هل الزكاة حقّ متعلّق بالعين على وجه الاشاعة ، أم على وجه الكلّي في المعيّن ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3953


ــ[384]ــ

   [ 2688 ] مسألة 31 : الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين لكن لا على وجه الإشاعة بل على وجه الكلّي ((1)) في المعيّن (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ)(2) من تطبيق الخبيث على الجعرور والمعافارة وعدم جواز إخراجهما عن الزكاة، فالآية المباركة في حدّ نفسها مع الغض عمّا ورد في تفسيرها ناظرة إلى مطلق الإنفاقات ولا ارتباط لها بباب الزكاة ، فإنّ المراد من الطيّب والخبيث في غير واحد من الآيات التي منها قوله تعالى : (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ) (3) هو الحلال والحرام ـ أي ما هو منشأ للحلّيّة والحرمة ـ فظاهر الآية المباركة لزوم كون الإنفاق من حلال الكسب لا من حرامه كما قيل : لا تزني ولا تتصدّقي ، وهي بإطلاقها شاملة لعامّة الصدقات والإنفاقات ولا اختصاص لها بباب الزكاة ، إلاّ أنّ الروايات المفسّرة طبّقتها على هذا الباب وجعلت مصداق الخبيث ذينك النوعين الرديئين من التمر ، ولكنّك عرفت أنّ عدم الاجتزاء بهما على القاعدة وفي الحقيقة هما خارجان عن محلّ الكلام ، فلا يقاس عليهما سائر أقسام الرديء التي تعدّ من المأكول ولا ينصرف عنها اسم التمر وكانت من مصاديق الطبيعة عرفاً وإن كانت رديئاً .

   فالأقوى جواز دفع ذلك عن الجيّد والأجود وإن كان الأحوط خلافه كما عرفت.

   (1) هل الزكاة حقّ متعلّق بالذمّة والأداء من العين وفاءً عمّا في الذمّة ؟ أم أ نّها متعلّقة بنفس العين الزكوية ابتداءً ؟ وعلى الثاني فهل التعلّق على سبيل الإشاعة أم بنحو الكلّي في المعيّن ، أو بوجه آخر ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد أن يكون قبيل الشركة في المالية ومع ذلك يجوز التصرّف في بعض النصاب إذا كان الباقي بمقدار الزكاة .

(2) البقرة 2 : 267 .

(3) الأعراف 7 : 157 .

ــ[385]ــ

   اختار الماتن (قدس سره) ما هو المعروف بين الفقهاء قديماً وحديثاً من أ نّها متعلّقة بالعين على نحو الكلّي في المعيّن .

   فيقع الكلام أوّلاً في أصل التعلّق بالعين ، ثمّ في كيفيّة التعلّق ، فنقول :

   أمّا أ نّها متعلّقة بالعين دون الذمّة فهو المشهور بل يشبه المتسالم عليه بين الأصحاب ، إذ لم ينقل الخلاف فيه صريحاً عن أحد ، بل نُسب إلى الشذوذ أو إلى قائل مجهول .

   ويدلّنا عليه ظواهر النصوص مثل قوله (عليه السلام) : «فيما سقته السماء العشر» و : «في أربعين شاة شاة» ، و : «في عشرين مثقالاً من الذهب نصف مثقال» ونحو ذلك .

   فإنّ كلمة «في» حقيقة في الظرفيّة ، فيكون المعنى : أنّ العشر مظروف وظرفه ما سقته السماء ممّا أنبتته الأرض ، وهكذا الحال في الشاة ونصف المثقال ، فوعاء هذه الاُمور وموطنها والمحلّ الذي ترتكز فيه هو نفس العين الزكويّة الخارجيّة بمقتضى التعبير بأداة الظرف دون الذمّة .

   ولا يقاس ذلك بمثل قولهم (عليهم السلام) «في القتل خطأً الدية» أو : «في إفطار شهر رمضان الكفّارة» ونحو ذلك ممّا تستعمل فيه كلمة «في» للسببيّة، للفرق الواضح بين الموردين ، إذ الحمل على الظرفيّة التي هي ظاهر كلمة «في» متعذّر في أمثال هذه الموارد ، ضرورة أنّ الدية وكذا الكفّارة من سنخ الأموال، والقتل أو الإفطار من قبيل الأفعال ، ولا معنى لظرفيّة الفعل للمال ، إذ لا محصّل له كما لا يخفى ، فلأجله لم يكن بدّ من الحمل على السببيّة التي هي أيضاً استعمال شائع ذائع ويستعمل فيها كلمة «في» كثيراً وإن كان على خلاف الظهور الأوّلي .

