سادساً : أن يكون في المسجد الجامع 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4144


ــ[365]ــ

   السادس : أن يكون في المسجد الجامع (1) فلا يكفى في غير المسجد ولا في مسجد القبيلة والسوق ولو تعدد الجامع تخير بينها ولكن الأحوط مع الامكان كونه في أحد المسـاجد الأربعة مسجد الحرام ومسجد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ومسجد الكوفة ومسجد البصرة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن إرادة الأعمّ ممّا بين الهلالين ـ الذي هو المعنى الحقيقي ـ ومن المقدار ـ الذي هو معنى مجازي ـ ولم يلتزموا بخصوص الثاني ، لبنائهم على الاجتزاء بصيام الهلالين وإن كانا ناقصين كما عرفت ، وهذا يحـتاج إلى قرينة واضحة ، فإنّ الاستعمال في المعنى الأعمّ من الحقيقي والمجازي من أبعد المجازات لا يصار إليه من غير قرينة قاطعـة ، وحيث إنّها منفيّة لدينا فلا مناص من الجمود على المعنى الحقيقي والأخذ بظاهر لفظ الشهر ، أعني : ما بين الهلالين حسبما عرفت بما لا مزيد عليه .

   (1) لا إشـكال كما لا خلاف في لزوم إيقاع الاعتكاف في المسجد ، وإنّما الكلام في تشخيصه وتعيينه :

   فعن جماعة ـ منهم : المفيد والمحقّق في المعتبر والشرائع والشهيدين(1) وكثير من المتأخّرين ـ  : أ نّه كلّ مسجد جامع ، فلا ينعقد في مسجد القبيلة أو السوق .

   وعن جماعة آخرين ـ منهم الشيخ(2) ـ  : أ نّه لا يصحّ إلاّ في المساجد الأربعة : المسجد الحرام ، ومسجد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، ومسجد الكوفة ، ومسجد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المقنعة : 363 ، المعتبر 2 : 732 ، الشرائع 1 : 245 ، الدروس 1 : 298 ، المسالك 2 : 99 .

(2) الخلاف 2 : 233 .

ــ[366]ــ

البصرة . بل في محكّي المنتهى : أ نّه المشهور(1) ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه .

   وربّما يقال بصحّة الاعتكاف في كلّ مسجد تنعقد به الجماعة الصحيحة .

   ويدلّ على القول الأوّل جملة من النصوص التي منها :

   صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا اعتكاف إلاّ بصوم في مسجد الجامع»(2).

   وصحيحة داود بن سرحان : «إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلاّ في المسجد الحرام ومسجد الرسول أو مسجد جامع»(3) .

   فإنّها وإن كانت ضعيفة بطريق الكليني والشيخ من أجل سهل بن زياد ، ولكنّها صحيحة بطريق الصدوق عن البزنطي عن داود بن سرحان .

   ومنها : معـتبرة علي بن عمران ـ كما في التهذيب ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) : «قال : المعتكف يعتكف في المسجد الجامع»(4) .

   وهي معتبرة كما وصفناها، لصحّة طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال ، من أجل صحّة طريق النجاشي كما مرّ غير مرّة .

   وعلي بن عمران ثقة ، غير أنّ الرواية رواها الشيخ (قدس سره) في الاستبصار بعين السند والمتن إلاّ أ نّه أبدل علي بن عمران بـ  : علي بن غراب ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المنتهى 2 : 632 .

(2) الوسائل 10 : 538 /  أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1 .

(3) الوسائل 10 : 541 /  أبواب الاعتكاف ب 3 ح 10، الكافي 4 : 176 /  2 ، الفقيه 2 : 120 / 521 ، التهذيب 4 : 290 / 884 ، الاستبصار 2 : 126 / 411 .

(4) الوسائل 10 : 539 /  أبواب الاعتكاف ب 3 ح 4 ، التهذيب 4 : 290 / 880 ، الاستبصار 2 : 127 / 413 .

ــ[367]ــ

وهذا لم يوثّق . ولأجله لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية من جهة تردّد الراوي بين الثقة وغيره .

   ولا يحتمل تعدّد الرواية بعد اتّحاد السند والمتن ما عدا الراوي الأخير الذي اختلفت فيه نسخة التهذيب عن الاستبصار ، وكأنّ صاحب الوسائل استفاد أنّها روايتان ، ولذا ذكر الرواية عن الرجلين ، وقد عرفت أنّها رواية واحدة ، فلولا روايتها في الاستبصار لصحّ بها الاستدلال ، وأمّا بملاحظتها فلا تصلح إلاّ للتأييد ، نظراً إلى الترديد المزبور .

