حكم مال البغاة والخوارج قبل نشوب القتال وبعده - اشتراط عدم غصبيّة المُغتَنَم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4686


ــ[24]ــ

وكذا الأحوط إخراج الخمس ممّا حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النُّصّاب (1) ودخلوا في عنوانهم ، وإلاّ فيشكل حلّيّة مالهم .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لا ينبغي الإشكال في حلّيّة مال البغاة والخوارج وجواز التصرّف فيه بإتلاف ونحوه قبل نشوب القتال أو أثنائه قبل أن تضع الحرب أوزارها ، فإنّ الإذن في القتال إذنٌ في مثل هذه التصرّفات التي يتوقّف القتال عليها من قتل فرس المقاتل الباغي أو فتق درعه أو كسر سيفه ونحو ذلك .

   ومنه تعرف عدم الضمان بعد أن كان الإتلاف بإذن من ولي الأمر ومن هو أولى بالتصرّف .

   وقد أمر مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام بعقر جمل عائشة فعُقِرَ من غير أن يخرج عن ضمانه (1) .

   وأمّا بعد انتهاء القتال ووضع الحرب أوزارها فلا إشكال في الجواز أيضاً إذا كان البغاة من النصّاب ، لما تقدّم من حلّيّة مال الناصب وعدم احترامه وإن لم يقاتل فضلاً عمّا لو قاتل .

   وأمّا إذا لم يكن من النواصب وإنّما خرج وقاتل طلباً للرئاسة وحرصاً على حطام الدُّنيا من غير أن يحمل بغض أهل البيت (عليهم السلام) وينصب العداوة لهم ، فقد وقع الخلاف حينئذ بين الأصحاب في جواز التصرّف في ماله :

   فذهب جماعة إلى الجواز وأ نّه يقسّم بين المقاتلين كما في الكافر الحربي، بل ادّعى الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم عليه (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجمل (مصنّفات الشيخ المفيد 1) : 377 .

(2) الخلاف 5 : 346 / 17 .

ــ[25]ــ

   ولكن الإجماع المدّعى منه معارض بما عن السـيِّد المرتضى وابن إدريس والعلاّمة من دعوى الإجماع على خلافه كما في الجواهر ج 12 ص 339 ، فلا يعتمد عليه بوجه . ولم يتّضح مراده (قدس سره) من الأخبار وغايته أ نّها مرسلة .

   هذا ، وقد ذهب المحقّق في جهاد الشرائع إلى جواز التصرّف والقسمة بين المقاتلين (1) ، استناداً إلى قيام سيرة علي (عليه السلام) على ذلك ، كما حكي ذلك عن جمع أيضاً منهم العماني (2) .

   ولكن سيرته غير ثابتة كما صرّح به في الجواهر ، بل عن الشيخ في المبسوط والشهيد في الدروس أنّ سيرته (عليه السلام) في أهل البصرة كانت على خلاف ذلك وأ نّه (عليه السلام) أمر بردّ أموالهم فاُخذت حتى القدور (3) .

   فدعوى السيرة معارضة بمثلها كالإجماع فلا يمكن الاعتماد على شيء منهما ، بل لا يمكن الاعتماد حتى لو ثبتت السيرة على كلّ من الطرفين ، إذ لو ثبتت سيرته (عليه السلام) على التقسيم فبما أ نّها قضيّة خارجيّة فمن الجائز أن يكون ذلك من أجل أنّ المقاتلين كانوا بأجمعهم من النواصب ، وقد عرفت حلّيّة مال الناصب وإن لم يقاتل فضلاً عن المقاتل . فلا دلالة في ذلك على جواز القسمة في غير الناصبي الذي هو محلّ الكلام .

   ولو ثبتت سيرته (عليه السلام) على الردّ فهو أعمّ من حرمة التقسيم ، لجواز ابتنائه على المنّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الشرائع 1 : 364 ـ 369 .

(2) حكاه في الجواهر 21 : 339 .

(3) الدورس 2 : 42 ، المبسوط 7 : 266 .