   وأمّا في أمثال المقام فلا مقتضي للعدول عن ظاهر اللفظ بعد أن كانت إرادة الظرفيّة التي هي مقتضى الوضع الأوّلي بمكان من الإمكان، فإنّ ما أنبتته الأرض

ــ[386]ــ

مالٌ كما أنّ العشر أيضاً مال ، فكلاهما من سنخ واحد ، فلا محذور في أن يكون أحدهما ظرفاً والآخر مظروفاً له .

   ولا ينافيه التعبير بـ «على» في بعض النصوص بقوله (عليه السلام) في موثّق سماعة « ... ليس عليه فيه زكاة حتّى يقبضه» إلخ (1) .

   فإنّه من أجل أنّ الزكاة نقص في المال فهو ضرر على المالك بطبيعة الحال فلا يكشف ذلك عن التعلّق بالذمّة بوجه ليدلّ على التكليف المحض ، كيف ؟! وقد جمع بينه وبين التعبير بـ «في» في نفس هذا الموثّق ، فيدلّ أنّ الزكاة التي هي مالٌ ظرفه العين منفي عن الدين حتّى يقبضه ولا يتضرّر به المالك .

   ويدلّ عليه أيضاً ما في غير واحد من الروايات من قوله (عليه السلام) : إنّ الله عزّ وجلّ جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم(2) ، بنفس التقريب المتقدّم، فإنّ مصداق الموصول هو المال ، وهو مظروف ظرفه نفس أموال الأغنياء لا ذممهم ، فتدلّ على التعلّق بنفس العين .

   وأوضح من الكلّ ما تضمّن التعبير بالشركة كموثّقة أبي المعزا : «إنّ الله تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» (3) .

   إذ لا شركة إلاّ في العين الخارجيّة ولا معنى لها في الذمّة كما هو واضح جدّا .

   ويدلّ عليه أيضاً صحيح عبدالرحمن : رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى ؟ «قال : نعم ، تؤخذ منه زكاتها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 97 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 6 .

(2) لاحظ الوسائل 9 : 9 /  أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 .

(3) الوسائل 9 : 215 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 4 .

ــ[387]ــ

ويتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع» (1) .

   فإنّ الأخذ من المشتري يكشف عن أنّ البائع لم يملك من المبيع إلاّ ما عدا مقدار الزكاة وأنّ هذا المقدار من العين ملك للغير ، ولأجله يؤخذ من المشتري ويدفع إليه ، فلو كانت الزكاة متعلّقة بذمة المالك وكانت العين كلّها ملكاً خالصاً له فلماذا تؤخذ من المشتري ؟! واحتمال التعبّد المحض ـ كما ترى ـ بعيدٌ عن الفهم العرفي جدّا .

   والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ النصوص كادت أن تكون صريحة في التعلّق بالعين والاشتراك بين المالك والفقير نحو شركة ، غاية الأمر أنّ المالك لأجل كونه الشريك الأعظم وذا حظّ أوفر له اختيار التطبيق كيفما شاء ، بل له الدفع من الخارج عيناً أو قيمةً إمّا من خصوص النقدين أو مطلقاً على كلام قد تقدّم .

   وأمّا كيفيّة التعلّق فغير خفي أنّ المستفاد من النصوص ـ كموثّقة أبي المعزا المتقدّمة آنفاً ـ أنّ التعلّق بالإضافة إلى جميع الأجناس الزكويّة بنسق واحد ، فالكيفيّة بأيّ معنى كانت وكيفما فُسِّرت يشترك فيها الكلّ وتنطبق على جميع الأصناف بمناط واحد ، لا أ نّها في بعض الأعيان الزكويّة بمعنى وفي البعض الآخر بمعنى آخر ، لمنافاته مع ظاهر قوله (عليه السلام) في الموثّق المزبور : إنّ الله أشرك الفقراء مع الأغنياء في أموالهم ، الظاهر في أنّ الشركة في جميع الأموال بمعنى واحد كما عرفت .

   وحينئذ نقول : لا شكّ أنّ ظواهر بعض النصوص ـ مثل قوله (عليه السلام): «فيما سقته السماء العشر»، وقوله: «في كل أربعين مثقال من الذهب نصف مثقال» ـ هي الإشاعة والشركة الحقيقيّة ، لظهور الكسر المشاع في ذلك ، ومع التنزّل فلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 127 /  أبواب زكاة الأنعام ب 12 ح 1 .

ــ[388]ــ

أقلّ من الظهور في الكليّ في المعيّن الذي هو أيضاً نحو من الشركة .