   ويستدلّ للقول الثاني بروايتين :

   إحداهما : مرسلة المفيد في المقنعة ، قال : روى أ نّه لا يكون الاعتكاف إلاّ في مسجد جمع فيه نبي أو وصي نبي ، قال : وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام جمع فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ومسجد المدينة جمع فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأميرالمؤمنين (عليه السلام) ، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة جمع فيهما أميرالمؤمنين (عليه السلام)(1) .

   وضعفها بالإرسال ظاهر ، ولا سيّما مع وهنها بأنّ مرسلها ـ وهو المفيد ـ لم يعمل بها ، إذ المحكّي عنه هو القول الأوّل كما عرفت .

   الثانية ـ وهي العمدة ـ : صحيحة عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها ؟ «فقال : لا اعتكاف إلاّ في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة ، ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة»(2) .

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 542 /  أبواب الاعتكاف ب 3 ح 12 ، المقنعة : 363 .

(2) الوسائل 1 : 540 /  أبواب الاعتكاف ب 3 ح 8 ، الكافي 4 : 176 / 1 ، الفقيه 2 : 120 / 520 ، التهذيب 4 : 290 / 883 ، الاستبصار 2 : 126 / 410 .

ــ[368]ــ

   وقد رويت بطرق ثلاثة :

   أحدها : طريق الكليني ، وهو ضعيف بسهل بن زياد .

   الثاني : طريق الشيخ ، والظاهر أ نّه معتبر ، لأنّ المراد بمحمّد بن علي الواقع في السند هو محمّد بن علي بن محبوب بقرينة روايته عن الحسن ابن محبوب .

   ومع الغضّ عن ذلك فالطريق الثالث ـ وهو طريق الصدوق ـ صحيح قطعاً ، لصحّة طريقه إلى الحسن بن محبوب بلا إشكال .

   فلا ينبغي التأمّل في صحّة السند ولا مجال للخدش فيه بوجه .

   إنّما الكلام في الدلالة ، وهي مبنيّة على أنّ المراد بالإمام العدل المذكور فيها من هو إمامٌ على جميع المسلمين من الموجودين والمعدومين ـ أعني : الامام المعصوم (عليه السلام) ـ ليكون الحكم منحصراً في المساجد الأربعة المذكورة في الصحيحة التي قد صلّى المعصوم (عليه السلام) فيها . ولكنها غير ظاهرة في ذلك ، بل الإمام العدل كالشاهد العدل لا ينسبق إلى الذهن منه عند الإطلاق إلاّ من يصحّ الاقتداء به في الجماعة في قبال من لا يصحّ كحكّام الجور والأئمّة الفسقة المتصدّين لإقامة الجماعات في بغداد آنذاك .

   ويؤكّده أ نّه لو اُريد به المعصوم (عليه السلام) لزم ارتكاب التقييد في صحيحتي الحلبي وداود بن سرحان المتقدّمتين، بحمل المسجد الجامع على المسجد الذي صلّى فيه المعصوم (عليه السلام) ، وهو حملٌ للمطلق على الفرد النادر ، ولا سيّما في صحيحة داود حيث ذكر فيها مسجد الحرام ومسجد الرسول ، فيراد بالمسجد الجامع المذكور فيها خصوص مسجد الكوفة ومسجد البصرة اللذين قد صلّى فيها الإمام المعصوم (عليه السلام) .

   وهو ـ كما ترى ـ ليس من الجمع العرفي في شيء أبداً ، فلا مناص من أن يراد به إمام الجماعة كما عرفت .

ــ[369]ــ

   وعليه ، فتكون مقتضى الصناعة تقييد مطلقات المسجد الجامع بما قد صلّى فيه الإمام العادل ، فيكون مكان الاعتكاف مشروطاً بأمرين : أحدهما كونه مسجداً ، والثاني أن يكون قد صلّى فيه الإمام العادل . ولكن حيث إنّ هذا خرق للإجماع المركّب ـ إذ لم يقل بهذا القول أحد فيما نعلم ـ فلا مناص من حمل القيد على الأفضليّة والاستحباب .

   وملخّص الكلام : أنّ نصوص المقام على طوائف :

   فمنها : ما جعل الاعتبار فيها بالمسجد الجامع في قبال مسجد القبيلة أو السوق ، كصحيحتي الحلبي وداود بن سرحان وغيرهما ممّا مرّ .

   ومنها : ما جعل الاعتبار فيها بالمساجد الأربعة كمرسلة المفيد وصحيحة عمر بن يزيد .

   لكن الاُولى واضحة الضعف من غير جابر .

