الأقوال في حقيقة الإحرام 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3740


ــ[375]ــ


فصل

في كيفية الإحرام

   وواجباته ثلاثة :

   الأوّل : النيّة ، بمعنى القصد إليه ، فلو أحرم من غير قصد أصلاً بطل ((1)) ، سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل ، ويبطل نسـكه أيضاً إذا كان الترك عمداً وأمّا مع السّهو والجهل فلا يبطل ويجب عليه تجديده من الميقات إذا أمكن ، وإلاّ فمن حيث أمكن على التفصيل الذي مرّ سابقاً في ترك أصل الإحرام (1) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والصحيح أن يقال : إنّه لا حاجة إلى هذه الوجوه الضعيفة ، بل الناسي داخل في الجاهل . بيان ذلك : أنّ العلم والجهل لا بدّ من تحقق أحدهما في المورد القابل ، لأنّ التقابل بينهما في المورد القابل بالعدم والملكة ، فحالهما حال النقيضين من عدم جواز خلو المورد من أحدهما ولزوم الاتصاف بأحدهما ، كما هو الحال في الإنسان فإنّه لا يخلو من أحدهما ، نظير القدرة والعجز والعمى والبصر، نعم الجدار أو الحجر ونحو ذلك لا يتصف بشيء منهما لعدم قابليته لذلك .

   ثمّ إنّ الجهل قد يكون مسبوقاً بالعلم وقد لا يكون مسبوقاً به والأوّل يسمى بالنسيان ، ويجمعهما الجهل بالفعل وعدم العلم بالشيء ، فالناسي قسم من أقسام الجاهل وليس قسماً ثالثاً في قبال العالم والجاهل ، فمن كان عالماً بشيء ونسي فهو جاهل بالفعل ، والنص وإن بيّن حكم الجاهل إلاّ أن إطلاقه يشمل الناسي لأنه فرد من أفراد الجاهل ، فالنص بنفسه يتكفل حكم الناسي فلا حاجة إلى التشبث بالوجوه الضعيفة .

   (1) لا ريب في أنّ الواجب الأوّل في الحج هو الإحرام ، وقد وقع الكلام في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيجري عليه حكم تارك الإحرام ، وقد مرّ تفصيل ذلك [ في المسألة 3221 التعليقة 4 ] .

ــ[376]ــ

حقيقته ، فهل هو أمر اعتباري مغاير للتلبية والالتزام بترك الاُمور المعلومة وأنه مغاير لحكم الشارع بحرمة الاُمور المعهودة ، فهو نظير الطّهارة المترتبة على الوضوء ، أم أنه عبارة عن التلبية ؟

   وغير خفي أنّ المتحقق في الخارج ليس إلاّ عزم المكلف على ترك المحرمات المعلومة ، والتلبية ، وحكم الشارع بحرمة هذه الاُمور ، وليس وراء هذه الاُمور الثلاثة شيء آخر يسمّى بالإحرام .

   أمّا العزم على ترك المحرمات وتوطين النفس على ترك المنهيات المعهودة فقد التزم الشيخ الأنصاري(1) بل المشهور بأنه حقيقة الإحرام ، ولذا ذكروا أنه لو بنى على ارتكاب شيء من المحرمات بطل إحرامه لعدم كونه قاصداً للإحرام .

   ويردّ : بأن ما ذكر لا يستظهر من شيء من الأدلّة ، ولذا لو حج شخص وهو غير عالم بالمحرمات صحّ حجّه وإحرامه ، فالبناء والعزم على الترك ليس من مقـومات الإحرام ، وأمّا المحرمات المعهودة فهي أحكام شرعيّة مترتبة على الإحرام .

   والذي يظهر من الروايات أن التلبية سبب للإحرام وحالها حال تكبيرة الإحرام للصلاة ، فهي أوّل جزء من أجزاء الحج ، كما أن التكبيرة أوّل جزء من أجزاء الصلاة وبالتلبية أو الاشعار يدخل في الإحرام ويحرم عليه تلك الاُمور المعلومة وما لم يلب يجوز له ارتكابها ، والروايات في هذا المعنى كثيرة .

