جواز خرص ثمر النخل والكرم بل والزرع على المالك من قبل الحاكم الشرعي 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4208


ــ[392]ــ

   [ 2689 ] مسألة 32 : يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل والكرم بل والزرع (1) على المالك ((1)) ، وفائدته جواز التصرّف ((2)) للمالك بشرط قبوله كيف شاء ، ووقته بعد بدوّ الصلاح وتعلّق الوجوب ، بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه إذا كان من أهل الخبرة أو بغيره من عدل أو عدلين ، وإن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم أو وكيله مع التمكّن ، ولا يشترط فيه الصيغة فإنّه معاملة خاصّة((3))، وإن كان لو جيء بصيغة الصلح كان أولى ، ثمّ إن زاد ما في يد المالك كان له وإن نقص كان عليه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشركة ، فإنّ من الضروري أنّ العزم على الأداء من الخارج لا يسوّغ التصرّف بتمامه من غير مراجعة الشريك حتّى لو كان صادقاً في عزمه جازماً على الأداء بعد مدّة قليلة كنصف ساعة مثلاً . اللّهمّ إلاّ أن يثبت في المقام أنّ للمالك ولاية النقل من العين إلى الذمّة كما له الولاية على التطبيق ، إلاّ أنّ دون إثباته خرط القتاد ، إذ لم يدلّ عليه أيّ دليل قطّ كما هو أوضح من أن يخفى .

   (1) لا إشكال كما لا خلاف في جوازه بالإضافة إلى النخل والكرم ، بل عليه الإجماع في كثير من الكلمات، بل قد وافق عليه أكثر العامّة أيضاً إلاّ القليل منهم كالشعبي حيث ادّعى أنّ الخرص بدعة (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في جواز الخرص في الزرع إشكال .

(2) الظاهر جواز التصرّف للمالك قبل تعلّق الوجوب ، بل وبعده أيضاً ولو بإخراج زكاة ما يتصرّف فيه بلا حاجة إلى الخرص ، وفائدة الخرص جواز الاعتماد عليه بلا حاجة إلى الكيل أو الوزن .

(3) الظاهر أنّ الخرص ليس داخلاً في المعاملات ، وإنّما طريق إلى تعيين المقدار الواجب ، فلو انكشف الخلاف كانت العبرة بالواقع ، نعم يصحّ ما ذكره إذا كان بنحو الصلح .

(4) حكاه ابنا قدامة في المغني 2 : 565 ، والشرح الكبير 2 : 568 .

ــ[393]ــ

   ومعناه : أن يبعث الإمام ساعياً إذا بدا صلاح الثمر أو اشتدّ الحبّ فيخمّن الموجود ويستعلم كمّيّة الحاصل ويعرف بذلك قدر الزكاة فيأخذه من المالك ويستباح له التصرّف حينئذ في تمام الباقي .

   وقد دلّت عليه الروايات الكثيرة وإن كان أكثرها بل تمامها ضعيفة السند ما عدا رواية واحدة وهي صحيحة أبي بصير المتضمّنة لنهي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن خرص الجعرور والمعافارة اللذين هما من أردأ أقسام التمر (1) ، فإنّ تخصيص النهي بهذين القسمين يكشف عن أنّ الخرص في التمر كان أمراً شائعاً متعارفاً بين الناس وقد أقرّه (صلّى الله عليه وآله) غير أ نّه منع عنه في هذين القسمين .

   ويدلّ عليه في الكرم صحيحة سعد بن سعد ـ في حديث ـ قال : سألت أبا  الحسن (عليه السلام) عن العنب ، هل عليه زكاة ، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً ؟ «قال : نعم ، إذا خرصه أخرج زكاته» (2) .

