السادس : حكم الحاكم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5617


ــ[80]ــ

   السادس : حكم الحاكم((1)) (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) على المشهور كما نُسبَ إليهم ، وخالف فيه بعضهم فأنكر وجود الدليل عليه .

   ويستدلّ للمشهور بطائفة من الروايات لا تخلو عن الخدش سنداً أو دلالةً على سبيل منع الخلو .

   منها : صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس ، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم»(2) .

   دلّت على أنّ الإفطار يثبت بأمر الإمام ، سواء أثَبَتَ الهلال عنده قبل الزوال أم بعده ، وإنّما يفترقان في إقامة الصلاة ، حيث إنّها لا تشرع بعد الزوال ، فمن ثمّ تؤخَّر إلى الغد .

   ولكن الصحيحة ـ كما ترى ـ أجنبيّة عن محلّ الكلام بالكلّيّة ، وإنّما هي ناظرة إلى وجوب إطاعة الإمام وأ نّه متى أمر بالإفطار وجب ، لكونه مفترض الطاعة بمقتضى قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى ا لاَْمْرِ مِنكُمْ)(3) ، من غير حاجة إلى صدور حكم منه الذي هو إنشاء خاصّ ، لعدم فرضه في الحديث ، وإنّما المفروض مجرّد قيام الشهود لديه وصدور الأمر منه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ثبوت الهلال بحكم الحاكم إشكال ، بل الأظهر عدم ثبوته وإن كان رعاية الاحتياط أولى .

(2) الوسائل 10 : 275 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 6 ح 1 .

(3) النساء 4 : 59 .

 
 

ــ[81]ــ

الذي هو غير الحكم بالضرورة .

   وهذه الإطاعة ـ التي هي من شؤون الولاية المطلقة ـ خاصّة بمن هو إمام بقول مطلق ، أي لجميع الناس وكافّة المسلمين المنحصر في الأئمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولم ينهض لدينا ما يتكفّل لإثبات هذه الولاية المطلقة لغيرهم من الفقهاء والمجتهدين في عصر الغيبة لكي يثبت الهلال ويجب الإفطار بأمرهم ، بعد وضوح عدم صدق عنوان الإمام بمعناه المعهود عند المتشرّعة عليهم ولا سيما بلحاظ فرض وجوب طاعته على جميع المسلمين .

   وعلى الجملة : الرواية خاصّة بالإمام الذي هو شخص واحد وإمام لجميع المسلمين ـ وإن كان التطبيق محمولا على التقيّة أحياناً كما في قوله : «ذاك إلى الإمام»(1) ـ وناظرة إلى نفوذ أمره ووجوب طاعته .

   وإثبات هذا المقام لنوّابه العامّ من العلماء الأعلام والمراجع العظام دونه خرط القتاد ، كما نصّ عليه شـيخنا الأنصاري (قدس سره) في كتاب المكاسب(2) ، وباحثنا حوله ثمّة بنطاق واسع ، بل في
البلغة(3): إنّه غير ثابت بالضرورة ، ولا مساس لهذه الصحيحة بنفوذ حكم الحاكم والمجتهد الجامع للشرائط بحيث لو حكم وهو في بيته وإن لم يقلّده ـ بل لم يعرفه ـ أكثر الناس بأنّ هذه الليلة أوّل شوّال وجب على الكلّ ترتيب الأثر عليه وحرّمت مخالفته ، فإنّ هذا لا يكاد يستفاد من هذه الصحيحة بوجه .

   ومنها : التوقيع الذي رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن محمّد بن محمّد بن عصام ، عن محمّد بن يعقوب ، عن إسحاق بن يعقوب ، قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 132 /  أبواب ما يمسك عند الصائم ب 57 ح 5 .

(2) المكاسب 3 : 553 .

(3) بلغة الفقيه 3 : 218 .

ــ[82]ــ

سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علىّ ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) : «أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك ـ إلى أن قال : ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله» إلخ(1) .

   فإنّ أمر الهلال من الحوادث الواقعة فيرجع فيه إلى رواة الحديث ، وهم حكّام الشرع ويكون قولهم حجّة متّبعة وحكمهم نافذاً في الاُمّة .

   وفيه : أنّها قاصرة سنداً ودلالةً .

