجسه لا محالة ، إلاّ أنّ هذا الكلام ممّا لا ينبغي التفوّه به .

   أولاً : فلأن هذا لو تمّ لما اختص بالجلال وأتى في كل حيوان أصاب فمه نجساً من الجيف أو غيرها من النجاسات ولو مرة واحدة ، لأنها تكفي في نجاسة ريقه .

   وثانياً : أنه إنما يقتضي نجاسة سؤر الجلال فيما إذا باشر الماء أو غيره من الأجسام الرطبة بفمه ولسانه دون ما إذا باشره بسائر أعضائه ، وقد عرفت أن السؤر بحسب الاصطلاح مطلق ما باشره جسم حيوان ولو بغير فمه .

   وثالثاً : لم يدل دليل على نجاسة داخل الفم وريقه بعد زوال العين عنه ، فلا يوجب مباشرة الجلال نجاسة الماء ولا نجاسة غيره من الأجسام ، ولو كانت مباشرته بفمه ولسانه .

   (1) لمفهوم صحيحة عبدالله بن سنان وموثقة عمار المتقدمتين في المسألة السابقة ومرسلة الوشاء عمّن ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه كان يكره سؤر كل شيء لا يؤكل لحمه» (1) .

    سؤر المؤمن

   (2) للنصوص الواردة في استحباب التبرك بسؤر المؤمن وشربه وقد عقد له في الوسائل باباً ، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن «في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء»(2) .

    سؤر الهرّة

   (3) لما ورد في صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «في كتاب عليّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 232 / أبواب الأسآر ب 5 ح 2 و غيرها .

(2) الوسائل 25 : 263 / أبواب الأشربة المباحة ب 18 ح 1 .

ــ[370]ــ

سؤر مكروه اللحم كالخيل والبغال والحمير (1) . وكذا سؤر الحائض المتهمة (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(عليه السلام) أن الهر سبع ولا بأس بسؤره ، وإني لأستحي من الله أن أدع طعاماً لأن الهر أكل منه» (1) .

    سؤر مكروه اللحم

   (1) لم ترد كراهة سؤر المذكورات في شيء من الأخبار . نعم ، يمكن أن يستدل عليه بما ورد في موثقة سماعة قال : «سألته هل يشرب سؤر شيء من الدواب ويتوضأ منه ؟ قال : أمّا الابل والبقر والغنم فلا بأس (2) حيث إنها في مقام البيان فيستفاد من اقتصاره على ذكر الأنعام الثلاثة أن في سؤر غيرها بأساً ، وبما أن صحيحة البقباق المتقدمة صريحة الدلالة على طهارة سؤر الحيوانات الطاهرة محرم الأكل ومحلّله فيكون هذا قرينة على أن المراد بالبأس في غير الأنعام الثلاثة هو الكراهة ، وبهذا يمكن الحكم بكراهة سؤر ما يكره أكل لحمه من الفرس والبغال والحمير لأنها غير الأنعام الثلاثة .

    سؤر الحائض

   (2) لم ترد كراهة سؤر الحائض في شيء من رواياتنا ، وإنما دلت الأخبار على النهي عن التوضؤ بسؤرها ، وهو أجنبي عن المقام كيف وقد ورد التصريح بجواز شربه في جملة من الروايات (3) .

  ثم إنّ تقييد الحائض بالمتهمة لا دليل عليه . نعم ، ورد في موثقة عليّ بن يقطين (4)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 227 / أبواب الأسآر ب 2 ح 2 .

(2) الوسائل 1 : 232 / أبواب الأسآر ب 5 ح 3 .

(3) كما في رواية عنبسة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إشرب من سؤر الحائض ولا تتوضّ منه وفي صحيحة الحسين بن أبي العلاء  «عن الحائض يشرب من سؤرها ؟ قال : نعم ولا تتوضّ منه» الوسائل 1 : 236 / أبواب الأسآر ب 8 ح 1 ، 2 إلى غير ذلك من الأخبار .

(4) عليّ بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) «في الرجل يتوضأ بفضل الحائض ؟ قال : إذا    كانت مأمونة فلا بأس» المروية في الوسائل 1 : 237 / أبواب الأسآر ب 8 ح 5. ثم إنّ الرواية وإن كانت موثقة من ابن فضال إلى آخر السند كما وصفناها إلاّ أن طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير ، فليلاحظ .

ــ[371]ــ

تقييد الحائض بما إذا كانت مأمونة ومقابلها ما إذا لم تكن بمأمونة ، لا ما إذا كانت متهمة ، فانّها أخص من الاُولى ، فاذا وردتك امرأة ضيفاً وأنت لا تعرفها فهي غير مأمونة عندك لجهلك بحالها ولكنها ليست بمتهمة .

   فالصحيح أن الكراهة إنما تختص بالتوضؤ بسؤرها إذا لم تكن بمأمونة ، وذلك لأن الأخبار الواردة في المقام على طوائف :

   منها : ما دلّ على كراهة التوضؤ من سؤر الحائض مطلقاً كرواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته هل يتوضأ من فضل وضوء الحائض قال : لا» (1) .

   ومنها : ما دلّ على كراهته إذا لم تكن بمأمونة كما في موثقة علي بن يقطين المتقدمة وبها نقيد إطلاق الطائفة الاُولى فتختص الكراهة بما إذا كانت الحائض غير مأمونة .

   وهناك طائفة اُخرى وهي صحيحة العيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن سؤر الحائض ، فقال : لا توضأ منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة ...» (2) ، والمستفاد منها أن التوضؤ من سؤر الحائض مكروه مطلقاً ولو كانت مأمونة ، وذلك لأن التفصيل قاطع للشركة وقد فصلت الرواية بين الحائض والجنب ، وقيّدت جواز التوضؤ من سؤر الجنب بما إذا كانت مأمونة ولم تقيد الحائض بذلك ، فدلالة هذه الرواية على الكراهة مطلقاً أقوى من دلالة سائر المطلقات .

   إلاّ أن الشيخ (قدس سره) نقل الرواية في كتابيه الاستبصار (3) والتهذيب (4) باسقاط كلمة «لا» الواقعة في صدر الحديث ، وعليه فتدل الرواية على تقييد جواز الوضوء من سؤر كل من الحائض والجنب بما إذا كانت مأمونة ، ومعه إن قلنا بسقوط

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 237 / أبواب الأسآر ب 8 ح 7 .

(2) الوسائل 1 : 234 / أبواب الأسآر ب 7 ح 1 .

(3) الاستبصار 1 : 17 / 31 .

(4) التهذيب 1 : 222 / 633 .

ــ[372]ــ

بل مطلق المتهم (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرواية عن الاعتبار وعدم امكان الاعتماد عليها من أجل اضطراب متنها حسب نقلي الشيخ والكليني (1) (قدس سرهما) فهو . وأمّا إذا احتفظنا باعتبارها وقدمنا رواية الكافي المشتملة على كلمة «لا» على رواية التهذيب والاستبصار ، لأنه أضبط من كليهما ، فلا مناص من الالتزام بتعدد مرتبتي الكراهة ، وذلك لأن دلالة الرواية على الكراهة مطلقاً أقوى من غيرها كما مر ، لاشتمالها على التفصيل القاطع للشركة فنلتزم بمرتبة من الكراهة في سؤر مطلق الحائض كما نلتزم بمرتبة أشد منها في سؤر الحائض غير المأمونة جمعاً بين الطائفتين .

   ولا يخفى أن الرواية وإن كانت صحيحة على طريق الكليني (قدس سره) فان تردد محمد بن إسماعيل بين النيسابوري البندقي والبرمكي المعروف بصاحب الصومعة غير مضر بصحة السند على ما نبهنا عليه في محله لوقوع هذا الطريق أعني محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان بعينه في أسانيد كامل الزيارات ، فلا مناص من الحكم باعتباره سواء أ كان محمد بن إسماعيل الواقع فيه هو النيسابوري أو البرمكي أو غيرهما . إلاّ أنها قابلة للمناقشة على طريق الشيخ (قدس سره) فان في طريقه إلى علي بن الحسن بن فضال ، علي بن محمد بن الزبير وهو لم يوثق .

   (1) قد عرفت أن الاتهام ليس بموضوع للحكم بالكراهة في الحائض فضلاً عن أن يتعدى عنها إلى غيرها ، وأمّا غير المأمون من مباشرة النجاسات فالتعدي عن الحائض إلى غيرها مشكل ، اللّهمّ إلاّ أن يستفاد من تعليق الحكم بالكراهة على وصف غير المأمونة أنه العلّة في الحكم بالكراهة حتى تدور مدار وصف الائتمان من مباشرة النجاسات .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3 : 10 / 2 .

ــ[373]ــ

 فصل

[  في النجاسات  ]

    النجاسات إثنتا عشرة : الأول والثاني : البول والغائط من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في النجاسات

    البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه

   (1) لا كلام ولا خلاف في نجاسة البول والغائط من كل حيوان لا يؤكل لحمه بل كادت أن تكون ضرورية عند المسلمين في الجملة ، ومعها لا حاجة في إثبات نجاستهما إلى إقامة دليل عليها . إلاّ أنه مع هذا يمكن أن يستدل على نجاسة البول بما عن عبدالله بن سنان قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) «إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (1) وهي حسنة (2) وإن عبّر عنها بالصحيحة في بعض الكلمات ، وفي روايته الاُخرى «إغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه» (3) وقد اكتفى في الحدائق بنقل الرواية الاُولى ولم يتعرض للثانية ، ولعلّه للمناقشة في سندها .

   وتقريب الإستدلال بهما أن الأمر بغسل الثوب من البول يدل على نجاسة البول بالملازمة العرفية ، لأن وجوب غسله لو كان مستنداً إلى شيء آخر غير نجاسة البول لوجب أن ينبه عليه . وحيث لم يبينه (عليه السلام) في كلامه فيستفاد منه عرفاً أن وجوب غسل الثوب مستند إلى نجاسة البول .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .

(2) وهذا من جهة إبراهيم بن هاشم والبناء على حسنه ولكنه (مدّ ظلّه) قد عدل عن ذلك وبنى على وثاقته إذن فالرواية صحيحة .

(3) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 3 .

ــ[374]ــ

   وبصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن البول يصيب الثوب قال : إغسله مرّتين»(1) وغيرها من الأخبار الدالة على وجوب غسل الثوب أو البدن من البول .

   وأمّا الخرء المعبّر عنه بالعذرة والغائط فلم ترد نجاسته في رواية عامة إلاّ أن عدم الفرق بين الغائط والبول بحسب الارتكاز المتشرعي كاف في الحكم بنجاسته ، هذا على أنه يمكن أن يستدل على نجاسته بالروايات الواردة في موارد خاصة من عذرة الانسان والكلب ونحوهما (2) بضميمة عدم القول بالفصل بين أفراده . ويمكن أن يستأنس على ذلك بعدّة روايات اُخر .

   منها : ما دلّ على أنه لا بأس بمدفوع ما يؤكل لحمه (3) لأنه يشعر بوجود البأس في مدفوع غيره .

   ومنها : ما ورد من أنه لا بأس بمدفوع الطيور(4) فان فيه أيضاً إشعاراً بوجود البأس في مدفوع غير الطير مما لا يؤكل لحمه من الحيوانات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 1 .

(2) كصحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يصلي وفي ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته ؟ قال : إن كان لم يعلم فلا يعيد» الوسائل 3  :  475 / أبواب النجاسات ب 40 ح 5 وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة ؟ قال : لا إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كر من ماء ...» الوسائل 1  :  159 / أبواب الماء المطلق ب  9 ح  4 وصحيحة موسى بن القاسم عن علي بن محمّد (عليه السلام) في حديث قال : «سألته عن الفأرة والدجاجة والحمام وأشباهها تطأ العذرة ثم تطأ الثوب أيغسل ؟ قال : إن كان اسـتبان من أثره شيء فاغسـله وإلاّ فلا بأس» الوسائل 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 3 إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في موارد خاصة .

(3) كما في موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» المروية في الوسائل 3 : 409 / أبواب النجاسات ب 9 ح 12 .

(4) كما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه» المروية في الوسائل 3 : 412 / أبواب النجاسات ب 10 ح 1 .

ــ[375]ــ

إنساناً أو غيره ، برياً أو بحرياً ، صغيراً أو كبيراً (1) بشرط أن يكون له دم سائل حين الذبح (2) نعم ، في الطيور المحرمة الأقوى عدم النجاسة لكن الأحوط فيها أيضاً الاجتناب (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وذلك لإطلاق حسـنة عبدالله بن سـنان وعمـوم روايتـه الاُخرى ، فان مقتضاهما نجاسة البول من كل ما يصدق عليه عنوان ما لا يؤكل لحمه، برِّياً كان أم بحرياً صغيراً كان أم كبيراً إنساناً أو غيره ، وهذا بحسب الكبرى مما لا إشكال فيه . نعم ، يمكن المناقشة صغروياً في خصوص الحيوانات البحرية نظراً إلى أنه لم يوجد من الحيوانات البحرية ما يكون له نفس سائلة . نعم ذكر الشهيد (قدس سره) أن التمساح كذلك (1) إلاّ أنه على تقدير صحته يختص بالتمساح . وأمّا ما ذهب إليه ابن الجنيد من عدم نجاسة بول الصبي قبل أن يأكل اللحم أو الطعام (2) فسيأتي بطلان مستنده في محلّه إن شاء الله .

   (2) لما دلّ على طهارة البول والغائط مما لا نفس له كما يأتي عن قريب إن شاء الله .

   (3) هل الطيور المحرمة كغيرها محكومة بنجاسة خرئها وبولها ؟ فيه أقوال ثلاثة :

   أحدها : ما ذهب إليه المشهور من نجاسة بولها وخرئها .

   وثانيها : طهارة مدفوعها مطلقاً ذهب إليه العماني (3) والجعفي (4) والصدوق (5) وجملة من المتأخرين كالعلاّمة (6) وصاحب الحدائق (7) وغيرهما (قدس سرهم) .

   وثالثها : التفصيل بالحكم بطهارة خرئها والتردد في نجاسة بولها ذهب إليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الذكرى : 13 سطر 12 .

(2) المختلف 1 : 301 .

(3) المختلف 1 : 298 .

(4) الجواهر 5 : 275 .

(5) الفقيه 1 : 41 .

(6) لاحظ المختلف 1 : 298 ، المنتهى 3 : 176 ، التذكرة 1 : 49 ، نهاية الأحكام 1 : 226 .

(7) الحدائق 5 : 11 .

ــ[376]ــ

المجلسي(1) وصاحب المدارك (قدس سرهما) (2) .

   ومنشأ الخلاف في ذلك هو اختلاف الأخبار فان جملة منها دلت على نجاسة البول مطلقاً كصحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول ، قال : اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» (3) فانّها باطلاقها تشمل بول المأكول لحمه وغيره كما يشمل بول الطيور وسائر الحيوانات ، إذا لم نقل بانصرافها إلى بول الآدمي .

   وجملة اُخرى دلت على نجاسة البول في خصوص ما لا يؤكل لحمه كحسنة عبدالله ابن سنان المتقدمة ، وقد ألحقنا الخرء بالبول بعدم القول بالفصل .

   وهناك طائفة ثالثة دلت على طهارة خرء الطائر وبوله مطلقاً سواء أ كان محرم الأكل أم محلّله كموثقة أبي بصير  المتقدِّمة(4) عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه» (5) . والنسبة بين الطائفة الثانية والثالثة عموم من وجه ، لأن الحسنة أخص من الموثقة من أجل اختصاصها بما لا يؤكل لحمه وأعم منها من جهة شمولها الطائر وغيره ، والموثقة أخص من الاُولى لتقيد موضوعها بالطيران وأعم منها لشمولها الطائر بكلا قسميه المحلل والمحرم أكله فتتعارضان في الطائر الذي لا يؤكل لحمه ، فقد ذهب القائلون بعدم الفرق بين الطيور والحيوانات إلى ترجيح الحسنة على الموثقة بدعوى انّها أشهر وأصح سنداً .

   واستدلّ عليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (6) بوجه آخر حيث اعتمد على ما نقله العلاّمة في مختلفه من كتاب عمار من أن الصادق (عليه السلام) قال : «خرء الخطاف لا بأس به هو مما يؤكل لحمه ، لكن كره أكله لأنه استجار بك وآوى إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار 77 : 111 .

(2) المدارك 2 : 262 .

(3) الوسائل 3 : 397 / أبواب النجاسات ب 2 ح 1 .

(4) في ص 168 ، وتقدّم أن الرواية صحيحة وأن المكنِّين بأبي بصير كلّهم ثقاة .

(5) الوسائل 3 : 412 / أبواب النجاسات ب 10 ح 1 .

(6) كتاب الطهارة : 339 السطر 19 .

ــ[377]ــ

منزلك ، وكل طير يستجير بك فأجره» (1) بتقريب أنه علل عدم البأس بخرء الخطاف بأنه ممّا يؤكل لحمه ، وظاهره أن الخطاف لو لم يكن محلل الأكل كان في خرئه بأس فالمناط في الحكم بطهارة الخرء هو حلية الأكل من دون فرق في ذلك بين الطيور والحيوانات .

   وأمّا المجلسي وصاحب المدارك (قدس سرهما) فقد استندا فيما ذهبا إليه إلى أن نجاسة الخرء في الحيوان إنما ثبتت بعدم القول بالفصل ، وهو غير متحقق في الطيور لوجود القول بالفصل فيها ، وعليه فلا مدرك لنجاسة خرء الطيور . وأمّا بولها فقد ترددا فيه ، للتردد في تقديم الحسنة على الموثقة ، هذا .

   ولكن الصحيح من هذه الأقوال هو ما ذهب إليه العماني والصدوق وجملة من المتأخرين من طهارة بول الطيور وخرئها مطلقاً بيان ذلك : أنّ الرواية التي استدلّ بها شيخنا الأنصاري (قدس سره) ممّا لا يمكن الاعتماد عليه .

   أمّا أولاً : فلأن الشيخ نقلها باسقاط كلمة «خرء» (2) فمدلولها حينئذ أن الخطاف لا  بأس به فهي أجنبية عن الدلالة على طهارة البول والخرء أو نجاستهما .

   وأمّا ثانياً : فلأنها ـ  على تقدير أن تكون مشتملة على كلمة «خرء»  ـ لا تقتضي ما  ذهب إليه ، لأنه لم يثبت أن قوله «هو مما يؤكل لحمه» علة للحكم المتقدم عليه أعني عدم البأس بخرء الخطاف ، ومن المحتمل أن يكون قوله هذا وما تقدمه حكمان بيّنهما الإمام (عليه السلام) من غير صلة بينهما ، بل الظاهر أنه علة للحكم المتأخر عنه أعني كراهة أكله أي الخطاف يكره أكله ، لأنه وإن كان مما يؤكل لحمه إلاّ أ نّه يكره أكله لأنه استجار بك ، وفي جملة «ولكن كره أكله ...» شهادة على أن قوله «هو مما يؤكل لحمه» مقدمة لبيان الحكم الثاني كما عرفت فهذا الاستدلال ساقط .

   وأمّا ما ذكروه وجهاً لتقديم الحسنة على الموثقة فهو أيضاً لا يرجع إلى محصل : أمّا الترجيح بأنها أشهر فقد ذكرنا في محلّه أنّ الشهرة بمعنى الوضوح والظهور ليست من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 411 / أبواب النجاسات ب 9 ح 20 .

(2) التهذيب 9 : 80 / 345 .

ــ[378]ــ

المرجّحات ، وإنما هي تلغي الرواية الشاذة عن الاعتبار رأساً (1) وهي بهذا المعنى غير متحققة في المقام لأن الشهرة في أخبار النجاسة ليست بمثابة تلغي أخبار الطهارة عن الاعتبار ، لأنها أخبار آحاد لا تتجاوز ثلاث أو أربع روايات .

   وأمّا الترجيح بموافقة الكتاب والسنة بدعوى : أن ما دلّ على نجاسة بول الطير موافق للسنة أعني المطلقات الدالّة على نجاسة البول مطلقاً .

   ففيه أوّلاً : أن المطلقات منصرفة إلى بول الآدمي ، ومعه لا يبقى لها عموم حتى يوافقه ما دلّ على نجاسة بول الطير .

   وثانياً : لو لم نبن على الانصراف فأيضاً لا تكون موافقة السنّة مرجحة في أمثال المقام ، لأن موافقة الكتاب والسنّة إنّما توجب الترجيح فيما إذا كان عمومهما لفظياً . وأمّا إذا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة فلا أثر لموافقتهما ، لأن الاطلاق ليس من الكتاب والسنّة فالموافقة معه ليست موافقة لهما .

   وأمّا الترجيح بالأصحية ، وأن الحسنة أصح سنداً من الموثقة فيدفعه : ما ذكرناه في بحث التعادل والترجيح من أن صفات الراوي لا تكون مرجحة في الرواية ، وإنما هي مرجحة في باب القضاء(2). على أ نّا لو قلنا بترجيح الصحيحة على الموثقة فلا نقول بتقديم الحسنة عليها بوجه .

   وبعد هذا لم يبق في البين سوى دعوى أن الروايتين تتساقطان بالمعارضة ، ويرجع إلى العموم الفوق ، إلاّ أن هذه الدعوى أيضاً ساقطة لأن الرجوع إلى العموم الفوق في المقام ـ  بعد الغض عن دعوى الانصراف  ـ مبني على القول بعدم انقلاب النسبة بعروض المخصص عليه ، وإلاّ فهو أيضاً طرف للمعارضة كالحسنة ، وذلك للعلم بتخصيص المطلقات بما دلّ على طهارة بول ما يؤكل لحمه من البقر والغنم ونحوهما فيكون حالها بعد هذا المخصص المنفصل حال الحسنة وغيرها مما دلّ على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه . وقد عرفت أن النسبة بينها وبين الموثقة عموم من وجه ، وبعد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 412 .

(2) مصباح الاُصول 3 : 414 .

ــ[379]ــ

تساقطهما في مادّة الاجتماع بالمعارضة يرجع إلى قاعدة الطهارة ، هذا كلّه على تقدير معارضة الحسنة والموثقة .

   والذي يسهّل الخطب ويقتضي الحكم بطهارة بول الطيور أنه لا تعارض بين الطائفتين ، وذلك لأمرين :

   أحدهما : أن الموثقة وإن كانت معارضة للحسنة بالعموم من وجه إلاّ أنها تتقدم على الحسنة ، لأنه لا محذور في تقديمها عليها ولكن في تقديم الحسنة على الموثقة محذور . بيان ذلك : أن تقديم الحسنة على الموثقة يوجب تخصيصها بما يؤكل لحمه من الطيور ، وبها يحكم بطهارة بوله مع أن الطيور المحللة لم يرَ لها بول حتى يحكم بطهارته أو إذا كان طير محلل الأكل وله بول فهو في غاية الندرة ، وعليه فيكون تقديم الحسنة موجباً لالغاء الموثقة رأساً أو حملها على موارد نادرة وهو ركيك ، فان الرواية لا بدّ من أن يكون لها موارد ظاهرة ، وهذا يجعل الموثقة كالنص فتتقدم على معارضها .

   لكن الانصاف أنه يمكن المناقشة في هذا الوجه بأن الطير المحلل أكله إنما لم يرَ له بول عليحـدة ومسـتقلاًّ عن ذرقه . وأمّا توأماً معه فهو مشـاهد محسوس كذرقه وممّا لا  سبيل إلى انكاره ، ولك أن تختبر ذلك في الطيور الأهلية ـ  كالدجاجة  ـ فكأنّ الطير ليس له مخرج بول عليحدة ، وإنما يدفعه توأماً لذرقه . ومن هنا يرى فيه مائع يشبه الماء وعليه فلا يوجب تقديم الحسنة جعل الموثقة بلا مورد ولا محذور في تقديمها .

   ثانيهما : أن تقديم الحسنة على الموثقة يقتضي إلغاء عنوان الطير عن كونه موضوعاً للحكم بالطهارة ، حيث تدل على تقييد الحكم بطهارة البول والخرء بما إذا كان الطير محلّل الأكل ، وهو في الحقيقة إلغاء لعنوان الطير عن الموضوعية ، فان الطهارة على هذا مترتبة على عنوان ما يؤكل لحمه سواء كان ذلك هو الطير أم غيره . وهذا بخلاف تقديم الموثقة على الحسنة ، فانّه يوجب تقييد الحكم بنجاسة البول بغير الطير ، وهذا لا محذور فيه فان عنوان ما لا يؤكل لحمه لا يسقط بذلك عن الموضوعية للحكم بنجاسة البول في غير الطير ، وبما أن الموثقة صريحة في أن لعنوان الطير موضوعية وخصوصية في الحكم بطهارة البول ، فتصير بذلك كالنص وتتقدم على الحسنة .

   وهذا الوجه هو الصحيح ، وبذلك يحكم بطهارة بول الطيور وخرئها وإن كانت

ــ[380]ــ

خصوصاً الخفّاش وخصوصاً بوله (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محرمة ، ولا يفرق في ذلك بين كون الحسنة عاماً وبين كونها مطلقة وهو ظاهر ، ومن هنا لم يستدل شيخنا الأنصاري (قدس سره) على نجاسة بول الطيور المحرّمة بتقديم الحسنة ، وإنما استدلّ برواية اُخرى وقد قدّمنا نقلها كما قدّمنا جوابها (1) .

   ومن هذا يظهر أن ما ربّما يقال في المقام من أن الموثقة معرض عنها عند الأصحاب ، وهو موهن للموثقة كلام شعري لا أساس له فان المشهور إنما لم يعملوا بها لتقديم الحسنة بأحد الوجوه المتقدمة من الأشهرية والأصحية وموافقة السنة كما مر ، لا لإعراضهم عن الموثقة حتى تسقط بذلك عن الاعتبار .

   هذا على أ نّا لو سلمنا إعراضهم عن الموثقة فقد بيّنا في محله أن إعراض الأصحاب عن رواية معتبرة لا يكون كاسراً لاعتبارها كما أن عملهم على طبق رواية ضعيفة لا يكون جابراً لضعفها (2) ، هذا كله في غير الخفاش .

   (1) لا خصوصية زائدة في خرء الخفاش على خرء غيره من الطيور ، ولا وجه للاحتياط فيه بل الأمر بالعكس حتى لو بنينا على نجاسة خرء غيره من الطيور المحرمة ـ  كما إذا تمت دلالة الحسنة المتقدمة على نجاسته  ـ لا نقول بنجاسة خرء الخفافيش ، والوجه في ذلك أن ما لا نفس له خارج عما دلّ على نجاسة خرء الطيور وبولها ، ونحن قد اختبرنا الخفافيش ـ  زائداً على شهادة جماعة  ـ ولم نرَ لها نفساً سائلة فخرؤها غير محكوم بالنجاسة .

   وأمّا بوله فقد التزم الشيخ (قدس سره) بنجاسته في المبسوط (3) ، ولكن الصحيح أنه أيضاً كخرئه مما لا خصوصية له ، لعدم نجاسة البول مما لا نفس له حتى على القول بنجاسة بول سائر الطيور المحرمة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 376 .

(2) مصباح الاُصول 2 : 201 .

(3) المبسوط 1 : 39 .

 
 

ــ[381]ــ

ولا فرق في غير المأكول بين أن يكون أصليّاً كالسباع ونحوها أو عارضيّاً كالجلاّل وموطوء الانسان والغنم الذي شرب لبن خنزيرة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا فيما إذا ثبت أنه مما لا نفس له ، وكذا الحال فيما إذا شككنا في أنه من هذا القبيل أو من غيره ، لأن ما دلّ على نجاسة بول الطيور مخصص بما لا نفس له ، ومع الشك في أن الخفاش مما له نفس سائلة لا يمكن التمسك بعموم ذلك الدليل ، لأنه من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية .

   نعم ، ورد في رواية داود الرقي أن بول الخفاش نجس (1) إلاّ أنها غير قابلة للاعتماد .

   أمّا أوّلاً : فلضعف سندها .

   وأمّا ثانياً : فلمعارضتها برواية غياث : «لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف» (2) وهي إما أرجح من رواية الرقي أو مساوية لها .

   وأمّا ثالثاً : فلأن الخفاش ليست له نفس سائلة كما مر ، وقد قام الاجماع على طهارة بول ما لا نفس له ، ولا نحتمل تخصيصه بمثل هذه الرواية الضعيفة المتعارضة ومن ذهب إلى نجاسته فانّما استند إلى أن له نفساً سائلة ، ولم يعلم استناده إلى تلك الرواية ، وبعد ما بيّنا أنه مما لا نفس له لا يبقى وجه لنجاسة شيء من بوله وخرئه .