   كما لا ريب أنّ ظاهر بعضها هو الكلّي في المعيّن دون الإشاعة ، مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة شاة» ، إذ لو اُريد الإشاعة بأن كان كلّ فرد من تلك الشياه مشتركاً فيه بين المالك والفقير في جميع أجزائها بنسبة الواحد إلى الأربعين لكان دفع الشاة الواحدة دفعاً لما يعادل تلك الأجزاء المتشتّتة في كلّ فرد وإخراجاً لما يسـاويها في المقدار لا إخراجاً لنفس الفرض بالذات ، وظاهر الدليل هو الثاني ، وهو الملائم للكلّي في المعيّن حسبما عرفت .

   وعلى الجملة : فالجمود على ظواهر النصوص وإن كان يعطينا الإشاعة مرّة والكلّي في المعيّن مرّة اُخرى ، إلاّ أنّ في طائفة اُخرى منها ما يستحيل إرادة شيء من ذينك المعنيين ، مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» ونحو ذلك ممّا كان الفرض مبايناً مع العين ، كموارد دفع الحقّة أو الجذعة أو ابن اللبون ممّا لا يوجد شيء منه في العين الزكويّة ليتصوّر فيه الكلّي في المعيّن فضلاً عن الإشاعة ، وقد عرفت لزوم تفسير التعلّق بمعنى ينطبق على الكلّ بنمط واحد ، فبهذه القرينة القاطعة لا بدّ من رفع اليد عن الظهور المزبور الموجود في بعض النصوص والحمل على إرادة الشركة في الماليّة .

   ومعنى ذلك : أنّ الفقير يشارك المالك في العين لكن لا من حيث إنّه عين ، بل من حيث إنّه مال ، فلا يستحقّ شيئاً من الخصوصيّات الفرديّة والصفات الشخصيّة ، وإنّما يستحقّ ماليّة العشر ـ مثلاً ـ من هذا الموجود الخارجي التي اختيار تطبيقها بيد المالك .

   وهذا نظير إرث الزوجـة ممّا يثبت في الأرض من بناء وأشجار وآلات وأخشاب قيمةً لا عيناً ، فإنّ الذي يدفع إليها لم يكن عطيّة محضة وبعنوان المجّانيّة ، وإنّما نتلقّاه من الميّت بعنوان الإرث ، والمفروض حرمانها عن العين، ومرجع ذلك في الحقيقة إلى أ نّها تشارك الورثة في ماليّة العين بمقدار الثمن،

ــ[389]ــ

فيطبّق الوارث مقدار حصّتها من الماليّة في ضمن مال آخر بعد أن لم تكن الخصوصيّات مورداً لاستحقاقها .

   والمقام من هذا القبيل ، فإنّ الفقير يملك حصّة معيّنة من عشر ونحوه من ماليّة العين الزكويّة ، ولا يملك المالك من ماليّتها إلاّ ما عدا هذه الحصّة، وبالأداء إلى الفقير من العين أو من خارجه بدفع نفس ما يستحقّه الفقير لتحقّق الماليّة المملوكة له في ضمن الفرد المدفوع فيؤدّي نفس الفرض بالذات لا شيئاً آخر يعادله في المقدار عوضاً عن الفرض ، وهذا معنى عام يشترك فيه جميع الأعيان الزكويّة وينطبق على الكلّ بمناط واحد .

   فالمقام وإرث الزوجة من واد واحد وإن كان بينهما فرق من جهة اُخرى كما لا يخفى .

   وملخّص الكلام في المقام : أنّ القول بتعلّق الزكاة في الذمّة وأنّ العين مصدرٌ للوفاء وموردٌ للحقّ فقط مع كونه بتمامه ملكاً للمالك خاطئ جدّاً ، بل هي متعلّقة بنفس العين ولا يملك المالك إلاّ ما عدا مقدار الزكاة والباقي ملك للفقير على ما يساعده ظواهر النصوص حسبما عرفت . فلا جرم يكون بينهما نوع من الشركة .

   كما أنّ القول بالإشاعة والشركة الحقيقيّة بحيث يكون كلّ جزء من العين الزكويّة مشتركاً فيه بين المالك والفقير بنسبة معيّنة أيضاً بعيدٌ عن الصواب وإن كان ربّما يساعده التعبير بالعشر ونصف العشر ونحوهما ممّا هو ظاهر في الكسر المشاع .

   أمّا أوّلاً : فلتسالم الأصحاب بل اتّفاق الخاصّة والعامّة على أنّ كيفيّة التعلّق مهما كانت فهي في جميع الأجناس الزكويّة بنسق واحد ، ومن الضروري عدم انطباق هذا الضابط على مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» ونحوه ممّا كان الفرض مبايناً مع العين .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net