استثناء مؤونة الصرف - هل يستثنى ما صرفه في مؤونة سنته لنفسه وعائلته ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3838


   الجهة الثانية : لا ريب أنّ هذا الوجوب مشروط باستثناء ما يصرفه في سبيل تحصيل الربح ، فمؤونة الصرف مستثناة عن الوجوب بلا خلاف ولا إشكال كما هو ظاهر من غير حاجة إلى تجشّم الاستدلال وإقامة البرهان ، ضرورة عدم صدق الفائدة إلاّ فيما زاد على هذا المقدار ، فلو فرضنا أنّ تاجراً أو زارعاً أو صانعاً أو صاحب معمل صرف خمسين ديناراً وحصّل على مائة لا يقال : إنّه ربح واستفاد مائة ، بل لم يربح إلاّ خمسين ديناراً لا غير كما هو ظاهر جدّاً ، فلا خمس إلاّ في هذه الخمسين التي هي مصداق للفائدة والعائدة .

   مضافاً إلى ما دلّت عليه صحيحة البزنطي ، قال : كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام): الخمس، أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ فكتب: «بعد المؤونة»(1) .

   وقد تقدّمت هذه الصحيحة في بحث المعادن وقلنا : إنّ الظاهر منها مؤونة الصرف لا مؤونة السنة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 508 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 1 .

ــ[209]ــ

   وتؤيِّده رواية محمّد بن الحسن الأشعري ـ وهو ابن أبي خالد المعروف بشنبولة ، ولم يوثّق ـ قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : أخبرني عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع، وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه : «الخمس بعد المؤونة»(1)، هكذا في الوسائل تبعاً للتهذيب ، ولكن في الاستبصار : «الضياع» بدل: «الصناع» وهو الصحيح . وكيفما كان، فلا إشكال في استثناء مؤونة الصرف .

   الجهة الثالثة : لا إشكال أيضاً في أ نّه يستثنى ما صرفه في مؤونة سنته لنفسه وعائلته، فإنّ الخمس وإن كان متعلّقاً بكلّ ما يستفيده الرجل من قليل أو كثير ولكن وجوب  الدفع  مشروط  بعدم الصرف في المؤونة كما نطقت به بعض الأخبار:

   منها : صحيحة علي بن مهزيار ، قال : قال لي أبو علي بن راشد : قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شيء حقّه ؟ فلم أدر ما اُجيبه «فقال : يجب عليهم الخمس» فقلت : ففي أيّ شيء ؟ «فقال : في أمتعتهم وصنايعهم (ضياعهم) » قلت : والتاجر عليه والصانع بيده ؟ «فقال : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (2) .

   فإنّ الضمير في «مؤونتهم» ضمير جمع للعقلاء ، فيراد مؤونة الأشخاص ، أي الرجل وعائلته ، لا مؤونة الصرف للربح كما لا يخفى .

   ومنها : صحيحته الاُخرى قال فيها : فكتب وقرأه علي بن مهزيار : «عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله» إلخ (3) ، فإنّها صريحة في المطلوب .

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 499 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 1 ، التهذيب 4 : 123 / 352 ، الاستبصار 2 : 55 / 181 .

(2) الوسائل 9 : 500 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3 .

(3) الوسائل 9 : 500 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 4 .

ــ[210]ــ

   ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ المراد بالمؤونة في هذه الروايات هي مؤونة السنة ، بل عليه إجماع الأصحاب كما نصّ عليه غير واحد ، وإن كان لم يصرّح بلفظ «السنة» في شيء من تلك النصوص كما اعترف به صاحب الحدائق (1) وغيره .

   نعم ، في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة على بعض نسخ الوسائل ـ طبع عين الدولة ـ هكذا : «ومن كانت ضيعته لا تقوم سنة» إلخ .

   ولكن النسخة مغلوطة جزماً والصحيح كما في الأصل هكذا: «لا تقوم بمؤونته» إلخ ، فالنصوص بأجمعها خالية عن تقييد المؤونة بالسنة ، وإنّما هو مذكور في كلمات الأصحاب وهو الصحيح .

   والوجه فيه : انصراف اللفظ إليها عرفاً لدى الإطلاق بعد عدم الدليل على إرادة مؤونة اليوم أو الاُسبوع أو الشهر ، نظراً إلى قيام التعارف الخارجي ولا سيّما في الأزمنة السابقة وخاصّة في القرى على تهيئة مؤونة سنتهم في كلّ فصل من الفصول المناسبة لما يحتاجون إليه من الحنطة والأرز والتمر ونحو ذلك ممّا تمسّ به الحاجة ، فكانوا يدّخرونه للصرف إلى العام  الحاضر . نعم ، سكنة المدن الكبرى في غنىً عن ذلك ، لوفور النعم في أسواقها طوال العام .

   وكيفما كان ، فمؤونة الشخص لدى العرف تقدّر بالسنين لا بالأيّام أو الشهور أو الفصول ، لعدم انضباطها ، ولأجله كان المتبادر من قولنا : فلان يفي كسبه أو ضيعته بمؤونته أو لا يفي ، أو : أ نّه مالك للمؤونة أو غير مالك ، هو مؤونة السنة . وهذا هو السرّ فيما فهمه الأصحاب من مثل هذه الأخبار من التقييد بالسنة بعد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 12 : 353 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net