جواز إعطاء الفقير أزيد من مقدار مؤونة سنته دفعةً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4346


   [ 2700 ] مسألة 2 : يجوز أن يعطى الفقير أزيد ((1)) من مقدار مؤونة سنته دفعةً ، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مؤونة سنة واحدة (2) .

 ـــــــــــــــــــــــ
   (2) بل يجوز دفع مقدار سنتين ، بل سنين ، بل بمقدار يعدّ غنيّاً عرفاً على المشهور المعروف شهرة عظيمة .

   وناقش فيه بعضهم فمنع عن الدفع أكثر من سنة واحدة يصير بها غنيّاً شرعاً .

   وكيفما كان ، فالمتّبع هو الدليل بعد وضوح عدم نهوض إجماع تعبّدي كاشف

ـــــــــــــــ

(1) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك ، وكذا الحال فيما بعده .

ــ[22]ــ

وكذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤونة سنته ، أو صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها ، أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤونة سنته ، لا يلزم الاقتصار على إعطاء التتمّة ، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين ، بل يجوز جعله غنيّاً عرفيّاً وإن كان الأحوط الاقتصار . نعم ، لو أعطاه دفعات لا يجوز بعد أن حصل عنده مؤونة السنة أن يعطي شيئاً ولو قليلاً ما دام كذلك .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، وإنّما استند القائلون بالجواز إلى بعض الوجوه الآتية التي هي مدرك الحكم في المسألة ، فلا بدّ من النظر إليها .

   وقد استُدلّ له أوّلاً بإطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة مثل قوله تعالى : (إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) ، فإنّ الصدقة المدفوعة لم تتقيّد بعدم الزيادة على المؤونة .

   وفيه ما لا يخفى ، لعدم انعقاد الإطلاق بعد التحديد بالكفاية في جملة من تلك الأدلّة ، التي منها ما ورد من «أنّ الله عزّ وجلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم» كما في صحيحة ابن سنان(1) ، أو «ما يسعهم» كما في صحيحة زرارة وابن مسلم(2) ، أو بتعبير آخر كما في غيرهما .

   وقد تقدّم غير مرّة أنّ مقدار الكفاية ظاهر عرفاً في مؤونة السنة ، ومع هذه التحديدات الواردة في غير واحد من الروايات كيف يمكن دعوى الإطلاق ؟! فالمقتضي للتوسعة قاصر في حدّ نفسه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 10 /  أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 2 .

(2) الوسائل 9 : 10 /  أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 3 .

ــ[23]ــ

   على أنّ ذلك مناف لحكمة التشريع ، فإنّ الزكاة إنّما شرّعت لعلاج مشكلة الفقر ودفعه عن المجتمع كما اُشير إليه في النصوص المزبورة ، ومن البيّن أنّ دفع زكوات البلد التي ربّما تبلغ الاُلوف أو الملايين لفقير واحد ـ ولو دفعة واحدة ـ وجعله من أكبر الأثرياء مع إبقاء سائر الفقراء على حالهم لا يجامع مع تلك الحكمة ، بل يضادّها وينافيها كما لا يخفى .

   بل يمكن أن يقال بانعدام موضوع الفقر لدى دفع الزائد ، فلم يكن عنوان الفقير محفوظاً ليشمله الإطلاق على تقدير تسليم انعقاده .

   وتوضيحه : أنّ الزكاة موضوعها الفقير ، فلا بدّ من فرض الفقر حال دفع الزكاة . نعم ، الموضوع هو الفقر مع قطع النظر عن الدفع ، فلا مانع من زواله المستند إلى دفع الزكاة إليه كما نطقت به النصوص ، وأمّا زواله مقارناً لدفع الزكاة إليه فهو قادح ، لانعدام الموضوع ، وقد عرفت لزوم فرضه عند الدفع . ومن ثمّ لو أصبح الفقير غنيّاً حال الدفع لعلّة اُخرى ـ كما لو فرضنا أنّ والده مات في نفس الآن الذي دفعت إليه الزكاة بالدقّة العقليّة فورث منه مالاً كثيراً في تلك اللحظة بعينها ـ لم يجز له أخذ الزكاة إذا لم يكن فقيراً حال القبض. نعم ، في المرتبة السابقة كان كذلك ، إلاّ أنّ الاعتبار بالزمان بأن يُفرض زمان هو فقير فيه ليدفع إليه ، ولم يكن كذلك ، لفرض غناه في نفس الآن الذي دُفعت إليه الزكاة .

   والمقام من هذا القبيل ، إذ لو فرضنا أنّ مؤونته السنويّة مائة دينار فدفع إليه مائتين دفعة واحدة فقد ارتفع فقره بإحدى المائتين ، ومعه لا مسوّغ لأخذ المائة الاُخرى ، لزوال فقره مقارناً لنفس هذا الآن ، فلم يكن فقيراً عند تسلّمه .

   وهذا نظير الملاقاة للنجاسة حال تتميم القليل كرّاً بأن كانت الملاقاة والإتمام في آن واحد بالدقّة العقليّة، فإنّه لا يحكم حينئذ بالانفعال ، إذ المعتبر فيه حدوث

ــ[24]ــ

الملاقاة في زمان يتّصف فيه الماء بالقلّة ، لكي يصدق أنّ النجس لاقى الماء القليل حتّى يشمله الدليل ، فلا بدّ من فرض القلّة في زمان سابق على الملاقاة وهو منفي في الفرض .

