الثالث:عدم الإغماء \ الرابع:عدم المرض 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4378


   الثالث : عدم الإغماء ، فلا يجب معه الصوم ولو حصل في جزء من النهار (2) . نعم ، لو كان نوى الصوم قبل الإغماء فالأحوط إتمامه .

ـــــــــــــــــــــــــ
(2) لم يرد نصّ في خصوص المقام يدلّ على اشتراط وجوب الصوم بعدم الإغماء، بل المسألة مبنيّة على المسألة المتقدّمة(2) في الفصل السابق من اشتراطه

ــــــــــــ
(2) شرح العروة 21 : 456 .

ــ[7]ــ

   الرابع : عدم المرض الذي يتضرّر معه الصائم (1) ، ولو برئ بعد الزوال ولم يفطر لم يجب عليه النيّة والإتمام . وأمّا لو برئ قبله ولم يتناول مفطراً فالأحوط أن ينوي ويصوم وإن كان الأقوى عدم وجوبه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في صحّة الصوم ، إلحاقاً للإغماء بالجنون ، فإن تمّ ذلك فلا شك في دخله في تعلّق الأمر أيضاً ، واشتراط الوجوب به كالصحّة ، فلا أمر حال الإغماء بعد عجزه عن المأمور به .

   ولكنّه لم يتمّ ـ كما تقدّم(1) ـ لعدم الدليل على الإلحاق المزبور بعد أن كان مغايراً مع الجنون موضوعاً ، لانحفاظ العقل معه وعدم زواله ، وإنّما الزائل الإدراك كما في النوم ، غايته أ نّه أشدّ منه ، فلا مانع إذن من تكليفه بالصوم على ما تقدّم في أوّل كتاب الصوم(2) من أنّ النيّة المعتبرة فيه تفارق ما هو المعتبر في العبادات الوجوديّة في عدم لزوم انبعاث كلّ جزء من هذه العبادة عن داعي الأمر ، بل اللاّزم أن يكون على جانب من المفطرات وبعيداً عنها وإن استند ذلك إلى أمر غير اختياري من عجز أو حبس أو نوم ونحوها ، وكما يجتمع ذلك مع النوم يجتمع مع الإغماء أيضاً بمناط واحد ، بلا فرق بين ما استند منهما إلى الاختيار أو ما كان بغلبة الله سبحانه .

   إذن فما ذكره (قدس سره) من الاحتياط فيما لو كان ناوياً للصوم قبل الإغماء وجيه وفي محلّه .

   (1) بلا خلاف فيه ولا إشكال كما نطق به الكتاب العزيز ، الظاهر في أنّ المريض والمسافر وظيفتهما القضاء تعييناً ، كما أنّ غيرهما مكلّف بالأداء كذلك ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 21 : 457 .

(2) شرح العروة 21 : 4 .

ــ[8]ــ

وإطلاقه وإن شمل عموم المرضى إلاّ أنّ مناسبة الحكم والموضوع مضافاً إلى النصوص المستفيضة دلّتنا على الاختصاص بمريض خاصّ ، وهو الذي يضرّه الصوم ، مشيراً في بعضها لتحديده بأنّ الإنسان على نفسه بصيرة ، وقد تقدّمت سابقاً (1) ، وهذا ممّا لا غبار عليه .

   وإنّما الكلام فيما لو برئ أثناء النهار ولم يستعمل المفطر ، فهل يجب عليه تجديد النيّة ويحسب له صوم يومه ، أو أنّ التكليف قد سقط بمرضه سواء أفطر أم لم يفطر ؟

   أمّا إذا كان ذلك بعد الزوال فلا ينبغي الإشكال في عدم الوجوب ، لفوات المحلّ بحلول الزوال وعدم التمكّن بعدئذ من التجديد ، والمفروض أ نّه لم يكن مكلّفاً إلى هذا الزمان ، ولا دليل على قيام الباقي مقام الجميع كما هو واضح .

