مسائل في القيء 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 12084


ــ[258]ــ

   [ 2456 ] مسألة 73 : إذا دخل الذباب في حلقـه وجب إخراجه مع إمكانه(1) ، ولا يكون من القيء ، ولو توقّف إخراجه على القيء سقط وجوبه وصحّ صومه .

   [ 2457 ] مسألة 74 : يجوز للصائم التجشّؤ اختياراً وإن احتمل خروج شيء من الطعام معه ، وأمّا إذا علم بذلك فلا يجوز((1)) (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لكونه في حدّ نفسه من المحرّمات ، نظراً إلى عدم كونه من المذكّى ، فلا يجوز ابتلاعه والتمكين من وصوله إلى الجوف ، سواء صدق عليه الأكل أم لا كما لا يخفى ، فما لم يدخل المعـدة ليس له أن يبتلعه ، بل يجب إخـراجه حذراً عن ارتكاب الحرام ، وحيـنئذ فإن أمكن إخراجه بغير القيء فلا إشـكال ، وأمّا لو توقّف على القيء فلا محالة يقع التزاحم بين الحكمين ـ أعني : حرمة الابتلاع ، وحرمة إبطال الصوم بالتقيّؤ ـ ولا يمكن الجمع بينهما ، فإمّا أن يتقيأ مقدّمةً لترك الحرام ، أو يرتكب الحرام مقدّمةً للإمساك عن القيء الواجب ، وقد ذكر (قدس سره) أ نّه يبتلعه ويصحّ صومه ، والوجه فيه : أنّ الصوم من الفرائض التي بني عليها الإسلام ، فهو أهمّ في نظر الشرع من ابتلاع الذباب الذي هو جرمٌ صغير، وليست حرمته في الأهمّيّة كوجوب الصوم ، ولا أقلّ أ نّه محتمل الأهمّيّة دون الآخر ، فيتقدّم الصوم لا محالة ، وما ذكره (قدس سره) وجيهٌ جدّاً وفي محلّه .

   (2) تقدّم أنّ المبطل إنّما هو التقيّؤ ، وأمّا التجشّؤ المعبَّر عنه بالقلس أيضاً فلا بأس به .

   هذا فيما إذا لم تعلم بخروج شيء إلى الفم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

ــ[259]ــ

   [ 2458 ] مسألة 75: إذا ابتلع شيئاً سهواً فتذكّر قبل أن يصل إلى الحلق(1) وجب أخراجه وصحّ صومه ، وأمّا إن تذكّر بعد الوصول إليه فلا يجب، بل لايجوز إذا صدق عليه القيء، وإن شكّ في ذلك فالظاهر وجوب إخراجه أيضاً مع إمكانه ، عملا بأصالة عدم الدخول((1)) في الحلق .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا إذا علم بذلك فقد حكم (قدس سره) بعدم الجواز حينئذ ، لكنّه لم يظهر لنا وجهه ، فإنّ الروايات مختّصة بالقيء ، فكلّ ما ليس بقيء لابأس به ، والمفروض أنّ التجشّؤ ليس منه ، فيشمله عموم : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب» ، فإنّ هذا العموم هو المحكّم مالم يثبت التخصيص كما في الكذب ونحوه ، على أنّ الدليل على عدم البأس بالتجشّؤ موجود ، بل قد تضمّن التصريح بعدم البأس وإن نزل قهراً ما خرج من الجوف إلى الفم . نعم ، في الرجوع الاختياري كلامٌ قد تقدّم ، وأمّا غير الاختياري فلا ينبغي أن يكون محلاًّ للكلام .

   فتحصّل : أنّ الظاهر عدم البطلان في التجشّؤ الاختياري ، سواء علم برجوع شيء إلى فضـاء الفم وعوده إلى الداخل أم لا ، أخذاً بعموم حصر المفطر كما عرفت .

   (1) قد عرفت أنّ المفطر إنّما هو الأكل العمدي ، فالسهوي منه لا ضير فيه . وعليه ، فلو ابتلع سهواً فتذكّر : فإن كان ذلك قبل الوصول إلى منتهى الحلق بحيث يصدق تعمّد الأكل على ابتلاع مثله بقاءً وإن لم يكن كذلك حدوثاً ، فلا إشكال حينئذ في وجوب الإخراج وعدم جواز الابتلاع ، لاسـتلزامه بطلان الصوم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا أثر لهذا الأصل ورعاية الاحتياط أولى .

ــ[260]ــ

   [ 2459 ] مسألة 76 : إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلا بالصلاة الواجبة فدخل في حلقه ذباب أو بَقّ أو نحوهما أو شيء من بقايا الطعام الذي بين أسنانه (1) وتوقّف إخراجه على إبطال الصلاة بالتكلّم بـ «أخ» أو بغير ذلك: فإن أمكن التحفّظ والإمساك إلى الفراغ من الصلاة وجب((1)).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا لو كان ذلك بعد الوصول إليه ، فلا يجب الإخراج ، لعدم كون الابتلاع بعد الوصول إلى هذا الحدّ مصداقاً للأكل ، وإنّما كان أكلاً قبل ذلك والمفروض عدم التعمّد إليه ، فما هو أكل لا عمد فيه ، وما تعمّد إليه لم يكن من الأكل في شيء ، فلا يجب الإخراج ، بل لا يجوز إذا صدق عليه القيء ، لأ نّه تعمّد إليه ، وهو بنفسه موجب للبطلان .

