حكم تناول المفطر مع الشكّ في طلوع الفجر 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5667


ــ[433]ــ

   [ 2496 ] مسألة 1 : إذا أكل أو شرب ـ مثلا ـ مع الشكّ في طلوع الفجر ولم يتبيّن أحد الأمرين ، لم يكن عليه شيء (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإن أفطر ، على ما نطقت به الصحيحة الثانية ، وأمّا الاُولى فليست صريحة في فرض الإفطار ، وإنّما يستفاد ذلك من إطلاق قوله (عليه السلام) : «مضى» ، أي سواء أكل وشرب أم لا ، ولعلّ التعبير بالمضيّ حتّى مع عدم الإفطار لأجل فقدان النيّة ، إذ بعد فرض قيام الظنّ المعـتبر على غيبوبة القرص كما عرفت تزول نيّة الصوم بطبيعة الحال ، سواء أفطر أم لا .

   وعلى الجملة : فالمتحصّل من هاتين الصحيحتين أنّ إفطاره كان سائغاً جائزاً بعد فرض حجّيّة الظنّ المخصوص بما إذا  كانت في السماء علّة ، وأ نّه لا  قضاء عليه بعد انكشاف الخلاف ، فتكونان معارضتين لا محالة لموثّقة سماعة الدالّة على وجوب القضاء في نفس هذا الفرض ـ أعني : ما إذا كانت في السماء علّة ـ وحيث إنّ الترجيح مع هاتين الصحيحتين ـ لمخالفتهما لمذهب جمهور العامّة، حيث إنّهم ذهبوا إلى القضاء ـ تُطرَح الموثّقة ، أو تُحمَل على التقيّة .

   وحاصل الكلام : أنّ التأويل غير ممكن لا في الموثّقة ولا في الصحيحتين ، فإنّ كلاًّ منهما ظاهر الدلالة بل قريب من الصراحة، فهما متعارضتان لا محالة ، وحيث إنّ الموثّقة موافقة لمذهب العامّة تُطرَح ويكون العمل على طبق الصحيحتين.

   (1) يقع الكلام تارةً : من حيث الحكم التكليفي وأ نّه هل يجوز الأكل والشرب حال الشكّ ، أو أ نّه لا بدّ من الاحتياط ليتيقّن بالامتثال ، وأُخرى : من حيث الحكم الوضعي ، أعني : القضاء .

ــ[434]ــ

   أمّا الأوّل : فالظاهر أ نّه لا ينبغي الإشكال في جوازه ، عملا باسـتصحاب بقاء الليل وعدم دخول الفجر ، مضافاً إلى قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ)(1) إلخ ، فإنّ ظاهر الآية المباركة جواز الأكل مالم يتبيّن ، والتبيّن وإن كان مأخوذاً في الموضوع على نحو الطريقيّة إلاّ أنّ الاعتبار بنفس هذا الطريق ، فما لم يتبيّن لا مانع من الأكل .

   وتدلّ عليه أيضاً صحيحة الحلبي ، قال (عليه السلام) فيها : «وكان بلال يؤذّن للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) وابن اُمّ مكتوم ـ وكان أعمى ـ يؤذّن بليل ، ويؤذّن بلال حين يطلع الفـجر ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : إذا سـمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم»(2) .

   حيث دلّت على عدم الاعتناء بأذان ابن اُمّ مكتوم الأعمى الذي لا يفيد أذان مثله إلاّ الشكّ وأ نّه لا مانع من الأكل حينئذ ما لم يؤذّن بلال العارف بالوقت .

   وعلى الجملة : فالحكم التكليفي ممّا لا إشكال فيه .

   وإنّما الإشكال في الحكم الوضعيوهو القضاء بالنسـبة إلى بعض الموارد ، وهو ما لو أكل شاكّاً أو غافلا غير مراع للوقت ثمّ علم بدخول الفجر ، ثمّ شكّ في المتقدّم منهما ـ أي من الأكل والطلوع ـ والمتأخر ، فإنّ المسألة تدخل حينئذ في الحادثين المتعاقبين اللذين يُشَكّ في السابق منهما واللاحق ، ولا يبعد أن يقلل حينئذ بتعارض الاستصحابين كما هو الشأن في كلّ حادثين كذلك ، فيعارض استصحاب بقاء الأكل إلى طلوع الفجر باستصحاب عدم الطلوع إلى نهاية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 187 .

(2) الوسائل 10 : 111 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 42 ح 1 .

