الثالث : وقوع الحج وعمرة التمتع في سنة واحدة 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3882


ــ[194]ــ

   الثالث : أن يكون الحج والعمرة في سنة واحدة ، كما هو المشهور المدعى عليه الإجماع (1) ، لأنه المتبادر من الأخبار المبيّنة لكيفية حج التمتّع ، ولقاعدة توقيفية العبادات ، وللأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحج وارتباطها به والدالّة على عدم جواز الخروج من مكّة بعد العمرة قبل الإتيان بالحج ، بل وما دلّ من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة ونحوها ، ولا ينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدّم بدعوى أن المراد من القابل فيه العام القابل فيدل على جواز إيقاع العمرة في سنة والحج في اُخرى ، لمنع ذلك بل المراد منه الشهر القابل . على أنه لمعارضة الأدلّة السابقة غير قابل ((1)) ، وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولكن الخبر لا يدل على حكم العمرة التي صدرت منه وإنما يدل على أن الرجل إذا جاور مكّة انقلبت وظيفته من التمتّع إلى الإفراد ، فيكون الخبر مخالفاً للنصوص المعتبرة المتقدّمة الدالّة على عدم الانقلاب إذا أقام في مكّة بمدّة أقل من السنتين وإنما الانقلاب يتحقق إذا جاور مدّة سنتين ، فالرواية أجنبية عن المقام . مضافاً إلى ضعف السند بمحمّد بن سنان ، فالحكم على ما يقتضيه القاعدة من البطلان من الأصل ، لأنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ، نعم لا بأس بذلك رجاء ويأتي بطواف النّساء .

   (1) الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في هذا الحكم ، ويدل عليه وجوه :

   الوجه الأوّل : ما يستفاد من النصوص الدالّة على وجوب الحج على أهل الجدة والثروة في كلّ عام مرّة واحدة (2) ، فإن المستفاد من هذه الروايات أن الحج من وظائف السنة الواحدة ، ولو جاز التفكيك والافتراق بين الحج والعمرة وجاز الاتيان بهما في سنتين لكان ذلك منافياً لهذه الأدلّة ، فحال الحج حال نظائره من العبادات كالصلاة اليومية فإنها من وظائف كل يوم ، وصلاة الجمعة فإنها من وظائف كل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل هو ضعيف سنداً فلا يصلح للمعارضة .

(2) الوسائل 11 : 16 / أبواب وجوب الحج ب 2 .

ــ[195]ــ

وأخّر الحج إلى العام الآخر لم يصح تمتعاً سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أو رجع إلى أهله ثمّ عاد إليها ، وسواء أحل من إحرام عمرته أو بقى عليه إلى السنة الاُخرى ، ولا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحّة في هذه الصورة ، ثمّ المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكـونا معاً في أشهر الحج من سنة واحـدة ، لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني عشر شهراً وحينئذ فلا يصحّ أيضاً لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجّة وأتى بالحج في ذي الحجّة من العام القابل .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسبوع ، والعمرة فإنّها من وظائف كل شهر ، وهكذا الحج فإنه من وظائف السنة الواحدة .

   نعم لا  ريب أن هذه النصوص محمولة على الاستحباب ، لعدم وجوب الحج على المكلّفـين في كل سنة وإنّما يجب في العمر مرّة واحدة بالضرورة والنصـوص(1) كما عرفت في أوّل الكتاب(2) ، ولكن ذلك غير دخيل في الاستفادة المذكورة .

   الوجه الثاني : الأخبار المبينة لكيفية حجّ التمتّع(3) ، وليس فيها دلالة ولا إشعار على جواز التفريق بين الحج والعمرة باتيانهما في سنتين ، ولو كان مشروعاً لاُشير إليه ولو في رواية واحدة ، فخلوّ الروايات البيانية مع كثرتها يكشف عن عدم مشروعية الافتراق .