   وعلى الجملة : فالتمسّك بإطلاقات الأدلّة ممّا لا موقع له في مثل المقام بتاتاً حسبما عرفت .

   واستُدلّ له ـ أي للقول المشهور ـ ثانياً بجملة من الروايات ، كموثّقة إسحاق ابن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، قال : قلت له : اُعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهماً ؟ «قال : نعم ، وزده» قلت : اُعطيه مائة ؟ «قال : نعم وأغنه إن قدرت أن تغنيه» (1) .

   وصحيحة سعيد بن غزوان عن أبي عبدالله (عليه السلام): «قال: تعطيه من الزكاة حتّى تغنيه»(2).

   وصحيحته الاُخرى ، قال: سألته كم يُعطى الرجل الواحد من الزكاة ؟ «قال : اعطه من الزكاة حتّى تغنيه» (3) .

   وموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه سئل : كم يعطى الرجل من الزكاة ؟ «قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : إذا أعطيت فأغنه»(4) .

   فإنّ جواز الإعطاء ، لحدّ الإغناء الظاهر في الغنى العرفي كاشف عن عدم التحديد بمؤونة السنة الواحدة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 259 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 3 .

(2) الوسائل 9 : 258 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 1 .

(3) الوسائل 9 : 259 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 5 .

(4) الوسائل 9 : 259 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 4 .

ــ[25]ــ

   ويدفعه : أنّ المراد بالغنى ما يقابل الفقر الذي من أجله كان مصرفاً للزكاة، فبقرينة المقابلة يراد به ما يخرجه من تلك المصرفيّة ، فلا جرم يكون المقصود هو الغنى الشرعي المفسّر في سائر الأدلّة بملك مؤونة السنة ، دون الغنى العرفي لكي يجوز الإعطاء أضعافاً مضاعفة كما لا يخفى .

   فالإنصاف أنّ الروايات المعتبرة قاصرة عن إثبات مقالة المشهور ، ولا عبرة بغير المعتبرة .

   بل يمكن أن يستدلّ للقول الآخر بصحيحة أبي بصير، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ شيخاً من أصحابنا يقال له : عمر ، سأل عيسى بن أعين وهو محتاج ، فقال له عيسى بن أعين : أما إنّ عندي من الزكاة ولكن لا اُعطيك منها ، فقال له : ولِمَ ؟ فقال : لأنّي رأيتك اشتريت لحما وتمراً ، فقال : إنّما ربحت درهماً فاشتريت بدانقين لحما وبدانقين تمراً ثمّ رجعت بدانقين لحاجة ، قال : فوضع أبو عبدالله (عليه السلام) يده على جبهته ساعة ثمّ رفع رأسه ثمّ قال : «إنّ الله نظر في أموال الأغنياء ، ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو لم يكفهم لزادهم ، بلى فليعطه ما يأكل ويشرب ويكتسي ويتزوّج ويتصدّق ويحجّ» (1) .

   حيث اقتصر (عليه السلام) ـ وهو في مقام البيان والتحديد ـ على ما يحتاج إليه نوع الإنسان من مؤن السنة من الأخذ بالحدّ النمط ، وهي المصاريف المشار إليها أخيراً حتّى الحجّ ـ لجواز دفع الزكاة للحجّ بمقتضى النصوص الخاصّة كما سيجيء  ـ فلاتلزم المداقّة بحيث يتخيّل أنّ الدرهم ـ  المشتمل على ستّة دوانيق  ـ مانع عن الأخذ، ولاتسوّغ التوسعة بدفع الاُلوف المتكاثرة بمثابة يعدّ لدى العرف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 289 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 41 ح 2 .

ــ[26]ــ

غنيّاً ثريّاً، بل المتعيّن هو الحدّ الوسط الذي يتّصف معه بالغنى الشرعي كما عرفت .

   ويؤيّده مرسلة عبدالرحمان بن الحجّاج حيث ذكر فيها « ... فإنّ الناس إنّما يعطون من السنة إلى السنة ، فللرجل أن يأخذ ما يكفيه ويكفي عياله من السنة إلى السنة» (1) .

   وهي صريحة الدلالة في المطلوب ، غير أ نّها لمكان الإرسـال لا تصلح إلاّ للتأييد .

   بل يمكن الاستدلال أيضاً بجملة اُخرى من النصوص :

   منها : صحيحة معاوية بن وهب ، قال (عليه السلام) فيها « ... بل ينظر إلى فضلها فيقوّت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ، ويأخذ البقيّة من الزكاة»(2) .

   فإنّ تخصيص الأخذ بالبقيّة بعد الأمر بصرف الفضل لقوت نفسه ومن وسعه من عياله يكشف عن عدم كونه مرخّصاً في الأخذ إلاّ بمقدار الحاجة وما يكون مكمّلاً للمؤونة ، لا الأخذ كيفما شاء بالغاً ما بلغ .

   ومنها : موثّقة سماعة، قال (عليه السلام) فيها «... فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله» (3) .

   فإنّ تخصيص الأخذ بكونه للعيال بعد الأمر بعفّة النفس دالّ على المطلوب .

   ومنها : معتبرة هارون بن حمزة ، قال (عليه السلام) فيها « ... فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو ومن وسعه ذلك ، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 260 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 9 .

(2) الوسائل 9 : 238 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1 .

(3) الوسائل 9 : 239 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 2 .

(4) الوسائل 9 : 239 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net