   (1) فان إطلاق حسنة عبدالله بن سنان وعموم روايته الاُخرى كما يشمل غير المأكول بالذات كالسباع والمسوخ كذلك يشمل ما لا يؤكل لحمه بالعرض ، كما إذا كان جلاّلاً أو موطوء انسان أو ارتضع من لبن خنزيرة إلى أن يشتد عظمه لأن موضوع الحكم بنجاسة البول في الروايتين إنما هو عنوان ما لا يؤكل لحمه ، ومتى ما صدق على شيء من الحيوانات الخارجية فلا محالة يحكم بنجاسة بوله .

  ونظير هذا البحث يأتي في الصلاة أيضاً حيث إن موثقة ابن بكير (3) دلّت على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عن داود الرقي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه فلا أجده ؟ فقال : إغسل ثوبك» الوسائل 3 : 412 / أبواب النجاسات ب 10 ح 4 .

(2) الوسائل 3 : 413 / أبواب النجاسات ب 10 ح 5 .

(3) قال : «سأل زرارة أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره    من الوبر ، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله ، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله ...» الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلِّي ب 2
ح 1 .

ــ[382]ــ

وأمّا البول والغائط من حلال اللّحم فطاهر (1) حتى الحمار والبغل والخيل (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بطلان الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، وقد وقع الكلام هناك في أن عنوان ما لا يؤكل لحمه عنوان مشير إلى الذوات الخارجية مما لا يؤكل لحمه بالذات ، أو أنه أعم مما لا يؤكل لحمه ولو بالعرض وقد ذكرنا هناك أنه عام يشمل الجميع ، ولا وجه لاختصاصه بما هو كذلك بالذات .

 

   البول والغائط مما يؤكل لحمه :

   (1) للاجماع القطعي بين الأصحاب ، ولموثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كل ما اُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» (1) وصحيحة زرارة أنهما (عليهما السلام) قالا : «لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه» (2) ، وما عن قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «لا بأس ببول ما اُكل لحمه» (3) ، وما ورد في ذيل صحيحة عبدالرّحمن ابن أبي عبدالله من قوله «وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» (4) .

   (2) قد وقع الخلاف في طهارة أبوالها وأرواثها فذهب المشهور إلى طهارتهما وخالفهم في ذلك من المتقدمين ابن الجنيد(5) والشيخ في بعض كتبه(6) ، ومن المتأخرين الأردبيلي (7) وغيره فذهبوا إلى نجاستهما ، وأصر صاحب الحدائق (قدس سره) على نجاسة أبوالها (8) . وتردد فيها بعض آخر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) ، (4) الوسائل 3 : 409 / أبواب النجاسات ب 9 ح 12 ، 4 ، 17  ، 9 .

(5) المختلف 1 : 299 .

(6) النهاية : 51 .

(7) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 301 .

(8) الحدائق 5 : 21 .

ــ[383]ــ

   ومنشأ الخلاف في ذلك هو اختلاف الأخبار ، حيث ورد في جملة منها ـ  وفيها صحاح وموثقات  ـ الأمر بغسل أبوال الخيل والحمار والبغل (1) وقد قدمنا في محله أن الأمر بالغسل إرشاد إلى النجاسة حسبما يقتضيه الفهم العرفي ، وورد في صحيحة الحلبي التفصيل بين أبوالها ومدفوعاتها ، حيث نفت البأس عن روث الحمير وأمرت بغسل أبوالها (2) وهي صريحة في عدم الملازمة بين نجاسة أبوال الحيوانات المذكورة ونجاسة مدفوعاتها كما توهمها بعضهم ، وقد تقدم أن الحكم بنجاسة المدفوع لم يقم عليه دليل غير عدم القول بالفصل بينه وبين البول ، والقول بالفصل موجود في المقام وعليه فلا نزاع في طهارة أرواثها ، وينحصر الكلام بأبوالها ، وقد عرفت أن مقتضى الأخبار المتقدمة نجاستها .

   وفي قبال تلك الأخبار روايتان (3) تدلاّن على طهارتها إلاّ أنهما ضعيفتان فان صحّ اعتماد المشهور فيما ذهبوا إليه على هاتين الروايتين ، وتمت كبرى أن اعتماد المشهور على رواية ضعيفة يخرجها من الضعف إلى القوة وينجبر به ضعفها فلا مناص من الحكم بطهارة أبوال الحيوانات المذكورة ، ولا يعارضهما ما دلّ على نجاسة أبوالها كما توهّمه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كموثقة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا ؟ قال : يغسل بول الحمار والفرس والبغل ، فأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» . وصحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أبوال الخيل والبغال ، قال : إغسل ما أصابك منه» . المرويتين في الوسائل 3 : 409 / أبواب النجاسات ب 9 ح  9 ، 11. وموثقة سماعة قال : «سألته عن بول السنور والكلب والحمار والفرس ؟ قال : كأبوال الانسان» . المروية في الوسائل 3 : 406 / أبواب النجاسات ب 8 ح  7 .

(2) الوسائل 3 : 406 / أبواب النجاسات ب 9 ح 1 .

(3) إحداهما : رواية أبي الأغر النحاس قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه ؟ فقال : ليس عليك شيء» وثانيتهما : رواية معلى بن خنيس وعبدالله بن أبي يعفور قالا : «كنّا في جنازة وقدامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكّت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبدالله (عليه السلام) فأخبرناه ، فقال : ليس عليكم بأس» المرويتان في الوسائل 3  :  407 / أبواب النجاسات ب 9 ح 2 ، 14 .

ــ[384]ــ

صاحب الحدائق (قدس سره) لأنهما صريحتان في الطهارة وأخبار النجاسة ظاهرة في نجاستها .

   إلاّ أن الكلام في ثبوت الأمرين المتقدمين ، ودون إثباتهما خرط القتاد ، فان القدماء ليس لهم كتب استدلالية ، ليرى أنهم اعتمدوا على أي شيء ، ولعلّهم استندوا في ذلك على شيء آخر . كما أن عملهم على طبق رواية ضعيفة لا يكون جابراً لضعفها على ما مرّ منّا غير مرة .

   وعلى هذا لا مناص من الحكم بنجاسة أبوالها ، وإن كان يلزمه التفصيل بين أرواثها وأبوالها ولا محذور فيه بعد دلالة الدليل ، وقد عرفت ما يقتضي طهارة أرواثها ، ولا ينافي ذلك ما دلّ باطلاقه على طهارة بول كل ما يؤكل لحمه حيث لا  مانع من تخصيصه بما دلّ على نجاسة أبوال الحيوانات الثلاثة .

   بل يمكن أن يقال : إنه لا دلالة في تلك المطلقات على طهارة أبوال الحيوانات الثلاثة ، لقوة احتمال أن يراد مما يؤكل لحمه في تلك الروايات ما كان مستعداً للأكل بطبعه كالشاة والبقرة ونحوهما ، ومن البديهي أن الحيوانات المذكورة غير مستعدة للأكل ، وإنما هي معدة للحمل ، وإن كانت محللة شرعاً كما اُشير إلى هذا في بعض الروايات (1) هذا .

   واستدلّ شيخنا الهمداني (قدس سره) على طهارة أبوال الحيوانات الثلاثة بما ورد في ذيل موثقة ابن بكير المتقدِّمة (2) حيث قال (عليه السلام) «يا زرارة هذا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاحفظ ذلك يا زرارة ، فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح ، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد ، ذكاه الذبح أو لم يذكه» . بتقريب أن المراد بالحلية في هذه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) روى زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه ، فقلت : أليس لحومها حلالاً  ؟ فقال : بلى ، ولكن ليس مما جعله الله للأكل» المروية في الوسائل 3  :   408 / أبواب النجاسات ب 9 ح 7 .

(2) في ص 381 .

ــ[385]ــ

الموثقة هي الحلية المجردة ، ولم يرد منها ما اُعد للأكل ، وقد دلت بصراحتها على جواز الصلاة في بول كل ما كان كذلك من الحيوانات ، ومنها الحمير والبغل والفرس ويستفاد منها طهارة أبوالها ، لضرورة بطلان الصلاة في النجس (1) .

   ويظهر الجواب عن ذلك بما نبّهنا عليه آنفاً ، وحاصله أن دلالة الموثقة على طهارة أبوال الدواب الثلاث إنما هي بالظهور والالتزام ، ولم تدل على هذا بصراحتها . وإذن فلا مانع من تخصيصها بالأخبار المتقدمة الصريحة في نجاسة أبوالها . وبعبارة اُخرى : أن الموثقة إنما دلّت على جواز الصلاة في أبوال الدواب الثلاث من حيث إنها محلّل الأكل في طبعها وبالالتزام دلت على طهارتها ، والأخبار المتقدمة قد دلت بالمطابقة على نجاسـة أبوالها ، فلا محـالة تخصص الموثقـة بما إذا كانت الحلية مسـتندة إلى استعدادها للأكل .

  وعلى الجملة لا محذور في الحكم بنجاسة أبوال الحيوانات الثلاثة ، إلاّ أن ما يمنعنا عن ذلك ، ويقتضي الحكم بطهارة أبوالها ملاحظة سيرة الأصحاب من لدن زمانهم (عليهم السلام) الواصلة إلينا يداً بيد ، حيث إنها جرت على معاملتهم معها معاملة الطهارة ، لكثرة الابتلاء بها ، وبالأخص في الأزمنة المتقدمة فانّهم كانوا يقطعون المسافات بمثل الحمير والبغال والفرس ، فلو كانت أبوالها نجسة لاشتهر حكمها وذاع ولم ينحصر المخالف في طهارتها بابن الجنيد والشيخ (قدس سرهما) ولم ينقل الخلاف فيها من غيرهما من أصحاب الأئمة والعلماء المتقدمين ، وهذه السيرة القطعية تكشف عن طهارتها ، وبها تحمل الأخبار المتقدمة الصريحة في نجاسة الأبوال المذكورة على التقيّة ، فانّ العامّة ولا سيّما الحنفية منهم ملتزمون بنجاستها (2) وقد اعترف بما ذكرناه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 575 السطر 25 .

(2) قدّمنا شطراً من أقوالهم في هذه المسألة في تعليقة ص 57 عن ابن حزم في المحلى وننقل جملة اُخرى من كلماتهم في المـقام لمزيد الاطلاع : قال في بدائع الصنائع للكاشاني الحنفي ج 1 ص  161 بول ما لا يؤكل لحمه نجس وأمّا ما يؤكل لحمه فعند أبي حنيفة وأبي يوسف نجس وعند محمّد طاهر . وبهذا المنوال نسج في المبسوط ج 1 ص 54 . وفي عمدة القارئ للعيني   

ــ[386]ــ

في الحدائق إلاّ أنه منع عن حمل أخبار النجاسة على التقية نظراً إلى أن الرواية ما لم تبتل بمعارض أقوى لم يجز حملها على التقية ، ولا معارض لأخبار النجاسة في المقام (1) .

   وما أفاده وإن كان صحيحاً في نفسه إلاّ أنه غير منطبق على المقام ، لقيام سيرة الأصحاب وعلمائنا الأقدمين على طهارتها ، وهي التي دعتنا إلى حمل أخبار النجاسة على التقية ، وبهذا اعتمدنا في الحكم بعدم وجوب الاقامة في الصلاة ، لأن الأخبار وإن كانت تقتضي وجوبها إلاّ أن سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وعلمائنا المتقدمين تكشف عن عدم وجوبها في الصلاة حيث إنها لو كانت واجبة لظهر ، ولعدّ من الواضحات والضروريات ، لكثرة الابتلاء بها في كل يوم ، ونفس عدم ظهور الحكم في أمثالها يكشف كشفاً قطعياً عن عدمه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

الحنفي شرح البخاري ج 3 ص 154 اختلف في الأبوال فعند أبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف وأبي ثور وآخرين كثيرين الأبوال كلها نجسة إلاّ ما عفي عنه وقال أبو داود بن علية الأبوال كلها طاهرة من كل حيوان ولو غير مأكول اللحم عدا أبوال الانسان . وفي إرشاد الساري للقسطلاني شرح البخاري ج 1 ص 300 ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أن الأبوال كلّها نجسة إلاّ ما عفي عنه وفي فتح الباري لابن حجر شرح البخاري ج 1 ص 338 باب أبوال الابل والدواب والغنم ذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلّها من مأكول اللّحم وغيره وفي البداية لابن رشد المالكي ج 1 ص 82 اختلفوا في نجاسة بول غير الآدمي من الحيوان فذهب أبو  حنيفة والشافعي إلى انّها كلها نجسة وقال قوم بطهارتها وقال آخرون بتبعية الأبوال والأرواث للحوم فما كان منها محرم الأكل كانت أبواله وأرواثه نجسة وما كان مأكول اللحم فأبوالها وأرواثها طاهرة وبه قال مالك وفي البدائع ج 5 ص 37 في كتاب الذبائح لا تحل البغال والحمير عند عامة العلماء ويكره لحم الخيل عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يكره وبه أخذ الشافعي وفي مجمع الأنهر لشيخ زاده الحنفي ج 3 ص 513 في الذبائح يحرم أكل لحوم الحمر الأهلية والبغال لأنه متولِّد من الحمار فان كانت اُمّه بقرة فلا يؤكل بلا خلاف وإن كانت اُمه فرساً فعلى الخلاف في أكل لحم الفرس . فعلى هذا بول الحمير والبغال والفرس نجس لحرمة أكل لحمها والأخير وإن كان مكروهاً عند أبي حنيفة إلاّ أنه يرى نجاسة الأبوال كلها حسب كلماتهم المتقدِّمة .

(1) الحدائق 5 : 25 .

ــ[387]ــ

وكذا من حرام اللحم الذي ليس له دم سائل كالسمك المحرم ونحوه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    فضلة ما لا نفس له

   (1) قد اختلفوا في نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه مما لا نفس له كالأسماك المحرمة والسلحفاة ـ ولها بول كثير ـ فذهب المشهور إلى طهارة بوله وخرئه ، وتردد المحقق في طهارتهما في بعض كتبه (1) ، والكلام في مدرك ما ذهب إليه المشهور ، لأن مقتضى إطلاق ما دلّ على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه أو عمومه أعني روايتي عبدالله بن سنان (2) عدم الفرق في نجاستها بين كونها مما له نفس سائلة وعدمه ، فلا بدّ في إخراج ما لا نفس له من ذلك الاطلاق أو العموم من إقامة الدليل عليه .

   فقد يتمسك في ذلك بالانصراف بدعوى : أن لفظتي البول والخرء منصرفتان عن بول ما لا نفس له وخرئه ، لأنهما منه بمنزلة عصارة النبات . وفساد هذا الوجه بمكان من الوضوح ، فانّه لا مدخلية لكون الحيوان مما له نفس أو مما لا نفس له في صدق عنوان البول على بوله أو الخرء على مدفوعه ، فهذا الوجه مما لا يعتنى به .

   والذي ينبغي أن يقال : إنه لا اشكال في طهارة الخرء مما لا نفس له لقصور ما يقتضي نجاسته ، لما مرّ من أن نجاسته في الحيوانات المحرمة التي لها نفس سائلة مستندة إلى عدم الفرق بين بولها وخرئها بالارتكاز ، والارتكاز مختص بما له نفس سائلة ، وعليه فالخرء من الحيوانات التي لا نفس لها خارج عن محل الكلام ، والنزاع مختص ببوله . وإذا قد عرفت ذلك فنقول :

   إنّ الحيوانات المحرمة التي لا نفس لها إذا كان لها لحم معتد به كالأسماك المحرمة والحيات ونحوهما ، فلا محالة يشملها عموم ما دلّ على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه أو اطلاقه لأنها من أفراده ، وإذا لم يكن لها لحم كذلك كالخنفساء والذباب وأمثالهما لم يحكم بنجاسة بولها ، لأنها خارجة عمّا دلّ على نجاسة بول الحيوانات المحرمة ، فان في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرائع الاسلام 1 : 51 .

(2) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 ، 3 .

ــ[388]ــ

مورد هذه الأدلّة قد فرض حيوان وله لحم محرم أكله فحكم بنجاسة بوله ، وهذا كما ترى يختص بما له لحم ، وعليه فهذه الأدلة قاصرة الشمول لما لا لحم له من الابتداء حيث لا لحم له ليحرم أكله ، فأبوال ما لا نفس له إذا كان من هذا القبيل مما لا دليل على نجاسته .

   إلاّ أن هذا إنما يتم فيما إذا قلنا بانصراف ما دلّ على نجاسة مطلق البول إلى بول الآدمي كصحيحتي محمد بن مسلم المتقدِّمتين (1) وغيرهما ولا أقل من انصرافه عن بول الحيوانات التي لا لحم لها . وأمّا إذا لم يتم الانصراف فمقتضى تلك المطلقات نجاسة البول مطلقاً حتى مما لا لحم له فيما إذا كان محرم الأكل .

   نعم ، يمكن أن يستدل على طهارة أبوال ما لا نفس له مطلقاً كان له لحم أم لم يكن بموثقة حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال: «لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة»(2) فقد دلت باطلاقها على عدم تنجس الماء ببول ما  لا نفس له ولا بدمه ولا بميتته ولا بغيرها مما يوجب نجاسة الماء إذا كانت له نفس سائلة ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون له لحم أم لم يكن .

   وأصحابنا (قدس الله أسرارهم) وإن ذكروا هذه الرواية في باب عدم نجاسة الميتة مما لا نفس له إلاّ أنه لا يوجب اختصاصها بها ، فانّها مطلقة ومقتضى إطلاقها عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 374 ، 376 .

(2) الوسائل 3 : 464 / أبواب النجاسات ب 35 ح 2 . ثم إن في سند الرواية أحمد بن محمد عن أبيه والظاهر أنه أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وهو وإن كان من مشايخ الشيخ المفيد (قدس سره) إلاّ أنه لم تثبت وثاقته بدليل ، وكونه شيخ إجازة لا دلالة له على وثاقته فالوجه في كون الرواية موثقة أن في سندها محمد بن أحمد بن يحيى وللشيخ إليه طرق متعددة ، وهي وإن لم تكن صحيحة بأسرها إلاّ أن في صحة بعضها غنىً وكفاية ، وذلك لأن الرواية إما أن تكون من كتاب الراوي أو من نفسه ، وعلى كلا التقديرين يحكم بصحة رواية الشيخ عن محمّد بن أحمد لتصريحـه في الفهرسـت [ 144 / 612 ] بأن له إلى جميع كتب محمد بن أحمد ورواياته طرقاً متعددة وقد عرفت صحة بعضها ، وإذا صحّ السند إلى محمد بن أحمد بن يحيى صحّ بأسره لوثاقة الرواة الواقعة بينه وبين الإمام (عليه السلام) وبهذا الطريق الذي أبديناه أخيراً يمكنك تصحيح جملة من الروايات كذا أفاده (دام ظله) .

ــ[389]ــ

   [ 161 ] مسألة 1 : ملاقاة الغائط في الباطن لاتوجب النجاسة كالنوى الخارج من الانسان أو الدود الخارج منه ، إذا لم يكن معه شيء من الغائط وإن كان ملاقياً له في الباطن (1) . نعم ، لو أدخل من الخارج شيئاً فلاقى الغائط في الباطن كشيشة الاحتقان إن علم ملاقاتها له ، فالأحوط الاجتناب((1)) عنه . وأمّا إذا شكّ

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنجس الماء بشيء من أجزاء ما لا نفس له ، والنسبة بينها وبين ما دلّ على نجاسة بول
ما لا يؤكل لحمه وإن كانت عموماً من وجه إلاّ أنها كذلك بالاضافة إلى غير بوله أيضاً من دمه وميتته ومع ذلك فهي مقدمة على معارضاتها مما دلّ على نجاسة الدم أو الميتة . والوجه فيه أن الموثقة حاكمة على غيرها مما دلّ على نجاسة البول أو الدم أو الميتة على وجه الاطلاق فانّها فرضت شيئاً مفسداً للماء من أجزاء الحيوان . وحكمت عليه بعدم إفساده للماء فيما إذا لم يكن له نفس سائلة ، هذا .

   وأيضاً يمكن الاستدلال على طهارته بالروايات الواردة في عدم نجاسة الميتة مما لا  نفس له كموثقة عمار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : كل ما ليس له دم فلا بأس» (2) والمراد بما ليس له دم هو ما لا نفس سائلة له ، وإلاّ فلمثل الذباب دم قطعاً . وتقريب الاستدلال بها أنها دلت باطلاقها على عدم انفعال الماء وغيره من المائعات بموت ما لا نفس له فيه سواء تفسخ أم لم يتفسخ ، ومن الظاهر أنه على تقدير تفسخه تنتشر أجزاؤه في الماء ومنها ما في جوفه من البول والخرء مع أنه (عليه السلام) حكم بطهارة المائع مطلقاً ، هذا وفي الرواية الاُولى غنى وكفاية .

    ملاقاة الغائط في الباطن

   (1) هذا الذي أفاده (قدس سره) لا يوافق ذيل كلامه ، لأنه لا فرق فيما لاقاه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والأظهر طهارته ، ولم يظهر الفرق بينه وبين النوى .

(2) الوسائل 3 : 463 / أبواب النجاسات ب 35 ح 1 .

ــ[390]ــ

في ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة ، فلو خرج ماء الاحتقان ولم يعلم خلطه بالغائط ولا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغائط في الباطن بين ما دخل من طريق الحلق كما في النوى ، وبين ما دخل الجوف من طريق آخر كشيشة الاحتقان . نعم ، يمكن أن يقال في الدود الخارج من الانسان أنه كسائر الحيوانات إما لا يتنجس أصلاً أو إذا قلنا بتنجسه يطهر بزوال العين عنه كما في الدود الخارج من الخلاء إذا لم يكن عليه أثر من النجاسات ، وأمّا النوى وشيشة الاحتقان فلم يظهر لنا الفرق بينهما وتفصيل الكلام في المقام أن لملاقاة النجاسة في الباطن صوراً أربع :

  الصورة الأُولى : أن يكون الملاقي والملاقى من الداخل بأن تلاقي النجاسة المتكونة في الباطن أحد الأجزاء الداخلية للانسان أو الحيوان نظير الدم الملاقي لمحله والغائط المماس لمكانه . وملاقي النجاسة في هذه الصورة محكوم بالطهارة ، وذلك مضافاً إلى قصور ما دلّ على نجاسة الملاقي عن الشمول لهذه الصورة كما سيظهر وجهه ، يمكن أن يستدل عليها بما دلّ على طهارة البلل الخارج من فرج المرأة (1) فانّه يلاقي مجرى البول والدم والمني ، فلو كانت ملاقاة شيء من ذلك موجبة لنجاسة مواضعها الداخلية لكان البلل الملاقي لتلك المواضع محكوماً بالنجاسة لا محالة . وبما دلّ على طهارة المذي وأخواته (2) فانّه أيضاً يلاقي مواضع البول والمني . وبما دلّ على وجوب غسل الظاهر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة وليها قميصها أو إزارها من بلل الفرج وهي جنب أتصلِّي فيه ؟ قال : إذا إغتسلت صلّت فيهما» . وعن عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل مسّ فرج امرأته ، قال : ليس عليه شيء وإن شاء غسل يده» الوسائل 3 : 498 / أبواب النجاسات ب 55 ح 1، 3 وغيرهما من الأخبار .

(2) كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن المذي يصيب الثوب ؟ قال : ينضحه بالماء إن شاء» وعن أبي بصير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب ؟ قال : ليس به بأس» الوسـائل 3 : 426 / أبواب النجاسـات ب  17 ح 1 ، 5 وغيرهما .

ــ[391]ــ

في الاستنجاء وفي غيره دون البواطن (1) مع ملاقاتها للغائط وغيره من النجاسات ، ولم تثبت ملازمة ولا ارتكاز عرفي بين نجاسة الدم والبول والغائط في الخارج ونجاستها في الجوف ، وحيث إن النجاسة تستفاد من الأمر بغسلها ، ولم يرد أمر بغسل البواطن فيستكشف من ذلك طهارتها . وعلى الجملة لا دليل على نجاسة البواطن بوجه ، أو إذا قلنا بنجاستها فلا مناص من الالتزام بطهارتها بمجرّد زوال عين النجس .

   الصورة الثانية : أن تكون النجاسة خارجية وملاقيها من الأجزاء الداخلية كما إذا شرب مائعاً متنجساً أو نجساً كالخمر فانّه يلاقي الفم والحلق وغيرهما من الأجزاء الداخلية ، وملاقي النجاسة في هذه الصورة أيضاً محكوم بالطهارة ، فان الأجزاء الداخلية لا تتنجس بملاقاة النجس الخارجي ، وهذا من غير فرق بين أن تكون الأجزاء الداخلية محسوسة كداخل الفم والأنف والاُذن وغيرها أم لم تكن ، والسرّ في ذلك ما تقدم في الصورة الاُولى من أنه لا دليل على نجاسة الأعضاء الداخلية بملاقاة النجس ، وعلى تقدير تسليمها لا مناص من الالتزام بطهارتها بمجرّد زوال العين عنها . هذا مضافاً إلى ما ورد من عدم نجاسة بصاق شارب الخمر (2) لأن الفم لو كان يتنجس بالخمر كان بصاق شارب الخمر نجساً لا محالة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول : يستنجي    ويغسل ما ظهر منه على الشرج ولا يدخل فيه الأنملة» . وعن عمار الساباطي قال : «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل يسيل من أنفه الدم ، هل عليه أن يغسل باطنه يعني جوف الأنف ؟ فقال : إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه» الوسائل 3 : 437 / أبواب النجاسات ب 24 ح 1 ، 5 وغيرهما .

(2) كما رواه عبدالحميد بن أبي الديلم قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه ؟ قال : ليس بشيء» ونظيرها رواية الحسن بن موسى الحناط . المرويتان في الوسائل 3 : 473 / أبواب النجاسات ب 39 ح 1 ، 2 .

ــ[392]ــ

   الصورة الثالثة : أن يكون الملاقي خارجاً والنجاسـة باطنية كما في الأسـنان الصناعية الملاقية للدم المتكون في الفم أو الأبرة النافذة في الجوف وشيشة الاحتقان والنوى الداخل فيه إلى غير ذلك من الأجسام الخارجية الملاقية لشيء من النجاسات المتكونة في الباطن ، وهذه الصورة على قسمين :

   أحدهما : ما إذا كان الملاقى أعني النجاسة الداخلية كائنة في الجوف ، وغير محسوسة باحدى الحواس كالنجاسة التي لاقاها النوى أو شيشة الاحتقان أو الابرة وغيرها .

   وثانيهما : ما إذا كان قابلاً للحس باحدى الحواس كالدم المتكون في الفم أو في داخل الأنف وغيرهما .

   أمّا القسم الأوّل : فلا إشكال في أن الجسم الخارجي الملاقي لشيء من النجاسات الداخلية طاهر ، لأنه لا دليل على نجاسة الدم في العروق أو البول والغائط في محلهما فضلاً عن أن يكون منجساً لملاقيه ، والأدلة الواردة في نجاسة الدم والبول والغائط مختصة بالدم الخارجي أو البول والغائط الخارجيين ، لأن أمره (عليه السلام) بغسل ما يصيبه البول من البدن والثياب (1) لا يشمل لغير البول الخارجي ، فان البول في الداخل لا يصيب الثياب أو البدن .

  وكذلك ما دلّ على نجاسة الدم (2) وكذا أمره (عليه السلام) بالغسل في الغائط الذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن البول يصيب الثوب قال : اغسله مرتين» ورواية البزنطي ، قال : «سألته عن البول يصيب الجسد قال : صب عليه الماء مرّتين» الوسائل 3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 1 ، 7 وغيرهما من الأخبار.

(2) كما في صحيحة زرارة ، قال : «قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلّمت أثره إلى أن اُصيب له الماء فأصبت وحضرت الصلاة ، ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك قال : تعيد الصلاة وتغسله ...» المروية في الوسائل 3 : 479 / أبواب النجاسات ب 42 ح 2 .

ــ[393]ــ

يطأه الرجل برجله (1) أو المني الذي أصابه (2) يختص بالغائط والمني الخارجيين ، ولا يحتمل إرادة الغائط في الجوف لأنه لا معنى لوطئه بالرجل ، وكذا الحال في المني .

   وكيف كان فلم يقم دليل على وجوب الغسل بملاقاة النجاسة في الجوف . ويدل على ما ذكرناه الأخبار الواردة في طهارة القيء (3) فان ملاقاة النجس الداخلي لو كانت موجبة للنجاسة لم يكن وجه للحكم بطهارة القيء لاتصاله في المعدة بشيء من النجاسات لا محالة .

   وأمّا القسم الثاني : فهو على عكس القسم الأول والملاقي فيه محكوم بالنجاسة لأن ما دلّ على نجاسة ملاقي الدم مثلاً يشمله لا محالة فيصح أن يقال إن إصبعه لاقى الدم في فمه أو الطعام لاقى الدم في حلقه .