   الوجه الثالث : الروايات الدالّة على أن المعتمر بعمرة التمتّع محتبس في مكّة حتى يحج(4) ، فإن المنظور في هذه الروايات عدم الافتراق بين العمرة والحج وأن من تمتّع بالعمرة ليس له الخروج من مكّة إلى أن يحج ، وفي ذيل بعضها أنه لو اقتضت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 19 / أبواب وجوب الحج ب 3 .

(2) راجع شرح العروة  26 : 7 .

(3) الوسائل 11 : 239 / أبواب أقسام الحج ب 3 .

(4) الوسائل 11 : 301 / أبواب أقسام الحج ب 22 .

ــ[196]ــ

الضرورة للخروج في حاجة فليخرج محرماً بالحج ثمّ يمضي إلى عرفات ، فإن هذه الخصوصية تدل على لزوم إتيانهما في سنة واحدة .

   والحاصل : لا يبتني الاستدلال بهذه الروايات على مجرّد الاحتباس في مكّة والارتهان بالحج حتى يرد عليه بأنه أعم من المدعى ، بل المنظور في الاستدلال بما في ذيل بعض الروايات من أنه لو اقتضت الضرورة للخروج لا يخرج إلاّ محرماً للحج فإنّ هذا المعنى يدل بوضوح على عدم جواز الافتراق والتفكيك بين الحج والعمرة ولزوم الاتيان بهما في عام واحد .

   الوجه الرابع : الأخبار الدالّة على أن عمرة التمتّع مرتبطة بالحج وأنه «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، وشبك (صلّى الله عليه وآله) اصابعه بعضها إلى بعض» (1) بخلاف المفردة فإنها غير مرتبطة بالحج كما في الروايات المستفيضة (2) ومعنى الارتباط أن مشروعية العمرة مرتبطة بمشروعية الحج ، فإذا أتى بالعمرة لا يجوز له تأخير الحج لأنه واجب فوري ، وإن لم يأت به فقد أفسد عمرته وإلاّ لكان منافياً للارتباط ، وإذا أتى بعمرة التمتّع بعد أيّام الحج لم تكن عمرته بمشروعة لعدم مشروعية الحج له حينئذ ، وإذا لم يكن الحج مشروعاً لا تكون العمرة مشروعة أيضاً لفرض ارتباطها به .

   الوجه الخامس : الروايات الدالّة على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو بدخول يوم عرفة أو إلى زمان لم يدرك الحج (3) ونحو ذلك ، فإن العمرة حينئذ غير مشروعة ويجعلها حجة وقد فاتته عمرة المتعة ، ولو كان الافتراق باتيانهما في عامين جائزاً لا وجه لفوات عمرة المتعة ، فيكشف ذلك عن لزوم إتيانهما في عام واحد .

   الوجه السادس : قاعدة الاشتغال المعبّر عنها بقاعدة توقيفية العبادات كما في المتن .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 296 / أبواب أقسام الحج ب 2 ، 22 .

(2) الوسائل 14 : 305 / أبواب العمرة ب 5 ، 7 .

(3) الوسائل 11 : 296 / أبواب أقسام الحج ب 21 .

ــ[197]ــ

   واُورد عليها بأن القاعدة المذكورة لا تقتضي وجوب الاحتياط بالاتيان بهما في عام واحد ، بل المقام من موارد الرجوع إلى أصل البراءة ، لبنائهم على الرجوع إليها عند الشك في الجزء والشرط وعند الشك في الأقل والأكثر .

   والتحقيق أن يقال : إن جريان قاعدة الاشتغال أو أصالة البراءة مبني على كون الحج واجباً مشروطاً أو معلقاً .

   فإن قلنا بأنه واجب مشروط بخروج الرفقة ـ كما عن المشهور ولذا جوزوا تفويت الاستطاعة قبل خروج الرفقة ولم يجوزوا بعده ـ فحينئذ لو شكّ في اعتبار اقتران العمرة بالحج وإتيانهما في سنة واحدة فمقتضى القاعدة الاشتغال ، لأنّ المفروض عدم ثبوت الوجوب قبل خروج الرفقة وإنما يحدث الوجوب بعده ، فلو أتى بعمرة التمتّع قبل ذلك مفصولة عن الحج يشك في السقوط وعدمه والأصل عدمه .

