كلمة المؤلّف السيد محمّد مهدي الخلخالي 

الكتاب : مجمع الرسـائل - رسـالة في الرضاع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 7287

 

بسمه تعالى

أحمده تبارك وتعالى على نعمه وآلائه ، واُصلّي واُسلّم على أشرف بريّته وخير خلقه ، وخاتم رسله محمّد صلّى الله عليه وآله الطيّبين الطاهرين ، الذين ارتضعوا من ثدي الرسالة النبوية لبانة الوحي الإلهية .

أمّا بعد ، فقد حظيت مسألة الرضاع في الفقه الإسلامي بمنزلة هامّة ، وأهميّة فائقة ، فإنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب(1)، يحرم به ما يحرم بالنسب ، وله ربط وثيق بحرمة النكاح ، فإنّ ربط الرضاعة بين الرضيع والمرضعة يكون كربط النسب بين الولد والوالدة ربط تكوين واشتقاق ، وليس ذلك إلاّ لسريان حقيقة الأصل في فروعه . والرضاع بشرائطه له تأثير في ذلك الربط الأصيل ، وإن كان أضعف من النسب، ومن هنا أوسع الله تعالى لنا دائرة القرابة بالحاق الرضاع بها ، لأنّ بدن الرضيع يتكوّن من لبن المرضعة ، ولذلك يرث منها الطباع والأخلاق ، كما يرث منها ولدها الذي ولدته . وحيث إنّا لم نُحط علماً بتأثير الرضاعة ، لا في مقدارها ولا شرائطها ، ولا شرائط المرضعة ولا الرضيع ، فلابدّ وأن نقتصر على ما ورد به النصّ الشرعيّ ، ونرجع فيما شكّ إلى ما تقتضيه الاُصول والقواعد العامّة . وقد اختلفنا مع سائر المذاهب في جملة من الشروط ، ومن المعلوم أنّ مذهب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) هو الحقّ الذي لا ريب فيه ، فإنّهم المطهّرون من الدنس والخطأ ، والمرتضعون من ثدي الرسالة ، وهم أحد الثقلين اللذين تركهما الرسول الأعظم مرجعاً للاُمّة .
ولقد أشار الكتاب الكريم إلى أهميّة الربط الرضاعي ، حيث إنّه عدّه في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ ملحق رقم (1) ص177 .

ــ[14]ــ

سياق الربط النسبي الموجب لحرمة نكاح الاُمّهات والأخوات ، حيث قال عزّ من قائل : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الاَْخِ وَبَنَاتُ الاُْخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ...)(1).

كما وقد اهتمّت به السنّة الشريفة ، وأحاديث العترة الطاهرة ، فورد حوله وحول أحكامه عشرات الروايات والأخبار ، منها ما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) عن طرق الفريقين(2) قوله (صلّى الله عليه وآله) : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » .

ولهذا قد اهتمّ فقهاؤنا العظام بمسألة الرضاع على مرّ تاريخ الفقه الإسلامي وعمدوا على تشييد قاعدة في الرضاع يرجع إليها في التفريعات المناسبة وكانت من أهم القواعد الفقهيّة .

وكان ممّن تصدّى لتحقيق هذه القاعدة وتشييد مبانيها من فُجِع الإسلام والمسلمون والأوساط العلميّة بفقده(3) بفاجعة عظيمة في عصرنا الحاضر ، وهو سيّدنا الاُستاذ الأعظم آية الله العظمى الإمام الخوئي (قدّس سرّه) فإنّه كان مناراً للعلم ، وعلماً للفضيلة والتحقيق ، وباباً من أبواب مدينة علوم أهل البيت (عليهم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء 4 : 23 .
(2) الوسائل 20 : 371 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب1 ح1 ، 7 .
والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي (صلّى الله عليه وآله) 1 : 452 مادّة حرم ، عن البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن النبي (صلّى الله عليه وآله) .
(3) قد ارتحل سيّدنا الاُستاذ (قدّس سرّه) إلى جوار ربّه الكريم في 8 صفر سنة 1413هـ في النجف الأشرف ، وكانت ولادته في 15 رجب سنة 1317هـ في بلدة (خوي) من بلاد آذربيجان .

