إعطاء الزكاة لأطفال المؤمنين من سهم الفقراء - هل تعطى الزكاة لمجانين المؤمنين من سهم الفقراء ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4619


ــ[136]ــ

   [ 2731 ] مسألة 1 : تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العبد الصالح (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل منّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله ؟ «قال : يضعها في إخوانه وأهل ولايته» قلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد ؟ «قال : يبعث بها إليهم» قلت : فإن لم يجد من يحملها إليهم ؟ «قال : يدفعها إلى من لا ينصب» قلت : فغيرهم ؟ «قال : ما لغيرهم إلاّ الحجر» (1) .

   قال في الجواهر : إنّها مطروحة أو محمولة على مستضعف الشيعة (2) .

   أقول : بل هي في حدّ نفسها ضعيفة السند ، لا أ نّها مطروحة لعدم العامل بها ، ووجه الضعف هو إبراهيم بن إسحاق ، حيث إنّ المراد به بقرينة روايته عن عبدالله بن حمّاد الأنصاري وكونه من رواة كتابه هو النهاوندي ، وهو ضعيف في حديثه ودينه كما صرّح به النجاشي(3) ، ولا يحتمل أن يراد به إبراهيم بن إسحاق الثقة الذي هو من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، لاختلاف الطبقة كما لايخفى .

   (1) بلا خلاف ولا إشكال ، لجملة من الأخبار ورد بعضها في اليتيم وبعضها في مطلق الصغير .

   فمن الأوّل : صحيح أبي بصير، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يموت ويترك العيال ، أيعطون من الزكاة ؟ «قال : نعم ، حتّى ينشؤوا ويبلغوا ويسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم» فقلت : إنّهم لا يعرفون «قال : يحفظ فيهم ميّتهم ويحبّب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتمّوا بدين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 223 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7 .

(2) الجواهر 15 : 381 .

(3) رجال النجاشي : 19 / 21 .

ــ[137]ــ

أبيهم ، فإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم» (1) .

   ومعتبرة أبي خديجة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : ذرّيّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة والفطرة كما كان يعطى أبوهم حتّى يبلغوا فإذا بلغوا وعرفوا ما كان أبوهم يعرف اُعطوا ، وإن نصبوا لم يعطوا» (2) .

   ومن الثاني : صحيحة يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : عيال المسلمين اُعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً وأرى أنّ ذلك خير لهم ؟ «فقال : لا بأس» (3) .

   ومعتبرة عبدالرّحمن بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : رجل مسلم مملوك ومولاه رجل مسلم وله مال (ماله) يزكيه وللمملوك ولد صغير حرّ، أيجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة ؟ «فقال : لا بأس به»(4) .

   وهذه الأخبار واضحة الدلالة ، كما أن أسنادها معتبرة ، والتعبير عن كثير منها أو جميعها في كلمات المحقّق الهمداني والمحدّث البحراني وصاحب الجواهر وغيرهم بالخبر(5) ، المشعر بالضعف ، في غير محلّه ، أو مبني على التسامح .

   ويقتضيه أيضاً إطلاق الفقير في الكتاب والسنّة، فإنّه شامل للكبير والصغير، لعدم اعتبار البلوغ في صدق عنوان الفقير أو المسكين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 226 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 1 .

(2) الوسائل 9 : 227 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 2 .

(3) الوسائل 9 : 227 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 3 .

(4) الوسائل 9 : 294 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 45 ح 1 .

(5) مصباح الفقيه 13 : 599 ، الحدائق 12 : 207 ـ 208 ، الجواهر 15 : 383 .

ــ[138]ــ

ومجانينهم (1) من غير فرق بين الذكر والاُنثى والخنثى ولا بين المميّز وغيره (2) إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم ، وإما الصرف عليهم (3) مباشرةً أو بتوسّط أمين إن لم يكن لهم ولي شرعي ((1)) من الأب والجدّ والقيّم .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فإنّ المجنون وإن لم يرد فيه نصّ بالخصوص لكن الإطلاقات غير قاصرة الشمول له كالصغير .