   والثانية قاصرة الدلالة إلاّ على اعتبار كون المسجد الجامع ممّا قد صلّى فيه الإمام العادل جماعة ، لا خصوص الإمام الحقيقي المنصوب من قبل الله تعالى لينحصر في المساجد الأربعة ، للزوم حمل المطلق على الفرد النادر حينئذ ، الذي هو بعيد في صحيحة الحلبي وأشدّ بعداً في صحيحة داود بن سرحان كما تقدّم ، إذ قد ذُكر فيها من المساجد اثنان، فيلزم حمل الجامع فيها على الاثنين الآخرين، وهو كما ترى . فمفادها التقييد بإقامة جماعة صحيحة من إمام عادل في قبال أئمّة الجور . وهذا ممّا لا قائل به ، فإن كان إجماع على خلافه كما لا يبعد فلا بدّ من حمل الرواية على الاستحباب ، أو ردّ علمها إلى أهله ، وإلاّ فلا مناص من الأخذ بها وارتكاب التقييد حسبما عرفت .

   ومنها : ما تضمّن التقييد بمسجد الجماعة ، كصحيحة عبدالله بن سنان : «لا يصلح العكوف في غيرها ـ يعني : غير مكّة ـ إلا أن يكون في مسجد رسول

ــ[370]ــ

الله (صلّى الله عليه وآله) ، أو في مسجد من مساجد الجماعة»(1) .

   وصحيحة يحيى بن العلاء الرازي : «لا يكون الاعتكاف إلاّ في مسجد جماعة»(2) .

   وإنّما عبّرنا بالصحيحة نظراً إلى أن أبان بن عثمان من أصحاب الإجماع ، وإلاّ ففي مذهبه كلام وإن كان ثقة بلا إشكال .

   وصحيحة الحلبي : «لا يصلح الاعتكاف إلاّ في المسجد الحرام ، أو مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، أو مسجد الكوفة ، أو مسجد جماعة»(3) .

   والظاهر أنّ الجماعة في هذه النصوص وصفٌ لنفس المسجد لا للصلاة المنعقدة فيه لتدلّ على اعتبار إقامة الجماعة ، فمفادها أن يكون المسجد مورداً لاجتماع الناس ومحلاًّ لتجمّعهم ، إمّا لإقامة الجمعة أو لغيرها ، وهو معنى كون المسجد جامعاً في قبال مسجد السوق أو القبيلة . وعليه ، فيتّحد مفادها مع مفاد نصوص الطائفة الاُولى ـ الدالّة على اعتبار كون المسجد جامعاً ـ من صحيحتي الحلبي وداود بن سرحان وغيرهما .

   وأمّا رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سُئل عن الاعتكاف في رمضان في العشر الأواخر «قال : إنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلاّ في المسجد الحرام ، أو مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، أو في مسجد جامع (جماعة) »(4) .

   فليست هي مجمعاً للأمرين لتكون في قبال الطوائف المتقدّمة كما توهّم ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 10 : 539 /  أبواب الاعتكاف ب 3 ح 3 ، 6 .

(3) الوسائل 10 : 540 /  أبواب الاعتكاف ب 3 ح 7 .

(4) الوسائل 10 : 539 /  أبواب الاعتكاف ب 3 ح 5 ، التهذيب 4 : 291 / 885 .

ــ[371]ــ

فإنّها مذكورة في التهذيب المطبوع الذي بأيدينا بلفظ «جامع» فقط من غير إضافة جماعة في متن الرواية ، وإنّما ذكر ذلك بعنوان النسخة كما في الوسائل ـ  الطبعة الحديثة  ـ فالصادر عن المعصوم (عليه السلام) ليس هو اللفظين معاً ، بل إمّا «الجامع» فتلحق بالطائفة الاُولى ، أو «الجماعة» فتلحق بالأخيرة التي هي أيضاً ترجع إلى الاُولى كما عرفت . فلا يكون مفادها شيئاً آخر وراء النصوص المتقدّمة .

   على أنّها ضعيفة السند من أجل تردّد محمّد بن علي الراوي عن علي بن النعمان بين ابن محبوب الثقة وبين الكوفي الصيرفي الهمداني الملقّب بأبي سمينة الضعيف جدّاً كما تقدّم .

   بقي الكلام فيما رواه العلاّمة في المنتهى نقلا عن جامع أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال : لا اعتكاف إلاّ بصوم ، وفي المصر الذي أنت فيه»(1) .

   فإنّه قد يقال بظهورها في اعتبار كون المسجد مسجد البلد .

   ولكنّها مخدوشة سنداً ودلالةً :

   أمّا الأول : فلجهالة طريق العلاّمة إلى جامع البزنطي ، فهي لا محالة في حكم المرسل .

   وأمّا الثاني : فلأنّها لو كانت بلسان النهي بأن كان التعبير هكذا : لا يعتكف ... إلخ ، أمكن أن يراد بها النهي عن الاعتكاف في السفر ، وأنّ اللازم عليه أن يقيم فيعتكف في المصر الذي هو فيه، ولكنّها بلسان النفي الظاهر في نفي الطبيعة ، وأنّ طبيعي الاعتكاف لا يتحقّق إلاّ في المصر الذي هو فيه . وهذا ـ كما ترى ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 541 /  أبواب الاعتكاف ب 3 ح 11 ، المنتهى 2 : 633 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net