   الصورة الرابعة : أن يكون الملاقي والملاقى من الخارج بأن يكون الباطن ظرفاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يطأ في العذرة أو البول أيعيد الوضوء ؟ قال : لا ولكن يغسل ما أصابه» المروية في الوسائل 1 : 274 / أبواب نواقض الوضوء ب 10 ح 2 .

         وصحيحة زرارة بن أعين قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه ؟ وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : لا يغسلها إلاّ أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلِّي» وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : «كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) إذ مرّ على عذرة يابسة فوطأ عليها فأصابت ثوبه ، فقلت : جعلت فداك قد وطأت على عذرة فأصابت ثوبك ، فقال : أليس هي يابسة ؟ فقلت : بلى ، قال لا بأس ، إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً» الوسائل 3 : 458 / أبواب النجاسات ب 32 ح 7 ، 2 إلى غير ذلك من الأخبار .

(2) صحيحة محمد بن مسلم في حديث «في المني يصيب الثوب ؟ قال : إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي عليك فاغسله كلّه» وعن عنبسة بن مصعب قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المني يصيب الثوب فلا يدري أين مكانه قال : يغسله كله ، وإن علم مكانه فليغسـله» الوسائل 3  : 423 / أبواب النجاسات ب 16 ح 1 ، 3 وغيرهما من الأخبار .

(3) في موثقة عمار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يتقيأ في ثوبه أيجوز أن يصلي فيه ولا يغسله ؟ قال : لا بأس به» ونظيرها روايته الاُخرى المرويتان في الوسائل 3 : 488 / أبواب النجاسات ب 48 ح 1 ، 2 .

ــ[394]ــ

   [ 162 ] مسألة 2 : لا مانع من بيع البول والغائط من مأكول اللّحم (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لملاقاتهما كما إذا ابتلع درهماً وشرب مائعاً متنجساً فتلاقيا في جوفه ثم خرج الدرهم نقياً ، وفي هذه الصورة لا يمكن الحكم بطهارة الملاقي بوجه ، لأن ما دلّ على وجوب غسل ما أصابه الدم أو الخمر مثلاً يشمل الدرهم حقيقة لأنه جسم خارجي لاقى نجساً فينجس .

   ولا يصغى إلى دعوى أن الملاقاة في الباطن غير مؤثرة ، لأن مواضع الملاقاة داخلة كانت أم خارجة مما لا مدخلية له في حصول النجاسة ولا في عدمه ، وإلاّ لا نتقض بما إذا كانت إحدى أصابعه متنجسة ، وكانت الاُخرى طاهرة فادخلهما في فمه وتلاقيا هناك ثم أخرجهما بعد ذهاب عين النجس عن الاصبع المتنجس في فمه ، فان لازم عدم تأثير الملاقاة في البواطن عدم نجاسة الاصبع الملاقي للاصبع النجس في المثال ، وهو أمر لا يتفوّه به أحد فالحكم بطهارة الملاقي في هذه الصورة غلط ظاهر .

   ومما يدلنا على ذلك ـ مضافاً إلى ما تقدم ـ موثقة عمار الآمرة بغسل كل ما أصابه الماء المتنجس(1) لأنها بعمومها تشمل الدرهم في مفروض الكلام لأنه مما لاقاه المائع المتنجس ولو في الجوف ، فلا مناص من الحكم بنجاسته .

    بيع البول والغائط

   (1) في المقام مسائل ثلاث :

   الاُولى : جواز بيع البول والغائط مما يؤكل لحمه .

   الثانية : عدم جواز بيعهما إذا كانا من محرم الأكل .

   الثالثة : جواز الانتفاع بهما ولو كانا مما لا يؤكل لحمه ، لعدم الملازمة بين حرمة بيعهما وضعاً وبين عدم جواز الانتفاع بهما .

    أمّا المسألة الاُولى : فالمعروف بينهم جواز بيع البول والروث من كل حيوان محلل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

ــ[395]ــ

شرعاً ، بل ولا ينبغي الاشكال في صحة بيع الأرواث مما يؤكل لحمه للسيرة القطعية المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) الجارية على بذل المال بازائها ، وعلى جواز الانتفاع بهما في الاحراق والتسميد وغير ذلك . فالاشكال ينحصر ببوله وقد عرفت أن المشهور جواز بيعه ، وربما يستشكل في ذلك بوجهين :

   أحدهما : أن البيع ـ زائداً على ما اعتبروه في صحته ـ يشترط فيه أن يكون العوضان مالاً بأن يكونا مما يرغب فيه الناس نوعاً ، ويبذلون المال بأزائه ومن هنا عرّفه في المصباح المنير بمبادلة مال بمال (1) وحيث إن الأبوال مستقذرة لدى العرف وإن كانت طاهرة شرعاً ، فلا يرغب فيها العقلاء بنوعهم ولا يبذلون المال بأزائها والتداوي بها لبعض الأمراض لا يقتضي ماليتها ، إذ لا يبتلى به إلاّ القليل ، ومثله لا يقتضي المالية في المال .

   ويرد على هذا الوجه اُمور :

   الأوّل : أن صحة المعاملات لا تتوقف على مالية العوضين نوعاً والعقلاء والعرف شاهدان على هذا المدعى ، لصحة بيع ما لا مالية له نوعاً كما إذا أراد شراء خط والده مع فرض أنه رديء ولا يساوي عند العقلاء بشيء إلاّ أنه يبذل بأزائه المال بداعي أنه خط والده ، فالمالية النوعية غير معتبرة في صحة البيع بوجه ، وأمّا تعريف المصباح المنير فلا اعتبار له لأنه في مقام شرح الاسم وليس بصدد بيان ما يعتبر في ماهية البيع وحقيقته .

   الثاني : هب أن المالية معتبرة في العوضين إلاّ أن ذلك لا يمنع عن جواز بيع الأبوال لغرض التداوي بها لبعض الأمراض ، فحكم الأبوال حكم سائر الأدوية التي لا يبتلى بها إلاّ في بعض الأوقات ، ومعه يبذل بأزائها الأموال للاتجار بها لا لأجل الحاجة إليها فهل ترى بطلان بيع الأدوية ممن لا يحتاج إليها بالفعل ؟ فالمنع عن بيع الأبوال من جهة أن الحاجة إلى التداوي بها قليلة مما لا يصغى إليه .

   الثالث : هب أ نّا سلمنا كلا الأمرين ، وقلنا بعدم صحة بيع الأبوال المذكورة إلاّ أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصباح المنير 1 : 69 .

ــ[396]ــ

في صدق عنوان التجارة عن تراض على معاملة الأبوال غنى وكفاية ، وبذلك يحكم بصحتها ، والتجارة أعم من البيع وغير مقيدة بالمالية في العوضين .

   وثانيهما : ما ربما يوجد في بعض الكتب من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «إن الله إذا حرّم أكل شيء حرّم ثمنه» (1) وأبوال الحيـوانات مما يحرم أكله وعليه فبيع الأبوال باطل، وهذه الرواية على تقدير ثبوتها كما تدل على بطلان بيع أبوال الحيوانات المحللة كذلك تدل على بطلان بيع أرواثها بملاك حرمة أكلها .

   والذي يسهل الخطب أن هذه الرواية لم تصل إلينا بطرقنا وإنما نقلت من طرق العامة فهي ساقطة عن الاعتبار بل وفي جوهر النقي في حاشية سنن البيهقي (2) أن عموم هذه الرواية متروك اتفاقاً . فاذا كان هذا حال الرواية عندهم فكيف يسوغ لنا العمل على طبقها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 13 : 73 / أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 8 عن عوالي اللئالي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها وإن الله إذا حرّم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه» ونقله عن دعائم الاسلام أيضاً باختلاف يسير .

         وفي السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 13 باب تحريم بيع ما يكون نجساً لا يحل أكله عن خالد الحذاء عن بركة أبي الوليد عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جالساً عند الركن فرفع بصره إلى السماء فضحك وقال لعن الله اليهود «ثلاثاً» إن الله تعالى حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه .

         ورواه أبو داود في السنن ج 3 ص 280 / 3488 من الطبعة الحديثة عن ابن عباس .

         وفي المسند لأحمد بن حنبل ج 1 ص 293 عن خالد الحذاء عن بركة بن العريان المجاشعي قال : سمعت ابن عباس يحدث قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعن الله اليهود ... الخ وليست فيها كلمة «ثلاثاً» وفي ص 247 بهذا السند عن ابن عباس قال كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قاعداً في المسجد مستقبلاً الحجر فنظر إلى السماء فضحك ثم قال لعن الله ... الخ من دون لفظة «ثلاثاً» .

(2) سنن البيهقي ج 6 ص 13 في الهامش . قلت عموم هذا الحديث «مشيراً به إلى الحديث المتقدم نقله عن البيهقي» متروك اتفاقاً بجواز بيع الآدمي والحمار والسنور .

ــ[397]ــ

وأمّا بيعهما من غير المأكول فلا يجوز ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   المسألة الثانية : هذه هي المسألة الثانية من المسائل الثلاث ، والكلام فيها يقع في مقامين :

   (1) أحدهما : في جواز بيع الأبوال مما لا يؤكل لحمه .

   وثانيهما : في جواز بيع خرئه وإنما جعلناه مستقلاً في البحث ، لورود نصوص في خصوص بيع العذرة .

   أمّا المقام الأوّل : وهو البحث عن بيع أبوال ما لا يؤكل لحمه فالمشهور المعروف بين الأصحاب عدم جوازه ، وقد يدعى عليه الاجماع أيضاً إلاّ أن الصحيح هو الجواز كما ذكرناه في بيع أبوال ما يؤكل لحمه ، وذلك لضعف مستند المانعين فانّهم استدلوا على حرمة بيعها بوجوه :

   الأوّل : الاجماع كما مرّ ويدفعه : أن المحصل منه غير حاصل والمنقول منه ليس بحجة . على أ نّا نحتمل أن يكون مدرك المجمعين أحد الوجوه الآتية ، ومعه لا يكون الاجماع تعبدياً فيسقط عن الاعتبار ، حيث إن اعتباره ليس لأجل دلالة الدليل على حجيته بل إنما يعتمد عليه لكشـفه عن رأي المعصـوم (عليه السلام) ومع احتمال استنادهم إلى مدرك آخر لا يبقى له كشف عن رأيه (عليه السلام) .

   الثاني : ما تقدم في المسألة الاُولى من حيث اعتبار المالية في العوضين ، والأبوال مما لا مالية له ، وقد تقدم الجواب عن ذلك مفصلاً وناقشنا فيه صغرى وكبرى فلا نعيد .

   الثالث : رواية تحف العقول (2) الناهية عن بيع النجس في قوله : «أو شيء من وجوه النجس فهذا كلّه حرام ومحرم ...» .

   ويدفعها أوّلاً : أن مؤلف كتاب تحف العقول ـ وهو حسن بن علي بن شعبة ـ وإن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط الأولى .

(2) الوسائل 17 : 83 / أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1 ، وفي تحف العقول : 331 .

ــ[398]ــ

كان فاضلاً ورعاً ممدوحاً غايته إلاّ أنه لم يسند رواياته في ذلك الكتاب فرواياته ساقطة عن الاعتبار لارسالها .

   وثانياً : أن الرواية إنما دلّت على عدم جواز بيع النجس معللة بحرمة الانتفاع منه حيث قال : «لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه ...» ومقتضى هذا التعليل دوران حرمة بيع النجس مدار حرمة الانتفاع منه ، وبما أن الأبوال مما يجوز الانتفاع به في التسميد والتداوي واستخراج الغازات منها ـ كما قيل ـ وغير ذلك كما يأتي تحقيقه في المسألة الثالثة فلا مناص من الالتزام بجواز بيعها .

   الرابع : ما رواه الشيخ في خلافه (1) والعلاّمة في بعض كتبه من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «إن الله إذا حرّم شيئاً حرم ثمنه» . وحيث إن الأبوال محرّمة من جميع الجهات أو في أكثر منافعها بحيث يصح أن يقال إن الله حرّمها على وجه الاطلاق فيكون ثمنها أيضاً محرماً . وهذه الرواية وإن كانت موجودة في بعض كتب الشيخ والعلاّمة (قدس سرهما) إلاّ أ نّا لم نقف على مأخذها ـ بعد التتبع الكثير ـ في كتب أحاديثنا ، ولا في كتب العامّة . نعم عثرنا عليها في مسند أحمد حيث نقلها في موضع من كتابه عن ابن عباس في ذيل رواية الشحوم (2) . ولكن الظاهر أن الرواية غير ما نحن بصدده لاشتمالها على كلمة «أكل» إلاّ أنها سقطت فيما نقله أحمد في ذلك المورد لأنه بنفسه نقلها في مواضع اُخرى (3) من كتابه باضافة لفظة «أكل» وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه . كما نقلها غيره كذلك (4) مع أن الراوي عن ابن عباس في جميعها بركة المكنّى بأبي الوليد والراوي عنه واحد وهو خالد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 3 : 184 / 308 ، و ص 185 / 310 .

(2) مسند أحمد ج 1 ص 322 عن خالد عن بركة أبي الوليد عن ابن عباس أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : لعن الله اليهود حرم عليهم الشحوم فباعوها فأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم شيئاً حرم عليهم ثمنه .

(3) كما قدّمنا نقله في تعليقه ص 396 .

(4) كما قدّمنا نقله عن سنن البيهقي ، وعن سنن أبي داود سليمان بن أشعث السجستاني في ص 396.

ــ[399]ــ

   نعم ، نقل الرواية الدميري في حياة الحيوان (1) باسقاط كلمة «أكل» وأسندها إلى أبي داود ولكنه أيضاً خطأ فان الموجود منها في نفس سنن أبي داود (2) مشتمل على كلمة «أكل» وعلى هذا فالرواية المستدل بها في المقام مما لا مأخذ له فلا مانع من بيع أبوال ما لا يؤكل لحمه .

   وأمّا المقام الثاني : وهو البحث عن بيع الخرء من حيوان لا يؤكل لحمه فقد ظهر الحال فيه من مطاوي ما ذكرناه في المقام الأول ، فانّه لا ملازمة بين النجاسة وبين عدم جواز بيعها بل مقتضى القاعدة صحة بيع النجاسات لأنها مشمولة للاطلاقات وأمّا دعوى الاجماع على بطلان بيع الغائط أو غيره من النجاسات فقد عرفت ضعفها ، هذا كله حسبما تقتضيه القاعدة .

   وأمّا بالنظر إلى الأخبار الواردة في المقام فقد وردت في بيع الغائط عدة روايات .

   منها : رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ثمن العذرة من السحت» (3) .

   ومنها : ما عن دعائم الاسلام من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى عن بيع العذرة (4) وظاهر النهي في باب المعاملات هو الارشاد إلى بطلانها ، فمقتضى هاتين الروايتين بطلان بيع العذرة وفي قبالهما روايتان :

   إحداهما : عن محمد بن مضارب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس ببيع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال عند نقل استدلالهم على بطلان بيع ذرق الحمام وسرجين البهائم المأكولة وغيرها وحرمة ثمنه ما هذا نصه : واحتج أصحابنا بحديث ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «إن الله تعالى إذا حرم على قوم شيئاً حرم عليهم ثمنه» وهو حديث صحيح رواه أبو  داود باسـناد صحيح وهو عام إلاّ ما خرج بدليل كالحمار ، حياة الحيـوان 1  :  374 .

(2) كما قدّمنا نقله في ص 396 .

(3) الوسائل 17 : 175 / أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 1 .

(4) دعائم الاسلام 2 : 18 / 22 .

ــ[400]ــ

العذرة» (1) وفي بعض نسخ المكاسب وتعليقاته محمد بن مصادف بدل مضارب وهو غلط .

   وثانيتهما : عن سماعة قال : «سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال : إني رجل أبيع العذرة فما تقول ؟ قال : حرام بيعها وثمنها وقال : لا بأس ببيع العذرة» (2) . واختلفت الأنظار في الجمع بينهما ، وقد ذكروا في ذلك وجوهاً لا طائل تحتها ، ولا ترجع إلى محصل سوى ما ذكره الفاضل السبزواري (قدس سره) من حمل أخبار المنع على الكراهة (3) . وتفصيل الكلام في ذلك :

   أن رواية يعقوب بن شعيب ضعيفة بعلي بن مسكين أو سكن لأنه مجهول ، ورواية الدعائم لا اعتبار بها لإرسالها . ودعوى انجبارها بعمل الأصحاب مندفعة : بأن المشهور لم يعملوا بهاتين الروايتين ، لأنهم ذهبوا إلى بطلان بيع مطلق النجاسات بل المتنجسات أيضاً إلاّ في موارد معينة، فلا محالة اعتمدوا في ذلك على مدرك آخر دونهما لأن مدلول الروايتين بطلان البيع في خصوص العذرة دون مطلق النجس . هذا مضافاً إلى أن عمل المشهور على طبق رواية ضعيفة لا يكون جابراً لضعفها على ما مرّ منّا غير مرّة ، فروايتا المنع ساقطتان .

   وأمّا رواية محمّد بن مضارب فهي من حيث السند تامّة (4) ودلالتها على جواز بيع العذرة ظاهرة .

   وأمّا رواية سماعة فان قلنا إنها رواية واحدة فلا محالة تسقط عن الاعتبار لتنافي صدرها لذيلها فتكون مجملة ، وأمّا إذا قلنا بأنها روايتان وقد جمعهما الراوي في الرواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 17 : 175 / أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 3 ، 2 .

(3) كفاية الأحكام : 84 .

(4) وهذا لا لما قد يتوهّم من أنها حسنة نظراً إلى رواية بعض الثقات عنه أو ما روي من لطف الصادق (عليه السلام) في حقه وكونه مورداً لعنايته ، لأن شيئاً من ذلك لا يدرجه في الحسان بل لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات فانّه يكفى في الحكم بوثاقته عند سيدنا الاُستاذ (مدّ ظلّه) .

 
 

ــ[401]ــ

فتكون الجملتان من قبيل الخبرين المتعارضين .

   ويؤيد تعدّدها قوله : «وقال لا بأس ...» لأنها لو كانت رواية واحدة لم يكن وجه لقوله وقال ، بل الصحيح أن يقول حينئذ حرام بيعها وثمنها ولا بأس ببيع العذرة ويؤكده أيضاً الاتيان بالاسم الظاهر في قوله : «لا بأس ببيع العذرة» فانّها لو كانت رواية واحدة لكان الأنسب أن يأتي بالمضمر بدلاً عن الاسم الظاهر بأن يقول لا بأس ببيعها ، وكيف كان فالظاهر أنها روايتان متعارضتان ومقتضى الجمع العرفي بينهما حمل المنع على الكراهة بارادة المكروه من كلمة الحرام بقرينة قوله لا بأس ببيع العذرة كما هو الحال في كل مورد تعارض فيه كلمة الحرام ونفي البأس ، فانّهم يجعلون الثاني قرينة على إرادة الكراهة من الحرام ، كما ذهب إليه السبزواري (قدس سره) ، هذا كلّه مع قطع النظر عن رواية يعقوب بن شعيب . وأمّا إذا اعتمدنا عليها فالأمر أيضاً كما عرفت فنحمل كلمة السحت أو الحرام على الكراهة بقرينة نفي رواية الجواز .

   إلاّ أن شيخنا الأنصاري (قدس سره) استبعد حمل السحت على الكراهة (1) ولعلّه من جهة أن السحت بمعنى الحرام الشديد ، ولكن الأمر ليس كما اُفيد ، لأن السحت قد استعمل بمعنى الكراهة في عدة روايات :

   منها : ما ورد من أن ثمن جلود السباع سحت (2) .

   ومنها : ما دلّ على أن أخذ الاجرة على تعليم القرآن من السحت (3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 1 : 24 .

(2) المستدرك 13 : 120 / أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 2 عن دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) أنه قال : «من السحت ثمن جلود السباع» . وفي المصدر السابق ص 106 ب 22 ح 3 عن الجعفريات عن علي (عليه السلام) قال : «من السحت ثمن الميتة إلى أن قال : ثمن القرد وجلود السباع» .

(3) المستدرك 13 : 116 / أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2 عن ابن عباس في قوله تعالى : (أكّالون للسّحت ) قال : اُجرة المعلمين الذين يشارطون في تعليم القرآن وفي ص 117 ح 5 عن الجعفريات عن عليّ (عليه السلام) قال : «من السحت ثمن الميتة إلى أن قال وأجر القارئ الذي لا يقرأ القرآن إلاّ بأجر» .

ــ[402]ــ

   ومنها : ما ورد من أن ما يأخذه الحجام مع المشارطة سحت (1) وقد حملوه على الكراهة الشديدة لمعارضتها بما دلّ على الجواز (2) بل وفي لسان العرب انّ السحت يستعمل في الحرام تارة ويستعمل في المكروه اُخرى (3) ، ومع ورود استعمال السحت بمعنى الكراهة في الأخبار ، وتصريح أهل اللغة بصحته لا محذور في حمله على الكراهة الشديدة في المقام .

   هذا ثم لو سلمنا عدم إمكان الجمع العرفي بينهما فلا بدّ من الرجوع إلى المرجحات والترجيح مع الروايات الدالة على الجواز لأنها مخالفة للعامة ، كما أن ما دلّ على عدم جوازه موافق معهم لذهابهم قاطبة إلى بطلان بيع النجس (4) ، وما نسبه العلاّمة (قدس سره) إلى أبي حنيفة من ذهابه إلى جواز بيع الغائط (5) على خلاف الواقع ، لأن بطلان بيع النجاسات إجماعي بينهم . بل يمكن ترجيح المجوّزة من جهة موافقتها للكتاب لأنها موافقة لعمومات حل البيع والتجارة عن تراض ، ومع التنزل عن ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 13 : 74 / أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 1 عن الجعفريات عن علي (عليه السلام) أنه قال : «من السحت كسب الحجام» وعن العياشي عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) انّهما قالا : «إن السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام» .

(2) الوسائل 17 : 104 / أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 1 ، 4 وغيرهما .

(3) لسان العرب 2 : 41 .

(4) ففي الوجيز للغزالي ج 1 ص 80 لا يجوز بيع الأعيان النجسة . وفي تحفة المحتاج لابن حجر الشافعي ج 2 ص 8 يشترط في المبيع طهارة عينه فلا يجوز بيع سائر نجس العين كالخمر والميتة والخنزير ولا يجوز بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره بالغسل كالخل واللبن والدهن في الأصح . وفي بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج 2 ص 136 الأصل في تحريم بيع النجاسات حديث جابر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام . وفي المغنى لابن قدامة الحنبلي ج 4 ص 302 أنه لا يجوز بيع السرجين النجس وعليه مالك والشافعي وجوزه أبو  حنيفة ، ولنا أنه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة . ونقل في حياة الحيوان للدميري ص  220 ـ 221 عن أبي حنيفة القول بجواز بيع السرجين ثم أورد عليه بأنه نجس العين فلم يجز بيعه كالعذرة فانّهم وافقونا على بطلان بيعها ...

(5) المنتهى 2 : 1008 السطر 41 .

ــ[403]ــ

نعم ، يجوز الانتفاع بهما في التسميد ونحوه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أيضاً فلا مناص من تساقطهما ، ومعه يرجع إلى العموم الفوق أعني إطلاقات حل البيع والتجارة وهي مقتضية لجواز بيع العذرة .

   فالمتحصل أن الأبوال والغائط مما لا يؤكل لحمه كالأبوال والغائط من الحيوانات المحللة فلا إشكال في جواز بيعهما .

    الانتفاع بالبول والغائط :

   (1) هذه هي المسألة الثالثة ، والمعروف فيها بين الأصحاب حرمة الانتـفاع بالأعيان النجسة إلاّ في موارد استثنوها في كلماتهم ، ويظهر من ملاحظتها أن منعهم عن الانتفاع يشمل المتنجسات أيضاً ـ كما في الدهن المتنجس ـ حيث رخصوا في الانتفاع به بالاستصباح مطلقاً أو مقيداً بكونه تحت السماء كما اعتبره بعضهم . ولكن الأظهر وفاقاً لشيخنا الأنصاري (قدس سره) عدم حرمة الانتفاع بالمتنجسات ولا بالأعيان النجسة ، ولا ملازمة بين نجاسة الشيء وحرمة الانتفاع به (1) .

   أمّا في المتنجسات : فلأنه لم يدل دليل على حرمة الانتفاع بها ، وما استدلّ به على حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة ـ على تقدير تماميته ـ يختص بها كقوله عزّ من قائل (والرّجز فاهجر )(2) بدعوى أن المراد بالرجز هو الرجس وهو يشمل المتنجس أيضاً ، وإطلاق الأمر بهجره يقتضي الاجتناب عن مطلق الانتفاع به . والوجه في اختصاصه بالعين النجسة أن الرجس بمعنى الدنيء «پليد» وهو لا يطلق على النجس بالعرض كالفاكهة المتنجسة ، هذا .

   والصحـيح أنّ الآية أجنبيّة عن الدلالة على حرمة الانتفاع بشيء من الأعـيان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 2 : 82  .

(2) المدثر 74 : 5 .

ــ[404]ــ

    [ 163 ] مسألة 3 : إذا لم يعلم كون حيوان معيّن أنه مأكول اللحم أو لا لا يحكم بنجاسة بوله وروثه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النجسة أو المتنجسة ، وذلك لأن المراد بالرجز في الآية المباركة إنما هو الفعل القبيح أو أنه بمعنى العذاب ، لأن إسناد الأمر بالهجر إليه بأحد هذين المعنيين إسناد إلى ما هو له من غير حاجة فيه إلى إضمار وتقدير ، وهذا بخلاف ما إذا اُريد به الأعيان القذرة ، لأنه إسناد إلى غير ما هو له ويحتاج فيه إلى الاضمار ، هذا على أن هجر الشيء عبارة عن اجتناب ما يناسبه من الآثار الظاهرة فلا يعم مطلق الانتفاع به وتفصيل الكلام في الجواب عن الاستدلال بالآية المباركة موكول إلى محلّه (1) .

   وأمّا النجاسات : فهي أيضاً كالمتنجسات لم يقم دليل على حرمة الانتفاع بها إلاّ في موارد خاصة كما في الانتفاع بالميتة بأكلها ، وفي الخمر بشربه أو بغيره من الانتفاعات ، وأمّا حرمة الانتفاع من النجس بعنوان أنه نجس فلم تثبت بدليل ، ومعه يبقى تحت أصالة الحل لا محالة .

   وأحسن ما يستدل به على حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة رواية تحف العقول لاشتمالها على النهي عن بيع وجوه النجس معللاً بعدم جواز الانتفاع به (2) ويدفعه : أنها ضعيفة وغير قابلة للاعتماد . وقد يستدل على ذلك بغير ما ذكرناه من الوجوه إلاّ أنها ضعيفة لا ينبغي تضييع الوقت الثمين بالتصدي لنقلها ودفعها .

    الشك في حلية حيوان وحرمته :

   (1) الشك في ذلك تارة من جهة الشبهة الحكمية ، كما إذا ولد حيوان مما يؤكل لحمه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقاهة 1 : 172 .

(2) حيث قال (عليه السلام) «أو شيء من وجوه النجس فهذا كلّه حرام ومحرم لأن ذلك كلّه منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه . [ تحف العقول : 331 ] ورواها في الوسائل 17 : 83 / أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1 .

ــ[405]ــ

وما لا يؤكل ولم يشبه أحدهما ، وكما إذا شككنا في الأرنب مثلاً أنه يحل أكل لحمه أو يحرم . واُخرى من جهة الشبهة الموضوعية ، كما إذا شككنا في أن الموجود في الخارج غنم أو قرد ولم يعلم حاله لظلمة ونحوها .

   أمّا الشبهات الحكمية : فالمرجع فيها إنما هو قاعدة الطهارة في كل من البول والخرء ، لأن النجاسة إنما علقت على كون الحيوان محرم الأكل شرعاً ولم نحرزه في المقام ، ولذا نشك في طهارة بوله ونجاسته ومقتضى قاعدة الطهارة طهارة كل من بوله وخرئه . نعم ، إنما يحكم بذلك بعد الفحص عن تشخيص حال الحيوان من حيث حرمة أكل لحمه وإباحته كما هو الحال في جريان الأصل في جميع الشبهات الحكمية .

   وأمّا الشبهات الموضوعية : فحالها حال الشبهات الحكمية ، فيرجع فيها أيضاً إلى قاعدة الطهارة من غير اشتراط ذلك بالفحص نظير غيرها من الشبهات الموضوعية .