   هذا كلّه في فرض العلم ، وأمّا لو شكّ في ذلك وأ نّه هل وصل الحدّ ودخل الحلق كي لا يجب الإخراج أو لا كي يجب ، فقد ذكر الماتن وجوب إخراجه حينئذ أيضاً مع إمكانه ، استناداً إلى أصاله عدم الدخول في الحلق .

   أقول : الظاهر أنّ الأصل ممّا لا أصل له ، ضرورة أنّ الموضوع للبطلان إنّما هو الأكل والشرب ، وعدم الدخول في الحلق في نفسه ممّا لا أثر له .

   نعم ، لازم عدم الدخول المزبور كون ابتلاعه أكلا أو شرباً ، ومن المعلوم أنّ هذا اللازم لا يثبت بالأصل المذكور إلاّ على القول بحجّيّة الاُصول المثبتة الذي هو خلاف التحقيق ، ولا يقول به السيّد (قدس سره) أيضاً .

   (1) فإن أمكن إخراجه من غير إبطال الصلاة فلا إشكال ، وإلاّ بأن توقّف الإخراج على الإبطال ولو لأجل التـكلّم بـ «أخ» ونحو ذلك : فإن تمـكّن من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط في سعة الوقت .

 
 

ــ[261]ــ

وإن لم يكن ذلك ودار الأمر بين إبطال الصوم بالبلع أو الصلاة بالإخراج : فإن لم يصل إلى الحدّ من الحلق ـ كمخرج الخاء ـ وكان ممّا يحرم بلعه في حدّ نفسه كالذباب ونحوه وجب قطع الصلاة بإخراجه ولو في ضيق وقت الصلاة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التحفّظ والإمساك إلى الفراغ من الصلاة فلا إشكال أيضاً ، فيلزمه الحفظ حذراً عن قطع الصلاة .

   وأمّا إذا لم يتمكّن من ذلك أيضاً بحيث دار الأمر بين إبطال الصوم بالبلع أو الصلاة بالإخراج ، فللمسألة صور ، إذ الداخل في الحلق قد يكون شيئاً يحرم أكله في نفسه كالذباب ـ لكونه من غير المذكّى كما مرّ ـ واُخرى ممّا يحلّ أكله ـ  مع قطع النظر عن الصوم  ـ كبقايا الطعام ، وعلى التقديرين : فإمّا أن يكون قد وصل الحدّ من الحلق ـ كمخرج الخاء ـ بحيث لا يصدق الأكل على ابتلاعه ، واُخرى لم يصل ، فكان الابتلاع مصداقاً للأكل ، فالصور أربع :

   الاُولى : ما إذا حرم أكله في نفسه ولم يصل الحدّ من الحلق :

   أمّا إذا كان في سعة الوقت ولو بإدراك ركعة منه فلا ينبغي التأمل في لزوم قطع الصلاة ، إذ لا مزاحمة حينئذ بينها وبين الصيام ، ومعلومٌ أنّ دليل حرمة القطع على تقدير تماميّته غير شامل للمقام ، فإنّه الإجماع ، وهو دليل لبّي لا يعمّ موارد الحاجة إلى القطع ، والفرار عن الحرام ـ أعني : إبطال الصيام ـ من أظهر مصاديق الحاجة .

   وأمّا في الضيق فتقع المزاحمة بين الصلاة وبين الصيام مقروناً بالاجتناب عن الحرام ، بمعنى : أ نّه يدور الأمر بين ترك الصلاة وبين ترك الصيام المنضمّ إلى ارتكان الحـرام ـ أعني : ابتلاع ما هو محرّم في نفسـه ـ فالأمر دائر بين ترك واجب وبين ترك واجب مع فعل محرّم ، ولا ينبغي التأمّل في أنّ الثاني أهمّ ،

ــ[262]ــ

وإن كان ممّا يحلّ بلعه في ذاته (1) ـ كبقايا الطعام ـ ففي سعة الوقت للصلاة ولو بإدراك ركعة منه يجب القطع والإخراج، وفي ضيق الوقت يجب البلع وإبطال الصوم تقديماً لجانب الصلاة ، لأهمّيّتها .

   وإن وصل إلى الحدّ فمع كونه ممّا يحرم بلعه (2) وجب إخراجه بقطع الصلاة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإنّ الصلاة وإن كانت في نفسها أهمّ من الصـوم بوحدته إلاّ أ نّه بعد فرض انضمامه إلى فعل المحرّم يكون المجـموع ـ أعني : فعل الصـوم المنضمّ إلى ترك الابتلاع المحرّم ـ أهمّ من فعل الصلاة وحدها ، إمّا قطعاً ، أو لا أقلّ من احتماله ـ ولا عكس  ـ فيتقدّم لا محالة ، فيجب عليه رفع اليد عن الصلاة والمحافظة على الصيام وعلى الاجتناب عن الأكل الحرام ، ثم التصدّي لقضاء الصلاة خارج الوقت .

