جواز الاجتزاء بنيّة واحدة لشهر رمضان كلّه ، وفي غيره لا بدّ من نيّة لكلّ يوم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4628


ــ[61]ــ

   [ 2374 ] مسألة 15 : يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكل يوم نيّة على حدة (1) .

   والأولى أن ينوي صوم الشهر جملةً ويجدّد النيّة لكلّ يوم، ويقوى الاجتزاء بنيّة واحدة للشهر كلّه ، لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكلّ يوم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وهو ـ كما ترى ـ لم يظهر له أيّ وجـه ، لوضوح عدم منافاة الإتـيان به لا للنيّة على ما عرفت من معناها ولا للمنوي ، إذ المأمور به هو الإمساك في النهار لا في الليل ، إذ لم ترد ولا رواية واحدة تدلّ على لزوم الإمساك فيه بعد النيّة ، بل قد قام الدليل على العدم ، وقد ثبت استحباب الجماع في الليلة الاُولى الشامل بإطـلاقه حتّى لما بعد النيّة . فكلام الشهيد عار عن كلّ دليل كما هو ظاهر .

   وملخصّ الكلام في ردّ مقالة الشهيد : أنّ ناوي الصيام في الليل إن نواه من الآن فهو تشريعٌ محرّم ، وإن نواه من الفجر فلا ينافيه تناول المفطر قبله كي يحتاج إلى تجديد النيّة كما هو أظهر من أن يخفى .

   (1) تقدّم شطرٌ من الكلام حول هذه المسألة، وذكرنا أنّ ظاهر الآية المباركة تعلّق الأمر بصوم شهر رمضان بكامله من أوّل الأمر على نحو الواجب التعليقي ، ولكن من الضروري عدم كون المجموع واجباً واحداً ارتباطيّاً بحيث لو أفطر يوماً ـ لعصيان ونحوه ـ بطل الكلّ كما هو شأن الواجب الارتباطي ، بل هناك أوامر عديدة قد تعلّقت بأيّام متعدّدة كلّ منها واجب مستقلّ بحياله على سبيل الانحلال الحقيقي وإن حدث الكلّ من أوّل الشهر .

   وعليه ، فلا فرق بين أن ينوي لكلّ يوم في ليلته ، نظراً إلى تعلّق الأمر به

ــ[62]ــ

بخصوصه ، وبين أن يقتصر على نيّة واحدة للكلّ في اللّيلة الاُولى مع بقاء تلك النيّة وارتكازها في ذهنه إلى آخر الشهر ، نظراً إلى حلول جميع تلك الأوامر في اللّيلة الاُولى ، فيصحّ كلا الأمرين كلٌّ باعتبار .

   والحاصل : أنّ ظرف العمل متأخّر عن زمان حدوث الأمر وبينهما فاصل زماني ، فالواجب تعليقي على كلّ حال ، غاية الأمر أنّ الفصل قد يكون قليلا وبمقدار بضع ساعات فيما لو نوى صوم الغد بخصوصه ، وقد يكون أكثر فيما لو نوى صوم الأيام الآتية ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة وله اختيار أيٍّ منهما شاء ، فيمكن نيّة الكلّ جملةً مع بقاء النيّة الارتكازيّة في اُفق النفس إلى آخر الشهر ، كما يمكن نيّة الغد بخصـوصه ، لتردّده في صوم بعد الغد لأجل احتمال السفر ونحوه ـ مثلا ـ فيوكل نيّة الأيام الآتية إلى ظرفها .

   نعم ، الأحوط الأولى الجمع بين الأمرين ، فينوي صوم الشهر جملةً ويجدّد النيّة لكلّ يوم ، لما ذكره بعضهم من لزوم النيّة في كلّ ليلة .

   وعلى كلّ حال ، فلا يحتمل أن يكون صوم شهر رمضان واجباً واحداً ارتباطيّاً كي تجب نيّة الكلّ من الأول ، لأجل عدم جواز تفريق النيّة على أجزاء العبادة الواحدة ، ضرورة أنّها واجبات عديدة اسـتقلاليّة ، ولكلّ يوم حكم يخصّه من الثواب والعقاب والكفّارة الإفطار والإطاعة والعصيان ونحو ذلك ممّا هو من شؤون تعدّد العبادة ، غاية الأمر أنّ هذه الأوامر قد حدثت بأجمعها من الأول على سبيل الانحلال ، وبهذا الاعتبار صحّت النيّة بكلّ من النحوين ، فله قصد الجميع من الأول ، كما أنّ له نيّة كلّ يوم بخصوصه حسبما عرفت .

