الأقوال في كيفية التلبية - وظيفة الأخرس ومن يلحن في القراءة أو لا يتمكن من العربية 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4236


ــ[410]ــ

   الثاني من واجبات الإحرام: التلبيات الأربع، والقول بوجوب الخمس أو الست ضعيف (1) ،

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لا ينبغي الريب في وجوب التلبيات بل وجوبها من جملة القطعيات ، وإنما وقع الخلاف في صورتها وكيفيتها على أقوال ذكرها في المتن .

   أمّا الأوّل : فيدل عليه صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، قال : «التلبية أن تقول : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، ذا المعارج لبيك ، لبيك داعياً إلى دار السلام لبيك ، لبيك غفّار الذنوب ، إلى آخر الدعاء ، ثمّ قال (عليه السلام) : واعلم أنه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كن في أوّل الكلام وهي الفريضة وهي التوحيد ... »(1) وهي صريحة في أن الواجب من التلبيات هو التلبيات الأربع المذكورة في أوّل الحديث، وأمّا البقيّة فمستحبة .

   وأمّا القول الثاني : فاستدل له بعدّة من الروايات .

   منها : ما رواه الصدوق في الخصال (2) بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث «قال (عليه السلام) والتلبيات الأربع ، وهي : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك»(3) ولكنّها ضعيفة السند بعدّة من المجاهيل .

   ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لما لبى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك ، ذا المعارج لبّيك» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 382 / أبواب الإحرام ب 40 ح 2 .

(2) الخصال : 606 .

(3) الوسائل 11 : 233 / أبواب أقسام الحج ب 2 ح 29 .

(4) الوسائل 12 : 384 / أبواب الإحرام ب 40 ح 4 .

ــ[411]ــ

بل ادّعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع ، واختلفوا في صورتها على أقوال :

   أحدها : أن يقول : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك .

   الثاني : أن يقول بعد العبارة المذكورة : إنّ الحمد والنعمة لك، والملك ، لا شريك لك .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والجواب : أن الصحيحة في مقام بيان حكاية تلبية النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ولا دليل على أن جميع ما أتى به واجب ، بل ذكر الدّعاء في ذيل التلبيات قرينة على عدم وجوب جميع هذه الجملات ، لأنّ الدعاء غير واجب قطعاً .

   ومنها : صحيحة عاصم بن حميد الحاكية لتلبية النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لبى بالأربع ، فقال : «لبّيك اللّهمّ لبّيك، اللّهم لبيك لبيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة والملك لك ، لا شريك لك لبيك»(1).

   وفيه : أن هذه الصحيحة غير منطبقة على هذا القول لاشتمالها على ست أو خمس تلبيات ، مضافاً إلى أن كلمة «الملك» متقدّمة على «لك» في الصحيحة ، وهذا القائل التزم بالعكس ، بل لم يقل أحد بوجوب تقديم «والملك» على «لك» . على أنها تحكي فعل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وقد عرفت أن مجرّد حكاية فعله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يدل على الوجوب.  وأمّا القول الثالث والرابع فلا دليل عليهما أصلا .

   والذي ينبغي أن يقال : إنّ التلبية تتحقّق بجميع ذلك ، لأنّ المستفاد من صحيح معاوية بن عمّار لزوم الاتيان بالتلبيات الأربع على النحو المذكور في الصحيحة من دون نقيصة في العبارة ، ولكن لا دليل على عدم جواز الفصل بينها بدعاء أو ذكر بل ولو بكلام آدمي ، فيقول مثلاً : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد لا شريك لك ، اللّهم اغفر لي لبّيك ، لكن مع التحفظ على صدق هذه العبارة ومراعاتها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 376 / أبواب الإحرام ب 36 ح 6 .

ــ[412]ــ

   الثالث : أن يقول: لبّيك اللّهمّ لبّيك لبّيك إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك لبّيك .

   الرابع : كالثالث، إلاّ أنه يقول: إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك بتقديم لفظ «والملك» على لفظ «لك» . والأقوى هو القول الأوّل((1)) كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمّار والزوائد مستحبّة ، والأولى التكرار بالإتيان بكل من الصور المذكورة ، بل يستحب أن يقول كما في صحيحة معاوية بن عمّار : لبّيك اللّهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك غفّار الذنوب لبّيك، لبّيك أهل التلبية لبّيك ، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك ، لبّيك لبّيك تبدأ والمعاد إليك ، لبّيك كشّاف الكروب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك .

   [ 3243 ] مسألة 14 : اللاّزم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربيّة ، فلا يجزئ الملحون مع التمكّن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح ، ومع عدم تمكنه فالأحوط الجمع بينه وبين الاستنابة (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلو خرجت عن كونها تلبية كما إذا كان الفصل بينها طويلاً ولو بالدعاء والذِّكر فلا ريب في عدم صدق التلبية .

 (1) لا ينبغي الريب في لزوم الاتيان بهذه الكلمات الشريفة على الوجه الصحيح المطابق للقواعد العربيّة وأداء الحروف من مخارجها ، لأنّ ذلك هو المأمور به فلا يجزئ الملحون مع التمكّن من الصحيح ، والأمر بإتيان التلبيات الأربع في صحيح معاوية بن عمّار(2) يراد به الاتيان بها صحيحاً ، إذ لا إشكال في أنه (عليه السلام) قرأ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما أن الأحوط هو الثاني .