ــ[435]ــ

   نعم ، لو شهد عدلان بالطلوع ومع ذلك تناول المفطر وجب عليه القضاء بل الكفّارة أيضاً وإن لم يتبيّن له ذلك بعد ذلك ، ولو شهد عدل واحد بذلك فكذلك على الأحوط (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفراغ من الأكل ويرجع بعد المعارضة إلى أصالة البراءة عن وجوب القضاء ، للشكّ فيه ، إذ لم يحرز الإفطار في النهار الذي هو الموضوع لوجوب القضاء .

   هذا كلّه فيما إذا لم يثبت الفجر بحجّة شرعيّة .

   (1) أمّا إذا ثبت ذلك حجّة شرعيّة فلا يجوز تناول المفطر ، ولو تناول وجب القضاء بل الكفّارة أيضاً ، إذ قيام الحجّة الشرعيّة بمثابة العلم الوجداني ، فيكون الإفطار معه من الافطار العمدي فيشمله حكمه .

   وهل يعتمد في ذلك على اخبار العدل الواحد ؟

   استشكل فيه الماتن واحتاط بعدم الأكل ، ولكن صرّح في المسألة الثانية استحبابي لا وجوبي ، لعدم ثبوت شهادة العدل الواحد في الموضوعات .

   ولكنّ الظاهر هو الحجّيّة كما تقدّم الكلام فيه مفصّلا في كتاب الطهارة(1) ، فإنّ عمدة الدليل على حجّيّة خبر الواحد إنّما هي السيرة العقلائية التي لا يفرّق فيها بين الشبهات الحكميّة والموضوعيّة ، ولأجله يلتزم بالتعـميم إلاّ فيما قام الدليل على الخلاف ، مثل : موارد اليد ، فإنّ الدعوى القائمة على خلافها لايكتفي فيها بشاهد واحد بل لا بدّ من رجلين عدلين أو رجل وامرأتين ، أو رجل مع ضمّ اليمين ، حسب اختلاف الموارد في باب القضاء ، ونحوه الشهادة على الزنا ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 3 : 156 .

ــ[436]ــ

فإنّه لا يثبت إلاّ بشهود أربعة ، ونحو ذلك من الموارد الخاصّة التي قام الدليل عليها بالخصوص، وفيما عدا ذلك يكتفى بخبر العدل الواحد مطلقاً بمقتضى السيرة العقلائيّة، بل مقتضاها الاكتفاء بخبر الثقة المتحرّز عن الكذب وإن لم يكن عادلا .

   ويمكن اسـتفادة ذلك من عدة موارد تقدّمـت في كتاب الطهارة كما يمكن استفادته في مقامنا ـ أعني : كتاب الصوم ـ أيضاً من بعض الأخبار :

   منها: صحيحة العيص المقدّمة(1)، إذ لولا حجّيّة قول المخبر بطلوع الفجر لما حكم (عليه السلام) بوجوب القضاء على من أكل لزعمه سخريّة المخبر ، ولم يفرض في الصحيحة طلوع الفجر واقعاً . نعم ، لا بدّ من تقييده بما إذا كان المخبر ثقة كما لا يخفى .

   ومنها : صحيحة الحلبي المتقدّمة، المتضمّنة للأمر بالكّف عن الطعام والشراب إذا أذّن بلال ، فإنّها واضحة الدلالة على المطلوب ، ضرورة أنّ بلال يحتمل فيه الخطأ ، لعدم كونه معصوماً ، غايته أ نّه ثقة أخبر بدخول الوقت .

   وأيضاً قد وردت روايات كثيرة دلّت على جواز الدخول في الصلاة عند سماع أذان العارف بالوقت ، ومن الضروري أنّ الأذان لا خصوصيّة له وإنّما هو من أجل أ نّه إخبارٌ بدخول الوقت .

   وعلى الجملة : فالظاهر حجّيّة قول الثقة في الموضـوعات كالأحكام ، ولا أقل من أنّ ذلك يقتضي الاحتياط الوجوبي لا الاستحبابي كما صنعه في المتن .

   هذا من حيث أوّل الوقت .

   وأمّا من حيث آخره : فالكلام في ثبوته بشهادة العدلين بل العدل الواحد بل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 118 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 47 ح 1 .

ــ[437]ــ

الثقة العارف بالوقت كأذان المؤذن هو الكلام المتقدّم ، إذ لا فرق من هذه الجهة بين وقت ووقت .