   منها : صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج «في الرجل يقع على أهله بعدما يعقد الإحرام ولم يلبّ ، قال : ليس عليه شيء»(2) فإنها تدل بوضوح على أنه ما لم يلب لا يترتّب على الجماع شيء ، وهذا يكشف عن عدم تحـقق الإحرام قبل التلبية ، إذ لا معنى لأنّ يكون محـرماً ومع ذلك يجوز له الجماع ، فالمراد من قوله : «بعدما يعقد الإحرام» عقد القلب على الإحرام والعزم والبناء عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نسب في المستمسك 11 : 358 هذا القول إلى الشهيد فراجع .

(2) الوسائل 12 : 433 / أبواب تروك الإحرام ب 11 ح 1 .

ــ[377]ــ

   ومنها : صحيحة حفص البختري «فيمن عقد الإحرام ـ أي بنى عليه وعقد قلبه على ذلك ـ في مسجد الشجرة، ثمّ وقع على أهله قبل أن يلبّي؟ قال: ليس عليه شيء» (1) فإن المستفاد منها أن العبرة بالتلبية وقبل التلبية لا يترتّب على الجماع شيء فيعلم أن التلبية سبب للإحرام .

   وليعلم أن أهل اللغة ذكروا لكلمة أحرم معنيين :

   أحدهما : أن يحرّم الإنسان على نفسه شيئاً كان حلالاً له .

   ثانيهما : أن يدخل نفسه في حرمة لا تهتك (2) .

   والمعنى الثاني أنسب، لأنه يدخل بالتلبية في حرمة الله التي لاتهتك، والتلبية توجب دخوله في حرمة الله فيقال أحرم أي أدخل نفسه في تلك الحرمة التي لا تهتك .

   ومنها : صحيحة حماد بن عيسى عن حريز «فإنه إذا أشعرها وقلدها وجب عليه الإحرام وهو بمنزلة التلبية» (3) ووجب بمعنى ثبت ، أي إذا أشعرها ثبت واستقر عليه الإحرام وصار محرماً بذلك .

   ومنها : صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» (4) وهذه الصحيحة أوضح دلالة من الصحاح المتقدِّمة ، حيث تدل بصراحة على أن الذي يوجب الدخول في الحرمة التي لا تهتك ، أحد هذه الاُمور الثلاثة ، وأن الإحرام يتحقّق بأحدها .

   ومنها : صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير» (5) باعتبار أن الاشعار في حج القران مكان التلبية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 337 / أبواب الإحرام ب 14 ح 13 .

(2) أقرب الموارد 1 : 184 .

(3) الوسائل 11 : 279 / أبواب أقسام الحج ب 12 ح 19 .

(4) الوسائل 11 : 279 / أبواب أقسام الحج ب 12 ح 20 .

(5) الوسائل 11 : 279 / أبواب أقسام الحج ب 12 ح 21 .

ــ[378]ــ

   ومنها : صحيحة معاوية بن وهب «عن التهيؤ للإحرام ، فقال : في مسجد الشجرة ، فقد صلّى فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد ترى اُناساً يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبيك اللّهمّ لبيك»(1) وهذه الصحيحة أيضاً واضحة الدلالة ولعلّها أوضح ممّا سبق ، لقوله : «فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول : لبيك» مع النهي عن الإحرام في مسجد الشجرة فقبل التلبية لا إحرام .

   ومنها : صحيحة معاوية بن عمّار «إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد أي عزمت على الإحرام فقم وامش هينهة (هنيئة) ، فإذا استوت بك الأرض ماشياً كنت أو راكباً فلب»(2) وغير ذلك من الروايات المذكورة في أبواب متفرِّقة ، فإنّ المستفاد من جميعها أن التلبية سبب للإحرام وما لم يلب لم يكن بمحرم وليس عليه شيء .