   والظاهر أنّ المسألة ممّا لا خلاف فيها عدا ما يظهر من صاحب المستند من المناقشة لولا الإجماع ، نظراً إلى تقييد النصوص بالعارف بالأمر غير الصادق على المجنون (2) .

   لكنّك خبير بأ نّه لا يراد به فعليّة المعرفة ، بل هو كناية عن الشيعة في مقابل المخالفين ، كما يفصح عنه قوله في مكاتبة علي بن بلال المتقدّمة (3) : «لا تعطِ الصدقة والزكاة إلاّ لأصحابك» ، والظاهر أنّ مجانين الشيعة ملحق بهم كما هو الحال في مجانين المخالفين أو غير المسلمين ، فمن أراد إحصاء مجانين البلد صحّ القول بأنّ مجانين الشيعة كذا عدداً وكذا غيرهم، فلاينبغي التشكيك في الصدق .

   (2) لإطلاق النصوص المتقدّمة ، بل أنّ صحيح أبي بصير كالصريح في غير المميّز .

   (3) أمّا الأوّل فلا شبهة في كفايته وحصول إبرائه بقبضه بمقتضى ولايته فيكون ملكاً للصغير كسائر أمواله .

   وأمّا الاكتفاء بالصرف عليهم مباشرةً أو بتوسّط أمين مع وجود الولي أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل معه أيضاً على الأظهر .

(2) مستند الشيعة 9 : 303 .

(3) في ص 134 .

ــ[139]ــ

عدمه ففيه خلاف ، فذهب السيّد الماتن وجماعة آخرون إلى الجواز مع عدم الولي ، ومنهم من صرّح بالجـواز حتّى مع وجوده ، ومنهم من منعه في كلتا الصورتين وأ نّه لا بدّ من الدفع إلى الولي إن كان وإلاّ فإلى الحاكم الشرعي ، وهذا القول هو خيرة صاحب الجواهر متعجّباً ممّن يجوّز الصرف عليهم لدى فقد الولي من دون مراجعة الحاكم الشرعي ، ثمّ استظهر من بعضهم جواز الصرف وعدم لزوم مراجعته حتّى مع وجود الولي ، وقال : هذا أغرب (1) ، ولعلّ الشيخ الأنصاري (قدس سره) يميل إلى هذا الرأي (2) .

   وكيفما كان ، فمستند المنع عن الصرف المزبور أحد اُمور :

   الأوّل : دعوى أنّ الزكاة ملك لكلّي الفقير ، ولا يملكها إلاّ بقبض صحيح ، وحيث إنّ قبض الصغير كلاقبض فلا جدوى في الصرف عليه ما لم يقبضها الولي ، بل المالك باق بعدُ على ملكيّته .

   وبعبارة اُخرى : إنّ مقداراً من العين الزكويّة ملك لأربابها من لدن تعلّقها وخارج عن ملك المالك وهو مأمور بإيصاله إليهم ، ولا يتحقّق إلاّ بالقبض المعتبر شرعاً ، وهو في الفقير الصغير منوط بقبض وليّه كما في سائر أمواله .

   ويندفع بقصور الأدلّة عن إثبات الملكيّة من أوّل الأمر ، وكيف يمكن التلزام بها مع عدم حصر الزكاة في سهم الفقراء ووضوح عدم الملكيّة في سائر الأصناف الثمانية؟! وإنّما هي مصارف بحتة، والتفكيك بالتمليك في بعضها والصرف في البعض الآخر مناف لاتّحاد السياق ، بل يمكن الاستظهار من هذا الاتّحاد أنّ الجعل في الجميع إنّما هو على سبيل الصرف بعدما عرفت من التسالم على عدم التمليك في بقيّة الأصناف .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 15 : 385 .

(2) كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري : 323 .

