فوائد اشتراط التحلّل - لزوم التلفظ بالاشتراط وعدم كفاية مجرد القصد 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4813


 

ــ[401]ــ

   [ 3242 ] مسألة 13 : يستحب أن يشترط عند إحرامه على الله أن يحلّه إذا عرض مانع من إتمام نسكه من حج أو عمرة وأن يتمم إحرامه عمرة إذا كان للحج ولم يمكنه الإتيان ، كما يظهر من جملة من الأخبار ، واختلفوا في فائدة هذا الاشتراط ، فقيل : إنّها سقوط الهدي ، وقيل : إنها تعجيل التحلل وعدم انتظار بلوغ الهدي محله ، وقيل : سقوط الحج من قابل ، وقيل : إنّ فائدته إدراك الثواب فهو مستحب تعبدي ، وهذا هو الأظهر . ويدل عليه قوله (عليه السلام) في بعض الأخبار : «هو حل حيث حبسه اشترط أو لم يشترط» (1) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) اختلفت كلمة الفقهاء في فائدة هذا الاشتراط فذكروا لذلك وجوهاً :

   منها : ما عن العلاّمة (1) وغيره أن الفائدة هي سقوط الهدي ، فيحل بمجرد الإحصار وعروض المانع ولا يحتاج إلى الهدي .

   ويستدل له بصحيح ذريح المحاربي ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل متمتع بالعمرة إلى الحج ، واُحصر بعدما أحرم كيف يصنع ؟ قال فقال : أو ما اشترط على ربّه قبل أن يحرم أن يحلّه من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله ؟ فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال : فليرجع إلى أهله حلاًّ لا إحرام عليه ، انّ الله أحقّ من وفى بما اشترط عليه ، قال فقلت : أفعليه الحج من قابل ؟ قال : لا» (2) .

   وذكروا أنه يخصص الآية الكريمة (فإن اُحْصِرْتُم فما استيسرَ من الهَدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه)(3) وكذا يخصص الروايات الدالّة على بلوغ الهدي محلّه إذا اُحصر(4) فإن مقتضى الجمع بين الآية الكريمة وهذه الروايات وبين صحيح ذريح سقوط الهدي بالاحصار إذا اشترط عند إحرامه على الله أن يحل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 7 : 261 ، المختلف 4 : 92 .

(2) الوسائل 12 : 356 / أبواب الإحرام ب 24 ح 3 .

(3) البقرة 2 : 196 .

(4) الوسائل 13 : 181 / أبواب الاحصار والصد ب 2 .

ــ[402]ــ

   والذي ينبغي أن يقال : إن خبر ذريح وإن كان معتبراً ، ومقتضى القاعدة تخصيص الآية وتلك الروايات به ، ولكن وردت في المقام روايات ثلاث تدل على أن المحصور يحل سواء اشترط أم لم يشترط .

   الاُولى : رواية حمزة بن حمران ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الذي يقول : حلني حيث حبستني ، قال : هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل» (1) فإنها صريحة في الاحلال بالحصار والحبس اشترط أو لم يشترط ، ولكنها ضعيفة بحمزة فإنه لم يوثق ، ورواها الصدوق(2) عن حمران بن أعين وهو من الاجلاء والثقات إلاّ أن طريق الصدوق إليه مجهول ولم يذكره في المشيخة .

   الثانية : صحيحة زرارة ، قال : «هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط» (3) .

   وربّما يشكل في دلالتها باعتبار جهالة مرجع الضمير في قوله «هو حل» ، حيث إنه كلام ابتدائي غير مسبوق بشيء ، ولعلّ المراد به شخص خاص معهود بين الإمام (عليه السلام) والراوي فتكون الرواية مجملة، فلا يصح الاستدلال بها لمطلق المحبوس.

   وفيه : أن الاشكال إنما نشأ من تقديم صاحب الوسائل صحيحة زرارة على رواية حمزة ، ولكن الكليني(4) روى أوّلاً رواية حمزة ثمّ ذكر صحيحة زرارة بلا فصل فيرتفع الاجمال حينئذ ، ضرورة أن المرجع في الصحيحة ما ذكره في رواية حمزة وهو الذي يقول : «حلني حيث حبستني» ، والكافي إنما حذف المرجع في الصحيحة اختصاراً في النقل وإيعازاً إلى وحدة السؤال والجواب فيرتفع الاشكال .

