إذا علم أنّ مورّثه كان مكلّفاً بإخراج الزكاة وشكّ في أ نّه أدّاها أم لا 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3651


ــ[297]ــ

   [ 2793 ] الخامسة: إذا علم أنّ مورثه كان مكلّفاً بإخراج الزكاة وشكّ في أنّه أدّاها أم لا(1)، ففي وجوب إخراجه من تركته ـ لاستصحاب بقاء تكليفه ـ أو عدم وجوبه ـ للشكّ في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، واستصحاب بقاء تكليف الميّت لا ينفع في تكليف الوارث ـ وجهان ، أوجههما

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما إذا علم زمـان التعلّق وشكّ في زمان الموت ، حيث ذكر (قدس سره) أنّ الأحوط حينئذ الإخراج على إشكال .

   وما ذكره (قدس سره) مبني على القول بجريان الاستصحاب في مجهول التأريخ دون معلومه ، إذ عليه يكون استصحاب عدم الموت إلى زمان التعلّق ـ  الذي نتيجته وجوب الإخراج من التركة  ـ سليماً عن المعارض .

   وأمّا بناءً على جريانه في المعلوم كالمجهول ـ كما هو الصحيح ، نظراً إلى أ نّه أيضاً مجهول بالإضافة إلى الحادث الآخر الذي هو الموضوع للأثر وإن كان معلوماً بالإضافة إلى عمود الزمان ـ فالاستصحابان يتعارضان ويتساقطان كما في مجهول التأريخ ، ومعه لا موجب للإخراج أبداً .

   بل الظاهر عدم وجوب الإخراج حتّى بناءً على القول باختصاص جريان الاستصحاب بمجهول التأريخ دون معلومه ، وذلك من أجل أنّ قاعدة اليد تقضي بأنّ جميع المال ملك للميّت ، ومعها لا تصل النوبة إلى الاستصحاب ، لحكومة القاعدة عليه كما هو محرّر في محلّه ، فعلى كلا المبنين لا مجال للتمسّك بأصالة عدم الموت إلى زمان التعلّق ليحكم بوجوب الإخراج .

   (1) للمسألة صور ثلاث :

   إذ تارةً : يعلم بتعلّق الزكاة بالعين وهي باقية فعلاً وشكّ في أ نّه أدّاها إمّا من نفس العين أو من مال آخر لتكون هي خالصة له فعلاً أم لا .

   واُخرى : تكون العين تالفة ويشكّ في اشتغال الذمّة فعلاً بالزكاة ، للشكّ في

ــ[298]ــ

الثاني((1)) ، لأنّ تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميّت حتّى يتعلّق الحقّ بتركته ، وثبوته فرع شكّ الميّت وإجرائه الاستصحاب ، لا شكّ الوارث وحال الميّت غير معلوم أ نّه متيقّن بأحد الطرفين أو شاكّ . وفرقٌ بين ما نحن فيه وما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقاً ـ وهو نائم ـ ونشكّ في أ نّه طهّرهما أم لا ، حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة ـ مع أنّ حال النائم غير معلوم أ نّه شاكّ أو متيقّن ، إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم ، بل يقال : إنّ يده كانت نجسة ، والأصل بقاء نجاستها فيجب الاجتناب عنها ، بخلاف المقام ، حيث إنّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميّت واشتغال ذمّته بالنسبة إليه من حيث هو . نعم ، لو كان المال الذي تعلّق به الزكاة موجوداً أمكن أن يقال : الأصل بقاء الزكاة فيه ، ففرقٌ بين صورة الشكّ في تعلّق الزكاة بذمّته وعدمه ، والشكّ في أنّ هذا المال الذي كان فيه الزكاة اُخرجت زكاته أم لا .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أدائها حال وجود العين وعدمه .

   وثالثةً : يقطع باشتغال ذمّة الميّت بالزكاة سابقاً، لعدم الأداء من العين جزماً ، إمّا لإتلاف ، أو لتلف مضمون عليه ، أو لأجل النقل إلى الذمّة بإجازة الحاكم الشرعي ، ونحو ذلك ، ويشكّ في تفريغ ذمّته بعد ذلك كما في سائر الديون التي يشكّ في أدائها بعد العلم باشتغال الذمّة بها .

