حكم ما لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّاً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4670


ــ[47]ــ

   [ 2711 ] مسألة 13 : لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّاً (1) : فإن كانت العين باقية ارتجعها ، وكذا مع تلفها إذا كان القابض عالماً بكونها زكاةً وإن كان جاهلاً بحرمتها للغني ، بخلاف ما إذا كان جاهلاً بكونها زكاةً فإنّه لا ضمان عليه ((1)) . ولو تعذّر الارتجاع أو تلفت بلا ضمان أو معه ولم يتمكّن الدافع من أخذ العوض كان ضامناً ((2)) ، فعليه الزكاة مرّة اُخرى .

   نعم ، لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه ، لا ضمان عليه ، ولا على المالك الدافع إليه .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ممّن له دَين على الفقير وإن لم يطّلع عليه الفقير أبداً ، بل وإن كان ميّتاً كما مرّ .

   وقد ورد في جملة من النصوص جواز صرف الزكاة في الأيتام وإعاشتهم منها ليكبروا ويرغبوا في الإسلام مع وضوح عـدم الاعتبار بقصد اليتيم وقبوله ، ولم يفرض القبول من وليّه حتّى الحاكم الشرعي ، بل يصحّ دفع الزكاة إلى فقـير لا يعرف معنى الزكاة أبداً ، لكونه جديد العهد بالإسلام ـ مثلاً ـ  ، فلا يعقلها فضلاً عن أن يقبلها ويقصدها .

   وببيان آخر : المالك للزكاة إنّما هو طبيعي الفقير لا شخص من يدفع إليه ، وإنّما هو مصداق للطبيعي يملكه بعد القبض لا قبله ، ومن البديهي عدم تعقّل القصد من الطبيعي، فمن هو المالك لايعقل قصده ، ومن يعقل منه القصد والقبول ليس بمالك إلاّ بعد القبض ، والكلام في القصد قبله ، إذ لا أثر للقصد بعد القبض كما هو ظاهر .

   (1) لا ينبغي التأمّل في وجوب الارتجاع مع بقاء العين فيما لو كانت متعيّنة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بمعنى أ نّه لا يستقرّ عليه الضمان .

(2) الظاهر عدم الضمان إذا كان الدفع مع الحجّة ومن دون تقصير في الاجتهاد .

ــ[48]ــ

في الزكاة قبل الدفع بالعزل والإفراز ، لما تقدّم من عدم جواز التصرّف في العين المعزولة ما عدا الإيصال إلى صاحبها، فإبقاؤها عند غيره ـ  وهو الغني في المقام  ـ تصرّفٌ بغير إذن المالك ، وهو حرام .

   وأمّا الدفع إليه من غير سبق العزل فهل هو محكوم بوجوب الارتجاع أيضاً ؟.

   اختار المحقّق الهمداني (قدس سره) العدم ، نظراً إلى أنّ المدفوع لا يتشخّص في الزكاة إلاّ بقبض الفقير الواقعي المنفي حسب الفرض، فهو إذن ماله وباق تحت سلطنته، فله الإبقاء كما له الإرجاع(1).

   ولكن الظاهر الوجوب وجريان حكم العزل عليه ، والوجه فيه : أنّ المالك لا يدفع إلاّ الزكاة ، كما أنّ الفقير لا يقبض إلاّ العين المتّصفة بعنوان الزكاة ، فلا جرم كان الوصف العنواني ملحوظاً قبل قبض الفقير وتسلّمه ، لا أ نّه يعرضه بعد القبض . وعليه ، فلدى إخراج المالك وتصدّيه للدفع ونيّته الزكاة لا مناص من تعيّن المدفوع فيها ، لتكون موصوفة بالزكاة حال تسلّم الفقير، ومن الواضح أن نيّة الزكاة وتشخيص المدفوع فيها حاصلة للدافع فعلاً وبنحو الإطلاق من غير أن يكون مقيّداً بقبض الفقير ومعلّقاً عليه ، فهو حال الإخراج وقبيل الدفع ناو لتشخيص الزكاة في المدفوع وتعيّنه فيها لا محالة ، ولا نعني بالعزل إلاّ هذا . فلا يختصّ الحكم بسبق العزل خارجاً ، بل يعمّ العزل المقارن للدفع .