   وقد خالف في ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) حيث احتمل عدم جواز الرجوع إلى أصالة الطهارة قبل الفحص والاختبار بدعوى : أن الاجتناب عن بول ما لايؤكل لحمه يتوقّف على الاحتراز عن بول ما يشك في حلية أكله ، وذكر أن حال المقام حال الشك في القبلة أو الوقت أو غيرهما مما علق الشارع عليه أحكاماً ، فكما أن الرجوع فيهما إلى الأصل غير سائغ قبل الفحص فكذلك الحال في المقام . نعم ، لا  مانع من الحكم بطهارة ملاقيه لاستصحاب طهارته ، وقال إن المسألة غير منقحة في كلماتهم (1) .

   ولكن الصحيح عدم اعتبار الفحص في المقام نظير غيره من الشبهات الموضوعية لاطلاق الدليل أعني قوله (عليه السلام) «كل شيء نظيف ...» (2) وأمّا القبلة والوقت وأمثالهما فقياس المقام بها قياس مع الفارق ، لأنها من قيود المأمور به والتكليف فيها معلوم ، والتردد في متعلقه فلا بدّ فيها من الاحتيـاط ، وأمّا النجاسة في مدفوعي ما لايؤكل لحمه فهي حكم انحلالي ، ولكل فرد من أفرادهما حكم مستقل ، وهي كغيرها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 5 : 289 .

(2) كما في موثقة عمار المروية في الوسائل 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4 .

ــ[406]ــ

من الأحكام الشرعية مجعولة على نحو القضايا الحقيقية التي مرجعها إلى قضايا شرطية مقدمها وجود موضـوعاتها ـ كالبول والخرء في المقام ـ وتاليها ثبوت محمولاتها ، وعليه فاذا وجد في الخارج شيء وصدق عليه أنه بول مالا يؤكل لحمه فيترتّب عليه حكمه .

   وأمّا إذا شـككنا في ذلك ولم ندر أنه بول مالايؤكل لحمه ، فلا محـالة نشك في نجاسته وهو من الشك في أصل توجه التكليف بالاجتناب عنه ، وغير راجع إلى الشك في المكلف به مع العلم بالتكليف ، لأن العلم بالحكم في بقية الموارد لا ربط له بالحكم في مورد الشك ، فلا وجه معه للزوم الاحتياط قبل الفحص ، هذا .

   وقد يورد على الحكم بطهارة مدفوعي الحيوان المشكوك حرمته بوجهين :

   أحدهما : أن ذلك إنما يتم فيما إذا قيل بحلية أكل لحمه بأصالة الحلية لأنه حينئذ محلل الأكل ، ومدفوع الحيوانات المحللة طاهر ، ولا يوافق القول بحرمة أكله ـ  كما في المتن  ـ لأصالة عدم التذكية أو استصحاب حرمته حال الحياة ، لنجاسة مدفوع الحيوانات المحرمة فكيف يحكم بطهارة بوله وخرئه ؟ .

   والجواب عن ذلك أن نجاسة البول والخرء إنما تترتب على الحرمة الثابتة على الحيوان في نفسه ، لا من جهة عدم وقوع التذكية عليه أو من جهة حرمة أكل الحيوان حال حياته ، والحرمة الثابتة بالأصل ليست من هذا القبيل ، لأنها إنما ثبتت للحيوان بلحاظ الشك في حليته وحرمته من جهة الشك في التذكية أو من جهة استصحاب الحرمة الثابتة حال حياة الحيوان ، وعلى كل حال فهي أجنبية عن الحرمة الثابتة للحيوان في ذاته ونفسه .

  وثانيهما : أن الحكم بطهارة البول والخرء مما يشك في حليته إنما يتم فيما إذا لم يكن هناك ما يقتضي نجاسة مطلق البول ، وأمّا معه كقوله (عليه السلام) في السؤال عن بول أصاب بدنه أو ثيابه : «صبّ عليه الماء أو اغسله مرّتين» (1) وغيره مما دلّ على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحة محمّد بن مسلم ورواية ابن أبي نصر البزنطي المرويتين في الوسائل 3 :395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 1 ، 7 ، وغيرهما .

ــ[407]ــ

وإن كان لا يجوز أكل لحمه بمقتضى الأصل ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نجاسة البول مطلقاً فلا يمكن الحكم بطهارتهما . وهذه المطلقات وإن كانت مخصّصة ببول ما يؤكل لحمه بلا خلاف ، والحيوان المشكوك إباحته من الشبهات المصداقية حينئذ ، إلاّ أن مقتضى استصحاب عدم كونه محلل الأكل على نحو العدم الأزلي أنه من الأفراد الباقية تحت العام ، لأن الخارج وهو الحيوان المحلّل أكله عنوان وجودي وهو قابل لاحراز عدمه بالاستصحاب الجاري في الأعدام الأزلية ، وبه يحكم بدخوله تحت العمومات ومقتضاها نجاسة بوله وخرئه كما مرّ .

   ويردّه : أن جريان الاستصحاب بلحاظ مقام الجعل يختص بما إذا كان المشكوك فيه من الأحكام الالزامية أو ما يرجع إليها لأنها هي التي يتعلق عليها الجعل المولوي ، وأمّا الأحكام الترخيصية كالاباحة والحلية فهي غير محتاجة إلى الجعل ، بل يكفي في ثبوتها عدم جعل الالزام من الوجوب أو التحريم ، وعليه فاستصحاب العدم الأزلي لاثبات عدم حلية الحيوان غير جار في نفسه ، ولا يمكن معه إحراز كون الفرد المشتبه من الأفراد الباقية تحت العام ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ولا مناص حينئذ من الرجوع إلى قاعدة الطهارة للشك في طهارة البول .

   وعلى الجملة لا ملازمة بين القول بحرمة أكل الحيوان وبين القول بنجاسة بوله فيمكن الحكم بطهارة بوله مع الحكم بحرمة لحمه ، كما يمكن الحكم بحلية لحمه لأصالة الحلية ونحوها مع الحكم بنجاسة بوله بمقتضى العمومات المتقدمة مع قطع النظر عما ذكرناه في الجواب .

    الشك في الحلِّيّة مع العلم بالقابلية

   (1) الشك في حرمة الحيوان على تقدير ذبحه قد يكون من جهة الشبهة الحكمية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا أصل في المقام يقتضي الحرمة ، أمّا مع العلم بقبول الحيوان للتذكية فالأمر ظاهر ، وأمّا مع الشك فيه فلأن المرجع حينئذ هو عموم ما دلّ على قبول كل حيوان للتذكية إذا كانت الشبهة حكمية ، واستصحاب عدم كون الحيوان المشكوك فيه من العناوين الخارجة إذا كانت الشبهة موضوعية .

ــ[408]ــ

وقد يكون من جهة الشبهة الموضوعية ، وعلى كلا التقديرين فقد يعلم قبوله للتذكية وقد يشك في ذلك .

   أمّا إذا كان الشك من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية مع العلم بقبول الحيوان للتذكية كما إذا شككنا في حرمة لحم الأرنب أو شككنا في أن الحيوان شاة أو ذئب لظلمة ونحوها ، وكثيراً ما يتفق ذلك في الطيور لأنها قابلة للتذكية إلاّ أن بعضها محرم الأكل ، فقد ذهب جماعة من المحققين (قدس سرهم) إلى حرمة كل لحم يشك في حلية حيوانه ، وذلك للأصل الثانوي ، إلاّ أ نّا لم نقف على وجهه . مع أن مقتضى أصالة الاباحة حليته كغيره مما يشك في حرمته ، وغاية الأمر أن يقال إن الحرمة بعد ذبحه هي التي يقتضيها استصحاب الحرمة الثابتة عليه قبل ذبحه ، إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه .

   أمّا أوّلاً : فلتوقفه على حرمة لحم الحيوان حال حياته ، ولم نعثر على دليل يدل عليها ، فان قوله تعالى (إلاّ ما ذكيتم ) (1) ناظر إلى الحيوان الذي طرأ عليه الموت فانّه على قسمين : قسم تقع عليه التذكية وهو حلال ، وقسم لا تقع عليه وهو حرام وأمّا أكله من دون أن يطرأ عليه الموت قبل ذلك كابتلاع السمكة الصغيرة أو غيرها حية مما يحل أكل لحمه فلا دلالة للآية المباركة على حرمته .

   وأمّا حرمة القطعة المبانة من الحي فهي مستندة إلى كون القطعة المبانة ميتة ، وكلامنا في حرمة أكل الحيوان دون الميتة . وعلى الجملة لم تثبت حرمة أكل الحيوان قبل ذبحه حتى نستصحبها عند الشك بعد ذبحه ، هذا كله على مسلك القوم وأمّا على مسلكنا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية فعدم امكان اثبات حرمة الأكل بالاستصحاب بعد ذبح الحيوان أظهر .

   وأمّا ثانياً : فلأن الحرمة على تقدير تسليمها حال الحياة إنما تثبت على الحيوان بعنوان عدم التذكية ، وبعد فرض وقوع التذكية عليه خارجاً وقابليته لها يتبدل عدم التذكية إلى التذكية ، ومع زوال عنوان عدم التذكية تنتفي حرمته لا محالة .

   وأمّا ثالثاً : فلأن استصحاب حرمة الأكل على تقدير جريانه في نفسه محكوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 3 .

ــ[409]ــ

بالعمومات الواردة في حلية كل حيوان وقعت عليه التذكية إلاّ ما خرج بالدليل كما دلّ على حلية ما يتصيد من الحيوانات البرية والبحرية (1) وكقوله تعالى : (قُل لا  أجد فيما اُوحى إليّ محرماً ... ) (2) فان مقتضاهما حلية جميع الحيوانات بالتذكية إلاّ ما خرج بالدليل ، وبما أن الشبهة حكمية فلا بدّ فيها من التمسك بالعام ما لم يقم دليل على خلافه .

   وعليه فالأصل العملي واللفظي يقتضيان حلية الحيوان المشكوك فيه عند العلم بقابليته للتذكية ، وهذا من غير فرق بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية . نعم ، تمتاز الثانية من الاُولى في أن التمسك بالعمومات فيها إنما هو ببركة الاستصحاب الجاري في العدم الأزلي ، لأن أصالة العدم الأزلي تقتضي عدم كونه من الحيوانات الخارجة عن تحتها كالكلب والخنزير وأشباههما .

    الشك في الحلية مع عدم العلم بالقابلية

   وأمّا إذا شككنا في حرمته وحليته مع الشك في قابليته للتذكية ـ  كما في المسوخ  ـ فهل تجري حينئذ أصالة عدم التذكية ؟

   التحقيق عدم جريانها من دون فرق في ذلك بين كون الشبهة حكمية وكونها موضوعية ، وذلك لأن التذكية إن قلنا بكونها عبارة عن الأفعال الخارجية الصادرة من الذابح من فري الأوداج الأربعة بالحديد كما هو المستفاد من قوله (عليه السلام) «بلى» في رواية علي بن أبي حمزة قال «سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها ؟ فقال : لا تصل فيها إلاّ فيما كان منه ذكياً ، قال قلت : أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «من جرح صيداً بسلاح وذكر اسم الله عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم أن سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء» الحديث . وما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «كل من الصيد ما قتل السيف والرمح والسهم» الحديث . المرويتين في الوسائل 23 : 362 / أبواب الصيد ب 16 ح 1 ، 2 . وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سألته عن صيد الحيتان وإن لم يسم عليه قال : لا بأس به» المروية في الوسائل23: 385 / أبواب الصيد ب 33 ح 1 .

(2) الأنعام 6 : 145 .

ــ[410]ــ

ليس الذكي مما ذكي بالحديد ؟ قال : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه» (1) وقوله (عليه السلام) «ذكّاه الذبح أو لم يذكه»(2) في موثقة ابن بكير حيث أسند التذكية إلى الذابح فلا شكّ لنا في التذكية للعلم بوقوعها على الحيوان ، وإنما نشك في حليته فنرجع فيه إلى أصالة الحل .

   وإن قلنا إن التذكية أمر بسيط أو أنها مركبة من الاُمور الخارجية ومن قابلية المحل ، فأصالة عدم تحقق التذكية وإن كانت جارية في نفسها إلاّ أنها محكومة بالعمومات الدالة على قابلية كل حيوان للتذكية ، ففي صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود قال : لا بأس بذلك» (3) ومعنى نفي البأس في جميع الجلود أنه لا مانع من لبسها مطلقاً ولو في حال الصلاة ، فتدل بالدلالة الالتزامية على تذكيتها ، إذ لو لم تكن كذلك لم يجز لبسها إما مطلقاً لو قلنا بعدم جواز الانتفاع بالميتة كما يأتي عن قريب أو في خصوص حال الصلاة .

   وعلى الجملة الجلود على قسمين : فمنها ما نقطع بعدم قبول حيوانه للتذكية وإن وقع عليه الذبح بجميع ما يعتبر فيه شرعاً كما في جلد الكلب والخنزير ، أو نقطع بعدم تذكيته وإن كان قابلاً لها ومنه ما يقطع من الحي ، ولا إشكال في خروج جميع ذلك عن عموم نفي البأس في الجلود ، وقسم نقطع بوقوع التذكية عليه مع الشك في قابليته لها وعموم نفي البأس في جميع الجلود يشمله وبه نحكم بقبول كل حيوان للتذكية إلاّ ما خرج بالدليل ، ومع هذا العموم لا مجال لاستصحاب عدم التذكية .

   ثم على تقدير جريانه فهل يترتب عليه النجاسة أيضاً أو لا يترتب عليه غير آثار عدم التذكية ؟ فيه بحث طويل تعرضنا له في المباحث الاُصولية ، وحاصله : أن النجاسة لم تترتّب في شيء من الأدلّة على عنوان غير المذكى وإنما هي مترتبة على عنوان الميتة ، وهي كما نصّ عليه في المصباح عنوان وجودي وهو غير عنوان عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلِّي ب 2 ح 2 ، 1 .

(3) الوسائل 4 : 352 / أبواب لباس المصلِّي ب 5 ح 1 .

ــ[411]ــ

وكذا إذا لم يعلم أن له دماً سائلاً أم لا ، كما أنه إذا شكّ في شيء أنه من فضلة حلال اللّحم أو حرامه ، أو شكّ في أنه من الحيوان الفلاني حتى يكون نجساً أو من الفلاني حتى يكون طاهراً كما إذا رأى شيئاً لا يدري أنه بعرة فأر أو بعرة خنفساء ففي جميع هذه الصور يبني على طهارته (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التذكية (1) . نعم ، هما متلازمان إلاّ أن عنوان الميتة لا يثبت باستصحاب عدم التذكية فلا يترتب على استصحاب عدمها الحكم بالنجاسة بوجه . نعم ، يترتب عليه الآثار المترتبة على عنوان عدم التذكية من حرمة أكله وبطلان الصلاة فيه ، ومن ثمة حكمنا بطهارة الجلود المجلوبة من بلاد الكفر وكذا اللحوم المشكوكة من حيث التذكية .

   (1) قد يفرض هذا فيما إذا دار أمر الفضلة بين حيوان له نفس سائلة كالفأرة وبين ما لا نفس له كالخنفساء ، وقد يفرض مع العلم بأنه من الحيوان المعين كالحية ولكن يشك في أن لها نفساً سائلة حيث ادعى بعضهم أن لها نفساً سائلة وأنكره بعض آخر والمرجع في كلا الفرضين هو قاعدة الطهارة .

   وقد يتخيل أنه بناء على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية لا بدّ من الحكم بالنجاسة مع الشك ، لأن ما دلّ بعمومه على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه وخرئه وإن خصص بما لا نفس له ، إلاّ أن استصحاب العدم الأزلي يقتضي بقاء الحيوان المشكوك فيه تحت العام وبذلك يحكم بنجاسة بوله وخرئه .

   ولكن هذا الكلام بمعزل عن التحقيق ، لأن حال الموضوع وإن صحّ تنقيحه باجراء الاستصحاب في العدم الأزلي وكبرى ذلك مما لا إشكال فيه ، إلاّ أن التمسك به في المقام ينتج إحراز خروج الفرد المشكوك فيه عن العام لابقائه تحته ، وذلك لأن الخارج عنـوان عدمي أعني ما لا نفس له ، فاذا شـككنا في أنه مما له نفس سائلة فمقتضى الأصل أنه مما لا نفس له ، ويحرز بذلك دخوله تحت الخاص ويحكم عليه بطهارة بوله وخرئه ، والتمسك باستصحاب العدم الأزلي إنما ينتج في جواز التمسك بالعام فيما إذا كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصباح المنير : 584 .

ــ[412]ــ

   [ 164 ] مسألة 4 : لا يحكم بنجاسة فضلة الحية لعدم العلم بأن دمها سائل . نعم ، حكي عن بعض السادة أن دمها سائل ، ويمكن اختلاف الحيات في ذلك . وكذا لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح ، للشك المذكور وإن حكي عن الشهيد (رحمه الله) أن جميع الحيوانات البحرية ليس لها دم سائل إلاّ التمساح لكنه غير معلوم ، والكلية المذكورة أيضاً غير معلومة (1) .

   الثالث : المني من كل حيوان له دم سائل ، حراماً كان أو حلالاً((1)) ، برياً أو بحرياً (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخارج عن عمومه عنواناً وجودياً حتى يحرز عدمه بالاستصحاب .

   (1) قد ظهر حكم هذه المسألة مما أسلفناه في المسألة المتقدمة فلا نعيد .

    نجاسة المنيّ :

   (2) يقع الكلام في هذه المسألة في مسائل أربع :

   الاُولى : في نجاسة المني من الانسان .

   والثانية : في نجاسة المنيّ من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها مما له نفس سائلة كالسباع .

   والثالثة : في نجاسة المنيّ من الحيوانات المحللة التي لها نفس سائلة .

   والرابعة : في مني ما لا نفس له محلّلاً كان أم محرّماً .

   أمّا المسألة الاُولى : فلا ينبغي الاشكال في نجاسة المني من الانسان رجلاً كان أو امرأة ، بل نجاسته مما قامت عليه ضرورة الاسلام ولم يخالف فيه أحد من أصحابنا وتدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن المذي يصيب الثوب ؟ فقال : ينضحه بالماء إن شاء وقال : في المني يصيب الثوب قال : إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي عليك فاغسله كلّه» (2) وبهذا المضمون غيرها من الروايات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

(2) الوسائل 3 : 423 / أبواب النجاسات ب 16 ح 1 .

ــ[413]ــ

   وفي قبالها جملة من الأخبار تقتضي طهارة المني :

   منها : صحيحة زرارة قال : «سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفف فيه من غسله ؟ فقال : نعم لا بأس به إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فان كانت جافة فلا بأس» (1) .

   ومنها : موثقة زيد الشحام قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثوب تكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتى يبتل عليّ ، قال : لا بأس» (2) ومنها غير ذلك من الأخبار التي ظاهرها طهارة المني .

   ويمكن تأويلها على نحو لا تنافي الأخبار الدالة على نجاسته ـ  ولو على وجه بعيد  ـ فتحمل الرواية الاُولى على تجففه بالموضع الطاهر من الثوب ، والثانية على صورة زوال عين المني فيطهر الثوب باصابته المطر .

   هذا على أنه يمكن حملهما على التقية ، لذهاب جماعة من العامة إلى طهارة المني إما مطلقاً كما ذهب إليه الشافعي (3) واستدل عليه بوجهين : أحدهما : ما رواه البيهقي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أنه قال : «لا بأس بالمني فانّه من الانسان بمنزلة البصاق والمخاط» وثانيهما : أن الحيوان من المني ولا إشكال في طهارته فكيف يزيد الفرع على أصله .

   وإما في خصوص المني من الانسـان ومن سائر الحيوانات المحلّلة دون ما لايؤكل لحمه كما التزم به الحنابلة واستدلوا عليها بما رووه عن عائشة «من أنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم يذهب فيصلي فيه» (4) . والشافعي وقرينه وإن كانا متأخرين عن عصر الصـادق (عليه السلام) إلاّ أن مستندهما لعلّه كان شايعاً في ذلك العصر وكان العامل به كثيراً ، وبذلك صحّ حمل أخبار الطهارة على التقية . وكيف كان فهذه الأخبار ـ مضافاً إلى معارضتها مع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 446 / أبواب النجاسات ب 27 ح 7 .

(2) الوسائل 3 : 446 / أبواب النجاسات ب 27 ح 6 .

(3) ، (4) راجع المجلد الأول من الفقه على المذاهب الأربعة ص 13 .

ــ[414]ــ

الأخبار الكثيرة الواردة في نجاسة المني ـ مخالفة لضرورة الاسلام ، ومعها لا يمكن الاعتماد عليها بوجه .

   أمّا المسألة الثانية : فقد ادعي الاجماع على نجاسة المني من الحيوانات المحرمة التي لها نفس سائلة ، ويمكن أن يستدل عليها بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ذكر المني وشدده وجعله أشد من البول ...» (1) . فان الظاهر أن اللاّم في كل من المني والبول للجنس لبعد أن يكون للعهد الخارجي ، فتدل حينئذ على أن طبيعي المني أشد من طبيعي البول سواء أ كانا من الانسان أم من الحيوان ، وحيث إن بول الحيوانات المحرمة التي لها نفس سائلة نجس فلا محالة يحكم بنجاسة منيها لأنه أشد من بولها .

   وملاحظة ذيل الصحيحة وإن كانت موجبة لصرفها إلى مني الانسان حيث قال : «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك وكذلك البول» لأن ما  يصيب ثوب المصلي من المني يبعد أن يكون من غيره من الحيوانات المحرمة ، إلاّ أن ذيلها مشتمل على حكم آخر غير الحكم الذي تكفله صدر الرواية فهو باق على عمومه ولا موجب لحمله على مني الانسان .

   ومن ذلك يظهر أنه لا وجه للاستدلال على نجاسة المني في هذه المسألة بالأخبار المتقدمة في المسألة الاُولى ، وذلك لانصرافها إلى مني الانسان ، وبعد أن يصيب ثوب المصلي مني غيره من الحيوانات المحرمة ، بل نقل في الجواهر عن بعضهم أن الانصراف كالعيان (2) ، وعليه ينحصر مدرك القول بنجاسة المني في هذه المسألة بما قدمناه من صحيحة محمد بن مسلم .

   وأمّا المسألة الثالثة : أعني نجاسة المني من الحيوانات المحللة التي لها نفس سائلة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 424 / أبواب النجاسات ب 16 ح 2 .

(2) الجواهر 5 : 290 .

ــ[415]ــ

فلا دلالة في شيء من الأخبار على نجاسة المني في هذه المسألة ، أمّا الأخبار المتقدمة في المسألة الاُولى فلانصرافها إلى مني الانسان كما مرّ ، وأمّا صحيحة محمد بن مسلم التي اعتمدنا عليها في المسألة الثانية ، فلاختصاصها بما إذا كان البول نجساً ، لأن معنى الأشدية أن المني يشترك مع البول في نجاسته إلاّ أن هذا أشدّ من ذاك ، وأبوال الحيوانات المحللة طاهرة فلا يكون المني منها نجساً .

   وقد يتوهّم : أن الأشدية بلحاظ نجاسة المني منها مع طهارة أبوالها . ويندفع : بأن الأشدية لو كان هو ذلك لوجب أن يقول : نجاسة المني أوسع من نجاسة البول لاختصاصها بما لايؤكل لحمه بخلاف نجاسة المني ، ولا يناسبه التعبير بالأشدية ، فان معناها كما عرفت هو اشتراك المني مع البول في نجاسته وكون أحدهما أشد من الثاني هذا .

   ثم لو قلنا بشمول إطلاق الصحيحة للمقام أعني مني الحيوانات المحللة فتعارضها موثقتان :

   إحداهما : موثقة عمار «كل ما اُكل لحمه لا بأس بما يخرج منه» (1) لأن إطلاقها يشمل المني أيضاً .

   وثانيتهما : موثقة ابن بكير حيث ورد في ذيلها «فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز» (2) وعموم كل شيء يشمل المني أيضاً وبعد تساقطهما يرجع إلى قاعدة الطهارة .

   نعم ، قد استشكلنا سابقاً في الموثقة الأخيرة بأنها ناظرة إلى بيان صحة الصلاة في أجزاء ما يؤكل لحمه من ناحية عدم كونها مما لايؤكل لحمه لا من سائر الجهات ، وإلاّ فعموم كل شيء شامل للدم أيضاً ، مع أن الصلاة فيه باطلة لنجاسته . نعم ، تصح فيه أيضاً من حيث عدم كونه من أجزاء ما لايؤكل ، ولكن في الموثقة الاُولى غنى وكفاية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 409 / أبواب النجاسات ب 9 ح 12 .

(2) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 ، وكذا 3 : 408 / أبواب النجاسات ب  9 ح  6 .

ــ[416]ــ

وأمّا المذي والوذي والودي فطاهر من كل حيوان إلاّ نجس العين (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فلو كنّا نحن وهذه الأخبار لحكمنا بطهارة المني في هذه المسألة إلاّ أن الاجماع القطعي قام على نجاسة المني من كل ما له نفس سائلة وإن كان محلل الأكل ، وهذا الاجماع يصير قرينة على التصرف في الموثقة بحملها على غير المني من البول والروث ونحوهما .

   وأمّا المسألة الرابعة : فلم يقم على نجاسة المني مما لا نفس له دليل سواء كان محللاً أم محرماً ، وقد عرفت قصور الأدلة عن إثبات النجاسة في مني ما يؤكل لحمه إذا كان له نفس سائلة فضلاً عما لا نفس له ، مضافاً إلى ما ورد من أنه «لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة» (1) لأنها شاملة للمني منه كما تشمل البول وغيره من أجزائه ، وبذلك نحكم بعدم نجاسة المني في الأسماك والحيات ونظائرهما .

    تتميم : أن الفيومي في المصباح فسر المني بماء الرجل (2) ، وفي القاموس فسره بماء كل من الرجل والمرأة (3) ، ومن هنا توهّم بعضهم عدم شمول ما دلّ على نجاسة المني لمني غير الانسان بدعوى قصور الأدلة عن اثبات نجاسته في نفسها إلاّ أن الظاهر أن تعريفهما من باب بيان أظهر الأفراد للقطع بعدم الفرق بين أفراده ، لأنه عبارة عن ماء دافق يخرج عند الشهوة على الأغلب وهذا لا فرق فيه بين الانسان وغيره من الحيوانات ، فلا إجمال للفظ حتى يرجع فيه إلى تفسير اللغوي .

  (1) أمّا المذي فقد ذهب العامة إلى نجاسته (4) حتى من يقول منهم بطهارة المني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهو ما رواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه . المروية في الوسائل 3 : 464 / أبواب النجاسات ب 35 ح 2 .

(2) لاحظ المصباح المنير : 582 .

(3) القاموس 4 : 391 .

(4) أفتى فقهاء المذاهب الأربعة بنجاسة المذي الخارج من الانسان كما في المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 47 وبدايع الصنايع للكاشاني الحنفي ج 1 ح ص 90 والمغني لابن قدامة الحنبلي ج 1 ص 731 ، وشرح صحيح الترمذي للقاضي ابن العربي المالكي ج 1 ص 176 .

ــ[417]ــ

كالشافعية والحنابلة ، ولعمري إنه من عجائب الكلام فكيف يفتى بنجاسة المذي وطهارة المني ؟ بل عن بعضهم نجاسة كل ما يخرج من الانسان (1) حتى الدمعة إذا استندت إلى مرض لا ما استند إلى البكاء .

   وأمّا عندنا فلم ينسب إلى أحد الخلاف في طهارته غير ابن الجنيد ، حيث ذهب إلى نجاسة المذي الخارج عقيب شهوة على ما حكي (2) ، ولعلّه استند في ذلك إلى الأخبار إلاّ أن ما دلّ منها على نجاسة المذي مشتمل على قرائن تقتضي حملها على الاستحباب أو التقية .

   فمنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألته عن المذي يصيب الثوب ؟ فقال (عليه السلام) : ينضحه بالماء إن شاء ...» (3) وقرينة الاستحباب فيها ظاهرة .

   ومنها : صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب ؟ قال : لا بأس به فلما رددنا عليه فقال : ينضحه بالماء» (4) وهي ظاهرة في طهارة المذي بحسب الحكم الواقعي إلاّ أنه أمره بالنضح لاصرار السائل مماشاة مع المخالفين .

   ومنها : صحيحة اُخرى لحسين بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب ؟ قال (عليه السلام) إن عرفت مكانه فاغسله وإن كان خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كلّه» (5) وهي محمولة على الاستحباب بقرينة روايته المتقدمة .

