في البقر نصابان - بيان المراد من التبيع 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 11525

 

ــ[161]ــ

وأمّا في البقر فنصابان :

   الأوّل : ثلاثون(1)، وفيها تبيع أو تبيعة((1)) ، وهو ما دخل في السنة الثانية .

   الثاني : أربعون ، وفيها مسنّة ، وهي الداخلة في السنة الثالثة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لا خلاف كما لا إشكال في أنّ للبقر نصابين :

   أحدهما : ثلاثون ، فلا شيء فيما دونه .

   والآخر : أربعون ، وفيها مسنّة ، أي البقرة التي حدث لها السنّ بالدخول في السنة الثالثة ، لا بالمعنى الذي ربّما يطلق على الإنسان ، أي كثير العمر .

   والمعروف والمشهور أنّ الواجب في النصاب الأوّل : تبيع أو تبيعة ، وهو الذي أكمل حولاً ودخل في السنة الثانية ، ويطلق عليه الحولي أيضاً ، بمعنى ما أكمل الحول لا ما هو في الحول ، وقد فسّره بذلك جماعة من الأصحاب مضافاً إلى تصريح اللغويّين .

   واستدلّ له في الجواهر (2) أيضاً بصحيح ابن حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام): «التبيع ما دخل في الثانية»، ولكن هذه العبارة لم تكن جزءاً من الحديث ، بل الحديث هكذا : «أسنان البقر تبيعها ومسنّها في الذبح سواء» (3) ، وتلك العبارة زيادة من صاحب الوافي بياناً للحديث كما نبّه عليه معلّق الجواهر .

   وكيفما كان ، فقد عرفت أنّ المشهور هو التخيير بين التبيع والتبيعة ، وعن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأحوط اختيار التبيع .

(2) والجواهر 15 : 125 .

(3) الوسائل 14 : 105 /  أبواب الذبح ب 11 ح 7 .

ــ[162]ــ

جماعة من الأصحاب الاقتصار على التبيع .

   ويستدلّ للمشهور :

   تارةً : بصحيحة الفضلاء التي رواها المحقّق في المعتبر هكذا : «في البقر في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة» (1) .

   ولكنّها مرويّة في الكافي والتهذيب والوسائل هكذا : «في البقر في كلّ ثلاثين تبيع حولي» (2) من غير ضمّ التبيعة .

   إذن لم يبق وثوق بنقل المحقّق لها بتلك الصورة ، ولعلّ ذلك كان اجتهاداً منه بزعم عدم الفرق ، لا عثوراً على ما كان عنده من الاُصول أو أ نّه سهوٌ من قلمه الشريف ، وإلاّ فكيف يمكن التعويل على ما تفرّد هو (قدس سره) بنقله ، ولم يذكر في شيء من كتب الحديث ولا غيرها ؟!

   واُخرى : بما في الجواهر من أنّ التبيعة أكثر نفعاً باعتبار الدرّ والنسل (3) .

   وفيه : ما لا يخفى ، إذ ـ مضافاً إلى أنّ هذا أمرٌ غالبي لا دائمي ، إذ قد يكون التبيع أنفع لمكان الحرث والضراب ـ أ نّه لا دليل على الإجزاء بكلّ ما هو أنفع بحيث يرفع اليد عن ظهور الدليل في الوجوب التعييني لأجل هذه العلّة ، فتدفع الحنطة ـ مثلاً ـ في مقام تفريغ الذمّة عن التبيع الواجب فيما لو كانت أنفع منه .

   وثالثةً : بما ذكره في الجواهر أيضاً من قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء على رواية الكافي والتهذيب في المرتبة الرابعة ـ أي التسعين ـ : «فإذا بلغت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المعتبر 2 : 502 .

(2) الوسائل 9 : 114 /  أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1 ، الكافي 3 : 534 / 1 ، التهذيب 4 : 24 / 57 .

(3) الجواهر 15 : 115 .

ــ[163]ــ

تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات» فإنّ هذا التعبير يكشف عن جواز دفع الاُنثى ، لأنّ تبايع جمعٌ لتبيعة كما يشهد له تذكير ثلاث ، ولا يحتمل الفرق بين هذه المرتبة وبين المراتب السابقة (1) .