(2) الوسائل 12 : 382 / أبواب الإحرام ب 40 ح 2 .

ــ[413]ــ

هذه الكلمات على الوجه الصحيح ، فاللاّزم الاتيان بمثل ذلك ولا دليل على الاجتزاء بغيره ، فحال التلبيات حال القراءة والأذكار في الصّلاة(1) .

   ولو لم يتمكّن من الأداء على الوجه الصحيح فقد ذكر في المتن أن الأحوط الجمع بين الاتيان بالملحون والاستنابة .

   وقيل في وجهه: إن مقتضى قاعدة الميسور الاجتزاء بالملحون، ومقتضى خبر زرارة «إنّ رجلاً قدم حاجّاً لا يحسن أن يلبِّي فاستفتي له أبو عبدالله (عليه السلام) فأمر له أن يلبّى عنه»(2) لزوم الاستنابة، والجمع بين الدليلين يقتضي الجمع بين الاتيان بالملحون والاستنابة .

   وفيه : إن كان خبر زرارة صحيح السند فلا حاجة إلى القاعدة بل يتعيّن الاستنابة وإن كان ضعيفاً فلا موجب للاستنابة ، وأمّا قاعدة الميسور فغير تامّة أصلاً ولا يمكن إثبات حكم من الأحكام الشرعيّة بها ، وقد ذكرنا ذلك في موارد كثيرة ، وأمّا خبر زرارة فضعيف السند بياسين الضرير فإنه لم يوثق .

   والصحيح أن يستدل للاجتزاء بالملحون إذا لم يتمكن من الصحيح بمعتبرة مسعدة ابن صدقة ، قال : «سمعت جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول : إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصّلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلِّم الفصيح ... »(3) ، فإن المستفاد منها عدم الاكتفاء بالترجمة بالعجز عن الصحيح ، وأنه يجب على كل مكلّف أن يأتي بالقراءة أو التلبية بالعربيّة ولا تصل النوبة إلى الترجمة مع التمكّن من العربيّة ، فيجب عليه الاتيان بالعربيّة حدّ الامكان ولو بالملحون ، لأنّ ما يراد من العربي العارف باللّغة لا يراد من الأعجمي الذي لا يتمكّن من أداء الكلمات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لقد تعرّض سيّدنا الاُستاذ (دام ظلّه) لهذا الموضوع في بحث القراءة في باب الصّلاة . ذيل المسألة [ 1529 ] .

(2) الوسائل 13 : 381 / أبواب الإحرام  ب 39 ح 2 .

(3) الوسائل 6 : 151 / أبواب القراءة في الصّلاة ب 67 ح 2 .

ــ[414]ــ

وكذا لا تجزئ الترجمة مع التمكّن ، ومع عدمه فالأحوط الجمع((1)) بينهما وبين الاستنابة (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على النهج الصحيح ، فلا يسقط عنه القراءة أو التلبية بمجرّد عجزه عن أداء الكلمات صحيحاً ، إذ لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح العارف باللّغة العربيّة ، فالملحون يقوم مقام الصحيح .

   ويمكن الاستدلال له بما رواه الكليني بسند معتبر عندنا وفيه النوفلي والسكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصّلاة تحريك لسانه وإشارته باصبعه»(2) فإن المستفاد منها عدم جواز الاستنابة بالعجز عن أداء الكلمات ، فإذا ثبت جواز الاكتفاء بالمقدار الممكن في الأخرس ـ ولو بتحريك لسانه ـ ثبت في غيره أيضاً ، إذ لا نحتمل سقوط الحج أو سقوط التلبية عنه والمفروض أنه لا دليل على الاستنابة ، فالمأمور بالتلبية نفس الأخرس أو العاجز عن أداء الكلمات الصحيحة فينتقل الواجب إلى الملحون ، فالاكتفاء بالملحون هو الأقوى وإن كان الجمع بينه وبين الاستنابة أحوط .

   (1) وأمّا الترجمة فمع التمكّن من العربيّة فلا تجزئ لأنها على خلاف المأمور به في الروايات ، ومع عدم التمكّن من العربيّة فقد ذكر في المتن أنّ الأحوط الجمع بين الملحون والترجمة والاستنابة .

   أقول: لا بدّ من خروج الأخرس عن هذا البحث بالمرّة ، لأ نّه غير قادر على التكلّم أبداً لا بالملحون ولا بالترجمة ، فالكلام في القادر على التكلّم ، ولا ريب أن من كان قادراً على التكلّم يقدر على أداء الكلمات العربيّة ولو ملحوناً فيدخل المقام في المسألة السابقة من الاجتزاء بالملحون بدلاً عن الصحيح ، نعم لو فرض عدم التمكن حتى من الملحون فيدور الأمر بين الترجمة والاستنابة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وإن كان الأظهر جواز الاكتفاء بالملحون ، وكذلك الحال فيما بعده .

(2) الكافي 3 : 315 / 17 ، الوسائل 6 : 136 / أبواب القراءة في الصّلاة ب 59 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net