ــ[140]ــ

   ويعضده التعبير بصيغة الجمع المحلّى باللام في الفقراء والمساكين ، الظاهر في الاستغراق ، فإنّ دعوى كونها ملكاً لجميع الأفراد كما ترى ، والحمل على إرادة الكلِّي خلاف الظاهر بعد عرائه عن الشاهد ، فلا جرم يراد من العموم جواز الصرف على كلّ واحد منهم ، ففي الحقيقة يكون المالك هو الجهة ، ومرجعه إلى مصرفيّة الفقير والمسكين كما في سائر الأصناف .

   نعم ، يمتازان بجواز تمليكهما بالإقباض كجواز الصرف بالإشباع ، أمّا في غيرهما فليس إلاّ بنحو الصرف .

   وأمّا ما في بعض الأخبار من أنّ الله سبحانه أشرك الفقراء في أموال الأغنياء، فليس المراد الشركة في الملكيّة ، بل في الماليّة والمصرفيّة على ما تقدّم بيانه في محلّه (1) .

   الثاني : ما ذكره في الجواهر من دعوى ظهور الأدلّة ـ خصوصاً السنّة ـ في ترتّب الملك على القبض بالنسبة إلى خصوص هذا السهم وإن لم يكن كذلك في سائر السهام ، وحيث إنّ قبض الفقير لا ينفع في حصول الملك فلا بدّ من الدفع إلى الولي (2) .

   وفيه : إنّ هذه الدعوى وإن كانت دون السابقة في الضعف إلاّ أ نّه لا يمكن المساعدة عليها أيضاً ، لقصور الأدلّة عن إثباتها كسابقتها وإن أصرّ عليها في الجواهر .

   نعم ، لا شبهة في جواز تمليك الفقير وتملّكه بالقبض الصحيح، لكن التخصيص به بحيث لا يجزي مجرّد الصرف بإشباع ونحوه لا دليل عليه ، بل مقتضى الإطلاقات أنّ العبرة في تفريغ الذمّة بوصول المال إلى الفقير تمليكاً أو صرفاً،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة  23 : 327 .

(2) الجواهر 15 : 384 .

 
 

ــ[141]ــ

ولم ينهض أيّ دليل على التخصيص بالأوّل .

   الثالث : دعوى انّ الصرف وإن صحّ في الفقير لكنّه لا يتمّ في الصغير إلاّ بإذن وليّه ، لأ نّه تصرّف فيه من غير مسوّغ فيحرم .

   وفيه ما لا يخفى، ضرورة أنّ التوقّف على الإذن إنّما هو التصرّفات الاعتباريّة من العقود والإيقاعات وما يلحق بها كالقبض والإقباض ، وأمّا التصرّفات التكوينيّة والأفعال الخارجيّة سيّما الحاوية على نوع من الإحسان كالإطعام والإكساء وسقي الماء وما شاكلها فلم ينهض دليل على اعتبار الاستئذان فيها من الولي .

   ويمكن استفادة ذلك من صحيحة يونس بن يعقوب المتقدّمة (1) بقوله : فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً ... إلخ ، حيث دلّت على جواز الصرف عليهم من دون مراجعة الولي .

   إذن فالقول بجواز الصرف ـ كالتمليك ـ من غير حاجة إلى الاستئذان من الولي مطلقاً هو الأصحّ .

   وأمّا ما في المتن من التفصيل في الصرف بين وجود الولي الشرعي وعدمه فغير واضح ، فإنّه إن جاز الدفع من دون الاستئذان ساغ حتّى مع وجود الولي، وإلاّ لما جاز حتّى مع عدمه. على أ نّه لا يوجد ـ على مذهبنا ـ فقير لا وليّ له، فإنّه إن كان له ولي شرعي من الأب أو الجدّ أو القيّم فهو ، وإلاّ فتنتهي النوبة إلى الحاكم الشرعي الذي هو ولي من لا ولي له من الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ أو عدول المؤمنين ، فلم يتحقّق مورد لانعدام الولي رأساً .

   وعلى الجملة : فالأمر دائر بين الجواز المطلق وبين العدم كذلك ، ولا مجال للتفصيل المزبور بوجه ، وقد عرفت أنّ الأظهر هو الأوّل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 137 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net