لو كان العذر المستمرّ غير المرض - حكم ما لو كان سبب الفوت مغايراً للعذر المستمرّ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3804


   وإن كان العذر غير المرض كالسفر ونحوه فالأقوى وجوب القضاء (3) ، وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين المدّ((1)) .

ــــــــــــــــــــــــ
   (3) فلا يلحق بالمرض في الانتقال إلى الفداء، عملا بإطلاقات الكتاب والسنّة الدالّة على وجوب القضاء ، المقتصر في تقييدها على خصوص المرض ، لورود النصوص فيه .

   وأمّا السفر فلم يرد فيه أىّ نص ، عدا ما رواه الصدوق في العلل وفي العيون بإسناده عن الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليه السلام) ، في حديث طويل قال فيه : « . . . إن قال : فَلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج

ــــــــــــــــ

(1) لا يترك الاحتياط فيه وفيما بعده .

ــ[191]ــ

من سفره أو لم يقو من مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل وسقط القضاء، وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء ؟ قيل ... » إلخ(1) .

   وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة في إلحاق السفر بالمرض ، إلاّ أنّ الشأن في سـندها ، فقد وصفها في الجواهر بالصحّة ، وأنّها حاوية في نفسها لشرائط الحجّيّة، غير أنّها ساقطة عنها من أجل هجر الأصحاب لها وإعراضهم عنها(2)، إذ الظاهر أ نّه لم يقل بمضمونها أحد منّا، فهي متروكة مهجورة ، ولولاها لكانت موصوفة بالحجّيّه . وتبعه على ذلك بعضهم .

   أقول : لا أدري كيف وصفها (قدس سره) بذلك مع أنّ الرواية ضعيفة السند جدّاً حتّى مع الغضّ عن الهجر ؟ !

   فإنّ للشيخ الصدوق إلى الفضل بن شذان طريقين : أحدهما ما يرويه الفضل عن الرضا (عليه السلام) ، والآخر ما يرويه من جوابه (عليه السلام) لمكاتبات المأمون .

   أمّا الأوّل : فهو يرويه عن عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس ، عن علي بن محمّد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان .

   أمّا عبد الواحد : فهو غير مذكور بتوثيق ولا مدح إلاّ أ نّه شيخ الصدوق ، وقد تقدّم غير مرّة أن مجرّد كون الرجل من المشيخة لا يقتضى التوثيق ، ولم يلتزم الصدوق بأن لا يروي إلاّ عن الثقة ، بل كان يسير في البلاد ولم يكن همّه إلاّ جمع الروايات وضبط كلّ ما سمع من أي محدّث كان ، كيف ؟ ! وفي مشايخه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 337 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8 ، علل الشرائع : 271 / 9 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 117 / 1 .

(2) الجواهر 17 : 32 .

ــ[192]ــ

   وكذا إن كان سبب الفوت هو المرض وكان العذر في التأخير غيره مستمرّاً من حين بُرئه إلى رمضان آخر (1) أو العكس ، فإنّه يجب القضاء أيضاً في هاتين الصورتين على الأقوى ، والأحوط الجمع خصوصاً في الثانية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من نصّ على نصبه قائلا : لم أرَ أنصب منه ، حيث كان يصلّى على النبىّ (صلّى الله عليه وآله) منفرداً بقيد الانفراد، رفضاً منه للآل عليهم صلوات الملك المتعال آناء الليل وأطراف النهار .

   وأمّا ابن قتيبـة : فهو أيضاً لم يصرّح فيه بالتوثيـق . نعم ، هو من مشايخ الكشّي ، وقد عرفت آنفاً أنّ هذا بمجرّده لا يقتضي التوثيق ولا سيّما وأنّ الكشّي يروى عن الضعفاء كثيراً كما نصّ عليه النجاشي عند ترجمته بعد الثناء عليه(1) .

   وأمّا الثاني : ففي طريقه جعفر بن علي بن شاذان ، عن عمّه محمّد بن شاذان ، وجعفر هذا لم يوثّق، بل لم يذكر في كتب الرجـال ولم تعهد له رواية ما عدا وقوعه في هذا الطريق .

   فتحصّل : أنّ الرواية من ضعف السند بمكان ، ومعه كيف توصف بالصحّة واستجماعها شرائط الحجّيّة ؟ ! وإنّما العصمة لأهلها .

   وكيفما كان ، فإلحاق السفر بالمرض غير ثابت ، لعدم الدليل عليه بوجه ، بل مقتضى الإطلاقات هو العدم كما تقدّم .

   (1) قد علم ممّا ذكرنا أ نّه لو كان سبب الفوت والإفطار هو المرض وكان العذر المستمرّ الموجب للتأخير من لدن برئه إلى حلول رمضان آخر غيره من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 372 / 1018 .