   وأمّا بالإضافة إلى الزرع فجواز الخرص فيه محلّ للخلاف وقد منعه جماعة من الأصحاب ، وإن كان المشهور هو الجواز إلاّ أ نّه ليس عليه دليل ظاهر بعد أن كان على خلاف مقتضى القاعدة ، إذ تعيين ما عليه من حقّ الفقراء فيما يخرصه الخارص بحيث يجتزئ به في مقام أداء الفرض يحتاج إلى دليل قاطع ، وليس في البين إجماع ولا عدم قول بالفصل بينه وبين النخل والكرم ، لثبوت الخلاف كما عرفت .

   بل قد يدّعى تعذّر الخرص في مثل الزرع ، لاستتاره وتبدّده واختفائه في سنبلته ، بخلاف النخل والكرم ، فإنّ ثمرتهما ظاهرة فيتمكّن الخارص من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الوسائل 9 : 205 /  أبواب زكاة الغلاّت ب 19 ح 1 .

(2) الوسائل 9 : 195 /  أبواب زكاة الغلاّت ب 12 ح 2 .

ــ[394]ــ

إدراكهما والإحاطة بها ، فيستدلّ بذلك ـ كما عن العلاّمة (1) وغيره ـ على بطلان الخرص في الزرع .

   ولكنّه كما ترى ، لعدم اختفاء مثله على أهل الخبرة ومهرة الفن . نعم ، تطرّق احتمال الاشتباه فيه أكثر من غيره ، إلاّ أ نّه بمقدار يسير لا يلتفت إليه ، غير الصالح للمنع عن الخرص كما لا يخفى .

   والعمدة ما عرفت من أنّ الحكم على خلاف مقتضى القاعدة لا بدّ من الاقتصار على مورد قيام النصّ، ولم يرد في المقام نصّ يعتمد عليه ، عدا ما توهّم من الاستدلال بصحيحة سعد بن سعد، قال: سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، متى تجب على صاحبها ؟ «قال : إذا ما صرم وإذا خرص»(2) .

   ولكن سبق التعرّض لهذه الصحيحة عند التكلّم حول وقت التعلّق وقلنا : إنّ ظاهرها غير قابل للأخذ ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، ضرورة أنّ وقت تعلّق الوجوب إمّا عند انعقاد الحبّ وحال الاحمرار والاصفرار كما عليه المشهور، أو حال التسمية كما هو الصحيح، وكلاهما ولا سيّما الأوّل منهما سابق على زمان الصوم والخرص قطعاً .

   فكيف يناط الوجوب بذلك؟! فإنّ السؤال بقوله: متى تجب على صاحبها سؤالٌ عن وقت الوجوب، وقد علّقه (عليه السلام) في الجواب بالصرم والخرص بحيث يظهر أنّ هذا شرط في الوجوب ينتفي بانتفائه ، أفهل ترى أنّ الزرع أو الثمر لو لم يصرم ولم يخرص قطّ لم يتعلّق به الوجوب ؟!

   وعلى الجملة : ظاهر الصحيحة غير قابل للأخذ، وما نحن بصدده من جريان الخرص في الزرع ليست الصحيحة في مقام بيانه ، فلا يصحّ الاستدلال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منتهى المطلب 1 : 501 ـ 502 .

(2) الوسائل 9 : 194 /  أبواب زكاة الغلاّت ب 12 ح 1 .

ــ[395]ــ

بها ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله كما عرفت .

   إذن فثبوت الخرص في الزرع محل إشكال ، بل منع ، لعرائه عن دليل يعتمد عليه ، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز التي هي مقتضى القاعدة الأوّلية حسبما عرفت ، ويختصّ الجواز بالنخل والكرم .

   ولكن هذا كلّه مبني على تفسير الخرص بما هو المتعارف من معناه عرفاً المنسبق من اللفظ عند الإطلاق ـ وهو التخمين والحدس ـ ليعرف به كمّيّة المال ومقدار النصاب بدلاً عن الكيل والوزن ، حيث إنّ الاطّلاع على ذلك بواسطة المكيال أو الميزان لم يكن متيسّراً غالباً أو صعب جدّاً ولا سيّما في الأزمنة السابقة وفي مثل القرى ونحوها ، فجعل بدله الخرص والتخمين مقدّمة لمعرفة مقدار الحاصل فيقدّره المخمِّن في كمّيّة معيّنة من العين ويتّفقان عليه ويجعل ذلك طريقاً لاستعلام الواقع .