   ويؤيد ما ذكرنا عدم وضوح المراد من الحابس ولا المحبوس لو كانت الصحيحة منعزلة عن السؤال وكانت مذكورة قبل رواية حمزة كما أثبتها في الوسائل، وهذا بخلاف ما لو كانت الصحيحة مسبوقة برواية حمزة كما في الكـافي ، فإنّ المراد من الحابس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 357 / أبواب الإحرام ب 25 ح 2 .

(2) الفقيه 2 : 207 / 942 .

(3) الوسائل 12 : 357 / أبواب الإحرام ب 25 ح 1 .

(4) الكافي 4 : 333 / 7 .

ــ[403]ــ

حينئذ هو الله تعالى ، ومن المحبوس هو الشارط على نفسه الذي كان مرجع الضمير حسبما عرفت .

   ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة والآية الكريمة والروايات الدالّة على بلوغ الهدي وبعثه إلى محله وذبحه ، هو حمل الحل في الصحيحة على الحل من حيث أعمال الحج والعمرة ، بمعنى أنه من اُحصر لا يجب عليه إتيان الأعمال لا أنه يحل من جميع الجهات حتى من جهة التروك والمحرمات ، فيبقى محرماً ويحرم عليه التروك إلى أن يبلغ الهدي محله ثمّ يحل ويحلق رأسه ، بل نفس الصحيحة ظاهرة في هذا المعنى ، لأنّ الحبس إنما يكون بالنسبة إلى الأعمال والأفعال الوجودية ، وأمّا التروك فاُمور عدمية فلا حبس بالنسبة إليها .

   الرواية الثالثة : صحيحة البزنطي ، قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن محرم انكسرت ساقه أي شيء تكون حاله ؟ وأي شيء عليه ؟ قال : هو حلال من كل شيء ، قلت : من النّساء والثياب والطيب ؟ فقال : نعم من جميع ما يحرم على المحرم ، وقال : أمّا بلغك قول أبي عبدالله (عليه السلام) : حلني حيث حبستني لقدرك» (1) فإنها تدل على الاحلال بالحصر والمنع عن إتيان الأعمال لأجل كسر الساق مطلقاً ، سواء اشترط الحل أم لم يشترط ، ومجرّد الاستشهاد بقول الصـادق (عليه السلام) واشتراطه الاحلال لا يدل على أن مورد السؤال كان من الاشتراط ، بل إحلاله عند الحبس والحصر في مورد الاشتراط من صغريات الاحلال بالحصر ، ولعله (عليه السلام) لذلك استشهد بقول الصادق (عليه السلام) لا لأجل تطبيق فعل الإمام على مورد السؤال ، فظاهر الصحيحة هو الاحلال بالحصر سواء اشترط أم لم يشترط وسواء بعث بالهدي أم لا ، إلاّ أنه لا منافاة بين حصول الاحلال بالحصر وثبوت الهدي وإن كان محلاً من حيث الأعمال ، فهذه الفائدة غير مترتبة على الاشتراط .

   فتحصل : أن مقتضى الجمع بين الأدلّة أنه بالحصر يحل ويخرج من حرمة الله التي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 13 : 179 / أبواب الاحصار والصد ب 1 ح 4 .

ــ[404]ــ

أوجبت عليه إتمام الحج أو العمرة ولا يجب عليه إتمام الأعمال ، ولا ينافي ذلك وجوب الهدي عليه وإحلاله من التروك ببلوغ الهدي .

   وممّا ذكرنا تعرف ضعف الاستدلال بالصحيحة على الاحلال بالاشتراط وسقوط الهدي ، لعدم ذكر الشرط في مورد الرواية .

   ومن جملة فوائد اشتراط الاحلال تعجيل التحلّل بالإحصار، ولكن الهدي لايسقط كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع(1) وتبعهم صاحب الجواهر(2) .

   أقول : إنّ كان المراد من تعجيل التحلّل حصول الاحلال قبل الذبح كما هو ظاهر المتن فهذا ممّا لا دليل عليه ، وإن كان المراد به ـ على ما يظهر من كلماتهم ـ حصول الاحلال بعد الذبح في المكان الذي اُحصر فيه وعدم لزوم انتـظار الذبح يوم النحر فقد استدلّ له بصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، قال : «إنّ الحسين بن علي (عليهما السلام) خرج معتمراً فمرض في الطريق فبلغ علياً ذلك وهو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه في السُقيا (3) وهو مريض بها ، فقال : يا بني ما تشتكي؟ فقال: أشتكي رأسي، فدعا عليّ ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة فلمّا برأ من وجعه اعتمر ... الحديث» (4) .

