ثالثاً : كفّارة صوم النذر المعيّن 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4604


ــ[327]ــ

   الثالث : صوم النذر المعيّن ، وكفّارته ككفّارة إفطار شهر رمضان ((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ثمّ إنّك قد عرفت في صدر المسألة أ نّه لا إشكال في جواز الإفطار في صوم قضاء شهر رمضان فيما قبل الزوال ، ولكن نُسِب الخلاف في ذلك إلى ابن أبي عقيل وأبي الصلاح فمنعا من ذلك(2) ، استناداً إلى صحيحة ابن الحجاج ، قال : سألت عن الرجل يقضي رمضان ، أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له ؟ «فقال : إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتمّ صومه»(3) .

   ولكن لا مناص من حمل الصحيحة على الاستحباب ، للنصوص المعتبرة المتظافرة الصريحـة في جواز الإفطار قبل الزوال ، وحملُها على من بدا له في الصيام بعد ما أصبح فمثله يجوز له الإفطار قبل الزوال دون من بيّت النيّة من الليل حملٌ لتلك المطلقات الكثيرة على الفرد النادر كما لا يخفى .

   على أنّ صحيحة جميل موردها التبييت ، قال (عليه السلام) في الذي يقضي شهر رمضان : «إنّه بالخيار إلى زوال الشمس» إلخ(4) .

   فإنّ التعبير بـ «الذي يقضي» ظاهرٌ فيمن شغله ذلك ، فلا يمكن حمله على من بدا له في القضاء ولم يكن ناوياً له من الليل كما لا يخفى ، فلا محيص عن حمل الصحيحة المتقدّمة على الاستحباب حسبما عرفت .

   (1) المشهور والمعروف وجوب الكفّارة فيمن أفطر في صوم النذر المعيّن كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأظهر أنّ كفاية كفارة اليمين .

(2) المختلف 3 : 418 ، الحدائق 13 : 216 .

(3) الوسائل 10 : 17 /  أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 6 .

(4) الوسائل 10 : 16 /  أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 4 .

ــ[328]ــ

فرضه في المتن ، أو غير المعيّن الذي عرضه التعيين لأجل الضـيق ، كما لو نذر صوم يوم من رجب فلم يصم إلى أن بقي منه يوم واحد ، فلا فرق بين المعيّن بالذات أو بالعرض ، ونُسِب الخلاف إلى ابن أبي عقيل كما في المسألة السابقة ، وأ نّه يرى اختصاص الكفّارة بشهر رمضان(1) .

   ولا يبعد أن يقال : إنّه (قدس سره) غير مخالف في المسألة ، وإنّما لم يصرّح بالكفّارة هنا لعدم خصوصيّة للصوم ، وانّما هي كفّارة لمطلق مخالفة النذر ، سواء تعلّق بالصوم أم بغـيره من الصلاة ونحوها ، فليست الكـفّارة هنا من شؤون الصوم ليتعرض لها بالخصوص ، ولم يُنسَب إليه الخلاف في وجوب الكفّارة لحنث النذر ، فمن الجائز أ نّه أهمله في المقام تعويلا على المذكور في كفّارة النذر ، فالظاهر أنّ المسألة اتّفاقيّة ، ولا خلاف في أصل الكفّارة .

   إنّما الخلاف في مقدارها :

   فالمشهور أنّها كفّارة شهر رمضان من التخيير بين الخصال الثلاث .

   وذهب جماعة إلى أنّها كفّارة اليمين ، أي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام .

   وقيل بالتفصـيل بين مالو تعلّق النذر بالصوم فكفّارة رمضـان ، وما تعلّق النذر بغيره من الصلاة ونحوها فكفّارة اليمين ، اختاره صاحب الوسائل(2) ، جمعاً بين الأخبار .

   وكيفما كان ، فقد استُدلّ للمشهور بعدّة روايات ، منها: صحيحة جميل بن درّاج ، عن عبدالملك بن عمرو ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المختلف 3 : 418 ـ 419 .

(2) الوسـائل 10 : 379 /  أبواب بقية الصـوم الواجب ب 7 و ج 22 : 394 /  أبواب الكفارات ب 33 .

ــ[329]ــ

عمّن جعل لله عليه أن لايركب محرّماً سـمّاه فركبه ، قال : لا ولا أعلمه إلاّ قال : «فليعتق رقبة ، أو ليصم شهرين متتابعين ، أو ليطعم ستين مسكيناً»(1) .

   ولكنّها ضعيفة السند ، وليست الشهرة بمثابة تبلغ حدّ الجبر على القول به ، فإنّ المسألة خلافيّة وإن كان الأكثر ذهبوا إلى ذلك ، ووجه الضعف أنّ السند وإن كان صحيحاً إلى جميل إلاّ أنّ الراوي بعده ـ وهو عبدالملك ـ ضعيف ، إذ لم يرد في حقّه أيّ توثيق أو مدح ، عدا ما حكي عن الصادق (عليه السلام) من دعائه له ولدابّته ، ولا شك أنّ هذا مدحٌ عظيم ، إذ يكشف عن شدّة حبّه (عليه السلام) له بمثابة يدعو لدابّته فضلا عن نفسه ، ولكن الراوي لهذه الرواية هو عبد الملك نفسه ، حيث قال : قال لي الصادق (عليه السلام) : «إنِّي لأدعو لك ولدابّتك»(2) ولا يمكن إثبات المدح أو التوثيق لأحد برواية يرويها هو نفسه ، للزوم الدور كما لا يخفى .