   فتارةً : يفرض بقاء العين ويشكّ في تخليصها من الزكاة . واُخرى : لم تكن باقية ويحتمل اشتغال الذمّة . وثالثةً : يعلم باشتغال الذمّة ويشكّ في الخروج عن العهدة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا لما ذكر ، بل لأنّ استصحاب عدم الأداء لا يترتّب عليه الضمان .

ــ[299]ــ

هذا كلّه إذا كان الشكّ في مورد لو كان حيّاً وكان شاكّاً وجب عليه الإخراج ، وأمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها ـ ممّا يجري فيه قاعدة التجاوز والمضي ، وحمل فعله على الصحّة ـ فلا إشكال((1)) . وكذا الحال إذا علم اشتغاله((2)) بدين أو كفّارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   أمّا الصورة الأخيرة : فقد ذكر (قدس سره) فيها أ نّه لا يجب على الورثة شيء . والذي يظهر ممّا ذكره في صدر المسألة أنّ وجه عدم الوجوب هو أنّ تكليف الورثة بالإخراج متفرّع على تكليف الميّت بالأداء حال موته ، وهو غير محرز ولا يمكن إثباته بالاستصحاب ، لتقوّمه بيقين الميّت وشكّه ليجري الاستصحاب في حقّه ، إذ لا عبرة لهما من غيره . وحاله غير معلوم ، إذ لا ندري ـ حسب الفرض ـ أ نّه هل كان متيقّناً وشاكّاً حال الموت أم لا ؟

   وبالجملة : لا يجب الإخراج على الورثة ابتداءً ، بل يتلقّونه من الميّت ، فهو فرع ثبوته عليه حال الموت ، وحيث لا علم لنا به ـ لعدم إحراز شكّه ـ فلا سبيل لإثبات شيء على الورثة .

   ولا يقاس المقام بما إذا علم بنجاسة يد زيد ـ مثلاً ـ وهو غافل أو نائم وشكّ في أ نّه طهّرها أم لا ، فإنّ النجاسة تستصحب حينئذ ، لعدم تفرّعها على تكليف زيد بنفسه ، بخلاف المقام ، لثبوت التفريع حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا فيما إذا لم تكن العين باقية ، وإلاّ فالظاهر وجوب الإخراج ، ولا مجال لجريان قاعدة التجاوز أو الحمل على الصحّة .

(2) في المقام تفصيل : فبالإضافة إلى الدين فالأظهر أ نّه يثبت بالاستصحاب على ما تقرّر في محله ، وأما بالإضافة إلى الكفّارة والنذر فلا أثر للاستصحاب بالنسبة إلى إخراجها من أصل التركة ، وأما بالإضافة إلى الخمس فحاله حال الزكاة فيأتي فيه ما تقدّم فيها .

ــ[300]ــ

   ولكن هذا لعلّه واضح الدفع :

   أمّا أوّلاً : فلأنّ أقصى ما يترتّب على عدم جريان الاستصحاب ـ الذي هو حكم ظاهري ـ في حقّ الميّت أنّ التكليف لم يكن متنجّزاً عليه ، ومن المعلوم عدم دوران الإخراج المتعلّق بالورثة مدار التنجّز المزبور ، بل يكفي فيه مجرّد ثبوت التكليف واقعاً ، سواء أكان متنجّزاً عليه أيضاً أم لا ، فإذا ثبت لدى الورثة تكليف الميّت بمقتضى الاستصحاب لزمهم الإخراج وإن لم يكن منجّزاً على الميّت .