   وأمّا إذا كان قبله فالمشهور هو الوجوب ، بل عن جمع دعوى الإجماع عليه إلحاقاً له بالمسافر ، بل في المدارك : أنّ المريض أولى منه ، لكونه أعذر (2) .

   ولكنّه كما ترى ، فإنّ النصّ مختصّ بالمسافر ، والقياس لا نقول به ، والأولويّة لم نتحقّقها بعد عدم الإحاطة بمناطات الأحكام ، ولم يثبت إجماع تعبّدي يعوّل عليه في المسألة .

   إذن كان مقتضى القاعدة ما ذكره (قدس سره) من عدم الفرق بين ما قبل الزوال وما بعده في عدم وجوب الإتمام ، فلا يجب عليه الإمساك بعنوان الصيام بعد خروجه عن عموم الآية المباركة من الأوّل ، ومن المعلوم أنّ الإمساك بعد ذلك من غير المأمور بالصيام يحتاج إلى قيام الدليل ، ولم ينهض عليه أيّ دليل في المقام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 21 : 486

(2) المدارك 6 : 195 ـ 196 .

ــ[9]ــ

   نعم ، الأحوط ذلك فيجدّد النيّة ويتمّ ثمّ يقضيه .

   ثمّ لا يخفى أنّ صور هذه المسألة ثلاث :

   إذ تارةً : يفرض أ نّه كان مريضاً واقعاً وقد حصل البرء واقعاً أيضاً أثناء النهار بمعالجة أو دعاء ونحوهما قبل الزوال أو بعده .

   واُخرى : ينكشف لدى البرء عدم المرض من الأوّل ، أو عدم كونه مضرّاً ، فكان اعتقاد الإضرار مبنيّاً على محض الخيال ، وجواز الإفطار مستنداً إلى الخطأ والاشتباه .

   وهذا على نحوين :

   إذ تارةً : يستند في جواز الإفطار إلى حجّة شرعيّة ، من خوف عقلائي ، أو ظنّ الضرر ، أو إخبار طبيب حاذق ثقة مع عدم بلوغ الضرر الثابت بالطريق الشرعي المسوّغ للإفطار حدّ الحرمة ، حيث ذكرنا في بحث لا ضرر عدم حرمة الإقدام على مطلق الضرر ، عدا ما تضمّن الإلقاء في التهلكة وما في حكمه دون ما لم يكن كذلك كخوف الرمد ونحوه .

   واُخرى : يستند إلى الاعتقاد الجزمي بالضرر بحيث لا يحتمل معه الخلاف ، أو استند إلى الحجّة الشرعيّة ولكن الضرر كان بالغاً حدّ الحرام ، كما لو أخبره الطبيب الماهر بأنّ في صيامك خطر الموت .

   ولا يخفى وضوح الفرق بين هذين النحوين ، لانحفاظ مرتبة الحكم الواقعي في الأوّل منهما بعد احتمال عدم إصابة الطريق ، فلا مانع من بقاء الأمر الواقعي ، لكونه قابلا للامتثال ولو من باب إمكان الاحتياط واستحبابه ، غايته أنّ مع قيام طريق ظاهري على خلافه يكون المكلّف معذوراً لدى التعويل عليه ، كما هو شأن كلّ حكم واقعي قام على خلافه حكم ظاهري من غير أىّ تناف بينهما حسبما هو مقرّر في محلّة ، فهو مكلّف ـ لدى خطأ الطريق ـ بالصوم واقعاً

ــ[10]ــ

وإن كان مرخّصاً في الإفطار ظاهراً .

   وهذا بخلافه على النحو الثاني ، لامتناع امتثال حكم يقطع بعدمه ، أو قام الطريق الشرعي على حرمته ، فلا سبيل إلى امتثاله حتّى من باب الاحتياط . ومن البيّن أنّ ما هذا شأنه يستحيل جعله من المولى الحكيم ، للزوم اللغويّة ، إذ أيّ أثر في جعل حكم لا يكون قابلا للامتثال بوجه من الوجوه ؟! فلا جرم يكون الحكم الواقعي ساقطاً وقتئذ بطبيعة الحال .