   وعلى الجملة : فكل دفع فهو مشتمل على العزل قبله ولو آناً ما دائماً ، وليس ذلك مقيّداً بقبض الفقير الواقعي ، بل يعمّ الاعتقادي الخيالي وجداناً ، وإذا تحقّق العزل وجب الارتجاع ، كما في العزل المسبوق ، بمناط واحد ، فانكشاف عدم الفقر لا يمنع عن وجوب الارتجاع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ مصباح الفقيه 13 : 521 ـ 526 .

ــ[49]ــ

   نعم ، يختصّ هذا البيان بالعين الشخصيّة ولا يعمّ احتساب الدين ، فلو كان له دين على الفقير فاحتسبه زكاةً ثمّ انكشف غناه بطل الاحتساب ، إذ الدين كلّي موطنه الذمّة ، فلا يقبل العزل الذي هو من شؤون الأعيان الشخصيّة ، فلا معنى للارتجاع حينئذ كما هو ظاهر .

   هذا كلّه مع بقاء العين .

   وأمّا مع تلفها عند القابض ، فهل يضمنها الدافع أو القابض ، أمّ أنّ هناك تفصيلاً ؟

   الذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الدافع إمّا أن يكون قد جدّ واجتهد وفحص عن حال الفقير وجرى في تشخيص الفقر على الطريقة العقلائيّة والموازين الشرعيّة ، واُخرى قصّر وفرّط في المقدّمات ولم يسلك تلك الموازين المقرّرة .

   فعلى الأوّل : لا ضمان عليه وإن صدق معه الإتلاف ، سواء أكان القابض عالماً أم جاهلاً ، وذلك من وجهين :

   أحدهما : أنّ الدافع المكلّف بأداء الزكاة له الولاية على تطبيقها حيثما شاء كما تقدّم ، فهو إذن ولي على المال ، ولا ينبغي التأمّل في أنّ الولي الغير المقصّر في أداء وظيفته أمين لا يضمن بشيء، كما هو الحال في الأولياء على الأيتام والصغار والمجانين والقاصرين والغائبين، أو على الأوقاف، وكذا الحاكم الشرعي أو المأذون من قبله في تصدّي تقسيم الزكوات ـ مثلاً ـ وإيصالها إلى محالّها ، فإنّ شيئاً من هؤلاء لا يضمنون لو انكشف الخلاف بعد بذل جهدهم ، فلو قامت البيّنة ـ مثلاً ـ لدى الحاكم الشرعي على فقر زيد فدفع إليه الزكاة ثمّ انكشف غناه ، أو باع الولي مال اليتيم معتقداً بحسب الموازين غبطته وصلاحه وبعد يوم ارتفعت القيمة السوقيّة ارتفاعاً فاحشاً ، لم يكن ضامناً يقيناً ، وإلاّ لما استقرّ حجر على حجر ، ولما قام للمسلمين سوق كما لا يخفى .

   وعلى الجملة : فالدافع ولي ، والولي القائم بوظيفته لا ضمان عليه فينتج بعد

ــ[50]ــ

ضمّ الصغرى إلى الكبرى عدم ضمان الدافع في المقام .

   ثانيهما : أ نّا وإن كنّا قد عبّرنا لحدّ الآن بأنّ الزكاة ملك للفقير ، إلاّ أ نّها كانت مسامحة في التعبير ، إذ لم يدلّ على الملكيّة أيّ دليل ، والتعبير بالشركة في قوله (عليه السلام) : «إنّ الله أشرك الفقراء في أموال الأغنياء» مبني على ضرب من المسامحة ، ولا يراد به الشركة في الملكيّة ، ولا سيّما على القول بعدم البسط على المصارف الثمانية وجواز الدفع لفرد واحد من صنف واحد ، إذ كيف يجوز دفع ملك الفقير لغيره ؟!

   نعم ، على البسط له وجه ، ولكنّه يندفع بعدم الانطباق على سائر الموارد السبعة ، والالتزام بالتفكيك مخالف لاتّحاد السياق كما لا يخفى .