   وأمّا ثانياً : فلأنّ لزوم الإخراج على الورثة لا يدور حتّى مدار تكليف الميت واقعاً فضلاً عن التنجّز عليه ، بل يكفي في الإخراج من الأصل مجرّد كونه مديناً وإن لم يكن مكلّفاً به لمانع عنه من نسيان أو غفلة ونحوهما ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ النسيان أو الغفلة يرفعان التكليف حتّى واقعاً ، فلو استدان الميّت من زيد مالاً ونسى عن أدائه إلى أن مات ، أو أتلف مال أحد حال نومه ولم يعلم به إلى أن مات والوارث يعلم به ، يلزمه الإخراج بلا كلام . وعليه ، فلو تعلّق الزكاة بالمال ونسى أو غفل إلى أن مات لزم الإخراج على الوارث ، لأنّ مقدار الزكاة ملك للفقير وإن لم يكن تكليف بالأداء لمكان الغفلة أو النسيان .

   وبالجملة : اللازم إخراج الدين من المال بعد ثبوته ، كان الميّت مكلّفاً بالأداء أم لا ، كان منجّزاً عليه أم لا ، فإنّه لا يلـزم شيء من ذلك ، بل يكفي مجرّد اشتغال الذمّة بالدين ، ولا إرث إلاّ بعد الدين ، فمتى ثبت قدّم عليه ، ولا يدور مدار التكليف به بوجه .

   وعليه ، فإذا شككنا في فراغ ذمّته قبل الموت فلا مانع من استصحاب بقاء الدين كاستصحاب نجاسة يد زيد أو ثوبه .

   إنّما الكلام في أنّ هذا الاستصحاب هل يكفي في لزوم الإخراج ، وأنّ الدين على الميّت هل يمكن إثباته بالاستصحاب أم لا ؟

 
 

ــ[301]ــ

   لا خلاف بين فقهائنا في أنّ الدعوى على الميّت لا تثبت بالبيّنة ، بل تحتاج إلى ضمّ اليمين .

   وإنّما الكلام في أنّ هذا الضمّ هل هو من جهة التخصيص في دليل حجّيّة البيّنة فيكون متمّماً لدليل اعتبارها بحيث لولاه لم تكن حجّة في خصوص المقام كما لم تكن حجّة في بعض الموارد مثل : الشهادة على الزنا ونحوها ، وبعد التتميم وثبوت الدعوى لو شكّ في سقوطها لجهة من الجهات يحكم بالبقاء بمقتضى الاستصحاب .

   أم أ نّه من جهة التخصيص في دليل حجّيّة الاستصحاب ، وإلاّ فلا قصور في البيّنة في إثبات الدعوى بها كما في سائر الموارد ، غير أنّ الميّت حيث لا يمكنه الدفاع عن نفسه ، إذ من الجائز أ نّه قد أدّى الدين أو أبرأه الدائن أو سقط بالتهاتر ونحو ذلك ، فيحتاج إلى ضمّ اليمين لدفع احتمال عدم البقاء ، نظراً إلى سقوط حجّيّة الاستصحاب في خصوص المقام .

   فعلى الثاني : لا يجب الإخراج في المقام كما ذكره في المتن ، إذ لا أثر لعلم الورثة باشتغال ذمّة الميّت بالزكاة سابقاً بعد عدم جريان الاستصحاب لإثبات البقاء إلى حال الموت ، ومن المعلوم جدّاً أ نّه لا مجال لضمّ اليمين في المقام ، لعدم كونه دعوى شخصيّة كما في سائر الدعاوى كي يختلف المدّعي على بقاء الحقّ وإنّما هناك علمٌ بالاشتغال وشكٌّ في الأداء كما هو ظاهر .

   وأمّا على الأوّل : فلا مانع من جريان الاستصحاب ، والمفروض ثبوت الدين ، لعلم الورثة ، وليس مشكوكاً حتّى يحتاج إلى ضمّ اليمين ، فهو نظير سائر الديون التي يعترف الوارث بها الغنيّة عن ضمّ اليمين ، لأ نّه جزء متمّم للمثبت ، أمّا إذا كان الدين ثابتاً بنفسه بالعلم الوجداني أو إقرار الورثة فلا حاجة إلى الضمّ أبداً ، ومعه لا بدّ من الإخراج .

