لو أجنب في المسجد ولم يمكن الاغتسال فيه - حكم ما لو غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3907


ــ[442]ــ

   [ 2590 ] مسألة 31: لو أجنب في المسجد ولم يمكن الاغتسال((1)) فيه وجب عليه الخروج(1)، ولو لم يخرج بطل اعتكافه((2))، لحرمة لبثه فيه .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمطلق الحاجة ، بل يعتبر كونها ممّا لابدّ منها ولو عرفاً ، للتقييد بذلك في بعض النصوص ، كما أ نّه لا دليل على جواز الخروج لمطلق الأمر الراجح من حضور مجلس تعزية أو فاتحة ونحو ذلك .

   نعم ، دلّ الدليل على الجواز في موارد خاصّة ، مثل : تشييع الجنازة ونحوه ممّا تقدّم ، فيقتصر عليها ولا يتعدّى عنها .

   (1) بل وجب وإن أمكن الاغتسال حال المكث إلاّ أن لا يزيد زمانه على زمان الخروج فيجوز ، للعفو عن البقاء هذا المقدار بحكم الاضطرار كما تقدّم سابقاً (3) ، بل قد يشكل الخروج حينئذ ، لعدم الضرورة المسوّغة .

   وكيفما كان ، فمتى وجب عليه الخروج ولم يخرج فقد حكم في المتن ببطلان الاعتكاف ، لحرمة لبثه فيه .

   ولكنّه لا يتمّ على إطلاقه ، فإنّ هذا المكث وإن حرم ولا يكون جزءاً من الاعتكاف جزماً ، لأنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ، إلاّ أنّ البطلان لابدّ وأن يستند إلى أحد امرين :

   إمّا الإتيان بمانع ، أو ترك جزء أو شرط عمداً ، وقد يكون لغير العمد أيضاً ، وإلاّ فالبطلان بلا سبب غير معقول .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل ولو أمكن حال المكث على ما تقدّم .

(2) في إطلاقه منع ، نعم لا يكون المكث الحرام جزءاً من الاعتكاف .

(3) في ص 388 .

ــ[443]ــ

   أمّا المانع فلم يتحقّق ، ضرورة أنّ ارتكاب الحرام لا يوجب البطلان ، فلو اغتاب أو افترى أو كذب أثناء اعتكافه أو ارتكب محرّماً آخر ـ ومنه المكث في المسجد جنباً ـ لم يقدح ذلك في صحّة الاعتكاف قطعاً وإن كان آثماً ، لعدم تقيّد الاعتكاف بعدم هذه الاُمور ، وهذا واضح .

   وأمّا ترك الجزء ففيه تفصيل، وتوضيحه : أنّ الأمر الوحداني المتعلّق بالاعتكاف والمكث في المسجد ثلاثة أيّام قد خُصِّص من الأوّل بمقدار الحاجة إلى الخروج وهو زمان الاغتسال بمقدّماته من تحصيل الماء أو تسخينه أو الذهاب إلى الحمّام ونحو ذلك ممّا يتوقّف عليه الغسل ، فليفرض أ نّه يستوعب من الزمان مقدار نصف ساعة ، فهذا المقدار مستثنى من الثلاثة ولا جزئيّة له فلا يجب المكث فيه ، بل يحرم .

   وعليه ، فلو فرضنا أ نّه لا يفرق الحال بالنسبة إلى هذا المقدار بين الخروج وعدمه ، لمساواتهما في عدم ارتفاع الجنابة قبل ذلك ، كما لو فرضنا أ نّه معتكف في مسجد الكوفة ولابدّ من تحصيل الماء من الشطّ إمّا أن يذهب بنفسـه أو يبعث من يجيء به ، وعلى التقديرين يستوعب من الوقت مقدار نصف الساعة ، فلو اختار الجلوس في المسجد وانتظر مجيء من أرسله لتحصيل الماء فهو لم يترك جزءاً من الاعتكاف ، لأنّ المفروض أنّ هذا المقدار من الزمان لا يجب المكث فيه ، غاية الأمر أ نّه كان يجب عليه الانتظار خارج المسجد فخالف وارتكب الحرام ، وقد عرفت أنّ ارتكابه لا يوجب البطلان .

   نعم ، لو فرضنا أ نّه جلس في المسجد زائداً على المقدار المذكور ، فبما أ نّه فوّت على نفسه الاعتكاف في المقدار الزائد من الزمان فقد ترك جزءاً من اللبث الواجب اختياراً ، وذلك موجب للبطلان .

   فتحصّل : أ نّه لا بدّ من التفصيل بين ما إذا كان مكثه موجباً لترك جزء من

ــ[444]ــ

   [ 2591 ] مسألة 32 : إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره بأن أزاله وجلس فيه فالأقوى بطلان اعتكافه ((1)) (1) ، وكذا إذا جلس على فراش مغصوب .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاعتكاف عامداً ـ كما لو مكث أكثر من المقدار اللازم كنصف الساعة في المثال فيبطل ـ وبين ما إذا لم يكن كذلك ، إذ لم يفرق الأمر بين الخروج وعدمه في أنّ كلاًّ منهما لا يزيد على نصف ساعة ـ مثلا ـ فلا موجب حينئذ للبطلان حسبما عرفت .

