تأخير التلبية إلى البيداء لمن حجّ عن طريق المدينة 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4497


ــ[429]ــ

الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنيّة ولبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقاً وكون أفضليّة التأخير بالنسبة إلى الجهر بها ، فالأفضل أن يأتي ((1)) بها حين النيّة ولبس الثوبين سرّاً ويؤخر الجهر بها إلى المواضع المذكورة ، والبَيداء أرض مخصوصة بين مكّة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ذكر جماعة من الأصحاب أنّ الأفضل لمن حجّ عن طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقاً ، أو في خصوص الراكب ، أو أنه مخير بين التلبية من نفس مسجد الشجرة أو من البيداء ، فيتوجه حينئذ إشكال وهو أنه بعد البناء على أن الإحرام يتحقّق بالتلبية أو أنها متممة له ـ كما عن بعضهم ـ فكيف يجوز تأخير التلبية من مسجد الشجرة لرجوع ذلك في الحقيقة إلى جواز تأخير الإحرام عن مسجد الشجرة. فيقع الكلام في مقامين :

   أحدهما : لزوم تأخير التلبية عن مسجد الشجرة إلى البيداء كما اختاره صاحب الحدائق أو احتاط فيه احتياطاً لزومياً  (2) .

   ثانيهما : جواز تأخيرها إلى البيداء .

   أمّا المقام الأوّل : فقد ذكر صاحب الحدائق (قدس سره) أن ظاهر الروايات الدالّة على الإحرام من مسجد الشجرة وجوب تأخير التلبية عن موضع عقد الإحرام في المسجد ، وقال : لا موجب لرفع اليد عن ظهور الروايات ، مع أنه ممن يرى أن الإحرام لا يحصل إلاّ بالتلبية ، وذكر أيضاً أن هذا الحكم مختص بالإحرام من مسجد الشجرة ، وأمّا في غيره فحكم بالتخيير بين إتيان التلبية من نفس الميقات أو التأخير بها عن الميقات بمقدار يسير .

   ولكن الفقهاء (رضي الله عنهم) أجمعوا وتسالموا على جواز الإحرام والتلبية من نفس مسجد الشجرة وعدم وجوب تأخيرها إلى البيداء ، للسيرة القطعيّة والروايات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لم تظهر أفضليّة التعجيل وإن كان هو الأحوط ولا يبعد أفضليّة التأخير .

(2) الحدائق 15 : 46 .

ــ[430]ــ

العامّة في توقيت المواقيت والنهي عن التجاوز عنها بغير إحرام . مضافاً إلى الروايات الخاصّة الدالّة على جواز الإحرام وإتيان التلبية من نفس مسجد الشجرة ، كصحيح عبدالله بن سنان المعبر عنه في الحدائق بالقوي «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة ؟ فقال : نعم ، إنما لبّى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في البيداء لأنّ النّاس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية»(1) فإنّها كما ترى صريحة في جواز الإحرام  وإتيان التلبية من نفس المسجد وأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إنما أخّرها إلى البيداء لتعليم النّاس كيفية التلبية .

   ويدل أيضاً على جواز التلبية من نفس مسجد الشجرة إطلاق موثق إسحاق بن عمّار «إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أيلبِّي حين ينهض به بعيره أو جالساً في دبر الصّلاة ؟ قال : أي ذلك شاء صنع»(2) بلحاظ أن الصّلاة يؤتى بها غالباً في المسجد .

   وفي صحيحة عمر بن يزيد المتقدِّمة(3) «إن كنت ماشياً فاجهر باهلالك وتلبيتك من المسجد» ، وموردها وإن كان المشي ولكنّها تدل على جواز التلبية من مسجد الشجرة ، فما استشكله صاحب الحدائق في غير محلّه .

   وأمّا المقام الثّاني: فهل يجوز تأخير التلبية إلى البيداء بعد التسالم على جواز الاتيان بها من مسجد الشجرة؟ ذهب جماعة إلى جواز التأخير، بل ذكروا أنّ الأفضل تأخيرها إلى البيداء واستدلّوا بعدّة من النصوص .

   منها : صحيحة معاوية بن وهب «عن التهيؤ للإحرام ، فقال : في مسجد الشجرة فقد صلّى فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد ترى اُناساً يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبّيك اللّهمّ لبّيك» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 372 / أبواب الإحرام ب 35 ح 2 .

(2) الوسائل 12 : 373 / أبواب الإحرام ب 35 ح 4 .

(3) في ص 428 .

(4) الوسائل 12 : 370 / أبواب الإحرام ب 34 ح 3 .

ــ[431]ــ

   ومنها : صحيحة منصور بن حازم «قال : إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول النّاس يخسف بالجيش» (1) .

   ومنها : صحيحة ابن سنان «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي
البيداء»(2).

   ومنها : صحيحة معاوية بن عمّار «قال : صل المكتوبة ثمّ أحرم بالحج أو بالمتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أوّل البيداء ، إلى أوّل ميل عن يسارك ، فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلب ... » (3) ، ونحوها غيرها .