   وأمّا تحقيق هذه المسألة وأنّ اليمين هل هو جزء متمّم للإثبات ومقيّد لدليل

ــ[302]ــ

البيّنة أم أ نّه مخصّص لدليل الاستصحاب ، فالظاهر هو الأوّل ، والوجه فيه : أنّ الدليل الذي استدلّوا به على هذا الضمّ روايتان :

   إحداهما : صحيحة الصـفّار : هل تقبل شهادة الوصيّ للمّيت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟ فوقّع : «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين» وكتب : أيجوز للوصي ـ إلى أن قال : ـ وكتب : أوَتقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل ؟ «فوقّع : «نعم ، من بعد يمين» (1) .

   تضمّن صدرها قبول شهادة عدل واحد مع يمين المدّعي في الشهادة للميّت ـ  أي على نفعه  ـ فإنّ شهادة الوصي كالوكيل غير مسموعة حينئذ ، لأ نّه يجرّ النفع إلى نفسه أو النار إلى قرصه وإن لم يرد بهذا التعبير في النصّ . فتبقى شهادة العدل الآخر المنضمّة إلى يمين المدّعي وهو الوارث ، ويثبت بذلك الدين للميّت على رجل آخر . وهذه الفقرة من الصحيحة خارجة عن محلّ الكلام .

   ومحلّ الاستشهاد هو الذيل ـ أعني قوله : أوَ تقبل شهادة الوصي على الميّت ـ سواء أكانت النسخة كما أثبتناها المطابقة للوسائل والكافي والتهذيب ، أم بإضافة كلمة : بدين ، بعد قوله : على الميّت ، كما في الفقيه ، لاتّحاد النتيجة ، ضرورة أنّ الدعوى على الميّت لا تكون إلاّ بدين على ذمّته الغير الساقط عنه حيّاً وميّتاً ما لم تفرغ الذمّة . وأمّا الدعوى على العين فليست هي من الدعوى على الميّت ، بل على الوارث كما لا يخفى ، فنفس الدعوى على الميّت يقتضي أن يكون متعلّقها ديناً لا عيناً .

   وكيف ما كان ، فقد دلّت على أنّ تلك الدعوى لا تثبت بشهادة العدلين إلاّ من بعد ضمّ اليمين، ولاتعرّض فيها لمرحلة الشكّ في البقاء وجريان الاستصحاب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 371 / كتاب الشهادات ب 28 ح 1 ، الكافي 7 : 394 / 3 ، الفقيه 3 : 43 / 147 ، التهذيب 6 : 247 / 626 .

ــ[303]ــ

   فلو كنّا نحن وهذه الصحيحة كان ظاهرها أنّ ضمّ اليمين إنّما هو لأجل تتميم حجّيّة البيّنة وإثبات أصل الدعوى ، ولا نظر فيها إلى مرحلة البقاء بوجه . وعليه ، فإذا فرضنا أنّ الدين قطعي الثبوت كما هو المفروض فيما نحن فيه ، فلا مانع من جريان الاستصحاب والإخراج من تركته من غير حاجة إلى ضمّ اليمين ، إذ هو إنّما كان لأجل إثبات الدين ، ومع ثبوته بنفسه إمّا بالعلم الوجداني أو باعتراف الورثة لا حاجة إلى الإثبات ، فيجري الاستصحاب كما عرفت .

   الثانية : رواية عبدالرّحمن بن أبي عبدالله قال : قلت للشيخ (عليه السلام) : خبّرني عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ ـ إلى أن قال : ـ «وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات فاُقيمت عليه البيّنة فعلى المدّعي اليمين بالله الذي لا إله إلاّ هو ، لقد مات فلان ، وأنّ حقّه لعليه ، فإن حلف ، وإلاّ فلا حقّ له ، لأ نّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو غير بيّنة قبل الموت ، فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البيّنة ، فإن ادّعى بلا بيّنة فلا حقّ له ، لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ ، ولو كان حيّاً لاُلزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين عليه ، فمن ثمّ لم يثبت الحقّ» (1) .

