خامساً : تمام التمكّن من التصرّف \ الروايات الواردة في موارد العجز التكويني 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4538


ــ[33]ــ

   الخامس: تمام التمكّن من التصرّف، فلاتجب في المال الذي لا يتمكّن المالك من التصرّف فيه(1)، بأن كان غائباً ولم يكن في يده ولا في يد وكيله ، ولا في المسروق ، والمحجور ، والمدفون في مكان منسي ، ولا في المرهون ، ولا في الموقوف ، ولا في المنذور التصدّق به ((1)) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) رتّب (قدس سره) على هذا الاشتراط عدم وجوب الزكاة في موارد سبعة :

   أربعة منها يجمعها عدم التمكّن من التصرّفات التكوينيّة الخارجيّة ، وهو المال الغائب بحيث لا يكون في يده ولا في يد وكيله ، والمسروق ، والمدفون في مكان منسي ، والمحجور إمّا غصباً أو اشتباهاً .

   ففي هذه الموارد لا يتمكّن المالك من التصرّفات الخارجيّة ، لخروج الملك عن تحت يده وسيطرته ، وإن كان متمكّناً من التصرّفات الاعتباريّة ، من هبة أو صلح أو بيع ممّن يتمكّن من تسلّمه .

   وثلاثة منها يجمعها عدم التمكّن من التصرّف الاعتباري شرعاً وإن تمكّن خارجاً ، وهي : العين الموقوفة ، والمرهونة ، والمنذور بها التصدّق .

   فإنّ الوقف ملكٌ للطبقة الحاضرة ، فلهم التصرّف فيه تكويناً ، ولكنّه ملك غير طلق ، فلا يجوز لهم التصرّف الاعتباري من بيع أو هبة ونحو ذلك من التصرّفات الناقلة .

   وكذلك العين المرهونة ، فإنّه ربّما يتمكّن الراهن من التصرّف الخارجي ـ كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد ثبوت الزكاة فيه ، فإنّ وجوب الوفاء بالنذر حكمٌ تكليفي ، وهو لا يمنع من التمكّن من التصرّف المعتبر في وجوب الزكاة .

ــ[34]ــ

لو جعلها المرتهن بعد قبضها عند الراهن ـ لكنّه ممنوعٌ عن التصرّف شرعاً ببيع ونحوه .

   وهكذا الحال في منذور التصدّق من النقدين أو الأنعام ونحو ذلك ، فلو نذر أثناء الحول أن يتصدّق بها على الفقراء أو على جهة خاصّة ، فقد سُلِبت قدرته الشرعيّة على  التصرّفات الاعتباريّة دون الخارجيّة، وبذلك ينقطع الحول وتسقط عنه الزكاة في هذه الموارد بأجمعها، لعدم كون المالك تامّ التصرّف فيها إمّا تكويناً أو تشريعاً حسبما عرفت .

   والذي ينبغي أن يقال في المقام ـ  بعد أن كانت كلماتهم مختلفة في بيان هذا الشرط جدّاً ، فهذا المحقّق في الشرائع يذكر اعتبار الملكيّة أوّلاً ثمّ تمام الملك ثمّ جواز التصرّف أي التمكّن منه(1) ، وغيره يذكر غير ذلك كما لا يخفى على المتتبّع  ـ :

   إنّ المتّبع هو الروايات الواردة في المقام ، فقد ورد في عدّة من الأخبار عدم الزكاة في مال لم يصل إلى صاحبه ، أو الذي دفنه في مكان لا يعلم به ، أو أ نّه لا زكاة في مال حتى يكون عنده ، ونحو ذلك من التعابير .

   منها : معتبرة سدير الصيرفي ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول في رجل كان له مالٌ فانطلق به فدفنه في موضع ، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ، ثمّ إنّه احتفر الموضع الذي من جوانبه كلّها فوقع على المال بعينه ، كيف يزكّيه ؟ «قال : يزكّيه لسنة واحدة ، لأ نّه كان غائباً عنه وإن كان احتبسه» (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرائع الاسلام 1 : 166 ـ 167 .

(2) الوسائل 9 : 93 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1 ، الكافي 3 : 519 / 1 .

ــ[35]ــ

   قوله : «وإن كان احتسبه» ـ كما في الوسائل والكافي ـ أي وإن كان هو المتصدّي لحبس المال ودفنه . وذكر المحقّق الهمداني : أنّ النسخ مختلفة ، وفي بعضها «احتسب» أي وإن كان المالك حسب المدفون من أمواله . وكيفما كان فلا دخل لهذه الجملة فيما نحن بصدده .

   وقد دلّت على أنّ المال الذي لا يتمكّن صاحبه من التصرّف فيه خارجاً ـ  لعدم السلطة عليه تكويناً وإن تمكّن من التصرّف اعتباراً من بيع أو جعله مهراً ونحو ذلك  ـ لا زكاة فيه .

   وموثّقة إسحاق بن عمّار : عن الرجل يكون له الولد ، فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو ، ومات الرجل ، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه ؟ «قال : يعزل حتى يجيء» ، قلت : فعلى ماله زكاة ؟ «قال : لا حتى يجيء» ، قلت : فإذا هو جاء أيزكّيه ؟ «فقال : لا ، حتى يحول عليه الحول في يده» (1) .

