عدم تكرّر الكفّارة إذا لم يؤدّها حتّى مضت عليه سنين - جواز تأخير الكفّارة ما لم يصل إلى حدّ التهاون والإهمال 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3823


ــ[391]ــ

   [ 2490 ] مسألة 21 : من عليه كفّارة إذا لم يؤدها حتّى مضت عليه سنين لم تتكرّر (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التوكيل ، فلا فرق حـينئذ بين التصـدِّي له بنفسـه مباشرةً وبين الاسـتنابة والتوكيل فيه ، لأ نّه هو البائع والمعتِق والمطعِم على التقديرين .

   وأمّا لو تبرّع به شخص آخر من غير توكيل وتسبيب ، فما هو الدليل على سقوط الواجب عن المكلّف المتوجّه إليه الخطاب ؟ فانّ مقتضى الإطلاق وعدم اشتراط التكليف بعدم الصدور من الغير هو عدم السقوط بفعله ، ومعلومٌ أنّ مجرّد قصد الغير النيابة عن المكلّف والاتيان من قبله لا يصحّح إسناد الفعل إليه ، كما كان كذلك في مورد التوكيل والتسبيب ، فلا يقاس فعل المتبرّع بفعل الوكيل ، فإنّ فعله فعل الموكّل حقيقةً ، وليس كذلك فعل المتبرّع بعد أن لم يكن ببعث المتبرّع عنه .

   وعلى الجملة : لا علاقة ولا ارتباط لفعل المتبرّع بالمتبرّع عنه ، ومجرّد قصد النيابة ل ايحقّق الإضافة ولا يجعل الفعل فعله ولايسنده إليه عرفاً بوجه، فلا مقتضى لكونه مسقطاً  للتكليف، إلاّ  فيما قام الدليل عليه بالخصوص، وإلاّ فمقتضى الإطلاق عدم السقوط ، وأ نّه لا بدّ من صدوره من نفس المأمور إمّا مباشرةً أو تسبيباً ، ولا ينطبق شيء منهما على فعل المتبرّع كما هو ظاهر جدّاً .

   فتحصّل : أنّ الأظهر ما عليه المشهور من المنع مطلقاً ، أي من غير فرق بين الصوم وغيره .

   (1) فإنّ السبب الواحد له مسـبّب واحد ، ولا دليل على أنّ التأخير من موجبات الكفّارة ، فلا مقتضي للتكرّر كما هو أوضح من أن يخفى .

ــ[392]ــ

   [ 2491 ] مسألة 22 : الظاهر أنّ وجوب الكفّارة موسّع فلا تجب المبادرة إليها (1) . نعم ، لا يجوز التأخير إلى حدّ التهاون .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أفاد (قدس سره) أنّ وجوب الكفّارة ليس بفوري ، فيجوز التأخير ما لم يصل إلى حدّ التهاون والإهمال ، كما هو الحال في بقيّة الواجبات غير المؤقّتة .

   هذا ، وربّما تحتمل الفوريّة ، نظراً إلى أنّها كفّارة للذنب رافعة له ، فحـكمها حكم التوبة التي تجب المبادرة إليها عقلا ، لمبغوضيّة البقاء على الذنب كحدوثه بمناط واحد ، إذن فيجب التسرّع إلى تفريغ الذمة عن الذنب بفعل الكفّارة كما في التوبة .

   أقول : الظاهر عدم تماميّة شيء من الأمرين .

   أمّا تحديد التأخير بعدم التهاون : فلعدم الدليل عليه ، بل العبرة في مقدار التأخير أن لا يصل إلى حدّ لا يُطمأنّ معه بأداء الواجب ، نظراً إلى أنّ التكليف بعد أن صار فعليّاً وبلغ حدّ التنجّز وجب الاطمئنان بالخروج عن عهدته قضاءً ، لحكم العقل بأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة ، فلا بدّ من اليقين أو ما في حكمه من الاطمئنان بحصول الامتـثال إمّا فعلا أو فيما بعد ، وأمّا لو لم يطمئنّ بذلك فاحتمل العجز لو أخّر وجبت المبادرة حينئذ ولم يسغ له التأخير ، لما عرفت من حكومة العقل بلزوم إحراز الطاعة للتكليف المنجّز .

   وهذا يجري في جميع الواجبات غير الفوريّة وإن كانت مؤقّتة ، فلو احتمل أ نّه بعد ساعة من الزوال لا يمكن من الامتـثال بحيث زال عنه الاطمئنان ، وجبت المبادرة إلى أداء الفريضة ، ولا يسعه التأخير اعتماداً على امتداد الوقت إلى الغروب الواجب وإن كان هو الكّلي الجامع والطبيعي الواقع بين الحدّين ، لكن لا بدّ بحكم العقل من إحراز الامتثال المفقود مع الاحتمال المزبور ، فالعبرة

ــ[393]ــ

بالاطمئنان دون التهاون ، وكان عليه (قدس سره) أن يعبّر هكذا : نعم ، لا يجوز التأخير إلاّ مع الاطمئنان من الأداء .

   وأمّا ما ذُكِر وجهاً للفوريّة من أنّ البقاء على الذنب كحدوثه فهو إنّما يستقيم في مثل التوبة ، فإنّ العزم على المعصية بل التردّد فيها مبغوض ، ولا بدّ للمؤمن من أن يكون بانياً على عدم العصيان ، فلو ارتكب فلا بدّ من التوبة ـ  أي الندم  ـ على ما فعل والعزم على أن لا يفعل ، وهذا كلّه واجب دائماً ، لكونه من لوازم الإيمان ومن شؤون الإطاعة والعبوديّة ، وإلاّ كان متجرّياً ، ولأجله كان وجوب التوبة فوريّاً .

   وأمّا الكفّارة فليست هي من التوبة في شيء وإن اُطلق عليها هذا اللفظ في بعض النصوص ، وإنّما هي واجبة استقلالا شُرِّعت عقوبةً على ما فعل ، ويعبَّر عنها بالغرامة أو الجريمة في اللغة الدارجة وليست رافعة لأثر الذنب بوجه ، كيف ؟! ولو فرضنا شخصاً ثريّاً يفطر كلّ يوم متعمّداً ويكفّر عنه مع عزمه على العود في اليوم الآخر أفيحتمل ارتفاع أثر الذنب بالنسبة إليه بمجرّد تكفيره ؟

   وعلى الجملة : الكفّارة شيء والتوبة شيء آخر ، والرافع لأثر الذنب خصوص الثاني بمقتضى النصوص الكثيرة ، التي منها قوله (عليه السلام) : «التائب من الذنب كَمَن لا ذنبَ له»(1) ، وقد قال تعالى : (فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات) (2) وأمّا الأوّل فلم يدلّ أيّ دليل على كونه رافعاً للذنب ، وإنّما هو واجب آخر جُعل تأديباً للمكلف وتشـديداً في حقّه كي لا يعود ويرتدع عن الارتكاب ثانياً ، كما في كفّارة الإحرام ، فلا وجه لقياس أحدهما بالآخر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 16 : 74 ، 75 /  أبواب جهاد النفس ب 86 ح 8 ، 14 .

(2) الفرقان 25 : 70 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net