   وفائدته جواز الاجتزاء على هذا المقدار في تعيين حصّة الزكاة وإن خالف الواقع ، ولكن بشرط عدم انكشـاف الخلاف وما دام الجهل باقـياً ، أمّا مع الانكشاف فالاعتبار بنفس الواقع كما هو الشأن في حجّيّة كلّ طريق منصوب إلى الواقع ، فيدفع الباقي إن كان ناقصاً ، ولا يدفع الزائد إن كان الخرص زائداً . ففائدة الخرص جواز الاعتماد عليه بلا حاجة إلى الكيل أو الوزن ما لم ينكشف الخلاف .

   وأمّا التصرّف في العين فليس من آثاره وفوائده ، لثبوته بدونه أيضاً ، فإنّه مع الشكّ في بلوغ النصاب يتصرّف في الكلّ ، استناداً إلى أصالة البراءة .

   ومع العلم به يجوز التصرّف إلى حدٍّ يعلم معه ببقاء مقدار الزكاة ، بناءً على ما اختاره (قدس سره) من الكلّي في المعيّن ، وكذا على مسلك الشركة في الماليّة كما هو الصحيح على ما تقدّم ، كما ويمكنه التوصّل إلى ذلك بإخراج زكاة ما يتصرّف فيه ولو تدريجاً فيأخذ من العين شيئاً فشيئاً ، وكلّ ما يأخذ يدفع

ــ[396]ــ

زكاته ثمّ يتصرّف فيه وهكذا ، إذ معه يقطع بدفع زكاة المجموع وإن لم يعلم مجموع مقدار الزكاة ، لعدم لزوم معرفته كما هو واضح .

   وبالجملة : فلا يتوقّف التصرّف على الخرص بوجه .

   فعلى هذا المعنى من الخرص ـ وهو المنسبق منه إلى الذهن عرفاً، المنزّل عليه النصوص ـ يترتّب ما عرفت من جوازه في النخل والكرم دون الزرع ، لقيام النصّ عليه في الأوّلين دون الأخير حسبما عرفت .

   وأمّا بناءً على ما فسّره في المتن من كونه معاملة خاصّة قائمة بين الخارص والمالك مشتملة على الإيجاب والقبول تنتقل الحصّة بموجبها من العين إلى ذمّة المالك .

   وفائدته جواز التصرّف له بعدئذ في تمام العين كيفما شاء ، لكونه ملكاً طلقاً له بعد الانتقال المزبور، فجواز الخرص بهذا المعنى مشكل حتّى في النخل والكرم فضلاً عن الزرع بحيث يترتّب عليه ما ذكره في المتن من أ نّه إن زاد ما في يد المالك كان له ، وإن نقص كان عليه ، لعدم نهوض دليل على هذا المعنى من الخرص بعد كون النصوص منزّلة على المعنى الأوّل الذي هو المعهود المتعارف كما عرفت .

   نعم ، لو رأى الحاكم الشرعي مصلحة في ذلك فبعث الساعي ليخرص هكذا تحفّظاً على مال الفقير وحذراً من التلف والتبذير، جاز بلا كلام ، بمقتضى ولايته الشرعيّة ، بل جاز ذلك حتّى في الزرع فضلاً عن النخل والكرم .

   وأمّا بدون ذلك بحيث يكون للساعي أو لغيره من أهل الخبرة من عدل أو عدلين بل ونفس المالك ـ كما صرّح في المتن ـ ولاية التبديل والنقل من العين إلى الذمّة ويكون الاعتبار بها لا بالواقع، فإن زاد كان له ، وإن نقص كان عليه ، فإثبات ذلك بحسب الصناعة والاستفادة من الأدلّة مشكل جدّاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net