وظيفة المكّي إذا سكن بلداً آخر - ميقات المقيم في مكّة إذا تمتع 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3780


ــ[170]ــ

   [ 3207 ] مسألة 4 : المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع ـ  كما إذا  كانت استطاعته في بلده أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه ـ فالواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتّع ، واختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال : أحدها : أ نّه مهلّ أرضه ، ذهب إليه جماعة ، بل ربّما يسند إلى المشهور ـ كما في الحدائق ـ لخبر سماعة عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن المجاور أله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحج ؟ قال (عليه السلام) : نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فليلبّ إن شاء» المعـتضد بجملة من الأخبار الواردة في الجاهل والناسي الدالّة على ذلك بدعوى عدم خصوصية للجهل والنسيان وأن ذلك لكونه مقتضى حكم التمتّع ، وبالأخبار الواردة في توقيت المواقيت وتخصيص كل قطر بواحد منها أو من مرّ عليها بعد دعوى أن الرجـوع إلى الميـقات غير المرور عليه . ثانيها : أنه أحد المواقيت المخصوصة مخيراً بينها ، وإليه ذهب جماعة اُخرى لجملة اُخرى من الأخبار ، مؤيدة بأخبار المواقيت بدعوى عدم استفادة خصوصية كل بقطر معيّن . ثالثها : أنه أدنى الحل ، نقل عن الحلبي وتبعه بعض متأخِّري المتأخِّرين ، لجملة ثالثة من الأخبار والأحوط الأوّل ، وإن كان الأقوى الثاني ((1)) لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة وأخبار الجاهل والناسي وأن ذكر المهلّ من باب أحد الأفراد ، ومنع خصـوصية

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ثمّ تعرّض المصنف لعكس المسألة السابقة وهو ما إذا صار المكّي مقيماً في بلد آخر ، فإن توطن في الخارج فلا كلام في انقلاب فرضه إلى التمتّع ، وإن لم يتوطن بل قصد المجاورة في الخارج فلا موجب لانقلاب فرضه إلى فرض النائي لعدم الدليل ولا نقول بالقياس . نعم ، من كان من أهل مكّة وخرج إلى بعض الأمصار وأراد الحج ، له التمتّع وإن كان الاهلال بالحج أي الإفراد أفضل كما في النص(2) ولكنّ انقلاب الفرض غير ثابت وقد تقدّم البحث عن ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى التخيير بين الجميع .

(2) الوسائل 11 : 262 / أبواب أقسام الحج ب 7 ح 1 ، 2 .

ــ[171]ــ

للمرور في الأخبار العامّة الدالّة على المواقيت ، وأمّا أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيّدة بأخبار المواقيت أو محمولة على صورة التعذّر (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) البحث في هذه المسألة يقع في مرحلتين :

   الاُولى : فيما تقتضيه القاعدة .

   الثانية : فيما تقتضيه الروايات الخاصّة .

   أمّا القاعدة فمقتضاها تعين الإحرام عليه من مواقيت خاصّة عيّنها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، كما يستفاد من الروايات (1) العامّة الدالّة على توقيته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مواقيت للآفاق ، وأن لكل قطر ميقاتاً خاصّاً كما يظهر ذلك من الروايات الآتية ، وأنه ليس لأحد أن يحرم إلاّ من ميقـاته الذي عيّنه له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فالعراقي يحرم من بطن العقيق والطائفي من قرن المنازل واليمني من يلملم وهكذا .

   وبازائها روايات اُخر تدل على أنه يحرم من الميقات الذي يمرّ به(2) ، وقد وقع الكلام في ان هذه الروايات هل تشمل الشخص الذي يريد الحج من مكّة أو تختص بمن يريد الحج من الخارج ؟

   ربّما يدعى انصراف الروايات عمن يريد الحج من مكّة واختصاصها بمن يريد الحج من خارجها ، ولكن الظاهر أنه لا موجب لدعوى الانصراف ، لصدق المرور على الميقات على من يقصد الحج من مكّة بأن يخرج من مكّة إلى أي ميقات أراد من غير تعيين ، فلا يختص بمن يقصد الحج من الخارج ، فإن المرور على المكان هو الاجتياز عليه ، وهذا المعنى يصدق على من يقصد التمتّع من مكّة ، فيجوز له الخروج إلى أي ميقات شاء فإنه عند ما يصل ذلك المكان ويجتازه يصدق عليه أنه مرّ عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 307 /أبواب المواقيت ب 1 .