  هذا مضافاً إلى الأخبار الصريحة الواردة في طهارة المذي (6) وما ورد في طهارة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 12 من الطبعة الاُولى الحنفية قالوا : ان ما يسيل من البدن غير القيح والصديد ان كان لعلة ولو بلا ألم فنجس وإلاّ فطاهر وهذا يشمل النفط وهي القرحة التي امتلأت وحان قشرها وماء السرة وماء الاذن وماء العين ، فالماء الذي يخرج من العين المريضة نجس ولو خرج من غير ألم كالماء الذي يسيل بسبب الغرب وهو عرق في العين يوجب سيلان الدمع بلا ألم .

(2) التذكرة 1 : 54 .

(3) ، (4) ، (5) المرويات في الوسائل 3 : 426 / أبواب النجاسات ب 17 ح 1 ، 2 ، 3 .

(6) ففي صحيحة بريد بن معاوية قال: «سألت أحدهما (عليهما السلام) عن المذي فقال :   لا  ينقض الوضوء ولا يغسل منه ثوب ولا جسد إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق» . وفي صحيحة محمد بن مسلم ، قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المذي يسيل حتى يصيب الفخذ ، قال : لا يقطع صلاته ولا يغسله من فخذه ، إنه لم يخرج من مخرج المني ، إنما هو بمنزلة النخامة» وغيرهما من الأخبار المروية في الوسائل 1 : 276 / أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 1 ، 3 . ومنها : صحيحة زرارة الآتية .

ــ[418]ــ

وكذا رطوبات الفرج (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البلل المشتبه الخارج بعد الاستبراء من البول أو المني (1) فان المذي وأخواته أيضاً لو كانت نجسة لم يكن لطهارة البلل المشتبه وجه ، للعلم حينئذ بنجاستها على كل حال كان بولاً أو منياً أم كان مذياً أو شيئاً آخر من أخواته .

   وأمّا الوذي والودي فلم يدل دليل على نجاستهما والأصل طهارتهما . بل ويمكن أن يستدل عليها بغير واحد من الأخبار .

   منها : صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إن سال من ذكرك شيء من مذي أو ودي (وذي) وأنت في الصلاة فلا تغسله ، ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقبيك ، فانّما ذلك بمنزلة النخامة ، وكل شيء خرج منك بعد الوضوء ، فانّه من الحبائل ، أو من البواسير ، وليس بشيء فلا تغسله من ثوبك إلاّ أن تقذره» (2) .

   نعم ، نسب إلى بعض العامّة ـ وإن لم نقف عليه في كلماتهم ـ نجاستهما كما التزموا بها في المذي بدعوى خروجها من مجرى النجاسة ويدفعه : أن البواطن لا دليل على تنجسها كما عرفته في محلّه .

   (1) لصحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة وليها (عليها) قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج وهي جنب ، أتصلِّي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منها ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يبول ، قال : ينتره ثلاثاً ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» ومنها غير ذلك من الأخبار المروية في الوسائل 1  :  283 / أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 3 ، 1 ، 2 .

(2) الوسائل 1 : 276 / أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2 .

ــ[419]ــ

والدبر (1) ما عدا البول والغائط .

   الرابع : الميتة من كل ما له دم سائل ، حلالاً كان أو حراماً (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيه ؟ قال : إذا غتسلت صلت فيهما» (1) .

   (1) وتدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة .

    نجاسة الميتة :

   (2) وهو مما لا إشكال فيه ، وقد وردت نجاستها في عدة روايات يمكن دعوى تواترها إجمالاً وإليك بعضها :

   منها : ما ورد في السمن أو الزيت أو غيرهما تقع فيه الميتة أو تموت فيه الفأرة أو غيرها ، من الأمر باهراقه أو الاستصباح به إذا كان مائعاً وإلقائه وما يليه إذا كان جامداً (2) .

   ومنها : ما ورد من الأمر باعادة الوضوء وغسل الثوب فيما إذا توضأ من الماء القليل ثم وجد فيه ميتة (3) .

   ومنها : ما ورد في البئر من الأخبار الآمرة بنزحها لموت الفأرة أو الدجاجة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 498 / أبواب النجاسات ب 55 ح 1 .

(2) ورد ذلك في عدّة كثيرة من الأخبار منها صحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر (عليه السلام) قال : «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه فان كان جامداً فألقها وما يليها وكل ما بقي ، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به ، والزيت مثل ذلك» . ومنها غير ذلك من الأخبار المروية في الوسائل 24 : 194 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 2 ، 3 ، وغيرهما . وكذا في الوسائل 17 : 97 / أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 1 ، 2 ، 3 .

(3) كموثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «عن رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضأ من ذلك الاناء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلخة ، فقال : إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة ...» المروية في الوسائل 1 : 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

ــ[420]ــ

ونحوهما أو لوقوع الميتة فيها (1) فان النزح وإن لم يكن واجباً حينئذ لعدم نجاسة البئر بملاقاة النجس إلاّ أن نزح مائها ولو للاستحباب مستند إلى نجاسة ما وقع فيها من الميتة ، ومنها غير ذلك من الأخبار الكثيرة .

   والانصاف أنه لم ترد في شيء من أعيان النجاسات بمقدار ما ورد في نجاسة الميتة من الأخبار كما اعترف بذلك المحقق الهمداني (قدس سره) (2) ومن العجيب ما نسب إلى صاحب المعالم (قدس سره) من أن العمدة في نجاسة الميتة هو الاجماع وقصور الأخبار عن إثبات نجاسـتها (3) ، وأعجب من ذلك ما حكي عن صاحب المدارك (قدس سره) (4) من المناقشة في نجاسة الميتة بدعوى انحصار مدرك القول بنجاستها في الاجماع ، واستظهر عدم تمامية الاجماع في المسألة ، وخروجاً عن وحشة التفرد فيما ذهب إليه نسب القول بطهارة الميتة إلى الصدوق (قدس سره) ، لأنه روى مرسلاً عن الصادق (عليه السلام) «أنه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللّبن والماء والسمن ما ترى فيه ؟ فقال : لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضّأ منه وتشرب، ولكن لا تصلّ فيها»(5) وقد التزم في أوائل كتابه أن لا يورد فيه إلاّ ما  يفتي ويحكم بصحته ويعتقد أنه حجة فيما بينه وبين الله تعالت قدرته ، وبذلك صح إسناد القول بطهارة الميتة إليه ، وفيه :

   أوّلاً : أن الدليل على نجاسة الميتة غير منحصر في الاجماع فان الأخبار في نجاستها كثيرة بل متواترة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «عن البئر تقع فيها الميتة فقال : إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلواً ...» المروية في الوسائل 1 : 195 / أبواب الماء المطلق ب  22 ح 1 وعن أبي بصير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عما يقع في الآبار ؟ فقال أمّا الفأرة وأشباهها فينزح منها سبع دلاء إلاّ أن يتغيّر الماء فينزح حتى يطيب ...» إلى غير ذلك من الأخبار المروية في الوسائل 1 : 185 / أبواب الماء المطلق ب 17 ح 11 ، 2 ، 3 .

(2) مصباح الفقيه (الطهارة) : 523 السطر 4 .

(3) المعالم (فقه) : 222 .

(4) المدارك 2 : 268 .

(5) الفقيه 1 : 9 / 15 .

 
 

ــ[421]ــ

   وثانياً : أن نجاسة البول مما لا مناقشة فيه عنده (قدس سره) وهي إنما استفيدت من الأمر بغسل ما أصابه ، ومعه فلماذا لا يلتزم بنجاسة الميتة في المقام ؟ وقد ورد في غير واحد من الأخبار الأمر بغسل ما أصابته الميتة برطوبة .

   وأمّا ما نسبه إلى الصدوق (قدس سره) فالكلام فيه يقع في مقامين :

   أحدهما : في صحة إسناد القول بالطهارة إلى الصدوق بمجرد نقله ما يقتضي بظاهره طهارة الميتة .

   وثانيهما : في حجية تلك الرواية في حقنا ولو على تقدير عمله (قدس سره) بطبقها .

   أمّا المقام الأوّل : فالصحيح عدم تمامية الاسناد ، لأن الصدوق وإن التزم بما نقلناه عنه في أوائل كتابه ، ويبعد عدوله عما بنى عليه إلاّ أن مقتضى ذلك أن تكون الرواية وغيرها مما نقله في كتابه رواية عدل معتبر عنده ، وأمّا الافتاء على طبقها فلا ، لأنه يعتبر في الافتاء ملاحظة معارضات الرواية ودفع المناقشات الواردة عليها ، وما رواه (قدس سره) معارض بغير واحد من الأخبار وكيف يفتي بكل ما  رواه من الأخبار المتعارضة فهل يفتي بالمتناقضين . ولعلّه يرى طهارة الجلود بالدباغة كما هو أحد الأقوال فيها ، كما يحتمل أن تكون الجلود المسؤول عنها في الرواية جلود ما لا نفس له وقد نقل أنها تستعمل في صنع ظروف السمن والماء ونحوهما ، ومع هذه الاحتمالات لا يمكن استكشاف عمله بالرواية وحكمه بطهارة الميتة .

   وأمّا المقام الثاني : فحاصل الكلام فيه أن الرواية ضعيفة لارسالها فلا يمكن أن يعتمد عليها بوجه وإن كانت معتبرة عند الصدوق (قدس سره) ولعلّ وجهه أن العدالة عنده (قدس سره) عبـارة عن عدم ظهور الفسق ونحن لا  نكتفي بذلك في حجية الأخبار، بل نرى اعتبار توثيق الرواة . هذا مضافاً إلى أن الرواية شاذة في نفسها فلا يمكن العمل بها في مقابل الروايات المشهورة ، وعلى الجملة أن نجاسة الميتة مما لا يعتريه شك .

ــ[422]ــ

وكذا أجزاؤها المبانة منها وإن كانت صغاراً (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    أجزاء الميتة المبانة :

   (1) إن الميتة بعد ما أثبتنا نجاستها فتثبت النجاسة بالفهم العرفي على كل واحد من أجزائها وإن لم تصدق عليها عنوان الميتة عرفاً ، فيد الغنم وإن لم تكن غنماً وكذا غيرها من أجزائها إلاّ أن الدليل بعد ما دلّ على نجاسة الميتة فمعناه بحسب الفهم العرفي أن ما في ذلك الجسم محكوم بالنجاسة ، ولا دخالة للهيئة التركيبية في نجاستها . كما أن الأمر كذلك في غير الميتة أيضاً فاذا حكم الشارع بنجاسة الكلب ـ وهو حي ـ فلا يشك العرف في نجاسة كل ما له من الأجزاء ، فبنفس ذلك الدليل الذي دلّ على نجاسة الكلب تثبت نجاسة أجزائه أيضاً ، ولذا لا  مناص من الحكم بنجاسة أجزاء الميتة كنفسها فاذا قطعنا حيواناً نصفين أو أربعة أجزاء مثلاً دفعة واحدة يحكم بنجاسة كلا النصفين أو الأجزاء لأنها ميتة .

   ومن هنا يظهر أنه لا وجه لاستصحاب النجاسة في أجزاء الميتة .

   أمّا أوّلاً : فلمكان الدليل الاجتهادي ، فان نفس ذلك الدليل الذي دلّ على نجاسة الميتة يقتضي نجاسة أجزائها أيضاً من غير حاجة إلى استصحابها .

   وأمّا ثانياً : فلأنه أخص من المدعى ، لاختصاصه بما إذا حصل الانفصال بعد الموت ، وأمّا إذا طرأ كل من الموت والانفصال دفعة واحدة كما إذا قطعنا الحيوان نصفين فأين هناك نجاسة سابقة ليمكن استصحابها . هذا على أن الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية غير جار لمعارضته باستصحاب عدم الجعل كما حققناه في محله .

   وكيف كان فما حكي عن صاحب المدارك (قدس سره) من المناقشة في نجاسة أجزاء الميتة (1) مما لا وجه له .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 2 : 272 .

ــ[423]ــ

عدا ما لا تحلّه الحياة منها كالصوف والشعر والوبر والعظم والقرن والمنقار والظفر والمخلب والريش والظلف والسن(1) والبيضة إذا  اكتست القشر الأعلى(2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ما لا تحلّه الحياة من الميتة :

   (1) ما قدّمناه آنفاً من الوجه في نجاسة أجزاء الميتة وإن كان يقتضي نجاسة جميع أجزائها إلاّ أن النصوص الواردة في المقام قد دلت على استثناء ما لاتحلّه الحياة من أجزاء الميتة فلا يحكم عليها بالنجاسة ولا بغيرها من أحكام الميتة ، فيجوز الانتفاع بها على تقدير حرمة الانتفاع بالميتة .

   ففي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إن الصوف ليس فيه روح» (1) .

   وفي رواية حسين بن زرارة قال : «كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) وأبي يسأله عن اللبن من الميتة ، والبيضة من الميتة ، وإنفحة الميتة ؟ فقال : كل هذا ذكي» ، قال : يعني الكليني وزاد فيه علي بن عقبة وعلي بن الحسن بن رباط قال : «والشعر والصوف كلّه ذكي» (2) وفي رواية صفوان عن الحسين بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «الشعر والصوف والريش وكل نابت لا يكون ميتاً ، قال : وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة ، فقال : يأكلها» (3) .

   وفي صحيحة حريز قال قال أبو عبدالله (عليه السلام) لزرارة ومحمد بن مسلم : «اللّبن واللّبا والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شيء يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه» (4) إلى غير ذلك من الأخبار .

    ما يعتبر في طهارة البيضة :

   (2) إشترط الأصحاب (قدس الله أسرارهم) في الحكم بطـهارة البيضة الخارجة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) المرويات في الوسائل 3 : 513 / أبواب النجاسات ب 68 ح 1 ، 2 ، 3 ، 4 .

(4) الوسائل 24 : 180 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 3 .

ــ[424]ــ

عن الميتة أن تكون مكتسية بالقشر الغليظ والكلام في ذلك يقع في مقامين :

   أحدهما : فيما تقتضيه القاعدة .

   وثانيهما : فيما تقتضيه الرواية الواردة في المقام .

   أمّا المقام الأوّل : فالصحيح أنه لا فرق في طهارة البيضة بين صورتي اكتسائها القشر الأعلى وعدمه ، وذلك لقصور ما دلّ على نجاسة الميتة عن شمول بيضتها ، لأن أجزاء الميتة وإن كانت نجسة كنفسها إلاّ أن أدلة نجاستها غير شاملة لما هو خارج عن الميتة وإن كانت ظرفاً لوجوده من غير أن تتصل بشيء من أجزاء الميتة ، فالحكم بطهارة البيضة على وفق القاعدة في كلتا الصورتين .

   هذا مضافاً إلى إطلاق نصوص الاستثناء لأنها دلت على استثناء البيضة من غير تقييدها بما إذا كانت مكتسية للقشر الغليظ .

   وأمّا المقام الثاني : ففي موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال (عليه السلام) إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها» (1) وقد ضعفها صاحبا المدارك (2) والمعالم (3) وتبعهما غيرهما نظراً إلى أن غياث بن إبراهيم بتري ولم يزّك بعدلين ، وهذه المناقشة إنما تتم على مسلكهما من عدم حجية غير الصحاح واعتبار تزكية الرواة بعدلين . وأمّا بناء على اعتبار خبر الثقة كما هو الصحيح فلا مجال للمناقشة في سندها لأنها موثقة وغياث بن إبراهيم وإن كان بترياً وهم طائفة من الزيدية إلاّ أن من المحتمل قوياً أن يكون ذلك غير غياث بن إبراهيم التميمي الواقع في سلسلة السند في المقام ، بل لو كان هو هذا بعينه أيضاً لم يكن يقدح في وثاقته . وأمّا محمد بن يحيى وهو الراوي عن غياث فهو أيضاً موثق وإن كان مردداً بين محمد بن يحيى الخزاز ومحمد بن يحيى الخثعمي إلاّ أنهما موثقان وأحمد بن محمد يروي عن كليهما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 24 : 181 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 6 .

(2) المدارك 2 : 273 .

(3) نقل عنه في الحدائق 5 : 91 .

ــ[425]ــ

سواء كانت من الحيوان الحلال أو الحرام (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وكيف كان فلا إشكال في سند الرواية ، وعلى هذا لا مناص من الالتزام بتقييد البيضة بما إذا اكتست القشر الأعلى ، إلاّ أن هذا بالاضافة إلى جواز أكلها لأن الرواية ناظرة إليه ومن هنا ذكروها في كتاب الأطعمة والأشربة ، وغير ناظرة إلى طهارتها فقد عرفت أن مقتضى القاعدة الأولية وإطلاقات الأخبار المتقدمة طهارة البيضة مطلقاً من غير تقييدها بشيء ، وحيث لا دليل على خلافها فلا يمكن تقييد البيضة باكتساء القشر الغليظ في الحكم بطهارتها .

   نعم ، لا بدّ من تقييدها بذلك في الحكم بجواز أكلها ، وقد مرّ أن البيضة خارجة عن الميتة وأجزائها تخصصاً فهي محكومة بالطهارة بالذات ، ولا ينافي ذلك وجوب غسل ظاهرها لنجاستها العارضة بملاقاة الميتة مع الرطوبة .

   (1) ذهب العلاّمة (قدس سره) إلى اشتراط حلية الحيوان في الحكم بطهارة بيضته مستنداً في ذلك إلى ورود جملة من الروايات في الدجاجة وهي مما يؤكل لحمه ، وإلى أن غيرها من المطلقات منصرفة إلى الحيوانات المحللة ، فان ظاهرها هو السؤال عن جواز أكل البيضة ، ولا يجوز أكل شيء من أجزاء ما لا يؤكل لحمه (1) .

   هذا ولكن الصحيح أنه لا فرق في ذلك بين الحيوانات المحللة وغيرها لأن الأخبار المدعى انصرافها إلى الحيوانات المحلّلة أو التي وردت في مثل الدجاجة إنما وردت في جواز أكل البيضة ، ونحن لا نضايق القول باشتراط حلية الأكل في الحكم بجواز أكلها إلاّ أن هذا أجنبي عما نحن بصدده ، إذ الكلام في طهارة البيضة ، وقد عرفت أن الحكم بطهارتها لا يتوقّف على ورود رواية أصلاً لأنه على طبق القاعدة ، وليس مدركه هو الأخبار حتى يدعي أن ورودها في محلل الأكل يوجب تقييد الحكم بطهارة البيضة بما إذا كانت من الحيوان الحلال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهاية الأحكام 1 : 270 ، المنتهى 1 : 166 .

ــ[426]ــ

وسواء أخذ ذلك بجز أو نتف أو غيرهما (1) نعم ، يجب غسل المنتوف من رطوبات

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عدم اعتبار الجز

   (1) نسب إلى الشيخ الطوسي (قدس سره) اعتبار الانفصال بالجز في الصوف والشعر والوبر والريش ونحوها ، وأنها إذا انفصلت بالنتف يحكم بنجاستها (1) والوجه في ذلك أحد أمرين :

   أحدهما : أن الشعر والصوف وأمثالهما يستصحب عند انفصاله بالنتف جزءاً من أجزاء الميتة مما تحله الحياة ، وهو غير مستثنى عن نجاسة الميتة .

   وثانيهما : رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكياً ؟ فكتب (عليه السلام) لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عصب ، وكلما كان من السخال الصوف إن جز والشعر والوبر والإنفحة والقرن ولا يتعدى إلى غيرها إن شاء الله» (2) فانّها قيدت الحكم في الصوف بما إذا انفصل بالجز . وفي كلا الوجهين ما لا يخفى .

   أمّا الوجه الأول : فلأن استثناء الشعر والصوف ونحوهما يقتضي استثناء أصولهما المتصلة بهما أيضاً عند نتفهما ، إما لأنها كفروعها مما لا تحله الحياة ، وقد دلّت صحيحة الحلبي المتقدمة على استثناء ما لا روح فيه ، واُصول الشعر والصوف وأخواتهما كذلك ، والتأذي بنتفها من جهة اتصالها بما له الحياة لا من جهة أنها مما تحلّه الحياة وإما لأجل الشك في حلول الحياة لها والشكّ في ذلك يكفي في الحكم بطهارتها .

   وأمّا الوجه الثاني : فلأن غاية ما تقتضيه الرواية المذكورة إنما هو اشتراط الجز في خصوص الصوف في السخال ولا يمكن التعدي عنهما بوجه ، فالحكم بالاشتراط على وجه الاطلاق لا شاهد له ، هذا على أنها غير خالية عن القلق والاضطراب ، ومع ذلك كله اشترطت الجز في صوف السخال وهو بحيث إذا نتف ينفصل عما فوق الجلد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 1 : 7 .

(2) الوسائل 24 : 181 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7 .

ــ[427]ــ

الميتة ويلحق بالمذكورات الإنفحة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لدقته ولطافته ، ولم تشترط ذلك في الشعر الذي يستصحب شيئاً من أجزاء الحيوان عند انفصاله بالنتف .

   مضافاً إلى ضعف سندها فهي غير قابلة للاعتماد . نعم ، يجب غسل ما ينفصل عن الميتة بالنتف ، لنجاسته العارضة باتصالها إلاّ أن النجاسة العرضية غير منافية لطهارته بالذات ، وإلى هذا اُشير في صحيحة حريز المتقدِّمة (1) في قوله (عليه السلام) «وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه» .

    الإنفحة وحكمها :

   (1) بكسر الهمزة وفتح الفاء ـ وقد تكسر ـ وتشديد الحاء وتخفيفها وهي المعروف عند العامة بالمجبنة ويقال لها في الفارسية (پنير مايه) ولا إشكال في طهارتها على ما  دلّ عليه غير واحد من الأخبار . وإنما الكلام في موضوعها ومعناها فهل هي عبارة عن المظروف فحسب وهو المائع المتمايل إلى الصفرة يخرج من بطن الجدي حال ارتضاعه كما هو ظاهر جماعة ، أو أنها اسم لخصوص الظرف وهو الذي يتكوّن في الجدي حال ارتضاعه ويصير كرشاً بعد أكله العلف ، أو أنها اسم لمجموع الظرف والمظروف ؟

   تظهر ثمرة الخلاف في الحكم بطهارة كل من الظرف والمظروف على الاحتمالين الأخيرين . أمّا إذا كانت عبارة عن المجموع فلدلالة الأخبار الواردة في طهارة الإنفحة . وأمّا إذا كانت عبارة عن الظرف فقط فلأن المتكوّن في جوفها ليس من أجزاء الميتة ولا هو لاقى شيئاً نجساً فلماذا يحكم بنجاسته . وهذا بخلاف ما إذا كانت عبارة عن المظروف فقط فانّه لا يحكم حينئذ بطهارة ظرفها وجلدها . نعم ، الأخبار الواردة في طهارة الإنفحة تدل بالدلالة الالتزامية على طهارة السطح الداخل من الجلد أيضاً لاتصاله بالإنفحة ، كما يمكن أن نلتزم بنجاسة داخل الجلد أيضاً ولا نقول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 423 .

ــ[428]ــ

بنجاسة ملاقيه بمقتضى ما دلّ على طهارة المظروف .

   ودعوى : أ نّا لا نحتاج في إثبات طهارة المائع المظروف إلى التشبث بالأخبار ، لأنه أمر خارج عن الميتة وحاله حال البيضة فيحكم بطهارته حيث لا موجب لنجاسته .

   مدفوعة : بأن الأمر وإن كان كما ذكر إلاّ أن قياس المقام بالبيضة قياس مع الفارق فان المظروف من قبيل المائعات ولولا دلالة الروايات على طهارة ما يلاصقه من الجلد بالالتزام لتنجس بملاقاة الظرف لا محالة ، لأنه من أجزاء الميتة وهي نجسة بالذات ومع نجاسة المظروف لا يمكن الانتفاع به في شيء ، مع أن الروايات الواردة في المقام بظاهرها بل بصراحة بعضها (1) دلّت على أن الحكم بطهارة الإنفحة إنما هو لأجل أن ينتفع بها في الجبن .

   هذا والصحيح في المقام أن يقال : إنه لا يسعنا تحقيق مفهوم اللفظة المذكورة إلاّ على سبيل الظن والتخمين ، ونظن أنها اسم لمجموع الظرف والمظروف ، لأنها لو لم تكن موضوعة بازائهما وقلنا باختصاصها للمظروف فحسب ، فما هو اللفظ الذي وضع في لغة العرب بازاء ظرفه ؟ ومن البعيد جداً أن لا يكون للظرف في لغة العرب اسم موضوع عليه .

   وكيف كان إذا لم ندر بما وضعت عليه لفظة الإنفحة وشككنا في حكمها ، فلا مناص من الأخذ بالمقدار المتيقن منها وهو المظروف وما يلاصقه من داخل الجلدة فحسب دون خارجها وهو مشمول لأدلة نجاسة الميتة وأجزائها . والاستدلال على طهارة الجلد بقاعدة الطهارة من غرائب الكلام لأنه مع دلالة الدليل الاجتهادي على نجاسة الجلد لا يبقى مجال للتشبث بالأصل العملي .

   ومما ذكرناه في المقام يظهر اختصاص هذا الحكم بانفحة الحيوانات المحلّلة الأكل ، لأن الروايات بين ما ورد في خصوص ذلك وبين ما هو منصرف إليه ، وأمّا ما لايؤكل لحمه كانفحة الذئب ونحوه فلا دليل على طهارتها فلا محالة تبقى تحت عمومات نجاسة الميتة ، وبذلك يحكم بنجاسة مظروفها لأنه وإن كان خارجاً عن الميتة وأجزائها إلاّ أنه مائع قد لاقى الميتة فلا محالة يتنجس بها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي رواية أبي حمزة الثمالي المرويّة في الوسائل 24 : 179 / أبواب الأطعمة المحرمة ب33 ح1.

ــ[429]ــ

وكذا اللّبن في الضرع (1) ولا ينجس بملاقاة الضرع النجس ، لكن الأحوط في اللّبن الاجتناب ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   اللّبن في الضرع :

   (1) لدلالة جملة من الأخبار المعتبرة على ذلك ، كما دلت بدلالتها الالتزامية على طهارة داخل الضرع أيضاً لملاصقته اللبن أو أنه نجس ولكنه غير منجس لملاقيه ، وقد ذهب إلى طهارة اللبن الشيخ (1) والشهيد (2) وصاحب الغنية (3) والصدوق (4) وغيرهم من الأعلام (قدس الله أسرارهم) بل ادعى الشهيد (قدس سره) ندرة القول بالنجاسة . وعن الخلاف الاجماع على طهارته (5) وذهب جماعة آخرون ومنهم العلاّمة (6) والمحقق (7) وابن ادريس (8) (قدس سرهم) إلى نجاسته .

   والذي يمكن أن يستدل لهم به وجوه ثلاثة :

   أحدها : أن نجاسـة اللبن هي التي تقتضيه القاعدة أعني منجسية النجس لملاقيه وحيث إن اللبن لاقى الضرع وهو من أجزاء الميتة فيتنجس لا محالة .

   وثانيها : رواية وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) «إن علياً سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن ؟ فقال علي (عليه السلام) : ذلك الحرام محضاً» (9) .

   وثالثها : رواية الجرجاني المتقدمة التي دلت على حصر المستثنيات في خمسة وهي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النهاية : 585 .

(2) الذكرى : 14 السطر 4 .

(3) الغنية : 401 .

(4) الفقيه 3 : 219 / 1011 .

(5) الخلاف 1 : 519 م / 262 .

(6) التذكرة 1 : 64 .

(7) جامع المقاصد 1 : 167 .

(8) السرائر 3 : 112 .

(9) الوسائل 24 : 183 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 11 .

ــ[430]ــ

الصوف من السخال ـ إن جز ـ والشعر والوبر والإنفحة والقرن وقال في ذيلها ولا يتعدّى إلى غيرها إن شاء الله . ومن الظاهر أن اللبن غير الخمسة المذكورة في الرواية . وهذه الوجوه بأجمعها ضعيفة .

   أمّا الوجه الأول : فلأن قاعدة منجسية النجس ليست من القواعد العقلية غير القابلة للتخصيص ، وإنما هي من القواعد التعبدية وهي غير آبية عن التخصيص كما خصصناها في غير اللبن ، فاذا وردت رواية صحيحة على طهارة اللبن فلا محالة تكون موجبة لتخصيصها وليس في ذلك أي محذور .

   وأمّا الوجه الثاني : فلأن الرواية ضعيفة جداً فان وهب بن وهب عامي وآية في الكذب بل قيل إنه أكذب البرية فلا يعتمد على روايته أو تحمل على التقية على تقدير صدورها لذهاب أكثر العامة إلى نجاسة اللبن والإنفحة وغيرهما مما يخرج من الميتة (1) .

   وأمّا الوجه الثالث : فلأنها ليست إلاّ رواية مطلقة فنقيدها بغير اللبن كما قيدناها بما دلّ على طهارة بقية المستثنيات . هذا على أنها أيضاً غير منقحة سنداً بل ومضطربة متناً ، وعليه فالقول بطهارة اللبن هو الأقوى .