   وكيفما كان ، فقد عرفت أنّ صور المسألة ثلاث :

   منها : ما لو انكشف عدم المرض أو عدم الضرر من الأوّل ، وكان مستنداً في الضرر المتخيّل إلى حجّة شرعيّة ولم يكن بالغاً حدّ الحرمة .

   وحيث قد عرفت آنفاً بقاء الحكم الواقعي حينئذ على حاله للتمكّن من امتثاله ، فالإنكشاف المزبور يلازم ـ طبعاً ـ إنكشاف الأمر بالصوم من الأوّل وإن كان معذوراً ما دامت الحجّة قائمة على خلافه .

   ونتيجة ذلك : وجوب الإمساك بقيّة النهار بلا فرق بين ما إذا كان الإنكشاف قبل الزوال أم بعده ، لوحدة المناط ، وهو انكشاف كونه مأموراً بالصوم واقعاً من الأوّل .

   بل يجب الإمساك حتّى لو كان قد أفطر قبل ذلك كما لا يخفى .

   ولا شك حينئذ في وجوب القضاء ، كما لا إشكال في وجوبه أيضاً وإن لم يفطر فيما لو كان الانكشاف بعد الزوال ، لفوات محلّ النيّة ، فلم يتمّ له صوم هذا اليوم .

   وأمّا لو انكشف قبل الزوال : فلا نقص في ذات المأمور به من غير ناحية الإخلال بالنيّة اللازم رعايتها من لدن طلوع الفجر ، حيث قد أخلّ بها جهلا

ــ[11]ــ

بالموضوع ، ولم يرد نصّ في خصوص المقام يسوّغ التجديد ، وإنّما ورد في غيره كالمسافر أو الجاهل بكون اليوم من رمضان وقد قدم أو علم قبل الزوال ، فإن ألحقناه به لفهم عدم الخصوصيّة فهو ، وإلاّ كان مقتضى القاعدة عدم إجزاء الناقص عن الكامل .

   ويجري هذا في غير المريض أيضاً ، كمن قصد الإفطار زعماً منه بطريق شرعي أنّ المقصد الذي يزمع المسير إليه يبلغ المسافة الشرعيّة فانكشف الخلاف قبل الزوال وقبل أن يتناول المفطر ، حيث يستبان له الأمر بالصوم من الأوّل وإن كان يجوز له الإفطار بحسب الحكم الظاهري .

   وعلى الجملة : المقتضي لصحّة الصوم المزبور موجود ، إذ لا قصور في ذاته من غير جهة النيّة ، فإن تمّ الدليل على الإلحاق المذكور من إجماع ونحوه فهو ، وإلاّ حكم بالبطلان والقضاء ، لهذه العلّة ، وقد عرفت عدم الدليل .

   ومنها : ما لو كان مستنداً فيما تخيّله من الضرر إلى القطع الوجداني ، أو كان مستنداً إلى الحجّة الشرعيّة غير أنّ الضرر كان بالغاً حينئذ حدّ الحرمة .

   وحيث قد عرفت امتناع الامتثال ، لإنسداد باب الاحتياط وقتئذ ، إذ معنى للرجاء فيما قامت فيه الحجّة على الحرمة ، كما لا معنى لخطاب القاطع على خلاف قطعه ، فالأمر الواقعي بالصوم ساقط من الأوّل لا محالة ، لوجود المانع عن فعليّته ، وهو الاعتقاد الجزمي أو الطريق الشرعي القائم على التحريم .

   ومع ذلك كلّه لو انكشف الخلاف وجب عليه الإمساك وإن لم يكن مكلّفاً بالصوم من الأوّل ، وذلك من أجل أنّ الاستثناء في كلامه سبحانه إنّما تعلّق بموردين : المسافر والمريض ، وشيء منهما غير منطبق عليه حسب الفرض ، فلا مانع إذن من اندراجه في مناط عقد المستثنى منه، وإن لم يشمله خطابه فإنّ ذلك

ــ[12]ــ

مستند إلى وجود المانع المزبور ـ كما عرفت ـ لا إلى عدم تحقّق المقتضي. وعليه، فلا يجوز له الإفطار بعد ذلك عامداً ، فهو نظير من أبطل صومه المحكوم بوجوب الإمساك بقيّة النهار .