   وفيه أوّلاً: لم يعلم أن الحسين (عليه السلام) اشترط الاحلال عند إحرامه، ومجرّد الاستحباب لا يدل على صدور الاشتراط منه، لجواز ترك المستحب بداع من الدواعي الراجحة ولا أقل لأجل بيان الجواز وعدم لزوم الاشتراط .

   وثانياً : أن الرواية في مقام بيان حكم الاعتمار من دون نظر إلى الخصوصيات من ذكر الاشتراط ونحوه ، وإلاّ لو كانت الخصوصية دخيلة في الحكم لكان على الصادق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشرائع 1 : 279 .

(2) الجواهر 18 : 261 .

(3) السُقيا بضم أوّله ، قرية جامعة من عمل الفرع بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلاً ، معجم البلدان 3 : 228 .

(4) الوسائل 13 : 178 / أبواب الاحصار والصد ب 1 ح 3 .

ــ[405]ــ

(عليه السلام) بيانها ، فإطلاق الآية الشريفة الدالّة على بلوغ الهدي محلّه ولزوم الذبح يوم النحر يقيد بالمعتمر المحصور ، فيجوز له الذبح في مكانه ولا يجب عليه الانتظار إلى يوم النحر .

   وبالجملة : ما دلّ على إحلال الحسين (عليه السلام) بالمرض والحصر مطلق من حيث الاشتراط وعدمه . ويؤيد هذا الاطلاق ما رواه في كشف اللِّثام(1) والجواهر(2) عن الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب أنه روى صالح عن عامر بن عبدالله بن جذاعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في رجل خرج معتمراً فاعتل في بعض الطريق وهو محرم ، قال : ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النّساء ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً ، فإن برأ من مرضه اعتمر إن كان لم يشترط على ربّه في إحرامه ، وإن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلاّ أن يشاء فيعتمر ، ويجب أن يعود للحج الواجب المستقر وللاداء إن استمرت الاستطاعة في قابل ... » ، فإن ذكر التفصيل في ذيل الرواية بالنسبة إلى إعادة الاعتمار إن لم يشترط وعدم إعادته إن اشترط يكشف عن كون الحكم بالاحلال في صدر الرواية مطلقاً من حيث الاشتراط وعدمه ، فالمتحصل من الرواية أن الاحلال يتحقق بالحصر مطلقاً وإن لم يشترط بخلاف إعادة العمرة بعد البرء فإنه يفصل بين الاشتراط وعدمه ، ولكن الرواية ضعيفة السند .

   ثمّ إن هنا صحيحة اُخرى تحكي خروج الحسين (عليه السلام) للعمرة ومرضه في الطريق ، وهي صحيحة رفاعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : خرج الحسين (عليه السلام) معتمراً وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم(3) فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه ، ثمّ أقبل حتى جاء فضرب الباب ، فقال : علي (عليه السلام)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذه الرواية لم نعثر عليها لا في الوسائل ولا في مستدرك الوسائل وإنما ذكرها كاشف اللثام في فصل الحصر والصد . كشف اللثام 6 : 307 ، الجامع للشرائع : 222 .

(2) الجواهر 20 : 124 .

(3) برسم من البرسام مرض معروف .

ــ[406]ــ

ابني وربّ الكعبة ، افتحوا له الباب ، وكانوا قد حموه الماء فأكب عليه فشرب ثمّ اعتمر بعد» (1) .

   وربّما يقال بأن هذه الصحيحة خارجة عن محل الكلام ، لأنّ موضع الخلاف من لم يسق الهدي وأمّا السائق كما في مورد الرواية فلا يسقط عنه الهدي باجماع الاُمّة كما عن فخر المحققين(2) ، فلو كانت القضية المذكورة في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة متحدة مع القضيّة المذكورة في هذه الصحيحة فلا ريب في خروجهما عن محل الكلام لأنّ محل كلامنا من اعتمر ولم يسق الهدي والمفروض أنه (عليه السلام) كان سائقاً بدنة ولا يسقط الهدي حينئذ .