   والعجب من شيخنا الأنصاري (قدس سره) حيث إنه بعدما استدلّ على طهارة اللّبن بما يقرب مما قدمناه آنفاً استقرب القول بنجاسة اللبن وقواه وحاصل ما أفاده في وجهه : أن رواية وهب وإن كانت ضعيفة إلاّ أنها منجبرة بمطابقتها للقاعدة المتسالم عليها أعني منجسية النجس وموافقة القاعدة جابرة لضعفها . وأمّا الروايات الواردة في طهارة اللبن وإن كانت بين صحيحة وموثقة إلاّ أنها مخالفة للقاعدة ، وطرح الأخبار الصحيحة المخالفة لاُصول المذهب وقواعده غير عزيز ، إلاّ أن تعضد بفتوى الأصحاب كما في الإنفحة أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف ، وليس شيء من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كالحنابلة والشافعية والمالكية حيث ذهبوا إلى نجاسة كل ما يخرج من الميتة سوى البيض فان الأولين ذهبا إلى طهارته على تفصيل في ذلك ، وأمّا الحنفية فقد ذهبوا إلى طهارة كل ما يخرج من الميتة من لبن وانفحة وغيرهما مما كان طاهراً حال الحياة راجع ج 1 من الفقه على المذاهب الأربعة ص 11 ـ 15 .

ــ[431]ــ

خصوصاً إذا كان ((1)) من غير مأكول اللحم (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذلك متحقِّقاً في المقام فالعمل على رواية وهب هو المتعين (2) .

   وهذا من غرائب ما صدر منه (قدس سره) لأن الرواية الضعيفة وإن قيل بانجبارها بعمل الأصحاب نظراً إلى أنهم أهل الخبرة والاطلاع ، فعملهم برواية يكشف عن وجود قرينة معها لم تصل إلينا وهي التي دلتهم على صحتها ، إلاّ أن انجبار ضعف الرواية بمطابقتها للقواعد التي ليست إلاّ عبارة عن العموم أو الاطلاق مما لم يقل به أحد ولم يعده هو (قدس سره) من موجبات الانجبار في محلّه . نعم ، العموم أو الاطلاق في نفسه أمر معتبر إلاّ أن الاعتبار أمر وانجبار ضعف الرواية به أمر آخر .

   كما أن دعوى عدم العمل بالروايات الصحيحة المخالفة للقواعد ما لم تعتضد بعمل الأصحاب مما لا يمكن المساعدة عليه ، فان كسر الرواية الصحيحة باعراض الأصحاب وإن كان مورد الخلاف بينهم إلاّ أن كسرها بمخالفة القاعدة مما لا نرى له وجهاً ، وليست الروايات الواردة في المقام معرضاً عنها عندهم كيف وقد اعتمد عليها جماعة من الأصحاب ، حيث ذهب أكثرهم إلى طهارة اللّبن حتى اعترض الآبي في كشف الرموز على دعوى ابن ادريس أن النجاسة مذهب المحصلين بأن الشيخين مخالفان والمرتضى واتباعه غير ناطقين فما أعرف من بقي معه من المحصلين (3) .

   وعلى الجملة الرواية إذا كانت معتبرة في نفسها ولم تكن معرضاً عنها عندهم فلا يضرها مخالفتها العموم أو الاطلاق ، بل القاعدة تقتضي أن تكون الرواية مخصصة للعموم أو مقيدة للاطلاق وتخصيص العمومات بالروايات غير عزيز ، فالانصاف أن روايات الطهارة مما لا غبار عليه ولا وجه للقول بنجاسته .

    اختصاص الحكم بالحيوان المحلل :

   (1) وهل تختص طهارة اللبن بما إذا كان من الحيوانات المحللة ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأظهر فيه النجاسة .

(2) كتاب الطهارة : 345 السطر 32 .

(3) كشف الرموز 2 : 368 .

ــ[432]ــ

ولا بدّ من غسل ظاهر الإنفحة الملاقي للميتة (1) هذا في ميتة غير نجس العين وأمّا فيها فلا يستثنى شيء (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   قد يقال إن اللبن كالبيضة فكما أن طهارتها غير مختصة بما إذا كانت من الحيوانات المحللة فكذلك الحال في اللبن . ولكن الظاهر أن اللبن كالإنفحة وتنحصر طهارته بما إذا كان من الحيوانات المحللة ، ولا يمكن قياسه بالبيضة لأنها كما مرّ خارجة من أجزاء الميتة وأدلة نجاستها لا تشمل البيضة من الابتداء ، وهذا بخلاف اللّبن لأنّه وإن كان أيضاً خارجاً من الميتة إلاّ أنه لا محالة يتنجس بملاقاة أجزائها لميعانه كالانفحة إلاّ فيما دلت الرواية على طهارة اللبن ، فانّها بالدلالة الالتزامية تدل على عدم منجسية ما يلاقيه من النجس أو على عدم نجاسته ، والرواية إنما دلت على طهارته فيما يؤكل لحمه كالشاة . وأمّا إطلاق بعض الأخبار فهو منصرف إلى الحيوانات المحللة ، لأنها ناظرة إلى الانتفاع بمثل اللبن والإنفحة مطلقاً كما هو قوله (عليه السلام) «لا بأس به» ولو من حيث أكله لأنه المنفعة الظاهرة منهما دون بقية الانتفاعات وهو إنما يسوغ في الحيوان الحلال .

   (1) ظاهره أن الإنفحة عنده (قدس سره) اسم لمجموع الظرف والمظروف وقد عرفت أنه المظنون وعليه لا بدّ من غسل ظاهرها لنجاستها العرضية الحاصلة من ملاقاة الميتة .

    عدم الاستثناء في ميتة نجس العين

   (2) وذلك لأن الأدلة الدالة على نجاسة أي حيوان كالكلب والخنزير قد دلت على نجاسة جميع أجزائه ، فان شعر الكلب مثلاً وإن لم يصدق عليه عنوان الكلب إلاّ أن معروض النجاسة ليس هو الهيئة التركيبية وإنما معروضها كل واحد واحد من أجزائه ، ولم يدل دليل على استثناء شيء من أجزاء الحيوانات النجسة .

   وقد خالف في ذلك السيد المرتضى (قدس سره) وذهب إلى طهارة شعر الكلب
والخنزير بل التزم بطهارة كل ما لا تحلّه الحياة كالعظم والوبر والقرن وغيرها (1) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الناصريات : 182 السطر 16 .

ــ[433]ــ

   [ 165 ] مسألة 1 : الأجزاء المبانة من الحي ممّا تحلّه الحياة كالمبانة من الميتة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وفيه : أن الموت لو لم يكن موجباً للنجاسة فعلى الأقل ليس من مقتضيات الطهارة ، ونحن إنما التزمنا بطهارة ما لا تحله الحياة من أجزاء الحيوانات الطاهرة بعد موتها من جهة طهارته حال حياتها ، والموت إنما يعرض على ما له الحياة وأمّا ما لا روح فيه كالجماد فلا معنى لموته ، فما لا تحلّه الحياة من أجزاء الحيوانات الطاهرة باق على طهارته وحاله بعد طرو الموت على الحيوان كحاله قبله ، وقد ورد (1) أن النابت لا يكون ميتاً . وأمّا الحيوانات النجسة فأجزاؤها محكومة بالنجاسة من الابتداء وحالها قبل عروض الموت وبعده سيان لما عرفت من أن الموت ليس من أحد أسباب الطهارة .

   وأمّا صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء ؟ قال لا بأس» (2) فلا دلالة لها على عدم نجاسة شعر الخنزير بوجه ، بل ظاهرها مفروغية نجاسة الحبل عند السائل ولذا كان يسأله (عليه السلام) عن حكم التوضؤ بما يستقى به من البئر فعدم البأس إما من جهة عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس أو من جهة عدم إصابة الحبل أو الماء المتنجس به لماء الدلو ، وقد تقدم تفصيل الجواب عن هذه الرواية في بحث انفعال الماء القليل (3) .

    الأجزاء المبانة من الحي

   (1) قد عرفت أن الميتة نجسة في الشريعة المقدسة بمختلف أدلتها من غير فرق في ذلك بين اتصال أجزائها وانفصالها ، كما أنها محرمة بمقتضى الآيات والروايات ، وعلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) روى الحسين بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال «الشعر والصوف والريش وكل نابت لا يكون ميتاً» كما تقدّم في ص 423 .

(2) الوسائل 1 : 170 / أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2 .

(3) تقدّم في ص 128 .

ــ[434]ــ

الجملة للميتة حكمان ضروريان في الفقه وعليه فاذا فرضنا أن الشارع نزّل شيئاً منزلة الميتة يترتب عليه كلا الحكمين المتقدمين ، لأنهما من الآثار الظاهرة للميتة وليسا من الآثار النادرة أو الأحكام الخفية في الشرع .

   هذا وقد يقال : إن الميتة عبارة عن كل ما ذهب عنه روحه من دون فرق في ذلك بين نفس الحيوان وأجزائه ، فكما يقال : هذا حيوان ميت كذلك يصح أن يقال : هذه يد ميتة أو رجل كذلك . فلو تمت هذه الدعوى شملت أحكام الميتة للأجزاء المبانة من الحي لصدق أنها ميتة .

   ولكنها بعيدة عن الأنظار العرفية وإن كانت موافقة للذوق وصحيحة بالنظر العقلي أيضاً ، إلاّ أن أجزاء الميتة ليست عند العرف كنفسها بل الميتة بنظرهم هو الحيوان الذي ذهب عنه روحه ، فشمول الميتة في مثل قوله «سألته عن البئر يقع فيها الميتة فقال ...» (1) وقوله (عليه السلام) «لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة» (2) للأجزاء المبانة من الحي في غاية الإشكال ، فهذا الوجه غير تام .

   والصحيح أن يقال : إن الأخبار الواردة في الصيد (3) وفي قطع إليات الغنم (4) قد دلّت على تنزيل الأجزاء المبانة من الحي منزلة الميتة ، ولا سيما بملاحظة تعليل الحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «عن البئر يقع فيها الميتة فقال : إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلواً وإذا دخل الجنب البئر ينزح منها سبع دلاء» . المروية في الوسائل 1 : 195 / أبواب الماء المطلق ب 22 ح 2 .

(2) صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن آنية أهل الكتاب فقال : لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم الخنزير» المروية في الوسائل 24 : 211 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 6 .

(3) كصحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت ...» وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل 23 : 376 / أبواب الصيد ب 24 ح 2 ، 3 .

(4) كما رواه الصدوق باسناده الصحيح عن عبدالله بن يحيى الكاهلي قال : «سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) ـ وأنا عنده ـ عن قطع إليات الغنم ؟ فقال : لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ، ثم قال : إن في كتاب علي (عليه السلام) أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به» وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل 24 : 71 / أبواب الذبائح ب 30 ح 1 ، 2 ، 3 .

ــ[435]ــ

إلاّ الأجزاء الصغار كالثالول والبثور ، وكالجلدة التي تنفصل من الشفة أو من بدن الأجرب عند الحك ونحو ذلك (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بنجاستها بأنها ميتة كما ورد في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه فانّه ميت ...» (1) بل وفي نفس إسناد الحكم إلى علي (عليه السلام) تلويح إلى ذلك ، لأن الأجزاء المبانة لو كانت ميتة حقيقة وبالنظر العرفي كميتة الحيوان لم يكن وجه لاسناد كونها كذلك إلى علي (عليه السلام) إذا الميتة ميتة عند الجميع ، فمن ذلك يظهر أنها ليست ميتة بنظر العرف وإنما نزّلها علي (عليه السلام) منزلتها ، وبهذا يحكم بنجاستها وحرمتها لأنهما من الآثار الظاهرة للمنزّل عليه .

   بل الأخبار الواردة في قطع إليات الغنم كالصريحة في نجاستها كقوله (عليه السلام) «أمّا تعلم أنها تصيب اليد والثوب وهو حرام» (2) لوضوح أن المراد بالحرمة فيها هي النجاسة للقطع بعدم حرمة إصابة النجس للثوب واليد .

   بقي الكلام في شيء وهو أن الجزء إذا انقطع عنه روحه وأنتن إلاّ أنه لم ينفصل عن البدن فهل يحكم بنجاسته ؟

   الصحيح عدم نجاسته ، لعدم الدليل على ذلك ما لم ينفصل من البدن . أمّا الأدلة الواردة في نجاسة الميتة فقد عرفت عدم شمولها للأجزاء المبانة فضلاً عن الأجزاء المتصلة ، وأمّا روايات الصيد وقطع إليات الغنم فعدم شمولها للأجزاء المتصلة أوضح لاختصاصها بالأجزاء المنفصلة من الحيوان بآلة الصيد أو بالقطع .

    استثناء الأجزاء الصغار :

   (1) لعدم صدق الميتة على الأجزاء الكبيرة فضلاً عن الأجزاء الصغار كما لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 23 : 376 / أبواب الصيد ب 24 ح 1 .

(2) المروية عن حسن بن علي الوشاء في الوسائل 24 : 71 / أبواب الذبائح ب 30 ح 2 . وكذا في الوسائل 24 : 178 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 32 ح 1 .

ــ[436]ــ

تشملها روايات الصيد وقطع إليات الغنم لاختصاصها بالجزء الكبير فلا دليل على نجاستها .

   وقد يستدل على ذلك بصحيحة علي بن جعفر «عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال (عليه السلام) : إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله» (1) بتقريب أنه (عليه السلام) بصدد بيان عدم مانعية الفعل المذكور في الصلاة من جميع الجهات ، لأنه (عليه السلام) لو كان بصدد بيان عدم قادحية الفعل المذكور بما هو فعل يسير في الصلاة لم يكن وجه لاشتراطه بعدم سيلان الدم حينئذ ، لأن الفعل اليسير في الصلاة غير قادح لها سواء أسال منه الدم أم لم يسل وهذه قرينة على أنه (عليه السلام) كان بصدد نفي مانعية الفعل المذكور من جميع الجهات ، وعليه فالرواية تدل على طهارة الثالول ، لأنه قد يقطعه بيده وهو في الصلاة ثم يطرحه ، فلو كان الثالول ميتة كان حمله في الصلاة بأخذه بيده ولو آناً قليلاً مبطلاً للصلاة ، كما أن يده قد تلاقي الثالول وهي رطبة فلو كان ميتة لأوجب نجاسة يده ونجاسة البدن تبطل الصلاة ، مع أنه (عليه السلام) نفى البأس عنه مطلقاً من غير استفصال .

   هذا ولا يخفى أن الرواية وإن لم تكن خالية عن الإشعار بالمدعى إلاّ أنها عرية عن الدلالة عليه وإن أصرّ شيخنا الأنصاري (قدس سره) على دلالتها (2) والوجه فيما ذكرناه أن الرواية ناظرة إلى عدم قادحية الفعل المذكور في الصلاة لأنه فعل يسير وليست ناظرة إلى عدم قادحيته من جميع الجهات . واشتراط عدم سيلان الدم مستند إلى أن نتف الثالول يستلزم سيلانه غالباً ، وكأنها دلت على أن الفعل المذكور غير مانع عن الصلاة في نفسه إلاّ أن له لازماً تبطل به الصلاة فلا بأس به إذا لم يكن مقارناً معه . وأمّا نتف الثالول فلا يلازم ملاقاته اليد رطبة لامكان إزالته بخرقة أو بقرطاس أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 504 / أبواب النجاسات ب 63 ح 1 وكذا في الوسائل 7 : 242 / أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 15 .

(2) كتاب الطهارة : 343 السطر 16 .

ــ[437]ــ

   [ 166 ] مسألة 2 : فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى وإن كان الأحوط الاجتناب عنها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بأخذه باليد مع يبوستها ، ولو صدق عليه حمل الميتة ولو آناً ما أمكن أن يقال بعدم قدحه في الصلاة ، لأن بطلانها بحمل الميتة ليس من المسلمات ، وإنما المتيقن منه قدح لبس الميتة ولو في شسع . وأمّا حمل الميتة بما لا يتستر به فقدحه غير متسالم عليه . فالصحيح أن يستدل على طهارة الثالول وأشباهه بما ذكرناه وتجعل الصحيحة مؤيدة للمدعى .

    فأرة المسك :

   (1) أعني الجلدة وهي قد تكون من المذكى واُخرى من الميتة وثالثة من الحي .

   أمّا فأرة المذكى : فلا إشكال في طهارتها لأنها كبقية أجزاء الظبي عند تذكيته .

   وأمّا فأرة الحي : فقد وقع الخلاف في طهارتها بين الأصحاب ولعلّ الوجه في نجاستها أن الفأرة من الأجزاء المبانة من الحي وهي كالميتة نجسة .

   ويدفعه : ان مدرك الحكم بنجاسة الجزء المبان منحصر في روايات إليات الغنم وما أخذته الحبالة من الصيد كما مرّ وهي مختصة بموردها . وشمولها لمثل الفأرة مما ينفصل عن الحي بنفسه ويعد من ثمرته كما في الأشجار بعيد غايته ، بل الظاهر أن الغالب أخذ المسك من الفأرة المنفصلة من الحي وهو الذي تلتقطه سكنة البوادي في البادية . وأمّا غيره من الأقسام كما يؤخذ من دم الظبي حين
ذبحه ويختلط بروثه فهو قليل غايته . فالصحيح في هذه الصورة أيضاً طهارة الفأرة كما ذهب إليه العلاّمة (1) والشهيد (2) (قدس سرهما) لما عرفت من أنه لا إطلاق ولا عموم في الروايات المتقدمة حتى يتمسك به في المقام .

   وأمّا الفأرة المأخوذة من الميتة : فالصحيح أنها نجسة لأنها كبقية أجزاء الميتة وهي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 1 : 58 .

(2) الذكرى : 14 السطر 5 .

ــ[438]ــ

نجسة ، كما أن الدم المتكوّن فيها كذلك لأنه من أجزاء الميتة ، اللّهم إلاّ أن يقال إن الدم المتكوّن فيها كان محكوماً بالطهارة حال حياة الحيوان ، وكل جزء حكم عليه بالطهارة حال حياته مما لا تحله الحياة فهو محكوم بطهارته بعد موته أيضاً ، وعليه فالدم المذكور طاهر دون جلدته .

   ودعوى : أنها مما لا تحله الحياة فحالها حال الصوف وأشباهه .

   ظاهرة الفساد : لأنها كبقية جلود الحيوانات مما تحله الحياة فلا وجه لطهارتها ، إلاّ أن يقال إن الفأرة بالاضافة إلى الظبي نظير البيضة بالنسبة إلى الدجاجة ، فكما أنها تتكوّن في جوف الدجاجة من دون أن تعد من أجزائها كذلك الحال في الفأرة بعينها فلا تكون من أجزاء الميتة .

   ثم إنه إذا قلنا بنجاسة فأرة الميتة ولم يكن المسك المتكوّن فيها منجمداً حال حياة الظبي ، فلا محالة يتنجس مسكها إلاّ أنها نجاسة عرضية وإنما نشأت من ملاقاة الميتة وإن لم يمكن تطهيره ، وهذا بخلاف ما إذا كان مسكها منجمداً حال حياته لأنه طاهر في ذاته وتزول نجاسته العرضية الناشئة من ملاقاة الفأرة الرطبة النجسة بتطهيره ، هذا كله فيما تقتضيه القاعدة .

   وأمّا بالنظر إلى النص الوارد في المقام ففي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلي وهو في جيبه أو ثيابه ؟ فقال : لا بأس بذلك» (1) واستدل بها في المدارك على طهارة مطلق الفأرة سواء انفصلت من الظبي في حياته أم اُخذ من المذكى أو من الميتة ، لاطلاق قوله (عليه السلام) لا بأس به وهو ملازم لطهارة الفأرة (2) .

   والاستدلال بها يتوقف على عدم جواز حمل النجس أو خصوص الميتة في الصلاة ، وهو في حيّز المنع لجواز حمل النجس بل وحمل الميتة في الصلاة كما يأتي في محله ، فعدم البأس بحمل الفأرة في الصلاة لازم أعم لطهارتها . هذا مع الاغماض عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 433 / أبواب لباس المصلِّي ب 41 ح 1 .

(2) المدارك 2 : 275 .

ــ[439]ــ

انصراف الفأرة إلى ما هو المتداول الكثير منها خارجاً وهو الفأرة التي تلقيها الظبية في حياتها كما مرّ . فاذن لا تشمل الصحيحة لما يؤخذ من الميتة .

   وذهب كاشف اللثام إلى نجاسة مطلق الفأرة إلاّ الفأرة المأخوذة من المذكى فانّها طاهرة كغيرها من أجزائه بخلاف ما أخذ من الميتة أو أسقطه الظبي حال حياته واستدل على ذلك بصحيحة عبدالله بن جعفر قال : «كتبت إليه ـ يعني أبا محمد (عليه السلام) ـ يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة المسك ؟ فكتب : لا بأس به إذا كان ذكياً» (1) حيث دلت على أنّ الظبي إذا لم يكن ذكياً سواء أ كان حيّاً أم ميِّتاً ففي الصلاة في فأرة مسكه بأس ، وليس هذا إلاّ لكون الفأرة ميتة نجسة (2) .

   ودعوى : أن المنع عن الصلاة في شيء أعم من نجاسته وإن كانت صحيحة كما في الحرير وبعض أجزاء ما لايؤكل لحمه من الحيوان ، إلاّ أن المنع في المقام لا يحتمل استناده إلى غير النجاسة .

   والاستدلال بهذه الصحيحة على مدعى كاشف اللثام يبتني على أمرين :

   أحدهما : أن يكون ضمير كان راجعاً إلى الظبي .

   وثانيهما : أن يكون المذكى في قبال كل من الحي والميت لا في مقابل خصوص الميتة ، وكلاهما ممنوع .

   أمّا الأوّل : فلأنه لم يسبق ذكر من الظبي في الرواية ، فيحتمل رجوع الضمير إلى الفأرة باعتبار أنها مما مع المصلي فيصح تذكير الضمير بهذا الاعتبار ، والرواية على هذا تدل على أن الفأرة قسمان : قسم طاهر بالذات وهو المذكى وقسم نجس كذلك وهو غير المذكى ، وقد عرفت نجاسة فأرة الميتة .

   وأمّا الثاني : فلأن الظاهر أن الذكي في مقابل الميتة فحسب ، لأن المذكى والميتة قسمان للحيوان الذي زهق روحه وأمّا الحي فهو خارج عن المقسم لا أنه داخل في قسم غير المذكى فلا دلالة للرواية على نجاسة فأرة الحي ، وغاية ما يستفاد منها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 433 / أبواب لباس المصلي ب 41 ح 2 .

(2) كشف اللثام 1 : 406 .

ــ[440]ــ

نعم لا إشكال في طهارة ما فيها من المسك (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نجاسة فأرة الميتة وقد بيّنا أن نجاستها على طبق القاعدة من غير حاجة في ذلك إلى النص .

    أقسام المسك :

   (1) نقل شيخنا الأنصاري (قدس سره) عن التحفة أن للمسك أقساماً أربعة :

   أحدها : المسك التركي وهو دم يقذفه الظبي بطريق الحيض أو البواسير فينجمد على الأحجار ، ولم يتأمل (قدس سره) في الحكم بنجاسة هذا القسم لأنه دم منجمد وغاية الأمر أنه ذو ريح طيبة . ودعوى أن الدم قد استحال بالانجماد مدفوعة بأن الجمود فيه كانجماد سائر الدماء مما لا يوجب الاستحالة كما أن التعطر لا يوجبها .

   وثانيها : المسك الهندي وهو دم يؤخذ بعد ذبح الظبي ويختلط مع روثه فيصير أصفر اللون أو أشقر ، وقد ألحق (قدس سره) هذا القسم بالقسم السابق وحكم بنجاسته أيضاً لأنه دم مختلط بشيء آخر ، ودعوى الاستحالة في هذا القسم أضعف من سابقه لأن مجرد خلط شيء بشيء لا يقتضي الاستحالة بوجه .

   وثالثها : دم يجتمع في سرّة الظبي بعد صيده يحصل بشق موضع الفأرة وتغميز أطراف السرة حتى يجتمع فيها الدم ويجمد وقال (قدس سره) إنه طاهر مع تذكية الظبي ونجس لامعها .

   ورابعها : دم يتكوّن في فأرة الظبي بنفسه ، ثم تعرض للموضع حكّة ينفصل بسببها الدم مع جلده وقد حكم بطهارته (1) . والأمر كما أفاده وذلك للاجماع والسيرة القطعية المستمرة ، ولصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة ، فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) برائحته» (2) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطهارة : 343 السطر 26 .

(2) الوسائل 3 : 500 / أبواب النجاسات ب 58 ح 1 .

 
 

ــ[441]ــ

وأمّا المبانة من الميت ففيها إشكال (1) وكذا في مسكها ((1)) (2) . نعم ، إذا أخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها ((2)) ولو لم يعلم أنها مبانة من الحي أو الميت (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والمتيقن من المسك هو القسم الأخير ، والحكم بطهارته إما لتخصيص ما دلّ على نجاسة الدم مما له نفس سائلة ـ  كما إذا كان المسك عبارة عن الدم المنجمد  ـ وإما من باب التخصص بناء على ما ذكره بعضهم من أن أجزاء المسك عند تحليله غير الأجزاء الدموية وإن كانت الأجزاء المسكية متحققة في دم الظبي ، إلاّ أنها إذا وصلت إلى الفأرة أفرزت عن الأجزاء الدموية لاشتمال الفأرة على آلة الافراز ، إلاّ أن تحقيق ذلك مما لا  يترتب عليه ثمرة عملية لأنه محكوم بالطهارة على كل حال .

   كما أن القسم الثالث أيضاً كذلك فيما إذا كان اجتماع الدم في الفأرة حال حياة الظبي ثم ذبح ، لأنه حينئذ من الدم المتخلف وهو طاهر . ولا إطلاق لما دلّ على طهارته حتى يتمسك به في الحكم بطهارة سائر الأقسام . نعم ، لو ثبتت دعوى الاستحالة حكمنا بطهارة الجميع ولكن عرفت فسادها ، فسائر الأقسام من المسك محكوم بالنجاسة لأنه دم فتشمله أدلة نجاسته .

   (1) عرفت الوجه في ذلك آنفاً .

   (2) فيما إذا لم ينجمد مسكها حال حياة الظبي لنجاسته العرضية الحاصلة حينئذ بملاقاة الميتة ، وهذا بخلاف ما إذا كان جامداً كما عرفت تفصيله .

    صور الشك في طهارة الفأرة

   (3) لا بدّ من التعرض إلى صور الشك في طهارة الفأرة ونجاستها لتتميز موارد الحاجة إلى يد المسلم أو غيرها من أمّارات التذكية عما لا حاجة فيه إلى أمّاراتها فنقول : صور الشك في ذلك ثلاث :

   الاُولى : أن يشك في أن الفأرة من الحي أو المذكى أو أنها من الميتة مع الشك في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أن المسك في نفسه طاهر . نعم لو علم بملاقاته النجس مع الرطوبة حكم بنجاسته .

(2) وكذا إذا اُخذت من يد الكافر .

ــ[442]ــ

حياة الظبي الذي اُخذت منه الفأرة .

   الثانية : الصورة مع العلم بموت الظبي في زمان الشك .

   الثالثة : أن يعلم بأخذ الفأرة بعد موت الظبي ويشك في أن موته هل كان مستنداً إلى التذكية أم إلى غيرها .

   فعلى مسلك كاشف اللثام أعني القول بنجاسة فأرة غير المذكى يحكم بنجاستها في جميع الصور الثلاث للشك في وقوع التذكية على الظبي ، ومقتضى أصالة عدم التذكية نجاسة الفأرة إلاّ فيما إذا كانت هناك أمارة على التذكية من يد المسلم أو غيرها ، لأنها حاكمة على استصحاب عدمها ، فعلى مسلكه (قدس سره) تمس الحاجة إلى أمّارات التذكية في جميع الصور الثلاث . وأمّا على ما سلكناه وهو التفرقة بين فأرة الحي والمذكى وبين فأرة الميتة فيختلف الحكم والحاجة إلى أمّارات التذكية باختلاف صور المسألة .

   أمّا الصورة الاُولى : فحيث لا نعلم فيها إلاّ بحدوث أمر واحد وهو انفصال الفأرة عن الظبي ولا علم لنا بموته لاحتمال بقائه على الفرض فاستصحاب حياة الظبي إلى زمان انفصال الفأرة بلا معارض ، ولا حاجة في إثبات طهارتها في هذه الصورة إلى يد المسلم أو غيرها من أمّارات التذكية فانّها كانت أم لم تكن يحكم بطهارة الفأرة بالاستصحاب .