ــ[26]ــ

   [ 2879 ] مسألة 3 : يشترط في المغتنم أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد (1) أو نحوهم ممّن هو محترم المال ، وإلاّ فيجب ردّه إلى مالكه . نعم ، لو كان مغصوباً من غيرهم من أهل الحرب لا بأس بأخذه وإعطاء خمسه وإن لم يكن الحرب فعلاً مع المغصوب منهم. وكذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب بعنوان الأمانة من وديعة أو إجارة أو عارية أو نحوها .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وعلى الجملة : فالسيرة على أيّ من الطرفين ثبتت لا يمكن الاستدلال بها فضلاً عن عدم ثبوتها كالإجماع ، ولم يرد في المقام نصّ كما عرفت . إذن فلا بدّ من العمل على مقتضى القواعد العامّة، وهي تقتضي عدم الجواز، عملاً بإطلاقات احترام مال المسلم ما لم يثبت خلافه .

   (1) لا فرق في الغنيمة المأخوذة من دار الحرب بين ما إذا  كانت ملكاً للمحاربين أنفسهم أو ملكاً لمحارب آخر وإن لم يكن من أهل الحرب فعلاً ، سواء أغصبوه منه أم كان عندهم بعنوان الأمانة من وديعة ونحوها ، لصدق الغنيمة على الكلّ ، فيشمله إطلاق الآية المباركة بعد تساوي الجميع في عدم احترام المال . وهذا ظاهر ، كما أ نّه متسالم عليه بين الأصحاب .

   وأمّا لو كان مغصوباً ممّن هو محترم المال كالمسلم والذمّي ونحوهما فالمشهور وجوب الردّ إلى مالكه ، بل لم ينسب الخلاف إلاّ إلى الشيخ في النهاية والقاضي في بعض كتبه ، فعزي إليهما أنّ الغنيمة حينئذ للمقاتلين وأنّ الإمام يغرَّم القيمة لأربابها من بيت المال (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر النهاية : 198 .

ــ[27]ــ

   ويدلّ على المشهور ـ مضافاً إلى عمومات أدلّة احترام المال المقتضية لوجوب الردّ ـ صحيح هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سأله رجل عن الترك يغزون على  المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم، أيردّ عليهم؟ «قال: نعم، والمسلم أخو المسلم، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده»(1) .

   ودلالتها ظاهرة بل صريحة في المطلوب ، كما أ نّها صحيحة السند .

   هذا ، ويستدلّ لمقالة الشيخ برواية اُخرى لهشام ، عن بعض أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في السبي يأخذ العدو من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونه ، ثمّ إنّ المسـلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم وسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا ـ  إلى أن قال :  ـ «وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون وتعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين» (2) .

   ولكنّها ضعيفة السند بالإرسال أوّلاً ، ولم يعمل بها المشهور ليدّعى الانجبار على القول به . وأخصّ من المدّعى ثانياً ، فإنّها متعرّضة لخصوص المماليك ـ  أعني : الإماء والعبيد  ـ دون سائر الأموال المغتنمة ، فيحتاج إلى دعوى القطع بعدم الفرق أو عدم القول بالفصل . ومعارَضة بصحيحته ثالثاً حسبما عرفت .

   نعم ، يمكن الاستدلال له بصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل لقيه العدو وأصاب منه مالاً أو متاعاً ، ثمّ إنّ المسلمين أصابوا ذلك ، كيف يصنع بمتاع الرجل ؟ «فقال : إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل رُدّ عليه ، وإن كانوا أصابوه بعدما حازوه فهو فيء المسلمين فهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 15 : 98 /  أبواب جهاد العدو ب 35 ح 3 .

(2) الوسائل 15 : 97 /  أبواب جهاد العدو ب 35 ح 1 .

ــ[28]ــ

أحقّ بالشفعة» (1) .

   بناءً على تفسير الحيازة بالمقاتلة ليكون المعنى : أنّ إصابة المال لو كانت بعد القتال فهو فيء للمسلمين ، وإن كانت قبله رُدّ إلى صاحبه .