ــ[15]ــ

السلام) وياأسفاه ياسيّدي الاُستاذ حين اُحرّر هذه الكلمات ، ولا أرى لك شخصاً في الحياة ، ولا أستطيع أن اُؤدّي حقّك يافقيد العلم ، ويازعيم الاُمّة ، فهنيئاً لك ثمّ هنيئاً لك ، لقد عشت سعيداً ، ومتّ سعيداً مظلوماً ، ووفدت على ربّ كريم ، ونزلت ضيفاً عزيزاً على جدّك أمير المؤمنين (عليه صلوات المصلّين) وبقيت الأوساط العلميّة تنعاك ، ولكن أنت حيّ بآثارك لا تنسى ، وتكون كمن سبقك من أعلام الدين خالداً ومناراً للهدى ، وأنت حيّ مرزوق عند ربّك أبداً ، فسلام عليك ، طبت مضجعاً وموئلا .

ولعمرو الحقّ لقد اشتملتْ أبحاث سماحته (قدّس سرّه) في هذه الرسالة كغيرها من أبحاثه على تدقيقات لطيفة ، وتحقيقات عميقة ، اقتضاها البحث ، كما هو المشهود في أبحاثه في سائر المجالات العلميّة ، فقهاً واُصولا وتفسيراً ورجالا .

وقد وفّقني الله تعالى بمنّه ولطفه للحضور في أبحاثه العالية في الاُصول والفقه والتفسير ، وقرّرت من أبحاثه القيّمة ما ساعدني التوفيق على تقريره وتحريره ، ومن تلك الأبحاث ما ألقاه (قدّس سرّه) في تشييد قاعدة الرضاع محتوى هذه الرسالة في مناسبتين(1) من أيّام العطلات التقليدية في الحوزة العلميّة المباركة في النجف الأشرف زادها الله شرفاً وعزّاً .

لقد كان ممّن حضر في المناسبة الاُولى سماحة العلاّمة الحجّة الفقيه الشيخ محمّد تقي الإيرواني (دامت بركاته) محرّراً ما أفاده السيّد الاُستاذ (قدّس سرّه) وقد حبّذ نشر هذه الرسالة الكريمة التي هي من إفادات اُستاذنا المعظّم (قدّس سرّه) مزجاً بين ما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاُولى في شهر رمضان سنة 1374هـ ق ، والثانية في شهر رمضان سنة 1375هـ ق ، وقد كان (قدّس سرّه) ملحّاً على الدراسة حتّى في أيّام العطلات التقليدية بنشاط تامّ ، وحوله تلامذته يغتنمون الفرصة بالارتشاف من منهله العذب .

ــ[16]ــ

حرّرته وما حرّره (دامت إفاضاته) فأجبته على ما أحبّ ، وقدّمت له ما طلب ، أداءً لمقامه الكريم وتقديراً لحقّه على الحوزة العلميّة .

وقد طبعت(1) هذه الرسالة في النجف الأشرف بعد ملاحظة سيّدنا الاُستاذ (قدّس سرّه) لها والإدلاء عليها بتقريظه العطر ، وحيث إنّ البحث عن الرضاع كان ينطوي على دقائق وتحقيقات أفادها (قدّس سرّه) تجدر بالاهتمام وتليق بالتأمّل والدراسة ، لذلك آثرنا تجديد طباعة(2) هذه الرسالة ثانيةً ، ونشرها على الملأ الفقهي العام ، تعميماً للفائدة ، وإغناءً للمكتبة الإسلامية ، وخدمة للفقه والفقهاء والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

محمّد مهدي الموسوي الخلخالي    

ربيع الأوّل 1414هـ ق ـ طهران

ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في سنة 1412هـ ق وذلك في حياة السيّد الاُستاذ (قدّس سرّه) .
(2) وقد أضفنا في بعض التعاليق أقوال العامّة للمقارنة بين الفقه على المذاهب الخمسة ، وهناك بعض الملحقات أيضاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net