   ومحلّ الاستشهاد هو التعليل في قوله (عليه السلام) : «لأ نّا لا ندري» حيث يستفاد منه أنّ اليمين إنّما هو من أجل دفع احتمال الوفاء بعد أن لم يكن الميّت حيّاً حتّى يدافع عن نفسه ، ومن الجائز عدم ثبوت حقّ عليه واقعاً ، إمّا للأداء والوفاء ، أو للإبراء ، أو لعدم كونه مديناً من أصله . وعليه ، فلم يكن المناط في ضمّ اليمين التقـييد في دليل حجّيّة البيّنة وتتميم اعتبارها ، بل قد ثبت أصل الدين بها من غير فرق بين كون الدعوى على الحيّ أو الميّت كما في الغائب . بل المناط فيه عدم حجّيّة الاستصحاب في خصوص المقام ، فيكون تقييداً في دليله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 236  / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 4 ح 1 ، الكافي 7 : 415 / 1 ، الفقيه 3 : 38 / 128 .

ــ[304]ــ

لا في دليلها . ومن ثمّ ينبغي أن يكون الحلف على البقاء لا على الحدوث ، وإلاّ فتكفي في إثباته البيّنة كما عرفت .

   فعلى هذا المبنى الذي عليه المشهور نفي المقام لا مجال لجريان الاستصحاب ، لأ نّا وإن علمنا أنّ الميّت مدين بالزكاة حسب الفرض إلاّ أ نّنا نحتمل وجداناً أ نّه قد أوفاه ، وليس هنا مدّع في قباله يحلف بالبقاء من فقير أو غيره ، فلا يسعنا إثبات البقاء إلاّ بوساطة الاستصحاب ، والمفروض سقوطه في خصوص المقام ، فلا يجب على الوارث شيء ، لعدم ثبوت اشتغال ذمّة الميّت بالدين حين موته ليخرج قبل الإرث من تركته .

   والمراد بالشيخ : هو موسى بن جعفر (عليه السلام) ، كما نصّ عليه في الفقيه وإن أطلق في الكافي .

   هذا ، ولكن الرواية ضعيفة السند لأجل ياسين الضرير ، إذ لم يرد فيه أيّ توثيق . ودعوى الانجبار بعمل المشهور ممنوع صغرىً وكبرى ، فإنّ ضمّ اليمين وإن كان مسلّماً إلاّ أ نّه لم يعلم أ نّه لأجل البقاء أو الحدوث ، فالصغرى غير ثابتة ، ولو سُلّم فالكبرى ممنوعة كما مرّ غير مرّة .

   إذن ، فالمعتمد إنّما هي صحيحة الصفّار السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، ومقتضاها أنّ الدين إذا ثبت بعلم الوارث كما في المقام لزم الإخراج ، لأنّ الإرث بعد الدين ، ولم يرد دليل على تخصيص حجّيّة الاستصحاب .

   بقي هنا شيء ، وهو أنّ الماتن ألحق في آخر المسألة بالدين الكفّارة والنذر في جميع ما مرّ . ولكنّه غير واضح ، فإنّه إنّما يتّجه لو قلنا بأنّ الكفّارة واجب مالي ـ  كما ذكره جماعة ، خصوصاً من المتأخّرين  ـ فإنّها حينئذ تخرج من أصل المال كالدين .

   ولكنّه لم يثبت ، بل الظاهر من الأدلّة أ نّها حكم تكليفي محض خوطب به

ــ[305]ــ

المكلّف بشخصه ، رفعاً للحزازة الحاصلة من العمل من غير ثبوت شيء في ذمّته ليكون من قبيل الدين . وعليه ، فلا موجب للإخراج من المال حتّى مع القطع فضلاً عن الشكّ ، ولا سيّما إذا كان صغيراً أو مجنونا .

   وعلى الجملة : الكفّارة واجب إلهي كسائر الواجبات ، غايته أ نّه متعلّق بالمال من غير أن تكون الذمّة مشغولة بشيء ، ولا سيّما مثل كفّارة شهر رمضان التي هي عنوان جامع بين العتق والإطعام والصيام ، الشامل لما يتعلّق بالمال وغيره .