   ويندفع : بأنّ الصحيحة وإن نُقلت في الوسائل (2) كذلك ، إلاّ أ نّها مرويّة في الحدائق بلفظة : «تبيعات» (3) بدل : «تبايع» التي هي في غير ذوي العقول جمعٌ للأعمّ من المذكّر والمؤنّث ، فلا تدلّ هذه الهيئة على أنّ مفردها هل هو تبيع أو تبيعة ، وأمّا الكافي فلم يذكر فيه لا «تبيعات» ولا «تبايع» ، بل اقتصر فيه على قوله : «ثلاث حوليات» .

   فإن قلت : كفى في الدلالة على الاُنوثة تذكير الثلاث ، فإنّ تمييز الأعداد فيما بين الثلاث والعشر تخالف المميّزات في الذكورة والاُنوثة ، وقد قيل : ذكّر أنّث بعكس ما اشتهرا .

   قلت : يمكن أن يكون ذلك باعتبار تأنيث الجمع في «تبايع» أو «تبيعات» أو «حوليات» على اختلاف النسخ من جهة التأويل إلى الجماعة لا باعتبار تأنيث المفرد ، كما وقع نظيره في بعض النصوص ، كروايتين وردتا في باب الشهادة على الزنا (4) قد عبّر فيهما بأربع شهود مع عدم ثبوته بشهادة أربع نسوة جزماً ، فكان اللاّزم أن يعبّر فيهما بأربعة شهود كما في قوله (عليه السلام) : «أربعة من الشهداء» (5) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 15 : 115 .

(2) الوسائل 9 : 114 /  أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1 .

(3) الحدائق 12 : 55 .

(4) الوسائل 28 : 94 و 95 /  أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 1 و 3 .

(5) لاحظ الوسائل 28 : 95 /  أبواب حدّ الزنا ب 12 ح 4 .

ــ[164]ــ

   وعلى الجملة : فالتعبير بالثلاث هنا كالتعـبير بالأربع هناك ، إمّا مبني على المسامحة أو السهو في كلام الراوي أو التأويل إلى الجماعة . وعلى أيّ تقدير فلا يكشف عن التأنيث في مفرد التمييز .

   بل أنّ سياق الصحيحة يشهد بأنّ المراد إنّما هو التبيع لا التبيعة ، وذلك لأنّ الحكم في المراتب اللاّحقة ليس حكماً ابتدائياً ، وإنّما هو تطبيقات وتفريعات على الضابط المذكور في الصدر من أنّ في كلّ ثلاثين تبيع وفي كلّ أربعين مسنّة، ولأجله تنحصر اُصول نُصُب البقر في نصابين كما مرّ(1)، فالستّون والسبعون والثمانون والتسعون والمائة والعشرون كلّها مصاديق لتلك الكبرى ، لا أ نّها تتضمّن حكماً جديداً ، وحيث إنّ المذكور في الصدر تبيع في الثلاثين ولأجله ذكر تبيعان في الستّين فلا جرم يكون المراد ثلاثة تبايع ذكور في التسعين .

   ومنه تعرف أنّ ما تضمّنه الصحيح من الاقتصار في المائة والعشرين على الثلاث مسنّات إنّما هو لأجل كونها إحدى فردي التخيير لا لخصوصية فيها ، إذ هي كما تتضمّن ثلاث أربعينات تتضمّن أربع ثلاثينات فيجوز دفع أربع تبيعات أيضاً .

   ورابعةً :  بما ورد في الفقه الرضوي(2) ورواية الأعمش في الخصال(3) من التصريح بجواز التبيعة .

   ولكنّهما ضعيفان وغير صالحين للاستناد كما مرّ مراراً .

   نعم ، روى المحدّث النوري في المستدرك والعلاّمة المجلسي في البحار عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 161 .

(2) فقه الرضا (عليه السلام) : 196 .

(3) الوسائل 9 : 64 /  أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 10 ح 1 ، الخصال : 605 / 9 .

ــ[165]ــ

كتاب عاصم بن حميد الحنّاط رواية تتضمّن التخيير(1) ، والرجل موثّق وكتابه معتبر ، ومن ثمّ قد يتوهّم الاستناد إليها في الفتيا بمقالة المشهور .

