الخامس : أن يكون مجموع عمرته وحجّه من واحد 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3622


ــ[205]ــ

   الخامس : ربّما يقال أنه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته وحجّه من واحد وعن واحد ، فلو استؤجر اثنان لحج التمتّع عن ميت أحدهما لعمرته والآخر لحجّه لم يجزئ عنه ، وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم يصح ولكنّه محل تأمّل ، بل ربّما يظهر من خبر محمّد بن مسلم ((1)) عن أبي جعفر (عليه السلام) صحّة الثاني حيث قال : «سألته عن رجل يحج عن أبيه أيتمتّع ؟ قال : نعم المتعة له والحج عن أبيه» (1) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أمّا الأوّل وهو استئجار شخصين لحج التمتّع أحدهما لعمرته والآخر لحجه فلا ينبغي الريب في عدم جوازه ، لأنّ كل واحد من العمرة والحج المتمتع بهما مشروع لمن أتى بالآخر ، وأمّا إذا لم يأت بأحدهما فلا يشرع له الآخر ، لأنّ الإحرام لحج التمتّع من مكّة إنما يشرع لمن أتى قبله بالعمرة ، كما أن عمرة التمتّع مشروعة لمن يحرم للحج من مكّة ، فالتفكيك بينهما غير مشروع .

   وأمّا الثاني وهو أن يأتي شخص واحد بالعمرة والحج ولكن يجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر فقد تأمل فيه في المتن ، بل استظهر الجواز من صحيح محمّد ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال «سألته عن رجل يحج عن أبيه أيتمتّع ؟ قال : نعم المتعة له والحج عن أبيه» (2) .

   ولكن الظاهر أن ذلك غير جائز أيضاً ، لأنّ المستفاد من الروايات (3) الدالّة على أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة كونهما عملاً واحداً وإن تخلل الفصل بينهما بالاحلال ، فكل منهما جزء لواجب واحد وليس لكل منهما أمر مستقل لينوب أحد عن شخص في أحدهما وينوب في الجزء الآخر عن شخص آخر ، فإن العمل الواحد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يظهر منه ذلك والأحوط ـ إن لم يكن أقوى ـ عدم جواز التبعيض ، نعم لا بأس بالتمتع عن الاُم والحج عن الأب ولا ذبح فيه للنص ولا يتعدى عن مورده .

(2) الوسائل 11 : 201 / أبواب النيابة في الحج ب 27 ح 1 .

(3) الوسائل 11 : 212 / أبواب أقسام الحج ب 2 .

ــ[206]ــ

غير قابل للتبعيض ، نظير عدم جواز التبعيض في نيابة الصلاة بأن يجعل الركعة الاُولى عن زيد والركعة الثانية عن عمرو ، فكذا الصوم بأن يجعل نصف النهار عن شخص والنصف الآخر عن شخص آخر وهكذا ، فإن الأجزاء ليس لها أمر مستقل لتصح النيابة فيها ، والعمل الواحد يقع عن واحد ، فتقع العمرة عمن يقع عنه الحج وكذلك العكس ، ولا يمكن التفريق والتفكيك بينهما .

   وأمّا الصحيح الذي استدل به المصنف (قدس سره) لجواز التفريق تبعاً لصاحب الوسائل حيث ذكر في عنوان الباب جواز نيّة الإنسان عمرة التمتّع عن نفسه وحج التمتّع عن أبيه(1) فلا يصح الاستدلال به ، لأنه مبني على أن يكون المراد من قوله «أيتمتّع» عمرة التمتّع ، وكذلك يبتني على أن تحمل المتعة في قوله «المتعة له» على عمرة التمتّع وهذا غير ظاهر ، فإن كلمة المتعة وإن استعملت في بعض الروايات في عمرة التمتّع إلاّ أنه خلاف الظاهر المتفاهم منها عرفاً ، فإن الظاهر أن المراد بها معناها اللغوي وهو الالتذاذ .