   أمّا السند : فلجهالة ابن عصام ، وكذا إسحاق بن يعقوب .

   وأمّا الدلالة : فلإجمال المراد من الحوادث الواقعة ، فإنّ المحتمل فيه اُمور :

   أحدها : الاُمور التي تتّفق خارجاً ولم يعلم حكمها ، كما لو مت زيد وله ثياب أو مصاحف عديدة ولم يعلم أنّ الحبوة هل تختصّ بواحد منها أو تشمل الكلّ ، ونحو ذلك من موارد الشبهات الحكميّة التي تتضمّنها الحوادث الواقعة ، وقد أمر (عليه السلام) بالرجوع فيها ـ الظاهر في السؤال عن حكمها ـ إلى رواة الحديث ، فتكون حينئذ من أدلّة حجّيّة الخبر لو كان المراد هو الراوي ، أو من أدلّة حجّيّة الفتوى لو كان المراد بالرواة هم العلماء . وعلى التقديرين تكون أجنبيّة عن محلّ الكلام .

   وممّا يؤيّد إرادة أحد الأمرين: الإرجاع إلى الرواة بصيغة العموم لا إلى شخص معيّن ، فإنّ هذا هو حكم الجاهل بالمسألة الذي لا يعرف حكمها فيرجع إلى العالم إمّا لأنّه راو أو لأنّه مجتهد، ومن الظاهر أنّ في زمانهم (عليهم السلام) وما بعده بقليل كان المرجع ـ لدى تعذّر الوصول إلى الإمام ـ هم رواة الحديث ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 140 /  أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9 ، إكمال الدين : 484 / 4 .

ــ[83]ــ

فكانوا هم المسؤولون عن حكم الحوادث الواقعة .

   وعلى أىّ حال ، فالرواية على هذا الاحتمال أجنبيّة عمّا نحن بصدده البتّة .

   ثانيها : الشبهات الموضوعيّة التي تقع مورداً للنزاع والخصومة ، كما لو ادّعى زيد ملكيّة هذه الدار وأنكرها عمرو ، ونحو ذلك من سائر موارد الدعاوي ، فتكون من أدلّة نفوذ القضاء .

   وهذا الاحتمال وإن كان بعيداً جدّاً بالنسبة إلى سابقه ـ وإلاّ لقال: فارجعوها ، بدل قوله : «فارجعوا فيها» ، ضرورة أنّ في موارد المرافعات والدعاوي تُرفع نفس الحادثة وأصل الواقعة إلى القاضي والحاكم الشرعي ، فهي ترجع إليه ، لا أ نّه يرجع فيها إليه . على أ نّه لا مدخل للراوي بما هو راو في مسألة القضاء وإنهاء الحكم ، لعدم كونه شأناً من شؤونه ، وظاهر التوقيع دخالة هذا الوصف العنواني في مرجعيّته للحوادث الواقعة كما لا يخفى ـ إلاّ أ نّه على تقدير تسليمه أجنبىٌّ أيضاً عن محلّ الكلام ولا ربط له بالمقام .

   ثالثها : مطلق الحوادث ، سواء أكانت من قبيل المرافعات أم لا ، التي منها ثبوت الهلال .

   وهذا الاحتمال هو مبنى الاستدلال ، ولكنّه لا مقتضي له بعد وضوح الطرق الشرعيّة المعدّة لاستعلام الهلال من التواتر والشياع والبيّنة وعدّ الثلاثين من غير حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي ، ضرورة أ نّه إنّما يجب الرجوع إليه مع مسيس الحاجة ، بحيث لو كان الإمـام (عليه السلام) بنفسه حاضراً لوجب الرجوع إليه . والأمر بالرجوع في التوقيع ناظر إلى هذه الصورة .

   ومن البيّن أنّ مسألة الهلال لم تكن كذلك ، فإنّه لا تجب فيها مراجعة الإمام (عليه السلام) حتّى في عصر حضوره وإمكان الوصول إليه، بل للمكلّف الامتناع عن ذلك والاقتصـار على الطرق المقرّرة لإثباته ، فإن توفّرت لديه وقامت

ــ[84]ــ

الحجّة الشرعيّة أفطر ، وإلاّ بقي على صومه ، ولم يعهد في عصر أحد من الأئمّة (عليهم السلام) ـ حتّى مولانا أميرالمؤمنين (عليه السلام) المتصدّي للخلافة الظاهريّة ـ مراجعة الناس ومطالبتهم إيّاه في موضوع الهلال على النهج المتداول في العصر الحاضر بالإضافة إلى مراجع التقليد ، إذ لم يذكر ذلك ولا في رواية واحدة ولو ضعيفة .