   ولكن الذي يصدّنا عن ذلك عدم إحراز طريق النوري ولا المجلسي إلى الكتاب المزبور ، فإنّ الكتاب في نفسه وإن كان معتبراً كما عرفت ولكن الشأن في تطبيقه على الذي وصل إليهما ، ومن الجائز أ نّهما وجدا تأليفاً مكتوباً على ظهره أ نّه كتاب عاصم بن حميد من غير أن يكون هو ذاك الكتاب بحسب الواقع ، إذ بعد جهالة الطريق (2) يتطرّق هذا الاحتمال بطبيعة الحال من غير دافع ، فيكفينا نفس عدم الثبوت لو لم يكن ثابت العدم .

   كما لم يكن ثابتاً عند الشيخ أيضاً ، إذ هو مع أ نّه عنونه في الفهرست (3) وذكر أنّ له كتاباً وذكر طريقه إلى الرجل نفسه ـ وطريقه إليه صحيح ـ وروى عنه في التهذيب روايات كثيرة ، لم يرو عن كتابه (4) ولا رواية واحدة ، فيكشف ذلك عن عدم ثبوت الكتاب عنده (قدس سره) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 7 : 60 /  أبواب زكاة الأنعام ب 3 ح 1 ، البحار 96 : 54 / 7 .

(2) لا تبعد صحّة طريق المجلسي ، نظراً إلى صحّة طريقه إلى جميع مرويّات الشيخ (قدس سره) وصحّة طريق الشيخ إلى كتاب عاصم حسبما أشار إليه في الفهرست ، فإنّ نتيجة هذين الأمرين صحّة طريق المجلسي إلى الكتاب المزبور، على ضوء ما أفاده (دام ظلّه) في موارد منها : تصحيح طريق صاحب الوسائل إلى كتاب علي بن جعفر ، لوحدة المناط وعدم فارق ظاهر ، فلاحظ .

(3) الفهرست : 120 / 543 .

(4) بل قد روى في غير موضع من التهذيب ، حيث ابتدأ السند باسم الرجل ، الكاشف عن النقل عن كتابه ، حـسبما تعهّد به في المشيخة . لاحظ ج 6 ح 873 و ج 8 ح 50 و ح1189 و ج 9 ح 603 .

ــ[166]ــ

   وبالجملة : فحال هذا الكتاب حال الأشـعثيّات المنقولة إلى النوري من الهند ، الذي لم يعلم كون المنقول إليه هو ذاك الكتاب المعتبر في نفسه من جهة الشكّ في التطبيق المستند إلى جهالة الطريق .

   وكيفما كان ، فالتخيير بين التبيع والتبيعة ـ الذي ذكره المشهور ـ لا يمكن إثباته بدليل ، ومناقشة صاحب الحدائق (قدس سره) في ذلك (1) في محلّها ، فالأحوط بل الأظهر لزوم الاقتصار على التبيع .

   ثمّ إنّك عرفت أنّ التبيع مفسّر في كلمات الأصحاب وبعض اللغويين بما دخل في الثانية ، فإن تحقّق ذلك فهو ، وإلاّ ـ نظراً إلى معارضته بقول بعض آخر من اللغويين من أ نّه ولد البقر سمّي به لأ نّه يتبع اُمّه في الرعي ، الصادق على ما في الحول أيضاً ، فلم تركن النفس إلى ما تثق به في معنى اللفظ ـ فيكفينا حينئذ في صحّة التفسير المزبور توصيف التبيع بالحولي في صحيحة الفضلاء .

   فإنّ معنى الحول ليس هو السـنة كي يناقَش في اعتبار الخروج عنها والدخول في السنة الاُخرى ، بل معناه منطبقٌ على السنة ، فإنّه من التحويل والانتقال والدوران ، فلا يطلق الحول إلاّ بعد أن دارت السنة وتحوّلت إلى اُخرى ، فلو كانت الولادة في رأس الحمل أو أوّل رمضان لا يقال : إنّ له حولاً ، أو : إنّه حولي ، إلاّ فيما إذا دارت السنة ودخل المولود في رمضان القابل ، ومنه إطلاق الحوليّات على قصائد السيّد حيدر (قدس سره) باعتبار أنّ نظمها وتنسيقها استوعب من الوقت حولاً كاملاً .

   على أنّ الحولي لو كان يطلق على ما في الحول لكان توصيف التبيع به في الصحيح مستدركاً ، فإنّ المولود منذ ولادته موصوفٌ بأ نّه في الحول إلى أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 12 : 56 ـ 57 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net