مقدار ما يعطى كل فقير من الكفّارة - عدم الفرق في الإطعام وفي إعطاء المدّ بين أنواع الطعام 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4071


ــ[395]ــ

إمّا بإشباعهم (1) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إسحاق بن عمّار الواردة في كفّارة الإطعام : ... قلت : فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين ؟ «قال : نعم» إلخ(1) ، حيث يظهر منها أنّ مجرّد الحاجة ـ التي هي مناط الفقر ـ كاف في كونه مصرف الكفّارة ، ولا يُعتَبر أزيد من ذلك ، فيكون هذا بمثابة التفسـير للفظ المسكين ، وقد عرفت أنّ الحكم كالمتسالم عليه بين الأصحاب وقد ادّعي عليه الاجماع ونفي الخلاف في غير واحد من الكلمات ، فما عن بعض من الاستشكال فيه في غير محلّه .

   (1) الثانية : لا إشكال في اعتبار الإشباع في الإطعام ، لأ نّه المنصرف إليه اللفظ بحسب المتفاهم العرفي ، فلا يجدي الأقلّ من ذلك وإن صدق عليه اللفظ ، إذ يصحّ أن يقال لمن أعطى لقمة بل أقلّ : إنّه أطعم ، لكنّه خلاف المنصرف عند الإطلاق، فإنّ المنسبق منه هو الإطعام المتعارف البالغ حدّ الإشباع ، وقد صرّح بذلك في صحيحة أبي بصير الواردة في كفّارة اليمين التي لا يُحتمَل الفرق بينها وبين المقام كما لا يخفى ، حيث قال (عليه السلام) : «يشـبعهم به مرّةً واحدة» إلخ(2) ، على أنّ «طعَم» بفتح العين بمعنى شبع ، فلو كان الإطعام مشتقّاً من هذه المادّة لكان الإشباع معتبراً في مفهومه كما هو ظاهر قوله تعالى : (أَطْعَمَهُم مِن جُوع)(3) .

وكيفما كان ، فلا إشكال في أنّ الإطعام المجعول عدلا للخصال يتحقّق بأحد أمرين : إمّا بالتسبيب إلى الأكل ببذل الطعام خارجاً ليأكله، أو  بالتسليم والإعطاء،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 22 : 386 /  أبواب الكفّارات ب 16 ح 2 .

(2) الوسائل 22 : 381 /  أبواب الكفّارات ب 14 ح 5 .

(3) قريش 106 : 4 .

ــ[396]ــ

وإمّا بالتسليم إليهم كلّ واحد مدّاً (1) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لصدق الإطعام على كلّ منهما ، فالواجب هو الجامع بينهما ، فيتخيّر بين الأمرين :

   فإن اخـتار الأوّل فحدّه الإشـباع كما عرفت ، وإن لم يُذكَر له تحديدٌ في نصوص الباب .

   (1) وأمّا إذا اختار الثاني فالمصرّح به في غير واحد من النصوص المعتبرة أنّ حدّه مدّ لكلّ مسكين ، وهو المشهور بين جمهور الأصحاب ما عدا الشيخ وبعض ممّن تبعه ، فذكر أ نّه مدّان لكلّ مسكين ، بل ادّعى في الخلاف الإجماع عليه(1)، وهو لا يخلو من غرابة بعد مخالفة أكثر الأصحاب وإطباق نصوص الباب على الاجتزاء بمدّ واحد ، إذ لم يرد المدّان في شيء منها .

   نعم ، ورد ذلك في كفّارة الظهار ، وحينئذ فإن بنينا على عدم الفصل بينها وبين المقام ـ كما لا يبعد ، بل لعلّه الأظهر ، لعدم احتمال التفكيك بين الموردين من هذه الجهة ولا قائل به أيضاً ـ فاللاّزم حمل الأمر بالمدّين على الأفضليّة ، جمعاً بينه وبين نصوص الباب المصرّحة بالاجتزاء بالمدّ كما عرفت ، فيُرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب بصراحة غيره في جواز المدّ الواحد ، فهو من قبيل الدوران بين الأقل والأكثر ، فيُقتصَر في الوجوب على الأقل الذي هو المتيقّن ، ويُحمَل الزائد على الاستحباب .

   وأمّا إذا بنينا على الفصل بين المقامين، فغايته الاقتصار في المدّين على مورده وهو الظهار ، فلا وجه للتعدّي عنه إلى المقام بعد عدم ورود ذلك في شيء من روايات الباب حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 4 : 560 ـ 561 / 62 .

ــ[397]ــ

   وكيفما كان ، فلا اختلاف في نصوص المقام من حيث التحديد بالمدّ  كما عرفت .