(2) الوسائل 11 : 262 / أبواب أقسام الحج  ب 7 .

ــ[172]ــ

من غير فرق بين أن يريد التمتّع من مكّة أو من خارجها ، ولا يجب عليه أن يرجع إلى ميقات بلده .

   فلو كنّا نحن وهذه الروايات ولم ترد رواية في حكم المقيم لالتزمنا بالقول الثاني وهو جواز الإحرام من أي ميقات شاء وأراد ، لدخوله في عنوان المار بالميقات ، ولا موجب للانصراف المذكور . هذا ما تقتضيه القاعدة المستفادة من الروايات العامّة .

   وأمّا الروايات الخاصّة فبعضها تدل على أنه يرجع إلى ميقات بلده كموثق سماعة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن المجاور أله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحج ؟ قال : نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فيلبي إن شاء» (1) ولو تمّ هذا الخبر لكان مخصصاً لتلك الروايات الدالّة على كفاية المرور ببعض المواقيت ، لإطلاقها من حيث حج المقيم في مكّة أو حج الخارج .

   واستشكل في الرياض في الخبر بضعف السند بمعلى بن محمّد استظهاراً من عبارة النجاشي في حقه ، ولم يكن الخبر منجبراً بعمل المشهور (2) .

   ولكن الرجل ثقة لأنه من رجال كامل الزيارات ، وعبارة النجاشي (3) لا تدل على ضعفه وإنما تدل على أنه مضطرب الحديث والمذهب ، والاضطراب في الحديث معناه أنه يروي الغرائب ، وأمّا الاضطراب في المذهب فغير ضائر إذا كان الشخص ثقة في نفسه .

   والعمدة ضعف الدلالة لتعليق الخروج إلى مهلّ أرضه على مشيئته ، وذلك ظاهر في عدم الوجوب ، وإلاّ فلا معنى للتعليق على مشيئته وإرادته ، وأمّا إرجاع قوله (عليه السلام) «إن شاء» إلى التمتّع فبعيد جدّاً .

   ولو فرضنا دلالته على الوجوب فمعارض بروايات اُخر تدل على عدم تعيين ميقات خاص له وجواز الاكتفاء بأي ميقات شاء ، كموثق آخر لسماعة في حديث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 264 / أبواب أقسام الحج ب 8 ح 1 .

(2) رياض المسائل 6 : 168 .

(3) رجال النجاشي : 418 / 1117 .

ــ[173]ــ

قال (عليه السلام) : «فإن هو أحب أن يتمتّع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عُسفان فيدخل متمتعاً بالعمرة إلى الحج ، فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها» (1) .

   والمتفاهم منه جواز الإحرام من أي ميقات شاء ، لعدم خصوصية لذات عِرق أو عُسفان ، فإنّ المستفاد منه بحسب الفهم العرفي جواز الخرج إلى ميقات من المواقيت وإن لم يكن ميقات بلده وأهله ، والرواية قد اشتملت على التجاوز عن ذات عرق(2) والتجاوز عن عُسفان ولم يعلم لنا إلى الآن أن عُسفان واقع في أي مكان وبأي مقدار يبعد عن مكّة ، وكيف يحرم منه مع أنه ليس من حدود الحرم ولا من المواقيت ، ولكن ذلك غير ضائر في دلالة الرواية على التخيير . وقد روي أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اعتمر ثلاث عمر أحدها من عُسفان (3) .

   وأمّا القول الآخر وهو الإحرام من أدنى الحل فتدل عليه جملة من الأخبار أهمّها صحيح الحلبي ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) لأهل مكّة أن يتمتّعوا ؟ قال (عليه السلام) : لا، ليس لأهل مكّة أن يتمتعوا ، قلت : فالقاطنون بها ؟ قال : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة ، فإذا أقاموا فإنّ لهم أن يتمتّعوا ، قلت : من أين ؟ قال : يخرجون من الحرم ، قلت : من أين يهلون بالحج ؟ فقال : من مكّة نحواً ممّا يقول النّاس» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 270 / أبواب أقسام الحج ب 10 ح 2 .

(2) ذات عرق : مُهَلّ أهل العراق وهو الحد بين نجد وتهامة . وقيل : عرق جبل بطريق مكّة ومنه ذات عرق . عسفان : منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكّة ، وقيل : عسفان بين المسجدين وهي من مكّة على مرحلتين ، وقيل : قرية بها نخيل ومزارع على ستّة وثلاثين ميلاً من مكّة وهي حد تهامة ، وقد غزا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بني لحيان بعسفان . الجعرانة : مكان فيه ماء بين الطائف ومكّة ، وهي إلى مكّة أقرب ، نزلها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند رجوعه من غزاة حنين وأحرم منها . معجم البلدان 4 : 107 .