   وعلى الجملة : قوله (عليه السلام) : «فهو حجّتي عليكم» أي في كلّ ما أنا حجّة فيه ، فلا تجب مراجعة الفقيه إلاّ فيما تجب فيه مراجعة الإمام ، ومورده منحصر في أحد أمرين : إمّا الشبهات الحكميّة ، أو باب الدعاوي والمرافعات . وموضوع الهلال خارج عنهما معاً ، ولا دلالة فيه على حجّيّة قول الفقيه المطلقة وولايته العامّة في كلّ شيء بحيث لو أمر أحداً ببيع داره ـ مثلا ـ وجب اتّباعه .

   فمحصّل التوقيع : وجوب الرجوع إلى الفقيه في الجهة التي يرجع فيها إلى الإمام لا أنّ الولاية المطلقة ثابتة له بحيث إنّ المناصب الثابتة للإمام كلّها ثابتة للفقيه ، فإنّ هذا غير مستفاد منه قطعاً .

   ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة ، قال (عليه السلام) فيها : « .. ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما اسـتخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله ، وهو على حّد الشرك بالله»(1) .

   ويرد على الاستدلال بها : ضعف السند أوّلا وإن تلقّاها الأصحاب بالقبول ووسمت بالمقبولة ، لعدم ثبوت وثاقة ابن حنظلة ، بيد أ نّه وردت فيه رواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 136 /  أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1 .

ــ[85]ــ

وصفه الإمام (عليه السلام) فيها بقوله : «إذن لا يكذب علينا»(1) الذي هو في أعلى مراتب التوثيق ، لولا أنّها ضعيفة السند في نفسها كما مرّ ذلك مراراً .

   إذن لا سبيل للاستدلال بها وإن سمّيت بالمقبولة .

   وقصور الدلالة ثانياً ، حيث إنّها تتوقّف على مقدّمتين :

   الاُولى : دلالتها على جعل منصب القضاء في زمن الغيبة ـ بل حتّى في زمن الحضور ـ للعلماء ، وهذا هو المسمّى بالقاضي المنصوب ـ في قبال قاضي التحكيم ـ ويكون حكمه نافذاً وماضياً على كلّ أحد ، ولو طالب حضور أحد الخصمين وجب ، وله الحكم عليه غياباً لو امتنع .

   وغير خفي أنّ المقبولة وإن كانت واضحة الدلالة على نصب القاضي ابتداءً ولزوم اتّباعه في قضائه ، حيث إنّ قوله (عليه السلام) : «فليرضوا به حكماً» بعد قوله : «ينظران من كان منكم» إلخ ، كالصريح في أنّهم ملزمون بالرضا به حكماً باعتبار أ نّه (عليه السلام) قد جعله حاكماً عليهم بمقتضى قوله (عليه السلام) : «فإنِّي قد جعلته حاكماً» الذي هو بمثابة التعليل للإلزام المذكور .

   إلاّ أنّ النصب المزبور خاص بمورد التنازع والترافع المذكور في صدر الحديث ، بلا فرق بين الهلال وغيره ، كما لو استأجر داراً أو تمتّع بامرأة إلى شهر فاختلفا في انقضاء الشهر برؤية الهلال وعدمه ، فترافعا عند الحاكم وقضى بالهلال ، فإنّ حكمه حينئذ نافذ بلا إشكال .

   وأمّا نفوذ حكمه حتّى في غير مورد الترافع ـ كما لو شككنا أنّ هذه الليلة أوّل رمضان ليجب الصوم أو أوّل شوّال ليحرم من غير أىّ تنازع وتخاصم ـ فلا تدلّ المقبولة على نفوذ حكم الحاكم حينئذ إلاّ بعد ضمّ :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 133 /  أبواب المواقيت ب 5 ح 6 .