   توضيح ذلك : أنه لو أتى بعمرة التمتّع قبل أيّام الحج فلا ريب في لزوم الاتيان بالحج بعدها ، لأنّ الحج واجب فوري لا يجوز تأخيره ، وهذا مما لا كلام فيه . إنما الكلام فيما لو أتى بعمرة التمتّع بعد أيّام الحج كأواخر ذي الحجة من هذه السنة ، والمفروض أن الحج يجب بخروج الرفقة في السنة الآتية ففي هذه السنة لا وجوب للحج ، فحينئذ يشك في سقوط الأمر بعمرة التمتّع من السنة الآتية باعتبار إتيان العمرة في هذه السنة بمعنى أن وجوب الحج وإن لم يكن ثابتاً بالفعل ولكن يحتمل سقوط الأمر بعمرة التمتّع للسنة الآتية بهذه العمرة المفصولة التي أتى بها في هذه السنة ، والأصل عدم السقوط وعدم الاتيان بالمسقط ، هذا كلّه بناءً على أن الحج واجب مشروط .

   وأمّا لو قلنا بأن الحج واجب معلق ـ كما هو الصحيح ـ بمعنى أن الوجوب فعلي والواجب استقبالي ، وأن أوّل زمان الوجوب أوّل زمان الاستطاعة ولذا لو استطاع في ذي الحجة بعد فوات زمان الحج في سنته فقد وجب عليه الحج بعدها فعلاً وإن كان متعلقه متأخراً ، فحينئذ لو شكّ في أن الوجوب الفعلي للحج هل تعلق بالعمرة المقيّدة بالسنة الآتية المقترنة للحج أو بالأعم من ذلك ومن العمرة المفصولة التي أتى

ــ[198]ــ

بها في السنة الاُولى ، فيكون الشك شكّاً في الأقل والأكثر باعتبار تقييد العمرة باتيانها في السنة الآتية مقترنة للحج وعدمه ، والمرجع هو أصل البراءة عن التقييد ، لأنّ متعلق الواجب باعتبار التقييد يكون كالأكثر والأصل عدمه .

   ولكن قد عرفت أنه لا ينبغي الريب في الحكم المذكور ويكفينا الوجوه المتقدّمة مضافاً إلى أنه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب .

   ثمّ إنه لا ينافي الوجوه المتقدّمة خبر سعيد الأعرج : «من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكّة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة» (1) بدعوى أن المراد بالقابل فيه العام القابل فيدل على جواز إيقاع العمرة في سنة والحج في اُخرى .

   ولكن هذه الدعوى ممنوعة ، فإن المراد من القابل فيه الشهر القابل لا العام القابل لأنّ الظاهر من قوله : «من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكّة حتى يحضر الحج من قابل» بقرينة المقابلة بين الأشهر والقابل هو الشهر القابل ، يعني من تمتع في شوال أو ذي القعدة وأقام حتى يحضر الحج من الشهر القابل . نعم ، لو قال : من تمتع في هذا العام وأقام حتى يحضر الحج من قابل لكان ظاهراً في العام القابل . على أن الخبر ضعيف بمحمدّ بن سنان ، ومعارض بمجموع الروايات المتقدّمة الدالّة على إتيانهما في عام واحد .

   وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام وأخر الحج إلى العام الآخر لم يصح تمتعاً سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أو رجع إلى أهله ثمّ عاد إليها ، ومن دون فرق بين ما لو أحل من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة القادمة ، فما عن الدروس من احتمال الصحّة لو بقي على إحرام عمرته إلى السنة القادمة (2) لا وجه له أصلاً بعد فساد عمرته وإحرامه .

   ثمّ المراد من السنة الواحدة ليس هو الفصل بمقدار السنة أي مضي مقدار اثنى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 270 / أبواب أقسام الحج ب 10 ح 1 .

(2) الدروس 1 : 339 الدرس 89 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net