(3) الوسائل 11 : 341 / أبواب المواقيت ب 22 ح 2 .

(4) الوسائل 11 : 266 / أبواب أقسام الحج ب 9 ح 3 .

ــ[174]ــ

   ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا حكم كل من كان في مكّة وأراد الإتيان بالتمتّع ولو مستحبّاً ، هذا كله مع إمكان الرجوع إلى المواقيت ، وأمّا إذا تعذّر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحل ، بل الأحوط الرجوع((1)) إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا هو دون الميقات وإن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه ، والأحوط الخروج إلى ما يتمكّن .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأوضح منه دلالة موثقة سماعة «من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثمّ أراد أن يحرم فليخرج إلى الجِعرانة فيحرم منها» (2) فإنها صريحة الدلالة في الخروج إلى أدنى الحل وهو الجِعرانة والإحرام منه .

   واستدلوا أيضاً بصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال (عليه السلام) : من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجِعرانة أو الحديبية وما أشبهها» (3) .

   ويشكل بأن مورده العمرة المفردة لا الحج للمقيم في مكّة ، فالعمدة صحيح الحلبي ، فيقع الكلام في الجمع بين الروايات .

   إن قلنا بسقوط حجية الخبر بالاعراض عنه فصحيحة الحلبي ساقطة ، وإن لم نقل بذلك كما هو الصحيح عندنا مضافاً إلى أنه قد عمل جماعة بالصحيحة فهي صريحة في جواز الإحرام من أدنى الحل .

   وأمّا موثق سماعة الأوّل الدال على الخروج إلى ميقات بلده ومهلّ أرضه فظاهره الوجوب ، ومقتضى القاعدة رفع اليد عن ظاهر هذا بصراحة صحيحة الحلبي الدالّة على كفاية أدنى الحل فيحمل الموثق على الاستحباب ، وكذلك الحال بالنسبة إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال .

(2) الوسائل 11 : 264 / أبواب أقسام الحج ب 8 ح 2 .

(3) الوسائل 11 : 341 / أبواب المواقيت ب 22 ح 1 .

ــ[175]ــ

موثق سماعة الدال على جواز الاكتفاء بالخروج إلى الجِعرانة وهو أدنى الحل .

   وكذلك موثقه الثاني بناءً على دلالته على وجوب الإحرام من الأماكن المذكورة فيه كذات عرق وعسفان ، ولكن قد عرفت دلالته على جواز الإحرام من أي ميقات شاء ولا خصوصية للأماكن المذكورة .

   فالنتيجة  هي التخيير وجواز الإحرام من أدنى الحل ، والأفضل الإحرام من أحد المواقيت المؤقتة ، وأفضل منه الإحرام من ميقات بلده .

   ثمّ إن المصنف (رحمه الله) بعد ما اختار الإحرام من أحد المواقيت رتب على ذلك أنه إن لم يكن متمكناً من الإحرام من أحد المواقيت يحرم من خارج الحرم ، كما أ نّه احتاط احتياطاً وجوبيّاً في الخروج من الحرم بأن يرجع إلى ما يتمكّن من قطع المسافة ، وإن لم يتمكّن من ذلك أيضاً فيحرم من مكانه ، وقد احتاط أيضاً بالخروج بالمقدار الممكن وإن كان داخل الحرم . والحاصل : غرضه (قدس سره) عدم الإحرام من مكانه ، بل الواجب عليه أوّلاً الخروج إلى ميقات من المواقيت وإلاّ فيخرج من مكّة بالمقدار الممكن فيحرم هناك ولو كان ذلك المكان بين الميقات والحرم بل ولو كان بين الحرم وأبعاضه ومكّة .

   ولا يخفى أنّ ما ذكره مبني على مختاره من وجوب الإحرام من أحد المواقيت المعيّنة ، وأمّا بناءً على مختارنا من التخيير بين الموارد الثلاثة المذكورة فلا موجب لهذا الاحتياط ، بل قد لا يجوز لعدم الدليل على جواز الإحرام من مكان أبعد من أدنى الحل ، فإن العبادة توقيفية ولا دليل على جواز ذلك في غير الموارد المنصوصة فضلاً عن أن يكون أحوط .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net