   نعم ، هي مختلفة من حيث التحديد بالصاع ، ففي جملة منها : أ نّها عشرون صاعاً ، وفي بعضها : خمسة عشر صاعاً ، وفي بعضها الآخر ـ كصحيحة جميل ـ أنّها عشرون صاعاً يكون عشرة أصوع بصاعنا(1) .

   هذا ، ولا يبعد أن يكون الصاع مثل الرطل الذي تقدّم في مبحث الكرّ(2) أنّ له إطلاقات ويختلف باختلاف البلدان ، فالرطل المكّي يعادل رطلين عراقيّين ورطلا ونصفاً من المدني ، فتسعة أرطال مدنيّة تساوي ستّة أرطال مكّيّة وإثني عشر عراقيّة ، وبهذا يرتفع التنافي المتراءى بين نصوص الكرّ ، فيُحمَل ما دلّ على أ نّه ألف ومائتا رطل على العراقي ، وما دلّ على أ نّه ستمائة رطل على المكّي ، وما دلّ على أ نّه تسعمائة على المدني ، وقد أقمنا شواهد على ذلك حسبما مرّ في محلّه .

   وعليه ، فلا يبعد أن يكون الصاع أيضاً كذلك فيختلف باختلاف البلدان ، كما هو الحـال في كثير من الأوزان مثل الحقّـة والمـنّ ، فالمنّ الشـاهي ضعف التبريزي ، وحقّة إسلامبول ثلث حقّة النجف تقريباً ، ونحوهما غيرهما .

   وفي صحيحة جميل المتقدّمة شهادة على ذلك ، حيث صرّح فيها بأنّ صـاعه (عليه السلام) يساوي صاعي النبي (صلّى الله عليه وآله) ، والصاع المعروف هو أربعة أمداد .

   وعليه يُحمَل ما دلّ على أ نّه خمسة عشر صاعاً الذي يساوي ستّين مدّاً .

   وعلى كلّ حال ، فهذا الاختلاف غير قادح بعد التصريح في غير واحد من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 45 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 2 .

(2) شرح العروة 2 : 153 .

ــ[398]ــ

والأحوط مدّان من حنطة أو شعير أو أرز أو خبز أو نحو ذلك (1) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأخبار بأنّ الاعتبار بستّين مدّاً لكلّ مسكين مدّ ، فالمعبرة بهذا الوزن الواقعي الذي هو مقدار معيّن معلوم ، سواء أكان مساوياً لعشرة أصوع أم لخمسة عشر أم لعشرين ، فإنّ ذلك لا يهمّنا والجهل به لا يضرّنا .

   (1) الثالثة : مقتضى الإطلاق في هذه الأخبار أ نّه لا فرق في الإطعام وفي إعطاء المدّ بين أنواع الطعام ، فيُجتزأ بكلّ ما صدق عليه أ نّه طعام من خبز أو شعير أو أرز ونحو ذلك ، فالعبرة بالإطعام الخارجي بحيث يقال : إنّه أطعم أو أعطى مدّاً من الطعام من أيّ قسم كان ، فمتى صدق الإطعام أو صدق أ نّه تصدّق بمدّ من الطعام يُجتزأ به بمقتضى الإطلاق .

   نعم، في روايات كفّارة اليمين اختصّت الحنطة والشعير والخلّ والزيت بالذكر، فلو فرضنا أنّا التزمنا بالاختصاص هناك فلا وجه للتعدّي عنه إلى المقام بعد أن لم تكن في نصوص الباب دلالة بل ولا اشعار باعتبار طعام خاصّ ، فكلّ ما صدق عليه الطعام ولو كان مثل الماش والعدس ونحو ذلك يُجتزأ به ، عملا بالإطلاق .

   الرابعة : لا يخفى أنّ الظاهر ممّا ورد في غير واحد من الأخبار من أ نّه يعطى لكلّ مسكين مدّ : أنّ الإعطاء على وجه التمليك لا مجرّد الإباحة في الأكل ، فإنّ ظاهر الإعطاء له تخصيصه به من جميع الجهات لا من جهة الأكل فقط ، وهذا مساوق للتملّك . ويؤيّده بل يؤكّده إطلاق لفظ الصدقة عليه في بعض الأخبار .

   ومعلومٌ أن الفقير مالك للصدقة ، بل أنّ نفس المقابلة بين الإطعام وبين الإعطاء المذكورة في النصوص لعلّها ظاهرة في ذلك ، وأ نّه مخيّر بين بذل الطعام وإباحة الأكل وبين إعطاء المدّ وتمليكه له ، فيتصرّف فيه كيفما يشاء من أكله أو




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net