   فهذه الرواية لأجل ضعف السند ساقطة غير صالحة للاستدلال .

   ومنها : ما رواه الكليني في الصحيح عن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن علي بن مهزيار ، قال : وكتب إليه يسأله : يا سيّدي ، رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفّارة ؟ فكتب اليه : «يصوم يوماً بدل يوم ، وتحرير رقبة مؤمنة»(3) .

 ومرجع الضمير في قوله : «وكتب إليه» هو الهادي (عليه السلام) المذكور في الكافي فيما قبل هذه الرواية(4) . والمراد بالأشعري هو أحمد بن إدريس الذي هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 379 /  أبواب بقية الصوم ب 7 و ج 22 : 394 /  أبواب الكفارات .

(2) رجال الكشي : 389 / 730 .

(3) الوسائل 22 : 392 /  أبواب الكفّارات ب 23 ح 2 ، الكافي 7 : 456 / 22 .

(4) الكافي 7 : 456 / 11 .

ــ[330]ــ

شيخ الكليني .

   أقول : هذه الرواية غير موجودة في الكافي بهذا السند ، وإنّما السند سندٌ لرواية اُخرى مذكورة قبل ذلك بفصل ما ، والظاهر أ نّه اشتبه الأمر على صاحب الوسائل عند النقل فجعل سندَ رواية لمتنِ رواية اُخرى . وكيفما كان ، فالرواية صحيحة ولكن بسند آخر ، وهو : محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن جعفر الرزّاز ، عن ابن عيسى ، عن ابن مهزيار ، كما ذكره صاحب الوسائل في كتاب الصوم في الباب السابع من بقيّة الصوم الواجب الحديث 1 ، والموجود في الكافي : محمّد بن عيسى ، بدل : ابن عيسى ، ولعل لفظة «محمّد» قد سقطت في الوسائل عند الطبع .

   وعلى أيّ حال ، فالرواية صحيحة إمّا بهذا السند أو بذاك السند ، ومحمّد بن جعفر الرزّاز الواقع في هذا السند هو شيخ الكليني ، وهو ثقة ومن الأجلاّء ، كنيته أبو العباس ، وقد ذكر الأردبيلي في جامعه الروايات التي رواها في ذيل ترجمة محمّد بن جعفر الأسـدي (1) ، فكأنّه تخيّل أنّهما شخص واحد ، وليس كذلك ، فإنّ الأسدي وإن كان أيضاً شيخاً للكليني ولكنّه غير الرزّاز ، هذا كنيته أبو العباس كما عرفت ، وذاك كنيته أبو الحسين ، هذا قرشي من موالي بني مفتوح على ما يصرّح به أبو غالب الزراري(2) ، وذاك من بنى أسد ، وقد توفّي الرزّاز في سنة 316 على ما ذكره أبو غالب المزبور في رسالته وهو خال أبيه ، وأمّا الأسدي فتوفّي ـ على ما ذكره النجاشي(3) ـ في سنة 312 .

   وكيفما كان ، فما ذكره الأردبيلي اشتباهٌ في التطبيق ولا أثر له ، فإنّ كلاًّ منهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الرواة 2 : 84 ـ 85 .

(2) تأريخ آل زرارة : 225 .

(3) النجاشي : 373 / 1020 .

ــ[331]ــ

ثقة ، فالرواية صحيحة على كلّ تقدير ومؤيّدة برواية الحسين بن عبيدة (1) ورواية الصيقل(2) الموافق مضمونها مع الصحيحة .

   ولكن لا يمكن الاستدلال بشيء منها ، أمّا الأخيرتان : فلضعفهما سنداً ، إذ لم يوثّق الصيقل ولا ابن عبيدة .

   وأمّا الصحيحة : فلأنّها قاصرة الدلالة ، نظراً إلى أنّ تحرير الرقبة الوارد فيها لا دلالة فيه بوجه على أ نّه كفّارة رمضان ، ضرورة أنّ التحرير بعينه غير واجب قطعاً ، إذ لم يقل به أحد ، فوجوبه تخييري لا محالة، وكما أنّ كفّارة رمضان مخيّرة بين تحرير الرقبـة وغيره فكذا كفّـارة اليمين مخـيّرة أيضاً بين التحرير والكسوة والإطعام، فهو عِدلٌ للوجوب التخييري في كلّ من الكفّارتين ، ومعه كيف يمكن الاستدلال بها على أن المراد كفّارة رمضان بخصوصها .