   وأمّا ما ورد في بعض الروايات من عقد الإحرام أو الأمر بعقد الإحرام الذي يتوهّم منه أنه الإحرام دون التلبية فهو غير صحيح ، وذلك لأنّ المراد بهذه الكلمة «عقد الإحرام» إمّا العزم والبناء على نفسه بترك المحرمات المعهودة، أو يراد بها الاتيان بجميع مقدّمات الإحرام حتى لبس الثوبين ، ولعلّ الثاني أنسب ، ولكن ذلك لا علاقة له بنفس الإحرام ، لأنّ الروايات كما عرفت صريحة في كون التلبية سبباً للإحرام وما لم يلب لم يتحقق منه الإحرام ، وليس بازاء هذه الروايات الكثيرة الواضحة دلالة ما يوجب رفع اليد عنها ، فالقول بأنّ الإحرام غير التلبية ، وأنه هو البناء والعزم على الترك وتوطين النفس على ذلك كما عن الشيخ الأنصاري (قدس سره) ، بحيث لو كان بانياً على ارتكاب بعض المحرّمات لبطل حجّه وإحرامه ، ممّا لا وجه له أصلا .

   نعم ، في البين خبران يظهر منهما أن الإحرام يتحقّق قبل التلبية ، ولكن لا بدّ من رفع اليد عن ظهورهما بحملهما على العزم على الإحرام أو إتيان مقدّمات الإحرام والتهيؤ له ، لصراحة الروايات المتقدّمة على خلافهما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 12 : 370 / أبواب الإحرام ب 34 ح 3 ، 2 .

ــ[379]ــ

   أحدهما : مرسل النضر عن بعض أصحابه ، قال : «كتبت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) : رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى وأحرم وخرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء ، أله ذلك ؟ فكتب : نعم أو لا بأس به» (1) فإنّه دال على تحقّق الإحرام قبل التلبية، والجواب ما عرفت مضافاً إلى ضعف السند بالارسال.

   ثانيهما : صحيح معاوية بن عمّار قال (عليه السلام): «صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحج أو بالمتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أوّل البيـداء إلى أوّل ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلبّ»(2) فإنه أيضاً يدل على وقوع الإحرام قبل التلبية ، إلاّ أنه لا بدّ من حمله على المقدّمات مثل التجرّد من المخيط ولبس الثوبين ، لما عرفت من صراحة تلك الروايات في حصول الإحـرام بالتلبية . وبالجملة : لا ينبغي الاشكال في كون الروايات صريحة في أنّ التلبية سبب وموجب للإحرام وقبلها لا يتحقق الإحرام .

   وإن شئت قلت : إنّ المستفاد من الروايات المعتبرة الكثيرة أن التلبية سبب للإحرام وبها يدخل في الإحرام وقبلها لا يكون محرماً ، ولكن ليس مرادنا من ذلك أن الإحرام يصدق على التلبية أو التلبية صادقة على الإحرام ، بل التلبية تلبية الإحرام لا أنها بنفسها إحرام ، نظير تكبيرة الإحرام فإن المكلف بسبب التكبيرة إذا قصد بها الصلاة يدخل في الصلاة ، وكذلك بالتلبية بقصد الحج يدخل في الإحرام وفي أوّل جزء من الحج ، بل مرادنا أن الإحرام معناه إدخال نفسه في حرمة الله ، غاية الأمر إنما يدخل في حرمة الله بسبب التلبية ، فما لم يلب لم يدخل في الإحرام وفي حرمة الله ، كما إذا لم يكبر لم يدخل في الصلاة وإذا كبر حرم عليه منافيات الصلاة ، وفي المقام تحرم عليه الاُمور المعهودة إذا لبّى ، ولا يتحلّل من ذلك إلاّ بالتقصير في العمرة والسعي في الحج .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 337 / أبواب الإحرام ب 14 ح 12 .

(2) الوسائل 12 : 370 / أبواب الإحرام ب 34 ح 6 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net