   (1) الثانية : ما إذا حلّ أكله مع عدم الوصول إلى الحلق كبقايا الطعام ، وحيث إنّ الأمر دائر حينئذ بين إبطال الصلاة وبين إبطال الصيام فقط ، والمفروض ضيق الوقت حتى عن الركعة ـ وأمّا مع السـعة فقد ظهر حكمه ممّا مرّ ـ فلا مناص من اختيار الثاني ، إذ لا ريب أنّ الصلاة أهمّ من الصوم ، كيف ؟! وأنّها عمود الدين وأساس الإسلام وبها يمتاز المسلم عن الكافر كما ورد كلّ ذلك في النصّ ، ومع التنزّل فلا أقلّ من كون المقام من موارد الدوران بين التعيين والتخيير ، إذ لا يحتمل تقديم الصوم جزماً ، والمقرّر في محلّه أنّ الدوران المزبور في المسألة الفقهـيّة موردٌ للبراءة في غير موارد المزاحمة ، وأمّا فيها ـ كالمقام ـ فالمتعيّن هو تقديم محتمل التعيّن ، وهو الصلاة كما عرفت .

   (2) وممّا ذكرنا يظهر الحال في الصورة الثالثة، وهي ما إذا حرم أكله في نفسه ـ أي التمكين من وصوله إلى الجوف ـ مع وصوله الحدّ من الحلق ، فإنّ

ــ[263]ــ

وإبطالها على اشكال((1))، وإن كان مثل بقايا الطعام(1) لم يجب وصحّت صلاته ، وصحّ صومه على التقديرين ، لعدم عدّ إخراج مثله قيئاً في العرف .

   [ 2460 ] مسألة 77 : قيل : يجوز ((2)) للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه ويخرجه عمداً . وهو مشكل (2) مع الوصول إلى الحدّ ، فالأحوط الترك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الابتلاع المزبور لا يضرّ بالصوم بعد فرض وصوله للحدّ ، لعدم صدق الأكل ، فتتمحّض المزاحمة بين وجوب الصلاة وبين حرمة أكل ذلك الشيء كالذباب ، بمعنى التمـكين من إيصـاله الجوف كما عرفت ، ولا شكّ أنّ الأوّل أهمّ فيتقدّم فيبتلعه ويتمّ صلاته .

   (1) وأوضح حالا الصورة الرابعة ـ أعني : ما إذا حلّ أكله في نفسـه وقد وصل الحدّ من الحلق ـ إذ لا مزاحمة ههنا أصلا ، فإنّه محلّل الأكل ، فلا ضير في ابتلاعه في نفسه والمفروض وصول الحدّ فلا يضرّ بصومه أيضاً ، فلا موجب لتوهمّ رفع اليد عن الصلاة أبداً ، فيبتلعه ويتمّها ولا شيء عليه كما هو ظاهر .

   (2) لا يخفى أ نّه ليس وجه استشكال الماتن (قدس سره) احتمال صدق القيء على خروج الإصبع من الحلق، كيف؟! وقد ذكر هو (قدس سره) قبل عدّة مسائل أنّ القيء أمرٌ عرفي لا يكاد يصدق على مثل خروج الدُرّة أو النواة ونحوهما ، فليس مطلق خروج الشيء من الجوف معدوداً من القيء .

   فيظهر من ذلك أنّ استشكاله (قدس سره) في المقام ليس من هذه الجهة ، بل هو من أجل احتماله صدق الأكل ، بناء على ما تقدّم منه (قدس سره) من عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا إشكال في سعة الوقت ، كما لا إشكال في عدم جواز إبطالها في ضيق الوقت .

(2) وهو الأظهر .

ــ[264]ــ

   [ 2461 ] مسألة 78 : لا بأس بالتجشّؤ القهري وإن وصل معه الطعام إلى فضاء الفم ورجع (1)، بل لا بأس بتعمّد التجشّؤ ما لم يعلم أ نّه يخرج معه شيء من الطعام ((1)) ، وإن خرج بعد ذلك وجب إلقاؤه ، ولو سبقه الرجوع إلى الحلق لم يبطل صومه وإن كان الأحوط القضاء .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرق فيه بين المأكول العادي وغير العادي الذي لا يكون متعارفاً فيشمل مثل الإصبع .

   وهذا أيضاً كما ترى ، لانصراف مفهوم الأكل عن مثل ذلك ـ أعني : إدخال الإصبع في الجوف وإخراجه ـ قطعاً ، فلو أدخل يده في حلقه لداع ـ كإخراج عظم السمك مثلا ـ لا يقال عرفاً : إنّه أكل اصبعه بالضرورة ، فأدلّة الأكل أيضاً منصرفة عن ذلك جزماً ، فلا موجب للحكم بالبطلان .

   (1) يظهر حال هذه المسألة ممّا مرّ في مطاوي المسائل السابقة ، فلا حاجة إلى الإعادة ، فانّها تكرار محض .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم حكم هذه المسألة [ في المسألة 2452 و 2457 ] .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net