ــ[193]ــ

السفر ونحـوه ، وجب القضاء حينئذ أيضاً ، إذ النصوص الواردة في المرض المقيّدة للإطلاقات موردها ما لو استمرّ به المرض إلى رمضان قابل ، فلا يشمل غير المستمرّ وإن أفطر ، استناداً إلى أمر آخر ، بل يبقى ذلك تحت الإطلاق .

   وأمّا لو انعكس الفرض بأن كان سبب الإفطار هو السفر ، وسبب التأخير استمرار المرض بين رمضانين ، فالظاهر سقوط القضاء حينئذ والانتقال إلى الفداء ، فإنّ النصوص المتقدّمة من صحاح محمّد بن مسلم وزرارة وعلي بن جعفر وإن لم تشمل هذه الصورة ـ إذ موردها ما إذا كان العذر هو المرض حدوثاً وبقاءً ، فلا تشمل ما لو كان الاستمرار مستنداً إليه دون الإفطار ، ولعلّ في سببيّته للإفطار مدخلا للحكم ـ ولكن إطلاق صحيحة عبدالله بن سنان غير قاصر الشمول للمقام ، فقد روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من أفطر شيئاً من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر وهو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم ، فأمّا أنا فإنّي صمت وتصدّقت»(1) .

   فإنّ العذر يعمّ المرض وغيره بمقتضى الإطلاق ، كما أنّ ظاهرها ولو بمعونة عدم التعرّض لحصول البرء في البين استمرار المرض بين الرمضانين . ومع الغضّ والتنزّل عن هذا الاستظهار فغايته الإطلاق لصورتي استمرار المرض وعدمه ، فيقيّد بما دلّ على وجوب القضاء لدى عدم الاستمرار ، فلا جرم تكون الصحيحة محمولة ـ بعد التقييد ـ على صورة الاستمرار .

   فإن قلت : إطلاق الصحيحة من حيث شمول العذر للسفر وغيره معارَض بإطلاق الآية المباركة الدالّة على وجوب القضاء على المسافر ، سواء استمرّ به المرض إلى رمضان قابل أم لا ، فكيف يمكن الاستناد إليها ؟!

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 336 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 4 .

ــ[194]ــ

   قلت : كلاّ ، لا معارضة بينهما وإن كانت النسبة بين الإطلاقين عموماً من وجه ، إذ الصحيحة ناظرة إلى الآية المباركة ، فهي حاكمة عليها شارحة للمراد منها ، لا من قبيل الحكومة المصطلحة ، بل بمعنى صلاحيّتها للقرينيّة بحيث لو اجتمعا في كلام واحد لم يبق العرف متحيّراً في المراد .

   فلو فرضنا أنّ الصحيحة كانت جزء من الآية المباركة بأن كانت هكذا : فإن كنتم مرضى أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر ، ومن كان معذوراً فأفطر استمر به المرض إلى رمضان آخر فليتصدق . لم يتوهّم العرف أيّة معارضة بين الصدر والذيل ، بل جعل الثاني قرينة للمراد من الأول ، وأنّ وجوب القضاء خاصّ بغير المعذور الذي استمرّ به المرض ، أمّا هو فعليه الفداء ليس إلاّ .

   وهذا هو المناط الكلّي في تشخيص الحكومة وافتراقها عن باب المعارضة كما نبّهنا عليه في بعض مباحثنا الاُصوليّة(1)، فإذا لم يكن تعارض لدى الاتّصال وفي صورة الانضمام لم يكن مع الانفصال أيضاً . هذا أوّلا .

   وثانياً : لو سلّمنا المعارضة فإنّما هي بالإطلاق المتحصّل من جريان مقدّمات الحكمة لا في الدلالة الوضعيّة . وقد ذكرنا في محلّه(2) أنّ في تعارض الإطلاقين بالعموم من وجه يحكم بالتساقط ولا يرجع إلى المرجّحات من موافقة الكتاب ونحوه، لكون موردها ما إذا كانت المعارضة بين نفس الدليلين لا بين الإطلاقين ، بل المرجع بعد التساقط أمر آخر من عموم أو أصل ، ومقتضى الأصل في المقام البراءة عن القضاء الذي هو بأمر جديد مدفوع بالأصل لدى الشكّ فيه ، إذ ليس لدينا عموم يدلّ على القضاء عدا ما سقط بالمعارضة المفروضة ، ولكن يحكم بوجوب الفداء استناداً إلى عموم موثّقة سماعة الآتية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 248 ـ 250 .

(2) مصباح الاُصول 3 : 429 ـ 430 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net