   وبالجملة : ظاهر الصحيحة تعيّن العتق ، وهو غير محتمل ، فلا بدّ من الحمل على إرادة التخييري ، لكن لا دلالة فيها على أ نّه التخيير في أيّ الكفّارتين .

   إذن يبقى ما دلّ على أنّ كفّارة النذر هي كفّارة اليمين سليماً عن المعارض ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إن قلت : لله عليّ ، فكفّارة يمين»(3) .

   وما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن كفّارة النذر «فقال: كفّارة النذر كفّارة اليمين» إلخ(4).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 10 : 378 /  أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 2 ، 3 .

(3) الوسائل 22 : 392 /  أبواب الكفارات ب 23 ح 1 .

(4) الوسائل 22 : 393 /  أبواب الكفارات ب 23 ح 4 ، الكافي 7 : 457 / 13 .

ــ[332]ــ

   وهذه الرواية موثّقـة ، إذ القاسم بن محمّد هو الجوهري الذي هو ثقة على الأظهر ، وسليمان المنقري ثقة أيضاً وإن قيل أ نّه عامّي ، وكذا حفص بن غياث فإنّه وإن كان عامّيّاً إلاّ أنّ الشيخ ذكر أنّ كتابه معتبر(1) ، وقال في العدّة : إنّ أصحابنا عملوا بروايات جماعة منهم : حفص بن غياث(2) .

   فتحصّل : أنّ ما ذكره جماعة من أنّ الكفّارة في المقام هي كفّارة اليمين هو الصحيح، للنص الدالّ عليه، السليم عمّا يصلح للمعارضة حسبما عرفت . وتفصيل صاحب الوسائل بين الصوم وغيره لم يظهر له أيّ وجه ، لأنّ ما دلّ على أنّها كفّارة رمضان هو رواية عبدالملك ولا اختصاص لها بنذر الصيام .

   ثمّ إنّ هناك صحيحة اُخرى لابن مهزيار رواها في الوسائل عن الكليني ، قال : كتب بندار مولى إدريس : يا سيّدي ، نذرت أن أصوم كل يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة ؟ فكتب إليه وقرأته : «لا تتركه إلاّ من علّة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلاّ أن تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كلّ يوم على سبعة مساكين ، نسأل الله التوفيق لما يحبّ ويرضى»(3) .

   ولا يخفى أنّ هذه الرواية بسندها المذكور في الوسائل غير موجودة في الكافي ، وإنّما هي مذكورة فيه بسند آخر وهو : عن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن علي بن مهزيار . وهذه هي الرواية التي أشرنا إليها عند التكلّم في مكاتبة ابن مهزيار السابقة وقلنا : إنّ صاحب الوسائل اشتبه في سندها ، فأخذ السند من رواية وألحقه بمتن المكاتبة ، فإنّ الرواية المأخوذ عنها ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفهرست : 61 / 243 .

(2) العدة 1 : 149 .

(3) لاحظ الوسائل 10 : 379 /  أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 4 .

ــ[333]ــ

السند هي هذه الرواية .

   وكيفما كان ، فهي صحيحة السند ، ولكن مفادها ـ وهو التصدّق على سبعة مساكين ـ ممّا لم يقل به أحد ، لعدم انطباقه لا على كفّارة رمضان ولا على كفّارة اليمين .

   ومن هنا قد يقوى في النظر أنّ في العبارة تصحيفاً وأنّ صحيحها العشرة ، فاُبدلت بالسبعة سهواً من النساخّ ، كما حكي ذلك عن الشهيد (قدس سره)(1) .

   والذي يشهد لذلك أو لا أقل من أن يوقعنا في الريب : أنّ عبارة الصدوق في الفقيه في كتاب النذر ـ الذي هو شأنه التعبير فيه بمتون الأخبار ـ مطابقة لمتن هذه الرواية من غير اختلاف إلاّ من ناحية أن الضمائر هناك للغياب وهنا للتكلّم والخطاب ، ومن المستبعد جدّاً أنّها مع هذه المطابقة لم تكن متّخذة من متن هذه الرواية وقد تضمّنت التعبير بالعشرة بدلا عن السبعة ، وعبارته في المقنع أيضاً كذلك ، أي مشتملة على كلمة «عشرة» على ما حكاه عنه الشهيد في المسالك(2) ، ومن المعلوم من دأبه (قدس سره) في هذا الكتاب أ نّه يذكر متن الرواية بعنوان الفتوى كما يفعل ذلك في الفقيه أيضاً حسبما عرفت .

   وكيفما كان ، فلم تثبت صحّة النسخة وأنّ متن الصحيحة هل هو العشرة ، أو السبعة، فغايته الإجمال ، فلا يمكن أن يعارَض بها صحيحة الحلبي وموثّقة غياث الصريحتين في أنّ الكفّارة هي كفّارة اليمين حسبما عرفت ، لو لم ندّع الاطمئنان بأنّ الصحيح هو العشرة كما في كلام الصدوق ، فإنّه أقرب إلى الصحة لانطباقه على سائر الروايات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 33 : 176 .

(2) المسالك 10 : 21 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net