   بيان ذلك : أنّ الراوي سأل الإمام (عليه السلام) عمن يحج عن أبيه أيتمتّع أي هل له أن يأتي بحج التمتّع ، مع أنّ المنوب عنه إذا كان ميتاً كما هو ظاهر السؤال غير قابل للتمتّع بالنساء والطيب وغيرها في الفصل بين الفراغ من العمرة والشروع في إحرام الحج ، فأجاب (عليه السلام) بجواز ذلك وأن الحج عن أبيه والمتعة ـ أي الالتذاذ بالمذكورات ـ  لك ، فالرواية أجنبيّة عما توهمه الماتن وصاحب الوسائل . ولو أغمضنا عن ذلك فلا ريب في جواز حمل الرواية على ما ذكرناه فتصبح مجملة فلا يمكن الاستدلال بها على جواز التفريق .

 ثمّ إن هذا المعنى الذي ذكرناه يظهر من الصدوق في الفقيه ، لأنه (قدس سره) ذكر في عنوان الباب باب المتمتع عن أبيه(2) وكذلك المجلسي الأوّل استظهر هذا المعنى من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 201 / أبواب النيابة في الحج ب 27 .

(2) الفقيه 2 : 273 .

ــ[207]ــ

الحديث في كتابه روضة المتّقين(1) . نعم انّه (قدس سره) استدلّ على جواز التفريق وجعل العمرة عن شخص والحج عن آخر بخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في رجل تمتع عن اُمّه وأهل بحجه عن أبيه ، قال : إن ذبح فهو خير له وإن لم يذبح فليس عليه شيء ، لأنه إنما تمتع عن اُمّه وأهل بحجه عن أبيه»(2) ووصفه بالصحّة والاعتبار .

   والخبر كما ترى صريح في جواز التفريق بين عمرة التمتّع وحجّه وجواز جعلهما لاثنين ، إنما الكلام في السند فإن فيه صالح بن عقبة وهو لم يوثق في كتب الرجال ، بل ابن الغضائري ضعفه ، وقال : غال كذاب لا يلتفت إليه ، وتبعه العلاّمة (3) ، ولكن التضعيف المنسوب إلى ابن الغضائري لا يعارض توثيق ابن قولويه له في كامل الزيارات وعلي بن إبراهيم القمي في تفسيره ، لما ذكرنا غير مرّة أن نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري لم تثبت ، وأمّا تضعيف العلاّمة فلا عبرة به لأنه أخذه من كتاب ابن الغضائري فالرجل من الثقات ، ولا كلام في وثاقة بقيّة رجال السند ، فالخبر معتبر لا مانع من الأخذ بمضمونه والحكم بجواز التفريق بين عمرة التمتّع وحجّه وجعلهما عن اثنين .

 إلاّ أن الخبر حيث إنه مخالف لما تقتضيه القاعدة كما عرفت فلا بدّ من الاقتصار على مورده بالالتزام بجواز التفريق في حج التمتّع عن أبيه واُمّه ، بان يجعل عمرة التمتّع عن اُمّه وجعل حجّه عن أبيه لا جواز مطلق التفـريق ولو عن غير اُمّه وأبيه ، فلا نتعدّى عن مورده كما صنع صاحب الوسائل حيث جعل (قدس سره) مضمـون صحيح ابن مسلم عنواناً للباب السابع والعشرين من النيابة (4) وبذلك يظهر الحال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال (رحمه الله) عند شرحه لصحيح محمّد بن مسلم : مع أنه لا فائدة للأب في التمتّع لأنه لا يمكن له التمتّع بالنساء والطيب والثياب الذي هو فائدة حج التمتّع ، قال (عليه السلام) : نعم المتعة والتمتّع بالأشياء المذكورة له والحج عن أبيه .  روضة المتقين 5 : 65 .

(2) الوسائل 14 : 80 / أبواب الذبح ب 1 ح 5 .

(3) رجال العلاّمة (الخلاصة) : 360 / 1419 .

(4) الوسائل 11 : 201 / أبواب النيابة في الحج ب 27 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net