   وأوضح حالاً النذر ، لضعف ذاك الاحتمال فيه جدّاً ، نظراً إلى أ نّه لم يجب ابتداءً ، بل يتبع التزام المكلّف ، فهو يلتزم بشيء على نفسه والله تعالى يلزمه بما التزم ومن الضروري أنّ الناذر لم يلتزم بأن يكون لأحد ، بل التزم فعلاً على نفسه من إقامة مجلس العزاء أو إطعام مساكين ونحو ذلك ممّا يكون هو المتصدّي للقيام به ، المنوط بوجوده وحياته ، ولم يكن متعلّق النذر مالاً ثابتاً في الذمّة حتّى في المقطوع فضلاً عن المشكوك ليخرج عن تركته ، فلو علم الوارث أنّ الميّت لم يوف بنذره لم يجب عليه الإخراج فضلاً عن الشكّ في الوفاء . فالحكم مختصّ بالدين ، والحجّ ملحق به كما صرّح به في الأخبار وانّه يخرج من أصل المال .

   نعم ، ذكر السيّد الماتن (قدس سره) في باب القضاء : أنّ مطلق الواجبات الإلهية كذلك ، لرواية الخثعمي المتضمنة : «أنّ دين الله أحقّ أن يقضى» فبدليل الحكومة تكون ملحقة بالدين .

   ولكن الرواية مخدوشة سنداً ودلالةً ولا تصلح للاستناد إليها بوجه ، كما تعرّضنا في محلّه ، فلاحظ (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة (كتاب الصلاة 5 ) : 258 .

ــ[306]ــ

   وتحصّل : أنّ الذي يخرج من الأصل إنّما هو الدين والحجّ ، وأمّا غير ذلك من سائر الواجبات فلا موجب لإخراجها منه مع اليقين فضلاً عن الشكّ .

   هذا كلّه حكم الصورة الأخيرة، أعني : العلم باشتغال الذمّة والشكّ في الخروج عن العهدة .

   وأمّا الصورة الاُولى ، أعني : ما إذا  كانت الزكاة في العـين وهي موجودة ونحتمل أنّ الميّت قد أدّاها إمّا من نفس العين أو من مال آخر . وقد ذكر الماتن (قدس سره) حينئذ أ نّه لا بدّ من الإخراج ، نظراً إلى أنّ هذا المال الخارجي كان فيه الزكاة وكان متعلّقاً لحقّ الفقراء ، ويشكّ في إخراجها عنه فيستصحب بقاء الزكاة فيه ، فيجب على الوارث الاخراج كما كان يجب على الميّت لو كان حيّاً وصدر منه مثل هذا الشكّ .

   وما أفاده (قدس سره) وجيه كما هو ظاهر ، غير أ نّه (قدس سره) خصّ الحكم بما إذا تعلّق الشكّ بزكاة السنة الحالية . وأمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة أو السنتين السابقة فلايجب الإخراج على الوارث ، استناداً إلى قاعدة التجاوز ومضيّ المحلّ ، بل استند (قدس سره) إلى أصالة الصحّة .

   أقول : قد عرفت سابقاً أنّ الزكاة ليس لها محلّ معيّن أو وقت مخصوص ، فليست هي من المؤقّتات (1) . نعم ، لا يجوز التأخير بمقدار يصدق معه التهاون كما تقدّم(2) ، إلاّ أنّ ذلك لا يجعلها من المؤقت كي يكون الشكّ بعد تجاوز المحلّ أو بعد خروج الوقت . وعليه، فلا معنى للتمسّك بقاعدة التجاوز أو مضيّ الوقت .

   وأمّا أصالة الصحّة فلم يعلم لها وجه صحيح ، إلاّ أن يقال : إنّ تأخير الزكاة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 253 ـ 254 .

(2) في ص 255 .

ــ[307]ــ

من دون عذر شرعي غير جائز ، فإبقاء الميّت العين الزكويّة عنده من غير إخراج الزكاة حرام وغير مشروع ، ومقتضى الحمل على الصحّة أ نّه لم يرتكب الحرام ، بل كان الإبقاء المزبور سائغاً ولو بأداء الزكاة من مال آخر .