   إذن فالصحيح أنّ الفقير مصرف بحت ولا ملكيّة بتاتاً إلاّ بعد القبض ، وإنّما الزكاة ضريبة إلهيّة متعلّقة بالعين كالضرائب المجعولة من قبل السلاطين وحكّام الجور ، فالمال مال الله يصرفه المالك في الفقير بإذن الله حيث أعطى له ولاية الدفع .  وعليه ، فالدافع الذي أخطأ في تشخيص الفقر قصوراً ـ لا تقصيراً ـ مرخّص فيما يرتكبه من العطاء من قِبَل الشارع، وعمله عمل سائغ، فهو يصرف مال الله الذي هو كضريبة إلهيّة بترخيص منه تعالى ، فأيّ موجب بعد هذا للضمان ؟! فإنّه لم يتلف ملكاً للغير ليضمنه حسبما عرفت .

   وأمّا ما اشتهر من : أنّ من أتلف مال الغير فهو له ضامن ، فلم نجد ذلك ولا في رواية واحدة بعد الفحص التامّ في مظانّه ليتمسّك بعمومه في المقام على القول بملكيّة الفقير .

   وإنّما هي عبارة الفقهاء اصطادوها من الموارد المتفرّقة ، فليس هذا بنفسه مدركاً للضمان ، بل المدرك السيرة العقلائيّة الممضاة لدى الشارع ، القائمة على الضمان في موارد الإتلاف ، بل التلف في يد الغير ، ومن الضروري عدم قيام

ــ[51]ــ

السيرة في المقام كما لم يرد فيه نصّ خاصّ ولا إجماع قطعي ، فلا مقتضي لضمان الدافع بوجه .

   وأمّا القابض فهو ضامن مع علمه بكونها زكاة وإن كان جاهلاً بحرمتها للغني إذ الجهل المزبور لا يؤثّر إلاّ في سقوط الإثم ، دون الضمان الثابت بمقتضى عموم : على اليد ما أخذت ، فبما أنّ يده على المال يد غير مستحقّة فلا بدّ من الخروج عن عهدته .

   وأمّا لو كان جاهلاً فلا ضمان عليه أيضاً ، لأ نّه إمّا أن يضمن بلا رجوع إلى الدافع الغارّ من جهة عدم إخباره بأنّ المال المدفوع إليه زكاة الموجب للإضرار أو مع الرجوع إليه .

   أمّا الأوّل : فلا موجب له ولا مقتضي لتحمّل الضرر مع أ نّه مغرور من قبل الدافع ، والمغرور يرجع إلى من غرّه ، كما هو الشأن في سائر موارد الضمانات المتضمّنة للتغريرات ، فإنّ المقام لا يمتاز عنها بشيء .

   وأمّا الثاني : فهو باطل، لما عرفت من عدم ضمان الدافع بالوجهين المتقدّمين .

   وعلى الثاني ـ أعني : ما إذا كان الدافع مفرّطاً في المقدّمات ومقصّراً في تشخيص الفقر ـ فهو ضامن ، لمكان التفريط ، كما أنّ القابض أيضاً ضامن عالماً كان أم جاهلاً ، بمقتضى : على اليد ، إلاّ أ نّهما يختلفان في قرار الضمان .

   فإنّ الدافع لو خرج عن الضمان بالدفع ثانياً إلى الفقير الواقعي رجع بعد ذلك إلى القابض العالم بالحال، إذ هو يملك التالف ـ بالدفع المزبور ـ في ذمّة القابض، وأمّا لو تصدّى القابض للدفع فليس له الرجوع إلى الدافع ، لأ نّه قد أتلفه عن علم بكونه مال الغير ، فليس له الرجوع إلى أحد ، فكان قرار الضمان عليه ، أي على القابض .

   وأمّا في فرض جهل القابض فالأمر بالعكس ، فلا يرجع الدافع إلى القابض،

ــ[52]ــ

لأ نّه الذي سلّطه على المال وأوقعه في الضرر ، ويرجع هو إليه بمقتضى قاعدة المغرور حسبما عرفت .

   هذا ما يقتضيه الجري على القواعد الأوّلية حول فروض هذه المسألة وشقوقها من التفصيل بين بقاء العين وتلفها وعذر الدافع وتفريطه، وعلم القابض وجهله، حسبما بيّناه .