   (1) يبتني ما ذكره (قدس سره) على أنّ السابق في المسجد الشاغل للمكان ذو حقّ بالإضافة إليه ، بحيث لا يجوز التصرّف فيه إلاّ بإذنه ، كما في الأملاك ، فإنّه وإن لم يكن ملكاً له إلاّ أ نّه متعلّق لحقّ الاختصاص . فعلى هذا يكون التصرّف والمكث بغير الإذن محرّماً فيبطل الاعتكاف ، إذ لا يقع الحرام مصداقاً للواجب ، فهو مفوّت لجزء من الاعتكاف بإشغال المكان .

   وأمّا لو قلنا : إنّه لا يستفاد من الأدلّة ثبوت الحقّ بهذا المعنى كي لا يجوز التصرّف بغير الإذن ، وإنّما الثابت عدم جواز مزاحمته ، لكونه أحقّ وأولى ، فلا تجوز إزالته عن المكان ومنعه عن الاستفادة ، وأمّا بعد الإزالة وارتكاب المعصية فالمكان باق على الإباحة للجميع من غير حاجة إلى الإذن ، فلا يكون المكث محرّماً ولا الصلاة أو الاعتكاف باطلا. فهذا هو منشأ الكلام في بطلان الاعتكاف في المقام وعدمه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال ولا يبعد عدم البطلان ، وأمّا الجلوس على الفرش المغصوب ونحوه فلا إشكال في عدم البطلان به .

ــ[445]ــ

   فنقول : الروايات الواردة في المقام ثلاث :

   إحداها : ما رواه الكليني بإسناده عن محمّد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ «قال : من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته»(1) .

   وهي ضعيفة سنداً ودلالةً :

   أمّا السند : فلأجل أنّ محمّد بن إسماعيل وإن كان ثقة ـ لأنّ المعروف ممّن يسمّى بهذا الاسم مردّد بين ابن بزيع وابن ميمون وكلاهما ثقة ، فلا إشكال من هذه الناحية ـ ولكنّها مرسلة ، وهي ليست بحجّة وإن كان مرسلها ثقة ، فإنّ كثيراً من الثقات لهم مراسيل ولا يعتمد عليها قطعاً ، لأنّ مجرّد كون الراوي ثقة لا يستوجب حجّيّة مراسيله إلاّ إذا علم المراد من الواسطة من الخارج ، ولم يعلم في المقام ، وهذا ظاهر .

   وأمّا الدلالة : فلأنّها تضمّنت الأحقّيّة يومه وليله ، وهذا لم يلتزم به أحد من الفقهاء ، بل الأحقّيّة تدور مدار مقدار إشغال المكان من ساعة أو ساعتين أو أقلّ أو أكثر .

   نعم ، لو كان المكان هو السوق ، فبما أنّ الكاسب يشتغل غالباً طول النهار فهو يستوعب اليوم ، ولكنّه ينتهى بدخول الليل .

   وعلى أىّ حال ، فلم يثبت حقّ الاختصاص في الليل جزماً ، سواءً أكان هو المسجد أم السوق ، ما لم يكن شاغلا للمكان ، فالتقييد المزبور ممّا لا قائل به .

   الثانية : ما رواه الكليني أيضاً بإسناده عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 278 /  أبواب أحكام المساجد ب 56 ح 1 ، الكافي 4 : 546 / 33 .

ــ[446]ــ

(عليه السلام) «قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : سوق المسلمين كمسجدهم ، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل» إلخ(1) .

   وربّما يستشكل في سندها بأنّ طلحة بن زيد لم يوثّق ، ولكن الظاهر وثاقته وإن كان من العامّة، وذلك لأجل أنّ الشيخ ذكر في كتاب الفهرست عند ترجمته : إنّ له كتاباً معتمداً(2) . فإنّ الظاهر أ نّه لا ينبغي الشكّ بحسب الفهم العرفي في أنّ الاعتماد من جهة وثاقته لا لخصوصيّة في الكتاب ، إذ لو لم يكن ثقة فكيف يعتمد على كتابه ؟! وإنّما تعرّض للكتاب لأجل أنّ الغالب الرواية عن أرباب الكتب فيذكرون الطرق إلى تلك الكتب ، فالتعبير المزبور بمثابة أن يقول : إنّه وإن كان من العامّة إلاّ أ نّه ثقة يؤخذ برواياته .

   هذا ، مضافاً إلى وقوعه في إسناد كامل الزيارات وتفسير القمّي ، فالسند تامّ ولا مجال للخدش فيه .