   وأمّا الصورة الثانية : وهي التي علمنا فيها بموت الظبي وشككنا في أن الفأرة هل اُخذت منه بعد موته أو قبله فلا حاجة فيها أيضاً إلى إثبات الطهارة بقيام أمارة على التذكية ، لأن في هذه الصورة حادثين أحدهما موت الظبي وثانيهما انفصال الفأرة منه وهما مسبوقان بالحياة والاتصال ، واستصحاب كل من الحياة والاتصال إلى زمان ارتفاع الآخر معارض بمثله ، فيتساقطان ويرجع إلى قاعدة الطهارة مطلقاً سواء علمنا بتأريخ أحدهما أم جهل كلا التاريخين .

   وأمّا الصورة الثالثة : التي علمنا فيها بأخذ الفأرة بعد موت الظبي وترددنا في استناد موته إلى التذكية فيحكم فيها بعدم كون الفأرة من المذكى ، لأصالة عدم وقوع التذكية على الظبي المأخوذة منها الفأرة ، فيترتب عليها جميع آثار غير المذكى ومنها

ــ[443]ــ

   [ 167 ] مسألة 3 : ميتة ما لا نفس له طاهرة كالوزغ والعقرب والخنفساء والسّمك وكذا الحيّة والتمساح ، وإن قيل بكونهما ذا نفس لعدم معلومية ذلك ، مع أنه إذا كان بعض الحيات كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك كونه كذلك (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النجاسة على المشهور ، إلاّ إذا اُخذت من يد المسلم فانّها أمارة شرعية على التذكية في الجلود وهي حاكمة على أصالة عدمها ، فعلى ما سلكناه في المقام لا نحتاج في الحكم بطهارة الفأرة إلى أمّارات التذكية إلاّ في الصورة الأخيرة .

    ميتة ما لا نفس له :

   (1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

   أحدهما : في كبرى طهارة الميتة مما لا نفس له .

   وثانيهما : في بعض صغرياتها مما وقع الكلام في أن له نفساً سائلة أو لا نفس له .

   أمّا المقام الأوّل : فلم يستشكل أحد فيما نعلمه من الأصحاب في طهارة الميتة من كل حيوان محكوم بالطهارة حال حياته إذا لم تكن له نفس سائلة ، وتدل عليها جملة كثيرة من الأخبار .

   منها : موثقة حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال : «لا  يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة» (1) لأن الميتة هي القدر المتيقن منها ، لأنها إما مختصة بالميتة نظراً إلى أن الافساد وعدمه مضافان فيها إلى الذات ، أعني ذات الحيوان الذي له نفس أو لا نفس له ، أو أنها أعم فتشمل الميتة وكل ما يضاف إليها من دمها وبولها وغيرهما كما استظهرناه سابقاً .

   ومنها : موثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما اُشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه قال : كل ما ليس له دم فلا بأس» (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 3 : 464 / أبواب النجاسات ب 35 ح 2 ، 1 .

ــ[444]ــ

   ومنها : ما عن أبي بصير في حديث : «وكل شيء وقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس» (1) ومنها غير ذلك من الأخبار ، إلاّ أنهم اختلفوا في الوزغ بعد تسليم أنه مما لا نفس له ، ولكن هذا الخلاف غير راجع إلى ما قدمناه من كبرى طهارة الميتة مما لا نفس له ، وإنما هو مستند إلى الخلاف في طهارة الوزغ حال حياته ونجاسته ، والكبرى المسلمة تختص بحيوان محكوم بالطهارة حال حياته دون الحيوانات النجسة وإن لم يكن لها نفس سائلة ، وهذا نظير ما قدّمناه في الشعر والصوف وغيرهما مما لا تحله الحياة ، وذكرنا أنها طاهرة من كل حيوان ميت كان محكوماً بالطهارة في حياته دون ما كان نجساً .

   وكيف كان فقد ذهب جماعة إلى نجاسة الوزغ وزادوا بذلك نجاسة على الأعيان النجسة . بل عن بعضهم نجاسة الثعلب والأرنب والفأرة أيضاً إلاّ أ نّا نتكلم في خصوص الوزغ هنا بمناسبة عدم كونه ذا نفس سائلة فنقول :

   نسب القول بنجاسة الوزغ إلى الشيخ (2) والصّدوق (3) وابن زهرة (4) وسلار (5)وغيرهم (قدس سرهم) واعتمدوا في ذلك على روايات ثلاث :

   الاُولى : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفأرة والوزغة تقع في البئر قال : ينزح منها ثلاث دلاء» (6) بتقريب أن الأمر بالنزح ظاهر في وجوبه ووجوب النزح ظاهره الارشاد إلى نجاسة الوزغ والفأرة لبعد كونه تعبداً صرفاً .

   الثانية : رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 185 / أبواب الماء المطلق ب 17 ح 11 .

(2) النهاية : 52 .

(3) حكى عنه في الحدائق 5 : 226 ، ويظهر من الفقيه 1 : 8 / 10 .

(4) الغنية : 49 .

(5) المراسم : 56 .

(6) الوسائل 1 : 187 / أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2 .

ــ[445]ــ

عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حياً هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه ؟ قال : يسكب منه ثلاث مرات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثم يشرب منه ويتوضأ منه ، غير الوزغ فانّه لا ينتفع بما يقع فيه» (1) وظاهرها أن عدم جواز الانتفاع به مستند إلى نجاسة الوزغ .

   الثالثة : رواية الفقه الرضوي : «فان وقع في الماء وزغ اُهريق ذلك الماء ...» (2)لأنها كسابقتها ظاهرة في أن الأمر بالاهراق إرشاد إلى نجاسة الوزغ الموجبة لنجاسة الماء .

   ولكن الصحيح طهارة الوزغة ولا يمكن المساعدة على شيء مما استدل به على نجاستها . أمّا الروايتان الأخيرتان فلضعفهما (3) . وأمّا صحيحة معاوية فلأن ظهورها في نجاسة الوزغة وإن كان غير قابل للانكار إلاّ أنه لا مناص من رفع اليد عن ظاهرها بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : «سألته عن العظاية والحيّة والوزغ يقع في الماء فلا يموت أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال : لا بأس به ...» (4) وبها تحمل الصحيحة المتقدمة على التنزه لاشمئزاز النفس عن الماء الذي وقع الوزغ فيه . وكذا الحال في الروايتين الأخيرتين على تقدير صحة سندهما .

   هذا ومع الاغماض عن ذلك وفرض التعارض بين ما دلّ على نجاسة الوزغ وطهارته فالمرجع هو صحيحة الفضل أبي العباس الدالة على طهارة كل حيوان ما عدا الكلب ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة والابل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 240 / أبواب الأسآر ب 9 ح 4 ، وأيضاً الوسائل 1 : 188 / أبواب الماء المطلق ب  19 ح 5 ،

(2) فقه الرضا : 93 .

(3) الوجه في تضعيف الرواية الثانية هو عدم توثيق يزيد بن إسحاق الواقع في سندها في الرجال ولكن الرجل ممن وقع في أسانيد كامل الزيارات ومقتضى ذلك هو الحكم بوثاقته ، ومعه تصبح الرواية صحيحة لا محالة .

(4) الوسائل 3 : 460 / أبواب النجاسات ب 33 ح 1 ، وأيضاً الوسائل 1 : 238 / أبواب الأسآر ب  9 ح 1 .

ــ[446]ــ

والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئاً إلاّ سألته عنه ؟ فقال : لا  بأس به حتى انتهيت إلى الكلب فقال رجس نجس لا تتوضأ بفضله وأصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ثم بالماء» (1) هذا كلّه في المقام الأول .

   وأمّا المقام الثاني : فقد قالوا إن الحية والتمساح مما لا نفس له كبقية الحيوانات البحرية وحشرات الأرض ، وأنكره بعضهم وادعى أنهما مطلقاً أو بعض أقسام الحية ذو نفس سائلة ، فان ثبت شيء من الدعويين فهو ، وإلاّ فعلى ما سلكناه في محله من جريان الأصل في الأعدام الأزلية يحكم بطهارة ميتتها ، لأن جملة من الأخبار المعتبرة دلت على طهارة ميتة ما لا نفس له كما قدمناها ، وهي مخصصة لعموم ما دلّ على نجاسة الميتة فالخارج عن العام عنوان عدمي وهو ما لا نفس له ، والباقي تحته معنون بعنوان وجودي أعنى ما له نفس سائلة ، ومقتضى أصالة عدم كون المصداق المشتبه مما له نفس سائلة طهارة ميتته بعد ما ثبت في محله من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية .

   والفارق بين ما نحن فيه وغيره مما يتمسك فيه بأصالة العدم الأزلي في المصداق المشتبه لادراجه تحت العموم ، هو أن الخارج عن العام في المقام عنوان عدمي والباقي معنون وجودي ، ومعه ينتج الأصل الجاري في العدم الأزلي إدراج الفرد المشتبه تحت الخاص ، وهذا بخلاف ما إذا كان الخارج عنواناً وجودياً والباقي معنوناً بعنوان عدمي فان معه تنعكس الحال ، فالأصل الجاري في العدم الأزلي يثبت أن الفرد المشتبه داخل في حكم العام .

   وأمّا على مسلك من لا يرى جريان الأصل في الأعدام الأزلية فالأمر في الموارد المشكوكة أيضاً كما عرفت ، لقاعدة الطهارة بعد عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية . وهكذا الكلام في كل مورد شككنا في أنه مما له نفس أو لا نفس له ولو من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 226 / أبواب الأسآر ب 1 ح 4 ، وأيضاً 3 : 413 / أبواب النجاسات ب 11 ح 1 إلاّ أنه ليس فيها تمام الحديث .

ــ[447]ــ

   [ 168 ] مسألة 4 : إذا شكّ في شيء أنه من أجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة وكذا إذا علم أنه من الحيوان لكن شكّ في أنه مما له دم سائل أم لا (1) .

   [ 169 ] مسألة 5 : المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح على غير الوجه الشرعي (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أجل تردده بين حيوانين أحدهما ذو نفس سائلة ، أو تردده بين كونه من الحيوان أو من غيره كما إذا لم ندر أن المطروح في الطريق جلد أو غير جلد .

   (1) لأصالة عدم كونه من أجزاء الحيوان أو عدم كونه من أجزاء ما له نفس سائلة أو لأصالة الطهارة كما مرّ .

    المراد من الميتة :

   (2) لا يراد بالميتة فيما يترتّب عليها من الأحكام ما زهق روحه وانتهت حياته لأن ما زهق روحه بالأسباب الشرعية غير محكوم بحرمة الأكل والنجاسة وغيرهما من أحكام الميتة ، كما لا يراد بها ما مات حتف أنفه بانقضاء قواه الموجبة لحياته ، لعدم اختصاص أحكام الميتة بذلك وشمولها لما مات بمثل الخنق وأكل السم ونحوهما من أسباب الموت ، بل المراد بها أمر آخر متوسط بين الأمرين السابقين وهو ما مات بسبب غير شرعي ويعبّر عنه بغير المذكى سواء مات حتف أنفه أم بسبب آخر غير التذكية ولعلّ هذا مما لا خلاف فيه . وقد استشهد شيخنا الأنصاري (قدس سره) على ذلك باُمور ، منها : موثقة سماعة «إذا رميت وسميت فانتفع بجلده وأمّا الميتة فلا» (1) حيث جعلت الميتة في مقابل المذكى أعني ما رمي وسمي .

   ويمكن أن يستشهد عليه أيضاً بما تقدّم (2) من الأخبار الناهية عن أكل ما تقطعه الحبال ، وعن الانتفاع بما تقطع من إليات الغنم معللاً بأنها ميتة ، حيث اُطلقت الميتة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 489 / أبواب النجاسات ب 49 ح 2 ، وأيضاً 24 : 185 / أبواب الأطعمة المحرمة ب  34 ح 4 .

(2) في ص 434 .

ــ[448]ــ

فيها على ما لم تقع عليه الذكاة شرعاً وهذا كله واضح .

   وإنما الكلام في أن النجاسة وحرمة الأكل وغيرهما من الأحكام هل هي مترتبة على عنوان الميتة أو أن موضوعها هو ما لم يذك شرعاً ؟ لأن الميتة وغير المذكى وإن كانا متلازمين واقعاً ولا ينفك أحدهما من الآخر من مقام الثبوت ، لأن الميتة والمذكى من الضدين لا ثالث لهما فان ما زهق روحه إما أن يستند موته إلى سبب شرعي فهو المذكى وإما أن يستند إلى سبب غير شرعي فهو الميتة ، إلاّ أن ما لم يذك عنوان عدمي والميتة عنوان وجودي وهما مختلفان في الاعتبار وفيما يترتب عليهما من الأحكام .

   وتظهر الثمرة فيما إذا شككنا في لحم أو جلد أنه ميتة أو مذكى ، فانّه على تقدير أن الأحكام المتقدمة مترتبة على عنوان ما لم يذك يحكم بنجاسته وحرمة أكله وغيرهما من الأحكام باستصحاب عدم تذكيته ، وهذا بخلاف ما إذا كانت مترتبة على عنوان الميتة لأنها عنوان وجودي لا يمكن احرازه بالاستصحاب إذ لا حالة سابقة له .

   وخالف في ذلك صاحب المدارك (قدس سره) فانّه بنى على أن الأحكام المتقدمة مترتبة على عنوان ما لم يذك ، ومع هذا أنكر جريان استصحاب عدم التذكية لاثبات النجاسة وغيرها من الأحكام عند الشك في التذكية ، وذكر في وجه منعه أمرين :

   أحدهما : أن الاستصحاب غير معتبر رأساً وعلى تقدير اعتباره فهو إنما يفيد الظن ولا تثبت النجاسة إلاّ بالعلم أو بالبينة لو سلم عموم أدلّتها ، فانّه مورد الكلام عنده (قدس سره) .

   وثانيهما : ما ورد في بعض الروايات من قوله (عليه السلام): «ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه»(1) وقوله (عليه السلام) «وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه»(2) لدلالته على أن النجاسة وسائر الأحكام المتقدمة إنما تترتب على ما علم أنه ميتة (3) .

   ويدفعه : أن الاستصحاب وإن لم يكن معتبراً في الأحكام الكلية الإلهية على ما اخترناه في محله ، إلاّ أن أدلة اعتباره غير قاصرة الشمول للشبهات الموضوعية بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) وهما خبر علي بن أبي حمزة وصحيحة الحلبي المرويتان في الوسائل 3 : 491 / أبواب النجاسات ب 50 ح 4 ، 2 .

(3) المدارك 2 : 387 .

ــ[449]ــ

ودعوى : أنه لا يفيد غير الظن من غرائب الكلام لأن اعتباره غير منوط بافاده الظن فتثبت به النجاسة وغيرها من الأحكام ، فان المدار في ثبوت حكم بشيء على العلم بحجية ذلك الشيء لا على العلم بالحكم .

   وأمّا الروايتان المتقدِّمتان فلا دلالة لهما على ما يرومه ، لأن غاية ما يستفاد منهما أن العلم بالميتة قد اُخذ في موضوع الحكم بالنجاسة وحرمة الأكل وغيرهما من الأحكام ، فحالها حال سائر المحرّمات التي اُخذ العلم في موضوعها كما في قوله (عليه السلام) «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام» (1) إلاّ أنه علم طريقي قد اُخذ في موضوع الأحكام المتقدمة منجزاً للواقع لا موضوعاً لها ، نظير أخذ التبين في موضوع وجوب الصوم في قوله عزّ من قائل : (كُلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) (2) . وقد أسلفنا في محله أن الاستصحاب بأدلة اعتباره صالح لأن يقوم مقام العلم الطريقي كما تقوم مقامه البينة والأمارات (3) ولولا ذلك لم يمكن اثبات شيء من المحرمات الشرعية بالاستصحاب ولا بالبينة لفرض أخذ العلم بها في موضوعها .

   ويمكن أن يقال : إن الروايتين ولا سيما صحيحة الحلبي إنما وردتا في مورد وجود الأمارة على التذكية ولا إشكال معه في الحكم بالطهارة والتذكية حتى يعلم خلافها وأين هذا من اعتبار العلم في موضوع الحرمة والنجاسة وغيرهما من أحكام الميتة .

   فالمتحصل أنه لا إشكال في جريان استصحاب عدم التذكية على تقدير كون الأحكام المتقدمة مترتبة على عنوان غير المذكى عند الشك في التذكية . إذا عرفت ذلك فنقول :

  إن حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة حكمان مترتبان على عنوان غير المذكى وذلك لقوله تعالى : (حُرِّمت عليكم الميتة والدم ... وما أكل السبع إلاّ ما ذكيتم ) (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بيّنا مواضعه في ص 259 ، فليراجع .

(2) البقرة 2 : 187 .

(3) مصباح الاُصول 2 : 38 .

(4) المائدة 5 : 3 .

ــ[450]ــ

وموثقة ابن بكير حيث ورد في ذيلها «فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح»(1)، وموثقة سماعة المتقدمة : «إذا رميت وسميت فانتفع بجلده» أي إذا ذكيتها ، وعليه إذا شككنا في تذكية لحم أو جلد ونحوهما نستصحب عدم تذكيته ونحكم بحرمة أكله وعدم جواز الصلاة فيه .

   وأمّا النجاسة وحرمة الانتفاع على تقدير القول بها فهما من الآثار المترتبة على عنوان الميتة حيث لم يقم دليل على ترتّبهما على عنوان غير المذكى ومعه لا يمكن اثباتهما عند الشك في التذكية ، ويكفينا في ذلك :

   أوّلاً : الشك في أن موضوعهما هل هو الميتة أو ما لم يذك فلا يمكن اثباتهما باستصحاب عدم التذكية فيرجع حينئذ إلى قاعدة الطهارة .

   وثانياً: تصريح بعض أهل اللغة كالفيومي في مصباحه على أن الميتة ما مات بسبب غير شرعي(2) ومعه إذا شككنا في تذكية لحم مثلاً لا يمكن اثبات نجاسته وحرمة الانتفاع به بأصالة عدم التذكية لعدم كونهما من آثار ما لم يذك فلا أثر لها في نفسها وإجراؤها لاثبات عنوان الميتة أعني ما مات بسبب غير شرعي من أوضح أنحاء الاُصول المثبتة ، لأنه من اثبات أحد الضدين بنفي الآخر ، بل لو فرضنا جريان أصالة عدم التذكية لاثبات الميتة عارضها استصحاب عدم موته بسبب غير شرعي لاثبات تذكيته ، هذا .

   وقد ذهب شيخنا الهمداني (قدس سره)(3) إلى أن النجاسة من آثار عدم التذكية واستدل عليه بمكاتبة الصيقل قال : «كتبت إلى الرضا (عليه السلام) إني أعمل أغماد السـيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي ، فاُصلي فيها ؟ فكتب (عليه السلام) إليَّ : اتخذ ثوباً لصلاتك ، وكتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إني كنت كتبت إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

(2) المصباح المنير : 584 .

(3) مصباح الفقيه (الطهارة) : 653 السطر 3 .

ــ[451]ــ

أبيك (عليه السلام) بكذا وكذا ، فصعب عليّ ذلك ، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية ، فكتب (عليه السلام) إليَّ : كل أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله ، فان كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس» (1) . فان المراد بنفي البأس نفي نجاسة الجلود بقرينة قوله في صدرها «فتصيب ثيابي» أي ينجسها ومن هنا أمره الرضا (عليه السلام) باتخاذ ثوب لصلاته ومقتضى تعليق الطهارة على كونها ذكية أن موضوع النجاسة هو ما لم يذك ، ومعه لا حاجة إلى تجشم دعوى أن الميتة هي غير المذكى .

   ويردها أمران :

   أحدهما : أن الرواية غير قابلة للاعتماد لجهالة أبي القاسم الصيقل .

   وثانيهما : عدم تمامية دلالتها لأن الحصر فيها إضافي بمعنى أن عمله كان دائراً بين الميتة والمذكى ولم يكن مبتلى بغيرهما ، فحصره الطهارة في المذكى إنما هو بالاضافة إلى ما كان يبتلي به في مورد عمله وهذا لا ينافي ترتب النجاسة على عنوان الميتة دون غير المذكى .

   ومما يدلنا على هذا دلالة قطعية أنه (عليه السلام) أخذ الوحشية في موضوع الحكم بطهارة الجلود وقال : فان كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس ، ومن الضروري أنه لا دخالة للوحشية في طهارة المذكى بوجه ، وهذه قرينة قطعية على أن حكمه هذا إنما هو بلحاظ مورد عمل السائل ، فانّه كان يدور بين جلود الميتة وبين جلود الوحشي الذكي فلا دلالة في ذلك على ترتب النجاسة على عنوان غير المذكى . والمتحصل أنه لا بدّ من التفكيك بين حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة وبين النجاسة وحرمة الانتفاع ، فان الأولين يترتبان على أصالة عدم التذكية بخلاف الثانيين .

   وممن وافقنا على هذا صاحب الحدائق (قدس سره) حيث ذهب إلى طهارة ما يشك في تذكيته من اللّحوم والجلود وغيرهما نظراً إلى أصالتي الطهارة والحلية(2) وهو (قدس سره) وإن أصاب المرمى في النتيجة ـ  أعني الحكم بالطهارة  ـ إلاّ أنه أخطأ في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 489 / أبواب النجاسات ب 49 ح 1 ، و ص 462 ب  34 ح  4 .

(2) الحدائق 5 : 526 .

ــ[452]ــ

   [ 170 ] مسألة 6 : ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ((1)) وإن لم يعلم تذكيته (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طريقها لأن استصحاب عدم التذكية لا يبقي مجالاً لقاعدتي الطهارة والحلية على مسلك القوم كما لا يبقي مجالاً لأصالة الحلية على مسلكنا كما لا  يخفى .

   وعلى ما ذكرناه لا تمس الحاجة إلى شيء من أمّارات التذكية من يد المسلم وسوقه وإخبار البايع وغيرها عند الشك في تذكية شيء إلاّ بالاضافة إلى حلية أكله وجواز الصلاة فيه لا بالنسبة إلى طهارته وجواز الانتفاع به .

    أمارات التذكية : يد المسلم :

   (1) لا ينبغي الاشكال في أن يد المسلم من الأمارات الحاكمة على أصالة عدم التذكية وتدل على اعتبارها جميع ما ورد في اعتبار سوق المسلمين ، لأنه وإن كان أمارة على التذكية إلاّ أن أمّاريته ليست في عرض أمّارية يد المسلم ، وإنما هي في طولها بمعنى أن السوق جعلت أمارة كاشفة عن يد المسلم وهي الأمارة على التذكية حقيقة والسوق أمارة على الأمارة . وذلك لأن الغالب في أسواق المسلمين إنما هم المسلمون وقد جعل الشارع الغلبة معتبرة في خصوص المقام ، وألحق من يشك في إسلامه بالمسلمين للغلبة ، بل ولا اختصاص لذلك بالسوق فان كل أرض غلب عليها المسلمون تكون فيها الغلبة أمارة على إسلام من يشك في إسلامه كما في صحيحة إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (عليه السلام) أنه قال : «لا بأس بالصلاة في الفرا اليماني وفيما صنع في أرض الاسلام ، قلت فان كان فيها غير أهل الاسلام ؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» (2) .

   والذي يدل على ما ذكرناه ـ مضافاً إلى أن بعض الروايات الواردة في المقام مقيد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وكذا المأخوذ من سوق المسلمين .

(2) الوسائل 3 : 491 / أبواب النجاسات ب 50 ح 5 .

ــ[453]ــ

بسوق المسلمين (1) وهو يقتضي تقييد ما دلّ على اعتبار مطلق السوق بأسواق المسلمين ـ أن أدلة اعتباره ليست على نحو القضية الحقيقية بأن تدل على اعتبار كل ما وجد وصدق عليه أنه سوق ولو كان لغير المسلمين حتى يتوهّم أن سوقهم أمارة على وقوع التذكية على المشكوك دون شوارعهم وجاداتهم ، لدخالة السقف وخصوصيته في الاعتبار وذلك لأنه مقطوع الفساد ، وإنما الأدلة دلت على اعتباره على نحو القضية الخارجية لأن السوق في رواياته قد يراد به سوق الجبل واُخرى سوق آخر خارجي ، وتلك الأسواق الخارجية بأجمعها سوق المسلمين ولا إطلاق في القضايا الخارجية حتى يتمسك بها في إسراء حكمها إلى سوق غير المسلمين ، فما توهمه بعضهم من اعتبار السوق مطلقاً ولو كان لغير المسلمين تمسكاً في ذلك باطلاق رواياته مما لا مساغ له .

   فتحصل أن الأمارية تختص بأسواق المسلمين وهي أمارة على يد المسلم ، ومعنى كونها أمارة على ذلك عدم لزوم الفحص عن حال البائعين فيها وعدم وجوب السؤال عن أنهم مسلمون أو كفار ، إذ لو وجب ذلك للغي اعتبار عنوان السوق وسقط عن كونه أمارة ، لأن بالفحص يظهر أن البائع مسلم أو غير مسلم ويد الأول أمارة على التذكية بلا خلاف دون يد الثاني فما معنى اعتبار السوق حينئذ ، مع كثرة الأخبار الواردة في اعتباره . ففي صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق ؟ فقال : اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه» (2) .

   وفي صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية ، أيصلي فيها ؟ فقال : نعم ، ليس عليكم المسألة ، إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول : إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك»(3) وفي صحيحته الاُخرى عن الرضا (عليه السلام)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما عن فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم ، «أنهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللّحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصابون فقال : كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه» . المروية في الوسائل 24 : 70 / أبواب الذبائح ب 29 ح 1 .

(2) ، (3) الوسائل 3 : 490 / أبواب النجاسات ب 50 ح 2 ، 3 .

ــ[454]ــ

وكذا ما يوجد في أرض المسلمين مطروحاً إذا كان عليه أثر الاستعمال(1) ، لكن الأحوط الاجتناب .

   [ 171 ] مسألة 7  : ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في أرضهم محكوم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال : «سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف ، لا يدري أذكي هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلي فيه ؟ قال : نعم ، أنا أشترى الخف من السوق ويصنع لي واُصلي فيه وليس عليكم المسألة» (1) .

   بل وفي بعض الأخبار الحث والترغيب على معاملة الطهارة والذكاة مع ما يؤخذ من أسواق المسلمين فعن الحسن بن الجهم قال : «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : أعترض السوق فأشتري خفاً لا أدري أذكي هو أم لا ؟ قال : صل فيه قلت : فالنعل قال : مثل ذلك ، قلت إنى أضيق من هذا ، قال : أترغب عما كان أبو الحسن (عليه السلام) يفعله» (2) .

   وما ذكرناه ـ مضافاً إلى أنه من لوازم اعتبار السوق كما عرفت ـ هو الذي جرت عليه سيرة المسلمين لأنه لم يعهد منهم السؤال عن كفر البائع وإسلامه في شيء من أسواقهم ، وعليه فلا وجه للمناقشة في اعتبارها كما عن بعضهم .

   ثم ان أمّارية السوق لا يعتبر فيها الايمان لأن الأسواق في تلك الأزمنة كان أهلها من العامة الذين يرون طهارة الميتة بالدبغ لقلة الشيعة وتخفيهم في زمانهم (عليهم السلام) ومع هذا حكموا باعتبارها . هذه خلاصة أمّارات التذكية وسوف نستوفي البحث عنها في مبحث الصلاة إن شاء الله (3) .

    ما يوجد في أرض المسلمين :

   (1) وتدل عليه صحيحة إسحاق بن عمار المتقدمة كما عرفت وجهها آنفاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 3 : 492 / أبواب النجاسات ب 50 ح 6 ، 9 .

(3) في المسألة [ 1277 ]  .

ــ[455]ــ

بالنجاسة ((1)) إلاّ إذا علم سبق يد المسلم عليه (1) .

   [ 172 ] مسألة 8 : جلد الميتة لا يطهر بالدبغ (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المنع عن ترتيب آثار الطهارة فيما هو مفروض المسألة وإن كان بالاضافة إلى حرمة أكله وعدم جواز الصلاة فيه مما لا غبار عليه ، لأنه مقتضى أصالة عدم التذكية فان يد الكافر كلا يد ، إلاّ أنه بالاضافة إلى نجاسته وحرمة الانتفاع مما لا يمكن المساعدة عليه إذ ليست يد الكافر أمارة على أن ما فيها ميتة . نعم ، هي ليست بأمارة على التذكية فحسب واستصحاب عدمها لا يثبت أنه ميتة وهي الموضوع للحكم بالنجاسة وحرمة الانتفاع ، ومن هذا يظهر الحال في مثل الخف والجلد واللحم ونظائرها مما يجلب من بلاد الكفر فانّه إذا احتملنا سبقها بيد المسلم أو بسوقه يحكم بطهارتها وجواز الانتفاع بها ، إذ لا يترتب على أصالة عدم التذكية إلاّ حرمة أكلها وعدم جواز الصلاة فيها .