   وأمّا بالنسبة إلى الشكّ فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز الإفطار ما لم يتيقّن بدخول الليل ، ولو أفطر وجب عليه القضاء بل الكفّارة ما دام الشكّ باقياً ولم ينكشف خلافه ، والوجه فيه : أنّ المستفاد من الآية المباركة : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ)(1) بمقتضى التقييد بالغاية : أنّ وجوب الإمساك مقيّد بقيد عدمي وهو عدم دخول الليل ، فيجب الإمساك ما لم يدخل الليل ، فإذا شكّ في الدخول كان مقتضى الاستصحاب عدمه فيترتّب عليه الحكم ، كما اُشير إلى ذلك في موثّقة سماعة المتقدّمة(2) .

   وما ورد في بعض الأخبار من أنّ من أفطر في نهار رمضان فعليه كذا ، يراد بالنهار ما يقابل الليل ، فهو بمثابة التفسير للآية ، لا أنّ هناك قيداً آخر وجوديّاً ، بل القيد هو عدم الليل كما عرفت .

   وعلى الجملة : مقتضى مفهوم الغاية أ نّه ما لم يدخل الليل لا يجوز الإفطار ، ومن الظاهر أنّ الليل أمر وجودي منتزع من غيبوبة القرص ، فإذا شكّ فيه كان مقتضى الأصل عدمه فيجب الإمساك إلى أن يحرز دخوله .

   ولو تنزّلنا عن ذلك وبنينا على أنّ القيد أمر وجودي وأنّ الواجب هو الإمساك المقيّد بالنهار ، وموضوع القضاء والكفّارة هو الإفطار المقيّد بوقوعه في النهار ، فالأمر على هذا المبنى أيضاً كذلك والنتيجة هي النتيجة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 187 .

(2) الوسائل 10 : 121 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1 .

ــ[438]ــ

   والسرّ فيه ما أشرنا إليه في بعض تنبيهات الاستصحاب(1) من أ نّه لا معنى لظرفيّة الزمان للحادث الزماني إلاّ مجرّد الاقتران في الوجود بأن يكون ذلك الشيء  موجوداً والزمان ـ أعني : الأمد الموهوم ـ أيضاً موجوداً ، إذ لا نعقل معنى لتقييد الفعل بالظرفيّة سوى ذلك ، فمعنى وقوع الإفطار في النهار تحقّقه مقارناً لوجـود النهار ، ونحوه الصلاة عند دلوك الشمس أو الصوم في شهر رمضان ونحو ذلك ، فمعنى القيديّة في جميع ذلك أن يكون ذلك الزمان موجوداً وهذا الفعل أيضاً موجود ، فإذا شـككنا في المقام في بقاء النهار نسـتصحب وجوده ، وبعد ضمّه إلى الإفطار المعلوم بالوجدان يلتئم الموضوع وينتج أفطر والنهار موجود فيترتّب عليه الأثر ، ولا حاجة إلى إثبات أنّ هذا الجزء من الزمان جزء من النهار ليكـون مثبتاً بالإضـافة إليه ، لعدم الدليـل على لزوم إحرازه بوجه .

   وعلى الجملة : الفعل المقيّد بالزمان مرجعه إلى لحاظه في الموضوع على نحو مفاد كان التامّة ، أي وجوده والزمان موجود ، وهذا قابل للاستصحاب لدى الشكّ في بقاء الزمان ، وإنّما يمتنع لو كان ملحوظاً على نحو مفاد كان الناقصة ، ولأجله يجري الاستصحاب فيما لو صلّى عند الشكّ في بقاء الوقت ، ومن هذا القبيل استصحاب بقاء رمضان في يوم الشكّ ، فإنّه وإن لم يمكن إثبات أنّ هذا اليوم من رمضان إلاّ أ نّه يمكن أن نقول : إنّ رمضان كان والآن كما كان فيجب الإمساك ، كما هو الحال في غيره من الأفعال المقيّدة بالزمان حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 130 ـ 133 .

ــ[439]ــ

   [ 2497 ] مسألة 2 : يجوز له فعل المفطر ولو قبل الفحص ما لم يعلم طلوع الفجر ولم يشهد به البيّنة ، ولا يجوز له ذلك إذا شكّ في الغروب ، عملا بالاستصحاب في الطرفين .

   ولو شهد عدل واحد بالطلوع أو الغروب فالأحوط ترك المفطر ، عملا بالاحتياط ، للإشكال في حجّيّة خبر العدل الواحد وعدم حجّيّته ، إلاّ أنّ الاحتياط في الغروب إلزامي وفي الطلوع استحبابي، نظراً للاستصحاب((1)) (1) .
ـــــــــــــــــــــــــ

   (1) هذه المسألة يظهر وجهها ممّا تقدّم ، فلا نعيد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد ثبوت الطلوع والغروب بخبر العدل الواحد أو الثقة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net