   وأمّا بالنظر إلى الأدلّة الخاصّة فقد يقال باستفادة الحكم من النصوص الواردة في المقام ، وأنّ مرسلة ابن أبي عمير تدلّ على الضمان فيمن دفع إلى من يراه معسراً فوجده موسراً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل يعطي زكاة ماله رجلاً وهو يرى أ نّه معسر فوجده موسراً «قال : لا يجزئ عنه» (1) .

   وأنّ موثّقة عبيد بن زرارة تدلّ على عدم الضمان فيما لو طلب واجتهد ولم يقصّر في تشخيص الفقير ثمّ انكشف الخلاف، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ  في حديث  ـ قال : قلت له : رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها زماناً ـ  إلى أن قال :  ـ قلت له : فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل ، قد كان طلب واجتهد ثمّ علم  بعد ذلك سوء  ما صنع «قال : ليس  عليه أن يؤدّيها مرّة اُخرى»(2) .

   ونحوها صحيح زرارة ، غير أ نّه قال : «إن اجتهد فقد برئ ، فإن قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا» (3) .

   ولكن المرسلة من أجل الإرسال غير صالحة للاستدلال . ولا يجدي كون المرسِل ابن أبي عمير الذي قيل : إنّه لا يروي ولا يرسِل إلاّ عن الثقة ، لما تكرّر في مطاوي هذا الشرح من الخدش في هذه الدعوى التي صدرت من الشيخ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 215 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 5 .

(2) الوسائل 9 : 214 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 1 .

(3) الوسائل 9 : 214 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 2 .

ــ[53]ــ

(قدس سره) في كتاب العدّة(1) ، فإنّه اجتهادٌ منه لم يبتن على أساس صحيح، سيّما بعدما عثرنا على روايته عن الضعاف كما نبّهنا عليه في المعجم (2) ، بل لم يعمل حتّى هو (قدس سره) باجتهاده ، فقد ناقش (قدس سره) أنّ مرسِلها ابن أبي عمير . هذا أوّلاً .

   وثانياً : مع الغضّ عن ذلك وتسليم الكبرى فهي غير منطبقة على المقام ، إذ المرسِل هو الحسين بن عثمان لا ابن أبي عمير ، فعلى تقدير التسليم فغايته أنّ ما يرسله ابن أبي عمير بنفسه وبلا واسطة في حكم المسنَد ، لا ما يرويه عن ثقة وذلك الثقة يرسِله عن مجهول كما في المقام ، فإنّ مثل ذلك يعدّ من مراسيل ذلك الثقة لا من مراسيل ابن أبي عمير كما لا يخفى .

   وأمّا الروايتان فهما أجنبيّتان عن المقام، فإنّ المراد بغير الأهل هو المخالف، بقرينة توصيف الدافع في الصدر بالعارف ، وقد فرض أ نّه فحص عن أهل المعرفة فلم يجد ، فدفع بعد اليأس إلى من يعلم بأ نّه ليس بأهل ، ثمّ يتبيّن له سوء صنعه ، فانكشف خطأه لا خطأ الطريق الذي اعتمد عليه كما هو محلّ الكلام . فهذه الرواية إن تمّت فهي من أدلّة جواز الدفع إلى المستضعفين بعد فقد المؤمنين الذي هو محلّ الكلام بين الأعلام ، وسنتكلّم فيه إن شاء تعالى .

   والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ المسألة عارية عن النصّ الصالح للاعتماد عليه ، فلا بدّ إذن من الجري على مقتضى القواعد الأوّلية حسبما عرفت .

   ثمّ إنّه لا فرق في جميع ما ذكرناه بين أن يكون الشرط المعتبر تحقّقه في مصرف الزكاة الذي اعتقد وجوده ثمّ انكشف خلافه هو الفقر أم غيره من سائر الشرائط كالإسلام والإيمان والعدالة على القول بها وعدم كونه واجب النفقة وغير ذلك ، فلو اعتقد إسلام الفقير ثمّ انكشف كفره أو إيمانه أو عدم كونه ممّن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العدّة 1 : 154 .

(2) معجم رجال الحديث 15 : 297 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net