 

ــ[63]ــ

   وأمّا في غير شهر رمضان ((1)) من الصوم المعيّن فلا بّد من نيّة لكلّ يوم إذا  كان عليه أيّام كشهر أو أقلّ أو أكثر (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) كأن هذه المسألة ممّا وقع التسالم عليها، بل صرّح في الجواهر بعدم وجدان الخلاف(2)، وبذلك يفترق رمضان عن غيره من الواجب المعيّن بنذر ونحوه إذا كان عليه أيام عديدة كشهر أو أقلّ أو أكثر ، فيجتزئ بنيّة واحدة في الأوّل دون الثاني .

   أقول : لو كان الاجتزاء في شهر رمضان ثابتاً بدليل خاصّ وكان مقتضى القاعدة عدم الاجتزاء ، لكان اللازم ما ذكر من الاقتصار على رمضان ، جموداً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مقدار قيام الدليل ، لكنّك عرفت أنّ الحكم فيه هو مقتضى القاعدة ، من غير أن يستند إلى دليل بالخصوص ، حيث إنّ الأمر بصوم الشهر كلّه قد حدث من الأوّل بمقتضى قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْـهُ )(3) ، وكذا الروايات ، فتعلّق عندما هلّ هلال الشهر ثلاثون أو تسعة وعشرون أمراً بعدد الأيام على سبيل الواجب التعليقي وإن اُنشئ الكلّ بإنشاء واحد ، ولكنّها تنحلّ إلى أوامر عديدة استقلالية لكلّ منها إطاعة وعصيان مغاير للآخر .

   ولأجله كان مقتضى القاعدة جواز الاكتفاء بنيّة واحدة على ما سبق في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر عدم الفرق بين صوم رمضان وصوم غيره في ذلك إذا كان الوجوب فعلياً من دون فرق بين أن يكون مجموع الشهر مثلا واجباً بسبب واحد أو أسباب متعدّدة .

(2) جواهر الكلام 16 : 202 .

(3) البقرة 2 : 185 .

ــ[64]ــ

معنى النيّة المعتبرة في باب الصوم من العزم والبناء على عدم الإتيان بالمفطرات في ظرفها غير المنافي لكون الترك غير اختياري له لنوم أو عجز ونحو ذلك ، فيكتفي باستناد الترك إلى الصائم بنحو من الاستناد ، أي يبني على أن لا يرتكب تلك الاُمور باختياره قاصداً به التقرّب .

   ومن هنا ذكرنا فيما تقدّم عدم الحاجة إلى تجديد النيّة في الليلة الثانية ، فلو نام نهار اليوم الأوّل ولم يستيقظ إلاّ بعد الفجر من اليوم الثاني صحّ صومه ، استناداً إلى النيّة الحاصلة في الليلة الاُولى ، الباقية بطبيعة الحال ،فإذا كان هذا مقتضى القاعدة في صوم رمضان ثبت في غير رمضان أيضاً بمناط واحد ، ولا نظنّ أنّ هناك إجماعاً تعبّديّاً استند إليه الفقهاء في الحكم بالتفرقة ، بل إنّهم بنوا ذلك على مقتضى القاعدة حسبما أدّى إليه نظرهم ، وإلاّ فالاجماع التعبّدي لعلّه مقطوع العدم .

   وقد عرفت أنّ القاعدة تقتضي الاجتزاء حتّى في غير رمضان ، لفعلية الأمر المتعلّق بالواجب المتأخّر ، كما في نذر صوم شهر ـ  مثلا  ـ وكوجوب صوم اليوم الثالث من الاعتكاف ، فلو اعتكف يومين كان الأمر بالثالث ثابتاً من الأوّل ، فيكتفي بتلك النيّة السابقة ، فلو نام في اليوم الثاني ولم يستيقظ إلاّ بعد الفجر من الثالث صحّ صومه وإن لم يجدّد النيّة ليلته .

   والحاصل : أ نّه لا فرق بين رمضان وغيره في جواز الاجتزاء بنيّة واحدة ، لعدم ورود رواية خاصّة في الأوّل ، ومقتضى القاعدة الصحّة في الجميع ، لكن على ما بيّناه سابقاً ـ  من اعتبار صدور النيّة بعد فعليّة الأمر لا قبلها  ـ لا تكفي النيّة قبل حلول رمضان ، فلاحظ .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net