ــ[86]ــ

   مقدّمة ثانية ، وهي: أنّ وظيفة القضاة لم تكن مقصورة على حسم المنازعات فحسب ، بل كان المتعارف والمتداول لدى قضاة العامّة التدخّل في جميع الشؤون التي تبتلى بها العامّة ، ومنها : التعرّض لأمر الهلال ، حيث إنّهم كانوا يتدخّلون فيه بلا ريب ، وكان الناس يعملون على طبق قضائهم في جميع البلدان الإسلاميّة ، فإذا كان هذا من شؤون القضاء عند العامّة وثبت أنّ الإمام (عليه السلام) نصب شخصاً قاضياً فجميع تلك المناصب تثبت له بطبيعـة الحال ، فلهذا القاضي مالقضاة العامّة ، ومنه الحكم في الهلال ، كما هو المتعارف في زماننا هذا تبعاً للأزمنة السابقة ، لما بين الأمرين من الملازمة الخارجيّة حسبما عرفت .

   ولكنّك خبير بأنّ هذه المقدّمة أيضاً غير بيّنة ولا مبيّنة ، لعدم كونها من الواضحات الوجدانيّات ، فإنّ مجرّد تصدّي قضاة العامّة لأمر الهلال خارجاً يكشف عن كونه من وظائف القضاء في الشريعة المقدّسـة ، حتّى يدلّ نصب أحد قاضياً على كون حكمه في الهلال ماضياً بالدلالة الالتزاميّة، ولعلّهم ابتدعوا هذا المنصب لأنفسهم كسائر بدعهم ، فلا يصحّ الاحتجاج بعملهم بوجه بعد أن كانت الملازمة المزبورة خارجيّة محضة ولم يثبت كونها شرعيّة .

   وملخّص الكلام في المقام : أنّ إعطاء الإمام (عليه السلام) منصب القضاء للعلماء أو لغيرهم لم يثبت بأىّ دليل لفظي معتبر ليتمسّك بإطلاقه .

   نعم ، بما أنّا نقطع بوجوبه الكفائي ، لتوقّف حفظ النظام المادّي والمعنوي عليه ، ولولاه لاختلّت نظم الاجتماع ، لكثرة التنازع والترافع في الأموال وشبهها من الزواج والطلاق والمواريث ونحوها ، والقدر المتيقّن ممّن ثبت له الوجوب المزبور هو المجتهد الجامع للشرائط . فلا جرم يُقطع بكـونه منصـوباً من قبل الشارع المقدّس ، أمّا غيره فلا دليل عليه .

   ومن ثمّ اعتبر الفقهاء الاجتهاد في القاضي المنصوب زائداً على بقيّة الشرائط ،

ــ[87]ــ

باعتبار أ نّه القدر المتيقّن كما عرفت .

   ونتيجة ذلك : نفوذ حكم الحاكم في إطار خاصّ وهو باب المـنازعات والمرافعات ، فإنّه المتيقّن من مورد الوجوب الكفائي المقطوع به ، أمّا غيره فلا علم لنا به .

   وقد عرفت عدم ثبوت هذا المنصب لأحد بدليل لفظي ليتمسّك بإطلاقه ، فإنّ المقبولة وإن دلّت على نصب القاضي ابتداءً لكن موردها الترافع على أنّها ضعيفة السند كما مرّ . وأمّا غيرها ممّا تُمسّك به في المقام ـ مثل ما ورد من أنّ مجاري الاُمور بيد العلماء بالله ، أو أنّ العلماء ورثة الأنبياء ونحو ذلك ـ فهي بأسرها قاصرة السند أو الدلالة كما لا يخفى ، فلا تستأهل البحث ما عدا :

   رواية أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال ، قال : قال أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم ، فإنّي قد جعلته قاضياً ، فتحاكموا إليه»(1) وفي طريق الكليني : «قضائنا» بدل : «قضايانا»(2) .

   فإنّها رويت بطريقين مع اختلاف يسير في المتن :

   أحدهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي الجهم ، عن أبي خديجة(3) . وقد رواها صاحب الوسائل في الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 6 .

   وهذا الطريق ضعيف ، لجهالة أبي الجهم ، فإنّه مشترك بين ثلاثة أشخاص :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 13 /  أبواب صفات القاضي ب 1 ح 5 .

(2) الكافي 7 : 412 / 4 .