   والجواب : أنه لم يعلم اتحاد القضيّة ، ومن المحتمل أنه (عليه السلام) اعتمر مرّتين ومرض فيهما وفي أحدهما ساق الهدي وفي الآخر لم يسق ، ثمّ إنه على تقدير اتحاد القضيّة فسوق الهدي في العمرة غير ثابت شرعاً وإنما ثبت في حج القران ، وأمّا العمرة المفردة أو التمتّع فليس فيها سوق بدنة ، فسياق بدنة مع الحسين (عليه السلام) غير مربوط بالحج أو العمرة ، ولعله كان من باب الاتفاق وإلاّ فلا ريب في عدم ثبوت سوق البدنة في العمرة . نعم لو اُحصر المتمتع يجب عليه أن يبعث هدياً ويتحلل في مكانه بعد الذبح ، وله أن ينحر أو يذبح في مكانه ويتحلل .

   فالمستفاد من الصحيحين الحاكيين لفعل الحسين (عليه السلام) أن المعتمر إذا اُحصر لا يجب عليه بعث الهدي إلى محله ، بل يجوز له الذبح في مكانه ويتحلل سواء اشترط الاحلال أم لا ، فما ذكره جملة من الأكابر (قدس الله أرواحهم) من جواز التعجيل فيما إذا اشترط لم يثبت ، بل الحكم ثابت لمطلق المعتمر إذا اُحصر اشترط الحل أو لم يشترط .

   ومنها : سقوط الحج من قابل ، حكي ذلك عن الشيخ في التهذيب ، واستدل عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 13 : 186 / أبواب الاحصار والصد ب 6 ح 2 .

(2) إيضاح الفوائد 1 : 327 .

ــ[407]ــ

بصحيح ضريس بن أعين ، قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلاّ يوم النحر ، فقال : يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حتى يدخل مكّة فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء ، وقال : هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه فإن لم يكن اشترط فإن عليه الحج من قابل»(1) .

   ولكن الصحيحة أجنبيّة عن مورد كلامنا ، لأنّ محل الكلام إنما هو المحصور ، وهو الممنوع عن إتيان أعمال الحج أو العمرة بمرض ونحوه من الموانع ، ومورد الصحيحة من يتمكّن من الأعمال والمناسك من الطواف والسعي ولكن فاته الموقفان لضيق الوقت والغفلة ونحو ذلك ، فهذه الفائدة إنما تترتب على الاشتراط فيما إذا فاته الوقوفان وتتبدل وظيفته إلى إتيان العمرة المفردة بنفس الإحرام الأوّل فيطوف ويسعى ويحلق رأسه ثمّ يأتي بطواف النّسـاء ، فهذه الصحيحة من جملة الروايات الواردة في فوت الموقفين ، وتلك الروايات على طوائف :

   الاُولى : ما دلّ على أن من فاته الوقوف يجب عليه الحج من قابل ، وفي بعضها أنه يجعل ما أتى به عمرة مفردة وعليه الحج من قابل ، كما في صحيح معاوية بن عمّار قال «وقال أبو عبدالله (عليه السلام) : أيما حاج سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتّع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة وعليه الحج من قابل» (2) ، وقد ذكرنا غير مرّة أن هذه الجملة «عليه الحج من قابل» ونحوها ظاهرها عدم الإجزاء وعدم الاكتفاء بما أتى به أوّلا .

   الثانية : وهي بإزاء الاُولى ، كصحيحة ضريس المتقدّمة الدالّة على التفصيل من أنه لو اشترط الاحلال يسقط عنه الحج في القابل وتجزئ العمرة المفردة عن الحج الواجب عليه ، وإن لم يكن اشترط فعليه الحج من قابل .

   الثالثة : ما يدل على أنه لو أتى بعمرة مفردة اُخرى غير ما بيده يسقط الحج عنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 49 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2 ، التهذيب 5 : 295 / 1001 .

(2) الوسائل 14 : 48 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 1 .

ــ[408]ــ

في القابل ويجزئ ذلك عن الحج ، وإن لم يعتمر ثانياً فعليه الحج من قابل ، كما في صحيحة داود الرقي ، قال : «كنت مع أبي عبدالله (عليه السلام) بمنى إذ دخل عليه رجل ، فقال : قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج ، فقال : نسأل الله العافية ، قال : أرى عليهم أن يهريق كل واحدة منهم دم شاة ويحلون (يحلق) وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم ، وإن أقاموا حتى تمضي أيّام التشريق بمكّة ثمّ خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكّة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل»(1).

   فالروايات الدالّة على سقوط الحج في القابل وعدمه بين ما هي مطلقة وبين ما هي مفصلة بين الاشتراط وعدمه ، وبين ما هي مفصلة بين إتيان عمرة ثانية وعدمه .