   فإنّ من المعلوم أنّ المراد باليد ليس هو العضو والجارحة الخاصّة ، بل المراد ما هو المتعارف من استعمالها ، أي يكون تحت استيلائه وسلطانه ، بحيث يتمكّن من التصرّف التكويني خارجاً .

   وموثّقته الاُخرى ـ وإن اشتمل سندها على إسماعيل بن مرار ، لكنّه مذكور في أسناد تفسير عليّ بن إبراهيم ـ : عن رجل ورث مالاً والرجل غائب ، هل عليه زكاة ؟ «قال : لا ، حتى يقدم» ، قلت : أيزكّيه حين يقدم ؟ «قال : لا ، حتى يحول عليه الحول وهو عنده» (2) .

   فإنّ قوله (عليه السلام) : «وهو عنده» عبارة اُخرى عن كونه تحت تصرّفه لا مجرّد كونه عنده ولو اغتصبه ظالم وجعله وديعة عند مالكه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 93 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 2 .

(2) الوسائل 9 : 94 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 3 .

ــ[36]ــ

   وصحيحة عبدالله بن سنان: «لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في
يديك»(1).

   وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما ، متى تجب عليه الزكاة ؟ «قال : إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يزكّي» (2) .

   إلى غير ذلك من الأخبار كما لا يخفى على المراجع .

   وهذه النصوص ـ كما ترى ـ تدلّنا بأجمعها على أنّ المعتبر في تعلّق الزكاة : الاستيلاء الخارجي على العين الزكويّة ، بإتلاف أو أكل أو نقل إلى مكان آخر ونحو ذلك من التصرّفات التكوينيّة ، بحيث تكون تحت يده وسلطته .

   وأمّا التمكّن من التصرّفات الشرعيّة الاعتباريّة ـ مثل : البيع أو الهبة أو الصلح ونحو ذلك ـ فهي أجنبيّة عن التعرّض لذلك رأساً ، ولا دلالة في شيء من هذه الأخبار على اعتبار التمكّن من ذلك أو عدم اعتباره في تعلّق الزكاة بتاتاً .

   وبذلك يندفع الإشكال المعروف من أ نّه إن اُريد التمكّن من جميع التصرّفات فهذا غير متحقّق في كثير من موارد تعلّق الزكاة ، ولا إشكال في عدم اعتباره فيها ، فلو اشترى مقداراً من الأنعام واشترط البائع أن لا يهبها أو لا يبيعها أو لا يؤجّرها من زيد سنة واحدة ، لا يمنع ذلك عن تعلّق الزكاة قطعاً .

   وإن اُريد التمكّن من التصرّف ولو في الجملة ، فهذا متحقّق في كثير من الموارد المتقدّمة ، من المسروق أو المحجور أو الغائب ونحو ذلك ، بأن يهبه أو يبيعه من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 95 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 6 .

(2) الوسائل 9 : 95 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 1 .

ــ[37]ــ

السارق أو من غيره المتمكّن من تسلّمه ـ كابنه مثلاً ـ أو يبيع المال الغائب أو المحجور من شخص آخر .

   وجه الاندفاع : ما عرفت من أنّ هذه الأخبار بأسرها ناظرة إلى التصرّفات الخارجيّة والتمكّن من القلب والتقليب التكويني في قبال المال الغائب ـ مثلاً ـ الذي لا يتيسّر فيه ذلك ، ولا نظر فيها بوجه إلى التصرّفات الاعتباريّة حتى يقال : إنّ الاعتبار بجميع تلك التصرّفات أو بعضها . فلا يرد شيء من الإشكالين المبنيّين على توهّم شمول الأخبار للتصرّف الاعتباري .

   ودعوى : أنّ الممنوع الشرعي ملحق بالممتنع العقلي .

   مدفوعةٌ بعدم الدليل على هذا الإلحاق على سبيل الإطلاق .

   نعم ، ثبت ذلك في باب التكاليف بحكومة العقل ، فكما لا يمكن التكليف بغير المقدور عقلاً فكذا لا يمكن الأمر بما هو ممنوع شرعاً، إذ لا يعقل البعث نحو الحرام، فالممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً من هذه الجهة، وأمّا لو جُعِلَ المنع العقلي في مورد موضوعاً لحكم شرعي ـ كما في المقام ـ فلا دليل على إلحاق المنع الشرعي به في موضوعيّته للحكم أو كونه شرطاً فيه كما لا يخفى .

   والمتحصّل من جميع ما سردناه لحدّ الآن : أنّ هذا الاشتراط تامٌّ في الأربعة المذكورة أوّلاً ـ أعني موارد العجز التكويني ـ فلا تجب الزكاة فيها لأجل هذه الأخبار .

   وأمّا الثلاثة الاُخر ـ التي يجمعها العجز التشريعي والممنوعيّة عن التصرّف الاعتباري ـ فلا بدّ من التعرّض لكلّ واحد منها بحياله بعد عدم اندراجها تحت هذه الأخبار كما عرفت ، فنقول :




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net