   وكذلك الدلالة ، إذ التقييد بالليل لأجل أنّ موضوع الكلام هو السوق وقد شبّهه بالمسجد في أنّ السبق يوجب الأحقّيّة ، وبما أنّ المتعارف الخارجي قيام السوق إلى اللّيل واشـتغال الكاسب في تمام النهار فلأجله حدّده إلى اللّيل ، فليس هذا التقييد أمراً زائداً على ما يقتضيه نفس التعارف الخارجي ، فلا ينبغي أن يستشكل بأنّ الفقهاء لم يحدّدوه بهذا الحدّ ، بل حدّدوه بالحاجة ، إذ الحاجة بالإضـافة إلى السوق الذي هو موضوع الكلام يقتـضي التقييد باللّيـل كما عرفت ، فالرواية تدلّ على أنّ السابق له الحقّ ، غير أنّ الحقّ في السوق إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 278 /  أبواب أحكام المساجد ب 56 ح 2 ، الكافي 2 : 485 / 7 و ج5 : 55 / 1 .

(2) الفهرست : 86 / 373 .

ــ[447]ــ

الليل ، وفي المسجد بمقدار الحاجة ، فلا إشكال من هذه الجهة .

   الرواية الثالثة : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سوق المسلمين كمسجدهم» يعني : إذا سبق إلى السوق كان له مثل المسجد(1) .

   وهي من حيث الدلالة أظهر من الكلّ ، لعدم التقييد باليوم والليل ، فإشكال التقييد مرتفع هنا .

   وأمّا السند : فاعتباره يتوقّف على ما ذهب إليه الأكثر من أنّ مراسيل ابن أبي عمير كمسانيد غيره ، وأول من ادّعى ذلك فيما نعلم من هو الشيخ الطوسي في كتاب العدّة ، حيث ذكر جماعة ـ كصفوان وابن أبي عمير والبزنطي ـ وقال : إنّا علمنا أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عن ثقة(2) . ولأجله سوّى الأصحاب بين مراسيلهم ومسانيدهم .

   فإنّ تمّ ذلك كانت الرواية معتبرة وكافية في إثبات المطلوب ، ولكنّه لم يتمّ ولم تثبت هذه الدعـوى ، إذ لم ينسبها إلى أحد ، وإنّما هي اجتهاد من الشيخ نفسه ، حيث يقول : علمنا من حالهم هكذا ، فهو استنباط منه (قدس سره) .

   وقد ذكرنا في المعجم(3) أنّ الشيخ (قدس سره) بنفسه لم يلتزم بذلك ، حيث روى في التهذيب رواية عن ابن أبي عمير ثمّ قال : أوّل ما فيها أنّها مرسلة . ونحن بعد التتبّع عثرنا على روايات لابن أبي عمير يروي عن جمع من الضعفاء ، وهكذا صفوان والبزنطي ، بل قد رووا عمّن لا شكّ في ضعفه بتضعيف الشيخ والنجاشي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 406 /  أبواب آداب التجارة ب 17 ح 2 .

(2) العدة : 58 .

(3) المعجم 23 : 210 / 15151 .

ــ[448]ــ

   وعليه ، فهذه الرواية ساقطة ، لضعفها سنداً ، وإن كان الاستدلال بها أولى دلالةً كما عرفت . وقد عرفت ضعف الرواية الاُولى أيضاً .

   والعمدة في المقام رواية طلحة التي عرفت أنّها نقيّة السند ظاهرة الدلالة ، فلا بأس بالاستدلال بها .

   إنّما الكلام في المراد بالأحقّيّة ، فهل معناها : أنّ هذا المكان يعامَل معه معاملة الملك في أ نّه لا يجوز التصرّف فيه إلاّ بالاذن ، أو أنّ المراد عدم جواز المزاحمة والمنع عن الاستفادة وأنّ السابق أولى وأحقّ بان يستفيد ؟

   لا ريب أنّ المعنى الأوّل يحتاج إلى مؤونة زائدة وقرينة واضحة بعد أن كان المكان وقفاً للجميع من غير خصـوصيّة لأحد ، فإنّ التخـصيص بواحد بلا مقتض ما لم يدلّ عليه دليل قاطع .

   وبالجملة : القدر المتيقّن ممّا يستفاد من الأحقّيّة هو عدم جواز المزاحمة والإزالة عن المكان ، وأمّا بعد الإزالة وارتكاب المعصية فلا تعرّض في الرواية لجهة تصرّفه أو تصرّف غيره فيه . فلو أزال أحداً عن المكان ثمّ جلس فيه شخص ثالث ، أفهل يحتمل بطلان تصرّفه لكونه في حكم الملك للسابق يتوقّف على إذنه ؟ لا يقول بذلك أحد قطعاً ، فإنّه لو تمّ فهو خاصّ بالمزاحم .

   وبالجملة : فلا دليل على حرمة المكث ، بل المكان باق على وقفيّتـه الأصليّ .

   ونظير هذا ما ذكرناه في باب أولويّة الولي في الصلاة على الميّت وقلنا : إنّ ما ورد من أنّ أولى الناس بميراثه أولى الناس بالصلاة عليه ليس معناه : أ نّه لايجوز لغير الولي أن يصلّى على الميّت ، بل المراد : عدم جواز مزاحمته في الصلاة وأ نّه أولى بذلك ، وإلاّ فالوجوب الكفائي ثابت لجميع المكلّفين .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net