   ولكنّه كما ترى ، لما هو المقرّر في محلّه من أنّ أصالة الصحّة لها معنيان :

   أحدهما : مجرّد التنزيه عن القبيح والحمل على الجائز المشروع من غير ترتيب الآثار الشرعيّة عليه بوجه ، كما مثّل له شيخنا الأنصاري (قدس سره) من حمل ما تردّد بين السلام والسبّ على الوجه الأحسن وأ نّه لم يرتكب القبيح ، لا أ نّه سلّم ليجب ردّ سلامه ، فاقصى مفادها عدم ظنّ السوء لا ترتيب اللوازم . وعليه ، فغاية ما في المقام تنزيه الميّت عن الحرام وأ نّه لم يؤخّر الزكاة من غير عذر ، لا ترتيب لازمه وأ نّه أدّاها خارجاً كي لا يجب الإخراج من تركته .

   ثانيهما : الحمل على الصحيح في مقابل الفاسد فيما إذا صدر من المسلم فعل مردّد بينهما من عقد أو إيقاع ونحوهما ، فإنّ السيرة الشرعيّة بل بناء العقلاء قد استقرّ على الحمل على الصحيح وترتيب الآثار عليه ، فيجوز تزويج زوجة زيد المطلّقة بالسيرة القطعيّة وإن احتملنا بطلان طلاقها .

   ولكن هذا المعنى من الحمل على الصحّة لا ينطبق على المقام ، إذ لم يصدر من الميّت فعل مردّد بين الصحيح والفاسد بهذا المعنى ليترتّب عليه الأثر ، وإنّما الصادر منه مجرّد البقاء الذي لا ينقسم إلى الصحيح والفاسد بالضرورة ، وقد عرفت عدم إثبات لازمه بالمعنى الأوّل ، فالظاهر عدم الفرق بين السنة الحالية والسنين الماضية ، بل لا بدّ من الإخراج في الجميع حسبما عرفت .

   وأمّا الصورة الثانية ، أعني : ما لو كانت العين تالفة أو منتقلة إلى الغير ويحتمل أ نّه لم يؤدّ زكاتها كي يكون مديناً وضامنا .

ــ[308]ــ

   والظاهر هنا عدم وجوب الإخراج، لا كما ذكره (قدس سره) من أنّ تكليف الوارث فرع تكليف الميّت ، لما عرفت ما فيه .

   بل لأجل أنّ الضمان يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل ، فإنّ موضوعه إتلاف مال الغير وهو غير محرز في المقام بعد احتمال أنّ الميّت قد أدّى الزكاة من نفس العين الزكويّة ، ومن البيّن أنّ استصحاب عدم الأداء لا يثبت الإتلاف ليترتّب عليه الضمان ، كما أنّ من الواضح أنّ الأداء إلى المالك لا يعدّ إتلافاً بل أداءً ووفاءً لما هو واجب عليه ، فمع احتماله لم يحرز الإتلاف ، وقد عرفت أنّ اصالة عدمه لا يثبته ليترتّب عليه الضمان .

   بل لم يحرز الإتلاف حتّى مع العلم بعدم أداء الزكاة من العين ، كما لو باع العين الزكويّة بأجمعها واحتملنا الأداء من مال آخر ، وذلك لأصالة الصحّة الجارية في تلك المعاملة بعد ثبوت الولاية له على التبديل بالأداء من مال آخر ، فإنّ مقتضاها أ نّه باع ما هو بتمامه ملك له ، لقدرته على ذلك بعد ولايته على أداء البدل ، فقد صدر تصرّف من الولي ومثله محكوم بالصحّة .

   وعلى الجملة : استصحاب بقاء الحقّ أو عدم الأداء لا يثبت الضمان المترتّب على الإتلاف وهذا فيما إذا احتملنا أ نّه أدّى من نفس العين أوضح ، لعدم صدق الإتلاف على الأداء .

   ودونه في الوضوح ما لو لم يحتمل ذلك ، للعلم بأ نّه أخرج الجميع عن ملكه ببيع ونحوه ، لعدم ثبوت الضمان حينئذ أيضاً بعد جريان أصالة الصحّة ، فإنّ جريانها وإن كان مشروطاً بإحراز قابليّة المتصدّي للعقد ـ كما هو مذكور في محلّه ـ إلاّ أنّ القابليّة محرزة في المقام بعد فرض أنّ المالك له الولايـة على التبديل حسبما عرفت .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net