   فالمستفاد من هذه الطوائف سقوط الحج من قابل عمن اشترط ، أو عمن أتى بعمرة مفردة ثانياً إذا فاته الموقف ، فإن تمّ الاجماع المدعى على أن من وجب عليه الحج وتمكّن منه لا يسقط عنه كما عن العلاّمة (2) وارتضاه غيره من الأكابر حتى صاحب الحدائق(3) الذي لا يعتني بأمثال هذه الاجماعات ، فلا بدّ من رفع اليد عن الخبرين الدالين على سقوط الحج من قابل إذا اشترط أو أتى بعمرة مفردة ثانياً ، وإن لم يتم الاجماع واحتملنا الاجتزاء من الشارع بما أتى به المشترط أو بما أتى به من العمرة المفردة ثانياً عن الحج الواجب عليه ، فلا مانع من الالتزام بمضمون الروايتين ، وعلى كل تقدير سواء التزمنا بمضامين هذه الروايات أم لم نلتزم فهي أجنبيّة عن المحصور والمصدود ، لأنّ موردها عدم التمكّن من الوقوف لضيق الوقت ونحوه لا الممنوع عن الأعمال بمرض ونحوه .

   والأولى أن يستدل لترتب هذه الفائدة بصحيح ذريح المتقدّم ، فإنه صريح في سقوط الحج من قابل إذا اشترط الاحلال ، فإنه (عليه السلام) بعد ما سأل أو ما اشترط على ربّه قبل أن يحرم أن يحله ؟ فأجاب السائل بقوله بلى ، ثمّ سأل الراوي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 50 / أبواب الوقوف بالمشعر  ب 27 ح 5 .

(2) المنتهى 2 : 680 السطر 19 .

(3) الحدائق 15 : 106 .

ــ[409]ــ

والظاهر عدم كفاية النيّة في حصول الاشتراط بل لا بدّ من التلفظ ، لكن يكفي كل ما أفاد هذا المعنى فلا يعتبر فيه لفظ مخصوص ، وإن كان الأولى التعيين ممّا في الأخبار (1) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أفعليه الحج من قابل ؟ قال (عليه السلام) : لا (1) ، ولو كنّا نحن وهذه الصحيحة لالتزمنا بسقوط الحج من قابل ، ولكن بإزائها صحيحة اُخرى وهي صحيحة أبي بصير الدالّة على ثبوت الحج من قابل ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يشترط في الحج أن حلّني حيث حبسني ، عليه الحج من قابل ؟ قال : نعم» (2) والتنافي بين الصحيحتين ظاهر جدّا .

   وحمل قوله «نعم» في صحيح أبي بصير على الحكم الوضعي والفساد وقوله «لا» في صحيح ذريح على نفي الوجوب التكليفي ، فتكون النتيجة عدم وجوب الحج عليه في السنة القادمة وإن كان ما أتى به فاسداً فلا تعارض في البين ، خلاف الظاهر ، بل الظاهر أن النفي والاثبات واردان في مورد واحد ، وبعد التعارض والتكافؤ يحكّم إطلاق الروايات الدالّة على وجوب الحج في السنة القادمة .

   فتحصل من جميع ما تقدّم : أنه لا دليل على ما ذكروه من الفوائد ، فلا محيص إلاّ عن الالتزام بأنّ فائدة الاشتراط إدراك الثواب بذكر الشرط في عقد الإحرام ، فهو مستحب تعبدي في نفسه ودعاء مأمور به في الأخـبار يترتب على فعله الثواب ودعاء يعلم المحرم باستجابته ، لأنه لو اُحصر ومنع عن إتيان الأعمال يحلّه الله تعالى .

   (1) لابدّ من إبراز هذا الاشتراط بمبرز ومظهر في عقد الإحرام والغالب هو اللّفظ ومجرّد القصـد القـلبي غير كاف في صدق الاشتراط كما هو الحـال في سـائر موارد الاشتراط ، فإنّ الشرط ربط شيء بشيء آخر ، ومجرد النيّة لا يوجب الارتباط ما لم يظهره بمبرز ، نعم لا يعتبر فيه لفظ مخصوص ، بل يكفي كلّما أفاد هذا المعنى وإن كان الأولى قراءة الأدعية المشتملة على ذكر الشرط .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 356 / أبواب الإحرام ب 24 ح 3 ، 1 .

(2) الوسائل 12 : 356 / أبواب الإحرام ب 24 ح 3 ، 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net