   ولكن هذا التفسير غير ظاهر، بل بعيد كما لا يخفى. ومن ثمّ فسّر الحيازة في الجواهر بالمقاسمة(2) بعد إرجاع الضمير في قوله : «إذا كانوا أصابوه» إلى الرجل ، أي إذا أصابوا صاحب المال قبل التقسيم رُدّ إليه ، وإن أصابوه بعد القسمة فهو فيء للمسلمين .

   ولكنّه أيضاً خلاف الظاهر .

   ولا يبعد أن يكون الأقرب من هذين الاحتمالين تفسير الحيازة بالاستيلاء على المال واغتنامه مع عود الضمير إلى الرجل ليكون المعنى : إنّه إن عرف صاحب المال قبل أن يغتنم فهو له وإلاّ فللمسلمين ، كما ربّما يقرّب هذا المعنى ما هو المشهور بل المتسالم عليه بينهم من أنّ مجهول المالك لو عرف صاحبه بعد الصرف فيما قرّره الشرع من صدقة ونحوها لم يستحقّ شيئاً . ومن ثمّ فرّقوا بينه وبين اللقطة بأ نّه لو تصدّق بها ضمن على تقدير العثور على صاحبها ، بخلاف التصدّق بمجهول المالك فإنّه لا ضمان فيه بتاتاً ، فيكون الاغتنام في المقام ـ  بعد كون المال المبحوث عنه من قبيل مجهول المالك  ـ بمثابة التصدّق في سائر الموارد، حيث إنّه بإذن من صاحب الشرع ، فلا ضمان بعده وان عثر على مالكه .

   وكيفما كان، فهذا الاحتمال وإن كان أقرب كما عرفت ، إلاّ أ نّه بعدُ غير واضح ، فلا تخلو الصحيحة عن كونها مضطربة الدلالة ، فلا تصلح للاستدلال بعد تكافؤ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 15 : 98 /  أبواب جهاد العدو ب 35 ح 2 .

(2) الجواهر 21 : 224 .

ــ[29]ــ

الاحتمالات .

   على أ نّا لو سلّمنا التفسير الأوّل بل لو فرضنا صراحتها فيه فلا ينطبق مفادها على مقالة الشيخ من غرامة الإمام قيمته من بيت المال ، لعدم التعرّض فيها لهذه الغرامة بوجه ، بل المذكـور فيها أ نّه أحقّ بالشفعة ، أي أنّ للمالك استرجاع المال من المقاتلين بالثمن كما في الشفيع ، كما صرّح بذلك في مرسلة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل كان له عبد فاُدخل دار الشرك ثمّ اُخذ سبياً إلى دار الإسلام «قال: إن وقع عليه قبل القسمة فهو له ، وإن جرى عليه القسم فهو أحقّ بالثمن» (1).

   هذا كلّه فيما لو عرف المالك قبل القسمة .

   وأمّا لو لم يعرف إلاّ ما بعد التقسيم فعن الشيخ في النهاية : أ نّها للمقاتلة أيضاً نحو ما سبق(2) ، ولكن ذكر في الجواهر : أنِّي لم أجد له موافقاً منّا (3) ، وإن حكي ذلك عن بعض العامّة كأبي حنيفة والثوري والأوزاعي ونحوهم(4) ، كما لم يظهر له مستند أيضاً عدا صحيحة الحلبي المتقدّمة بناءً على تفسير الحيازة بالقسمة كما احتمله في الجواهر ، المعتضدة بمرسلة جميل . لكن عرفت أنّ شيئاً منهما لا ينطبق على مقالة الشيخ ، بل مفادهما جواز استرداد المالك بعد دفع الثمن لا غرامة الإمام قيمتها من بيت المال .

   فالأقوى ما عليه المشهور من استرداد المالك ماله حيثما وجده ، من غير فرق بين ما قبل القسمة وما بعدها ، عملاً بإطلاقات احترام المال حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 15 : 98 /  أبواب جهاد العدو ب 35 ح 4 .

(2) النهاية : 294 ـ 295 .

(3) الجواهر 21 : 225 .

(4) الجواهر 21 : 225 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net