    عدم مطهّريّة الدبغ :

   (2) لم يستشكل أحد من الأصحاب في طهارة ميت المسلم بعد غسله كما لا  خلاف في أن ميتة غير الآدمي غير قابلة للطهارة بشيء ـ  في غير جلدها  ـ فهذان حكمان اتفاقيان بينهم ، وإنما النزاع والخلاف في جلد ميتة غير الآدمي وأنه هل يقبل الطهارة بالدبغ ؟

  ذهب أكثر العامّة إلى أن ذكاة الجلد دباغته (2) ولم ينقل ذلك من أحد من أصحابنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يخلو الحكم بالنجاسة من إشكال بل منع ، لأن النجاسة مترتبة على عنوان الميتة وهو لا يثبت باستصحاب عدم التذكية . نعم ، المأخوذ من يد الكافر أو ما يوجد في أرضهم لا يجوز أكله ولا الصلاة فيه ، وبذلك يظهر الحال في كل ما يشك في تذكيته وعدمها وإن لم يكن مأخوذاً من يد الكافر كاللّقطة في البر ونحوها في غير بلاد المسلمين .

(2) ذهبت الحنفية إلى أن الدباغ يطهر جلود الميتة إذا كانت تحتمل الدبغ ووافقتهم الشافعية على ذلك إلاّ أنهم خصوا الدبغ المطهر بما له خرافة ولذع في اللسان وأيضاً نسب القول بمطهرية الدبغ إلى المحققين من المالكية كما في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 26 ـ 27 .

ــ[456]ــ

سوى ابن الجنيد (1) وعن المحدث الكاشاني الميل إليه (2) وأيضاً نسب ذلك إلى الصدوق (قدس سره) نظراً إلى أنّ فتاواه تتحد غالباً مع الفقه الرضوي وقد ورد التصريح فيه بطهارة الجلد بالدبغ كما يأتي عن قريب ، ولأجل أنه (قدس سره) أفتى في مقنعه (3) بجواز التوضؤ من الماء إذا كان في زق من جلد الميتة ، فانّه لم يرد بذلك مطلق الميتة لأن القول بطهارتها مخالف للاجماع القطعي بينهم فيتعيّن إرادة الميتة المدبوغة لا محالة هذا .

   وقد استدل على ذلك باُمور :

   منها : مرسلة الصدوق «سئل الصادق (عليه السلام) عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ما ترى فيه ؟ فقال : لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ولكن لا تصلي فيها» (4) . فان إطلاقها وإن كان يشمل الميتات كلها سواء دبغت أم لم تدبغ إلاّ أن قيام الاجماع القطعي ودلالة الأخبار المتقدمة على نجاسة الميتة يجعلان الرواية صريحة في إرادة خصوص الميتة المدبوغة . هذا على أن الجلود تفسد وتنتن بمرور الزمان ولا يمكن ابقاؤها من غير دباغة فجعل الماء أو غيره في الجلد يكشف عن أنه كان مدبوغاً في مورد السؤال .

   ومنها : رواية الفقه الرضوي : دباغة الجلد طهارته (5) .

   ومنها : خبر الحسين بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللّبن أو الماء فأشرب منه وأتوضأ ؟ قال : نعم وقال : يدبغ فينتفع به ولا يصلّى فيه» الحديث (6) .

   ولا يخفى أن هذه الأخبار ـ مضافاً إلى ضعف أسنادها بل وعدم ثبوت كون بعضها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المختلف 1 : 342 .

(2) مفاتيح الشرائع 1 : 68 .

(3) المقنع : 18 .

(4) الوسائل 3 : 463 / أبواب النجاسات ب 34 ح 5 .

(5) فقه الرضا : 302 .

(6) الوسائل 24 : 186 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 7 .

ــ[457]ــ

رواية فلا يمكن الاعتماد عليها في الخروج عن عمومات نجاسة الميتة ـ معارضة بعدة روايات مستفيضة ، وفيها ما هو صريح الدلالة على عدم طهارة الجلد بالدباغة فتتقدم على تلك الأخبار ومعها لا مناص من حملها على التقية وإليك بعضها :

   منها : صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألته عن جلد الميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ ؟ قال : لا وإن دبغ سبعين مرة» (1) .

   ومنها : ما رواه علي بن أبي المغيرة قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الميتة ينتفع منها بشيء ؟ فقال لا ، قلت : بلغنا أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرّ بشاة ميتة فقال : ما كان على أهل هذه الشاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باهابها ؟ فقال : تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة زوجة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ما كان على أهلها إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باهابها أي تذكى» (2) فقد دلّت على حرمة الانتفاع باهاب الميتة سواء دبغ أم لم يدبغ .

   ومنها : خبر عبدالرحمن بن الحجاج قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) إني أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدّعون الاسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية ؟ فيقول : بلى فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية ؟ فقال : لا ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنها ذكية قلت : وما أفسد ذلك ؟ قال استحلال أهل العراق للميتة ، وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته ، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلاّ على رسول الله» (3).

   ومنها : ما عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الفراء فقال : كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلاً صرداً لا يدفئه فراء الحجاز لأن دباغها بالقَرَظ فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه ، فاذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 501 / أبواب النجاسات ب 61 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 502 / أبواب النجاسات ب 61 ح 2 ، وكذا 24 : 184 / أبواب الأطعمة المحرمة ب  34 ح 1 .

(3) الوسائل 3 : 503 / أبواب النجاسات ب 61 ح 4 .

ــ[458]ــ

ولا يقبل الطهارة شيء من الميتات سوى ميت المسلم ، فانّه يطهر بالغسل (1) .

   [ 173 ] مسألة 9 : السَّقط قبل ولوج الروح (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال : إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون أن دباغه ذكاته» (1) .

   ومنها : صحيحة أو موثقة أبي مريم قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) السخلة التي مرّ بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي ميتة ، فقال : ما ضر أهلها لو انتفعوا باهابها ، قال : فقال أبو عبدالله (عليه السلام) لم تكن ميتة يا أبا مريم ولكنها كانت مهزولة فذبحها أهلها فرموا بها ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما كان على أهلها لو انتفعوا باهابها» (2) .

   ومنها : موثقة سماعة قال : «سألته عن جلود السباع أينتفع بها ؟ فقال : إذا رميت وسميت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا» (3) هذا على أ نّا لو سلمنا مكافئتها مع الأخبار المتقدمة فتتعارضان والترجيح مع الطائفة الدالة على نجاسة الجلد ولو كان مدبوغاً لموافقتها السنة أعني عمومات نجاسة الميتة مطلقاً ، ومخالفتها للعامة كما مرّ .

   (1) قد عرفت أن المسألة اتفاقية وتشهد لها جملة من النصوص منها : رواية إبراهيم بن ميمون قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت ، قال : إن كان غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه ، يعني إذا برد الميت» (4) ومنها غير ذلك من الأخبار .

   (2) وأمّا بعده أي بعد ما تجاوز أربعة أشهر فلا إشكال في نجاسته لأنه ميتة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 462 / أبواب لباس المصلي ب 61 ح 2 .

(2) الوسائل 24 : 185 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 3 .

(3) الوسائل 3 : 489 / أبواب النجاسات ب 49 ح 2 ، وكذا 24 : 185 / أبواب الأطعمة المحرمة ب  34 ح 4 .

(4) الوسائل 3 : 461 / أبواب النجاسات ب 34 ح 1 .

ــ[459]ــ

نجس وكذا الفرخ في البيض ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   نجاسة الجنين :

   (1) قد استدل على نجاسة الجنين إذا سقط قبل ولوج الروح فيه بوجوه :

   الأوّل : أن الجنين حينئذ قطعة مبانة من الحي وقد تقدم أن حكمها حكم الميتة . واُجيب عنه :

   أولاً : بأن الجنين مخلوق مستقل نظير البيض في الدجاجة فلا يعد جزءاً من الحيوان أو الانسان .

   وثانياً : بأن الجنين على تقدير كونه جزءاً من اُمه فهو من الأجزاء التي لا تحلها الحياة ، وقد عرفت طهارتها .

   وثالثاً : بأنه لا إطلاق فيما دل على نجاسة القطعة المبانة من الحي حتى يتمسك به لأن أدلّتها منحصرة بالأخبار الواردة فيما تقطعه الحبال وما ورد في قطع إليات الغنم ولا يشمل شيء منهما المقام أعني ما لم يسبق بالحياة وكان ميتة من الابتداء .

   الثاني : ما استدل به المحقق الهمداني (قدس سره) (2) من قوله (عليه السلام) «ذكاة الجنين ذكاة اُمه» (3) بدعوى أن الرواية تدل على أن للجنين قسمين :

   أحدهما مذكى والآخر ميتة والأول هو ما ذكي اُمه والميتة منه هو ما لم تقع على اُمه ذكاة ، وحيث إن المفروض في إسقاط الجنين عدم تذكية اُمه فلا محالة يحكم بنجاسته لأنه ميتة .

   وهذا الاستدلال منه (قدس سره) غريب ، لأن غاية ما يمكن استفادته من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحكم بالنجاسة فيهما لا يخلو من إشكال ، والأحوط الاجتناب عنهما .

(2) مصباح الفقيه (الطهارة) : 538 السطر 27 .

(3) كما في صحيحة محمد بن مسلم وموثقة سماعة وغيرهما من الأخبار المروية في الوسائل 24 : 33 / أبواب الذبائح ب 18ح 3، 2.

ــ[460]ــ

الحديث أن الآثار المترتبة على تذكية الاُم تترتب على جنينها الخارج من بطنها ميتاً
وكذا آثار عدم التذكية مترتبة على الجنين الميت بموت اُمه إذا لم تقع عليها التذكية فالرواية إنما تعرضت لحكم الحيوان الميت في بطن اُمه ، وأمّا الجنين الخارج عن موضوع الحيوان لعدم ولوج الروح فيه وغير القابل للتذكية في نفسه فهو خارج عن مدلول الرواية رأساً .

   الثالث : أن الجنين من مصاديق الميتة حقيقة ، لأن التقابل بين الموت والحياة تقابل العدم والملكة فلا يتوقف صدق الموت على سبق الحياة ، كما أن صدق الموات في الأراضي لا يتوقف على سبق عمرانها وصدق العمى لا يتوقف على سبق البصر وإنما يعتبر فيه قابلية المحل فحسب ، وعليه فتصدق الميتة على الجنين لأنه من شأنه أن يكون ذا حياة .

   وردّ : بأنه ليس في شيء من أدلة نجاسة الميتة ما يشمل المقام ، حيث إنها إنما وردت في مثل الفأرة تقع في ماء أو زيت أو بئر أو الدابة الميتة ونحوهما مما كان مسبوقاً بالحياة ، فلا تشمل غير المسبوق بها كما في المقام .

   وفيه : أن هذا الجواب إنما يتم بالاضافة إلى بعض الأخبار الواردة في نجاسة الميتة ولا يتم بالنسبة إلى الجميع ، فان الجيفة في مثل صحيحة حريز عن الصادق (عليه السلام) «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب فاذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا توضأ منه ولا تشرب» (1) مطلقة تشمل الجنين ، لاشتماله على النتن بل ويشمل المذكى أيضاً إذا أنتن إلاّ أ نّا خرجنا عن اطلاقها في المذكى بما دلّ على طهارته مطلقاً ، وأمّا غيره فيبقى تحت إطلاقها ومنه الجنين . وظني أن هذا أحسن استدلال على نجاسة الجنين ، ومن ذلك يظهر حكم الفرخ في البيض ، لأنها أيضاً من الجيفة فلا مناص من الحكم بنجاسته ، هذا مضافاً إلى أن المسألة اجماعية كما ادعي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 137 / أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 .

 
 

ــ[461]ــ

   [ 174 ] مسألة 10 : ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة على الأقوى وإن كان الأحوط غسل الملاقي ، خصوصاً في ميتة الانسان قبل الغسل (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ملاقاة الميتة بلا رطوبة :

   (1) في المسألة أقوال عديدة .

   أحدها : ما ذهب إليه الكاشاني (قدس سره) من عدم نجاسة ميت الآدمي وإنما وجب غسله تعبداً أو أنه لجنابته الحاصلة بالموت (1) .

   وثانيها : ما نسب إليه أيضاً واختاره ابن إدريس في سرائره من أن الميت الآدمي وإن كان نجساً إلاّ أنه غير منجس لملاقيه ، سواء أ كانت الملاقاة قبل غسله وبرده أم بعدهما ، وإن لم يكن ظاهر كلامه المحكي مساعداً على هذه النسبة حيث قال : إذا لاقى جسد الميت إناء وجب غسله ولو لاقى ذلك الاناء مائعاً لم ينجس المائع لأنه لم يلاق جسد الميت انتهى . وظاهره أن ملاقي النجس غير منجس لا أن الميت ليس بنجس . نعم ، ذكر ذلك في طي استدلاله فراجع(2) .

   وثالثها : ما ذهب إليه المشهور من نجاسة الميتة مطلقاً آدمياً كان أم غيره ومنجسيتها فيما إذا كانت الملاقاة حال رطوبتها دون ما إذا كانت في حالة الجفاف .

   ورابعها : أن الميتة وإن كانت نجسة مطلقاً إلاّ أنها تمتاز عن بقية النجاسات في كونها منجسة سواء أ كانت الملاقاة معها في حال الرطوبة أم مع الجفاف ذهب إليه العلاّمة(3) والشهيدان(4) وغيرهم .

   وخامسها : أن ميت الآدمي نجس ومنجس لملاقيه مطلقاً كانت الملاقاة معه مع الرطوبة أم مع الجفاف . وهذا بخلاف سائر الميتات فانّها إنما تنجس الملاقي فيما إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مفاتيح الشرائع 1 : 660 .

(2) السرائر 1 : 163 .

(3) المنتهى 1 : 128 .

(4) الذكرى : 16 ، الروض : 114 السطر 8  .

ــ[462]ــ

كانت الملاقاة معها في حال الرطوبة كغيرها من النجاسات ، وهذا القول أيضاً نسب إلى العلاّمة وجماعة .

   هذه هي أقوال المسألة والصحيح منها ما ذهب إليه المشهور وأفتى به في المتن كما سيظهر وجهه .

   أمّا القول الأوّل : فيندفع بما ورد من الأمر بغسل ما لاقاه ميت الآدمي من الثوب واليد وغيرهما ، لأن ظاهره الارشاد إلى نجاسة الميت الموجبة لنجاسة ملاقيه ، ومن ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال : يغسل ما أصاب الثوب» (1) ورواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة (2) وغيرهما من الأخبار .

   ودعوى : أن الأمر بغسل ما لاقاه الميت أمر تعبدي لا يستكشف به نجاسته غير مسموعة ، لأن لازمها عدم امكان القول بنجاسة أكثر النجاسات ، لأ نّا إنما استفدناها من الأوامر الواردة بغسلها أو بغسل ما يلاقيها إلاّ في موارد نادرة ومنها الكلب حيث صرح بنجاسته في بعض أخبارها بقوله : رجس نجس (3) ، فلا بدّ حينئذ من التزام طهارة غير الميت أيضاً من الأعيان النجسة من غير اختصاصها بميت الآدمي .

   وأمّا القول الثاني : فيتوجه عليه ما قدمناه من الروايات ، لأنها ظاهرة في نجاسة الميت ومنجسيته للملاقي وإنكار دلالتها على ذلك مكابرة واضحة .

   وأمّا القول الرابع : وهو دعوى منجسية الميتة لملاقيها مطلقاً ولو مع الجفاف فقد استدل عليه باطلاق الأخبار الواردة في وجوب غسل ما يلاقي الميتة لعدم تقيدها بحالة الرطوبة . والجواب عن ذلك بوجوه :

   الأوّل : أن إطلاقات الروايات منصرفة إلى صورة الملاقاة مع الرطوبة ، لأن هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 462 / أبواب النجاسات ب 34 ح 2 .

(2) الوسائل 3 : 461 / أبواب النجاسات ب 34 ح 1 .

(3) وهو صحيح الفضل أبي العباس المروية في الوسائل 1 : 226 / أبواب الأسآر ب 1 ح 4 ، وكذا في الوسائل 3 : 413 / أبواب النجاسات ب 11 ح 1 .

ــ[463]ــ

هو المرتكز في الأذهان ، والارتكاز العرفي مانع عن انعقاد الظهور في روايات الباب في الاطلاق .

   الثاني : أن الأخبار ـ لو قلنا باطلاقها ـ معارضة بما رواه ابن بكير : «كل شيء يابس زكي» (1) والنسبة بينهما عموم من وجه ، لظهور أن المطلقات تقتضي نجاسة ملاقي الميتة مطلقاً كانت الملاقاة في حال رطوبتها أم في حال جفافها ولكنها مختصة بالميتة فحسب ، والرواية تعم الميتة وغيرها وتختص باليابس فقط ، فتتعارضان في مادّة اجتماعهما وهي صورة ملاقاة الميتة مع الجفاف وتتقدم الرواية على المطلقات ، لما ذكرناه في محله من أن ما كانت دلالته بالعموم لقوته تتقدم على ما كانت دلالته بالاطلاق (2) ومعه لا تصل النوبة إلى تساقطهما حتى يرجع إلى قاعدة الطهارة .

   الثالث : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت ، هل تصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله ؟ قال : ليس عليه غسله وليصل فيه ولا بأس» (3) فانّها دلت باطلاقها على عدم منجسية الميتة لملاقيها كانت الملاقاة في حال الرطوبة أم في حالة الجفاف ، والنسبة بينها وبين ما دلت على نجاسة الميتة مطلقاً هي التباين ، إلاّ أن الأخبار الآمرة بغسل ما يلاقي الماء أو السمن الذي تقع فيه الفأرة وتموت الدالة على نجاسة ملاقي الميتة الرطبة (4) قد قيدت إطلاق الصحيحة بما إذا كانت ميتة الحمار يابسة ، وبهذا انقلبت النسبة بينها وبين المطلقات من التباين إلى العموم المطلق ، لأن الصحيحة بعد تقييدها بالميتة الجافة تكون أخص مطلقاً من المطلقات ، فتقيد دلالتها على نجاسة الميتة بما إذا كانت رطبة وهذا هو انقلاب النسبة الذي صححناه في محلّه .

   وبما ذكرناه في جواب هذا القول يظهر الجواب عن القول الخامس أيضاً ، وهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 351 / أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5 .

(2) مصباح الاُصول 3 : 377 .

(3) الوسائل 3 : 442 / أبواب النجاسات ب 26 ح 5 .

(4) كموثقة عمار المروية في الوسائل 1 : 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

ــ[464]ــ

   [ 175 ] مسألة 11 : يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده فلو مات بعض الجسد ولم تخرج الروح من تمامه لم ينجس (1) .

   [ 176 ] مسألة 12 : مجرّد خروج الروح يوجب النجاسة وإن كان قبل البرد من غير فرق بين الانسان وغيره (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دعوى نجاسة ملاقي الميت الآدمي مطلقاً مستنداً في ذلك إلى التوقيعين (1) وغيرهما من الأخبار الآمرة بغسل ملاقي الميت مطلقاً (2) فانّه يندفع أوّلاً : بانصراف المطلقات إلى صورة رطوبة الميت بالارتكاز . وثانياً : أنها ـ  على تقدير تسليمها  ـ معارضة برواية ابن بكير المتقدمة والترجيح مع الرواية ، لأن دلالتها بالعموم .

    اشتراط خروج الروح عن تمام الجسد

   (1) والوجه في ذلك أن أدلة نجاسة الميتة إنما تقتضي نجاستها فيما إذا صدق أن الحيوان أو الانسان قد مات ، وهذا لا يكون إلاّ بخروج الروح عن تمام بدنه كما هو ظاهر ما ورد في نجاسة مثل الفأرة إذا وقعت في ماء أو بئر وماتت ، وعليه فلو كنّا نحن وهذه الأخبار التزمنا بطهارة الأجزاء المبانة من الحي ، لأنها ليست بحيوان خرج روحه عن تمام جسده ، إلاّ أن الأدلة اقتضت نجاستها ، حيث نزلتها منزلة الميتة كما قدّمناها في محلّها .

   وأمّا إذا خرج الروح من بعض أعضاء الانسان أو الحيوان وهو متصل بهما فلا يحكم بنجاسته ، لعدم كونه ميتة ولم يقم دليل على نجاسته .

    نجاسة الميتة قبل البرد :

   (2) لاطلاقات أدلة نجاسة الميتة من الحيوان والانسان منها صحيحة الحلبي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي أحدهما : ليس على من نحّاه إلاّ غسل اليد ... وفي الآخر : إذا مسّه على (في) هذه الحال لم يكن عليه إلاّ غسل يده . المرويين عن احتجاج الطبرسي في الوسائل 3 : 296 / أبواب غسل المس ب  3 ح 4 ، 5 .

(2) كصحيحة الحلبي المتقدِّمة في ص 462 .

ــ[465]ــ

المتقدِّمة (1) وقد دلت على وجوب غسل الثوب الذي لاقى جسد الميت من غير تقييده بما إذا كان بعد البرد . وذهب الشيخ (قدس سره) (2) وجماعة إلى عدم نجاسة ميت الآدمي قبل برده بل نسب ذلك إلى الأكثر واستدل عليه بوجوه :

   الأوّل : دعوى عدم صدق الميت مع حرارة البدن ، لعدم انقطاع علقة الروح ما  دامت الحرارة باقية .

   ويندفع : بأن لازم ذلك عدم ترتب شيء من أحكام الموت على الميت قبل برده من دفنه وغسله والصلاة عليه ، ولا نعرف في جواز ترتبها عليه حينئذ مخالفاً من الأصحاب ، كما يلزمه الالتزام بالطهارة وعدم الموت في ميتة سائر الحيوانات أيضاً قبل بردها ولم يلتزم بذلك أحد .

   الثاني : دعوى الملازمة بين الغَسل ـ بالفتح ـ والغُسل ـ بالضم ـ فكما لا يجب الثاني قبل برد الميت فكذلك الأول .

   ويتوجه عليه : أن الملازمة لم تثبت بينهما بل لا نشك في عدمها لأن مقتضى إطلاقات الأخبار وجوب الغَسل ـ بالفتح ـ من حين طرو الموت كما أن مقتضى صريح الروايات اختصاص وجوب الغُسل ـ بالضم ـ بما بعد برده ، فأين الملازمة بينهما ؟

   الثالث : ما ورد في ذيل رواية إبراهيم بن ميمـون المتقدِّمة (3) من قوله (عليه السلام) «يعني إذا برد الميت» ، فانّه صريح في عدم وجوب غسل ملاقي الميت قبل برده .

   وفيه : أن من البعيد أن تكون هذه الجملة من كلام الإمام (عليه السلام) والمظنون بل المطمأن به أنها من كلام الراوي ، فانّها لو كانت من كلامه (عليه السلام) لم يكن يحتاج إلى ضم كلمة التفسير وهي قوله : يعني ، بل كان اللازم حينئذ أن يقول : إذا برد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 462 .

(2) المبسوط 1 : 37 .

(3) في ص 458 .

ــ[466]ــ

   ويؤيد ذلك أن الرواية نقلها الكليني في موضعين من كتابه بطريقين وهي وإن كانت مذيلة بالجملة المتقدمة في أحدهما (1) وهي التي نقلها عنه صاحب الوسائل (قدس سره) إلاّ أنها غير مذيلة بها في الموضع الآخر (2) فراجع فهذا الوجه ساقط .

   الرابع : صحيحة إسماعيل بن جابر قال : «دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبّله وهو ميت فقلت : جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد ما يموت ، ومن مسه فعليه الغسل ؟ فقال : أمّا بحرارته فلا  بأس إنما ذاك إذا برد» (3) بتقريب أن ظاهر نفي البأس عن مس الميت قبل برده عدم ترتب أثر عليه من النجاسة ووجوب الغسل لعدم احتمال حرمة تقبيل الميت ـ  كحرمة الغيبة وقتل النفس  ـ قبل برده .

   ويرد عليه : أن الرواية ناظرة إلى نفي الباس من ناحية لزوم الغُسل ـ  بالضم  ـ وهو الذي وقع مورد السؤال في كلام السائل ، ودلت على عدم وجوب الغُسل ـ  بالضم  ـ قبل برده ، ولا نظر لها إلى نفي نجاسته وعدم وجوب الغَسل ـ  بالفتح  ـ بملاقاته وحالها حال غيرها من الأخبار الواردة في نفي وجوب الغُسل ـ  بالضم  ـ بتقبيل الميت قبل برده كما في رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في حديث «وإن قبّل الميت انسان بعد موته وهو حار فليس عليه غسل ...» (4) .

   على أنه لم تفرض في الرواية رطوبة الميت حال تقبيله وإنما نفت البأس عن مسه فحسب ولا ينافي هذا نجاسته ومنجسيته على تقدير رطوبته .

   الخامس : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس» (5) حيث دلت على عدم نجاسة الميت قبل برده بعين التقريب المتقدم في الرواية السابقة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3 : 61 / 5 .

(2) الكافي 3 : 161 / 7 .

(3) الوسائل 3 : 290 / أبواب غسل المس ب 1 ح 2 .

(4) الوسائل 3 : 293 / أبواب غسل المس ب 1 ح 15 .

(5) الوسائل 3 : 295 / أبواب غسل المس ب 3 ح 1 .

ــ[467]ــ

   وترد على هذا الاستدلال اُمور :

   الأوّل : أن الإمام (عليه السلام) إنما نفى البأس عن المس والقُبلة عند الموت أي في حالة النزع ـ  أعاذنا الله لديه  ـ لا بعد الموت ، ومن الظاهر أن الآدمي غير محكوم بالنجاسة حينئذ فالرواية خارجة عن محل الكلام ، وهو مس الميت قبل برده .

   الثاني : أن الرواية إنما نفت البأس عن المس والقبلة بلحاظ ذاتهما ، وقد دلت على أنهما غير موجبين لشيء ، وهو لا ينافي اقتضاءهما للنجاسة بلحاظ رطوبة الميت .

   الثالث : وهو الأولى في الجواب أن الصحيحة ـ  على تقدير تسليم دلالتها  ـ إنما تدل على عدم نجاسة الميت حينئذ باطلاقها من حيث رطوبته وجفافه ، لعدم صراحتها في ذلك وقد قدمنا أن صحيحة الحلبي الواردة في لزوم غسل الثوب الذي أصاب الميت مختصة بصورة رطوبته ، وذلك إما للقرينة الداخلية والانصراف أو للقرينة الخارجية أعني رواية ابن بكير المتقدِّمة (1) وعليه فصحيحة الحلبي تقيد الصحيحة بما إذا كانت القبلة أو المس قبل البرد مع الجفاف دون ما إذا كانت مع الرطوبة ، فالصحيح أن نجاسة الميت غير مختصة بما بعد برده .

   ثم إن هذا الحكم مطرد في جميع أفراد الآدميين إلاّ الأئمة (عليهم السلام) للأدلة الدالة على طهارة أبدانهم مطلقاً . وأمّا الشهيد فلم يقم دليل على طهارة بدنه بعد موته ، وإطلاق ما دلّ على نجاسة الميت تقضي بنجاسته وذهب صاحب الجواهر (قدس سره) إلى طهارة الشهيد وعدم نجاسته بالموت (2) . وما ذهب إليه وإن كان يساعده الذوق إلاّ أن مقتضى القواعد الشرعية عدم الفرق بينه وبين غيره .

   وعدم وجوب تغسيله ليدفن بدمائه وثيابه ويحشر يوم القيامة على الحالة التي دفن بها لا ينافي الحكم بنجاسة بدنه بالموت كالحكم بنجاسته بملاقاة الدم بناء على طهارة بدنه في نفسه ، أجل ، نلتزم بعدم نجاسة المرجوم أو المقتص منه بالموت ، لأنه مغسّل حقيقة فان الشارع قدّم غسله على موته .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 463 .

(2) الجواهر 5 : 307 .

ــ[468]ــ

نعم ، وجوب غسل المس للميت الانساني مخصوص بما بعد برده (1) .

   [ 177 ] مسألة 13 : المضغة نجسة ((1)) وكذا المشيمة ، وقطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل (2) .

   [ 178 ] مسألة 14 : إذا قُطع عضو من الحي وبقي معلقاً متصلاً به فهو طاهر ما دام الاتصال ، وينجس بعد الانفصال. نعم، لو قطعت يده مثلاً وكانت معلقة بجلدة رقيقة فالأحوط الاجتناب((2))(3).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) كما يأتي في محله .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net