   ويمكن الاستدلال له بإطلاق جملة من الأخبار مثل ما ورد : من أنّ من جامع أهله نهار رمضان فعليه كذا ، فإنّ الخارج منه إنّما هو المريض أو المسافر اللّذان هما موردٌ للتخصيص من الأوّل .

   أمّا من لم يكن كذلك وإنّما كان مخطئاً في اعتقاده ، فلا مانع فيه من التمسّك بالإطلاق المزبور ويثبت الحكم في غير الجماع بالقطع بعدم الفرق .

   وبالجملة : فالظاهر أ نّه لا ينبغي الاستشكال في وجوب الإمساك في هذه الصورة أيضاً . فإن كان الانكشاف بعد الزوال وجب القضاء أيضاً ، وإن كان قبله ففي تجديد النيّة حينئذ وعدمه يجري الكلام المتقدّم من الإلحاق بالمسافر والجاهل وعدمه ، فلاحظ .

   ومنها : ما لو كان مريضاً يضرّه الصوم واقعاً ، وفي أثناء النهار برئ بعلاج ونحوه بحيث لولاه كان المرض باقياً حقيقةً إلى الغروب .

   فإن كان ذلك بعد الزوال فلا شكّ في عدم وجوب الإمساك ، وأ نّه لا يحسب له صوم هذا اليوم ، لخروجه عن العمومات بالكتاب والسنّة الناطقين بأنّ المريض غير مأمور بالصوم .

   نعم ، يُكره له خصوص الجماع ، للنهي عنه تنزيهاً في نهار رمضان حتّى ممّن لم يكن مأموراً بالصيام على ما نطقت به النصوص .

   وإن كان قبل الزوال فلا إشكال أيضاً فيما لو كان قد أفطر قبل ذلك ، لما عرفت .

ــ[13]ــ

   وأمّا لو لم يفطر فهو على قسمين :

   إذ تارةً : يكون الإفطار واجباً عليه ولو بشرب دواء ونحوه ، حفظاً لنفسه عن التعريض للهلكة ونحوها بحيث يكون عاصياً في إمساكه وعدم إفطاره .

   واُخرى : لم يكن واجباً وإن كان سائغاً ، لعدم البلوغ حدّ الضرر المحرّم ، أو كان بالغاً ولكنّه لم يتمكّن ولو للعجز عن تحصيل الدواء ـ مثلا ـ أو لغفلة أو نسيان ونحو ذلك بحيث لم يكن آثماً في إمساكه ، ولم يقع منه على وجه محرّم ، لكونه معذوراً فيه .

   لا شك في عدم المجال لتجديد النيّة في القسم الأوّل ، ضرورة أنّ الإمساك المنهي عنه لا ينقلب عمّا وقع ليكون مأموراً به ويتّصف بالعباديّة كما لو أمسك رياءً ، فإنّ دليل التجديد منصرف عن مثله قطعاً .

   وأمّا في القسم الثاني : فيبتني جواز التجديد على الإلحاق المزبور وعدمه حسبما عرفت .

   والأظهر عدم الإلحاق ، لخروجه بالتخصيص بمقتضى الآية المباركة ، وعدم كونه مكلّفاً بالصوم من الأوّل، ولو أفطر كان سائغاً حتّى واقعاً فلا يشمله دليل التجديد ليجتزئ بما بقي من النهار عن قضاء الصوم الواجب عليه تعييناً بمقتضى ظاهر الآية المباركة ، فإنّ السقوط بذلك يحتاج إلى الدليل ولا دليل عليه . فالظاهر عدم الاجتزاء بتجديد النيّة ، بل يجوز له الإفطار حتّى ما بعد البرء ، لأ نّه قد خُصِّص من الأوّل .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net