(3) التهذيب 6 : 303 / 846 .

ــ[88]ــ

أحدهم من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهو أجنبي عن مورد الرواية .

   الثاني : سويد ، ولم يوثّق ، على أ نّه من أصحاب السجّاد (عليه السلام) ، وإن بقي إلى زمان الصادق (عليه السلام) ، فكيف يروي عنه الحسين بن سعيد الذي لم يدرك الكاظم (عليه السلام) ؟!

   الثالث : بكير بن أعين أخو زرارة ، وهو وإن كان من الثقات الأجلاّء إلاّ أ نّه مات في زمان الصادق (عليه السلام) ، فكيف يمكن أن يروي عنه الحسين ابن سعيد ؟ !

   إذن فأبو الجهم الذي يروي عنه الحسين بن سعيد مجهول لا محالة .

   الطريق الثاني : ما نقله الصـدوق بإسناده عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم(1) . وكان من الأحرى أن يذكره صاحب الوسائل في هذا الباب أيضـاً ـ  أي الباب 11 من أبواب صفات القاضي لا الباب 1 منه  ـ كما لا يخفى .

   وهذا الطريق معتبر ، لصحّة طريق الصدوق إلى ابن عائذ ، وهو ثقة ، كما أنّ أبا خديجة ثقة أيضاً على الأظهر وإن ضعّفه الشيخ(2) ، فإنّه مبني على سهو منه واشـتباه تقدّمت الإشارة إليه ، حاصله : أنّ الرجل يكنّى بأبي سلمة أيضاً ، والذي هو ضعيف هو سالم بن أبي سلمة لا سالم أبو سلمة ، فاشـتبه أحدهما بالآخر .

   وكيفما  كان ، فالرواية وإن كانت معتبرة بهذا الطريق إلاّ أنّها قاصرة الدلالة ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 3 : 2 / 1 .

(2) الفهرست : 79 / 338 .

ــ[89]ــ

لكونها ناظرة إلى قاضي التحكيم ، أي الذي يتراضى به المتخاصمان الذي لا يشترط فيه إلاّ معرفة شيء من أحكام القضاء ، لا إلى القاضي المنصوب ابتداءً الذي هو محلّ الكلام ويعتبر فيه الاجتهاد كما تقدّم ، وإلاّ فقاضي التحكيم لا يكون حكمه نافذاً في غير خصم النزاع الذي رفعه المتخاصمان إليه ورضيا به حكماً ، لا في الهلال ولا في غيره بلا خلاف فيه ولا إشكال .

   والمتحصّل من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن : أ نّه لم ينهض لدينا دليل لفظي معتبر يدلّ على نصب القاضي ابتداءً ، وإنّما نلتزم به من باب القطع الخارجي المستلزم للاقتصار على المقدار المتيقّن .

   وعلى تقدير التسليم فالملازمة بينه وبين نفوذ حكمه في الهلال غير ثابتة ، فإنّ مجرّد تصدّي قضاة العامّة لذلك واتّباع الناس لهم لا يدلّ على كون الملازمة ملازمة شرعيّة ، بمعنى : أنّ كلّ من كان قاضياً كان حكمه في الهلال أيضاً ماضياً في الشريعة الإسلاميّة بعد أن لم يكن فعل القضاة حجّة متّبعة . ومن الجائز أن الشارع قد اقتصر فيه على الطرق المقرّرة لثبوته من الشياع والبيّنة والرؤية ، وإلاّ فبالعمل بالاستصحاب بمقتضى قوله (عليه السلام) : «صم للرؤية وأفطر للرؤية» كما هو الشأن في غيره من سائر الموضوعات الخارجيّة التي منها دخول الوقت ، أفهل يحتمل ثبوت الغروب ـ مثلا ـ بحكم الحاكم ليجوز الإفطار ؟ كلاّ ، بل على كلّ مكلّف تتبّع الطرق المتكفّلة لإثباته . فليكن هلال رمضان وشوّال أيضاً من هذا القبيل من غير أيّة خصوصيّة فيه . ولأجل ذلك استشكلنا في ثبوت الهلال بحكم الحاكم ، ومع ذلك كلّه فالاحتياط الذي هو سبيل النجاة ممّا لا ينبغي تركه .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net