   ولكن أدلّة المواقيت وعدم التجاوز عنها إلاّ محرماً تنافي هذه الأخبار ، وأنه كيف يمكن القول بجواز تأخير التلبية مع أن الإحرام يحصل بالتلبية ، بل حتى على القول بتتميم الإحرام بها ، ولذا ذهب جماعة إلى أن التأخير إنّما هو بالنسبة إلى التلبيات المستحبة وحملوا الروايات الآمرة بالتأخير على ذلك ، وأمّا بالنسبة إلى التلبيات الواجبة فاللاّزم إتيانها من نفس مسجد الشجرة ، وبذلك دفعوا التنافي بين الروايات وهذا الحمل بعيد ولا يساعده المتفاهم من الروايات ، فإن بعضها صريح في تأخير التلبية الواجبة ، بل قد ورد النهي في بعضها عن التلبية والإحرام بها في المسجد .

   وأبعد من ذلك حمل الروايات على تأخير الاجهار بها إلى البيداء لا نفس التلبيات ، وذلك لعدم ذكر تأخير الجهر بها إلى البيداء في شيء من الروايات ، بل صرّح في بعض الروايات بالجهر بالتلبية من نفس المسجد (4) .

   والظاهر من الروايات تأخير نفس التلبية الموجبة للإحرام لا الاجهار بها ، ولا مناص إلاّ من الأخذ بهذه الروايات الصحيحة الدالّة على جواز تأخيرها إلى البيداء وحينئذ فلا بدّ لنا من علاج منافاتها لأدلّة المواقيت .

   والجواب عن ذلك : أن أدلّة المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا إحرام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 12 : 370 / أبواب الإحرام ب 34 ح 4 ، 5 .

(3) الوسائل 12 : 370 / أبواب الإحرام ب 34 ح 6 .

(4) الوسائل 12 : 369 / أبواب الإحرام ب 34 ح 1 .

ــ[432]ــ

مطلقة من حيث تحقق الإحرام بعد قليل وزمان يسير ، ومن حيث عدم حصول الإحرام منه أصلاً ، فتخصص بهذه الروايات الدالّة على جواز تأخير التلبية والإحرام إلى البيداء ، فيختص النهي والمنع عن التجاوز عن الميقات بلا إحرام لمن لا يحرم أصلاً ، وأمّا من يريد الإحرام بعد قليل فلا مانع له من التجاوز عن المسجد بلا إحرام ، وحيث إن الإحرام من الميقات جائز جزماً ـ كما عرفت ـ تحمل هذه الروايات الدالّة على تأخير التلبية على الأفضليّة ، وإن كان الأحوط الاتيان بها في نفس مسجد الشجرة .

   هذا لمن حج عن طريق المدينة ، فبناءً على ما ذكرنا لم تظهر أفضليّة التعجيل ، بل لا يبعد أفضليّة التأخير وإن كان التعجيل أحوط .

   وأمّا من حج عن طريق آخر فذكر المصنف أنه يؤخرها إلى أن يمشي قليلاً كما في صحيحة هشام بن الحكم (1) ، ولمن حج من مكّة تأخيرها إلى الرقطاء وهو موضع دون الردم ويسمى مدعى ، ويدل عليه صحيح الفضلاء (2) .

   وأمّا تأخيرها إلى أن يشرف على الأبطح فلا دليل على أفضليّته ، بل لا قائل بها وإنما الدليل قام على الجهر بها إذا أشرف على الأبطح كما في صحيحة معاوية بن عمّار (3) .

   ثمّ إنه لو قلنا بوجوب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام فلا يجوز تأخير التلبية عن مسجد الشجرة إلى البيداء ، وأمّا بناءً على جواز التأخير وعدم الاشكال في عدم وجوب مقارنتها للنيّة ، فقد ذكر المصنف استحباب التعجيل بها وكون أفضليّة التأخير بالنسبة إلى الجهر بها .

   أقول : إن كان مراده من هذا الكلام ما ذكره بعد ذلك من أن الأفضل أن يأتي بها حين النيّة ولبس الثوبين سرّاً ويؤخر الجهر بها إلى المواضع المذكورة ، فاستحباب التعجيل بها إنما هو بالنسبة إلى إتيانها في نفس المسجد ، بمعنى أنه لا يؤخر التلبية عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 372 / أبواب الإحرام ب 35 ح 1 .

(2) ، (3) الوسائل 12 : 396 / أبواب الإحرام ب 46 ح 1 ، 4 .

ــ[433]ــ

والأبطح مسيل وادي مكّة وهو مسيل واسع فيه دقائق الحَصى أوّله عند منقطع الشِعب بين وادي منى وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى بِالعُلى عند أهل مكّة والرَقطاء موضع دون الرَدم يسمى مَدعى ، ومدعى الأقوام مجتمع قبائلهم والردم حاجز يمنع السيل عن البيت ويعبر عنه بالمدعى .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النيّة ويأتي بها فوراً ، فالاستعجال في مقابل تأخير الاتيان بالتلبية في نفس المسجد لا بالنسبة إلى البيداء ، ويدل على استحباب هذا التعجيل عموم ما دلّ على استحباب المسارعة والاستباق إلى الخيرات ، فإن كان مراده ذلك فلا كلام لنا معه وإن كانت إرادة هذا المعنى في نفسه خلاف الظاهر .

   وإن كان مراده جواز تأخير نفس التلبية إلى البيداء وإن كان التقديم مستحباً ، كما هو الظاهر من عبارته لعقد هذه المسألة في استحباب تأخير التلبية إلى البيداء ، ففيه : أن ظاهر الروايات لزوم تأخير نفس التلبية لا جوازه ، وإذن فكيف تحمل الروايات على استحباب تأخير الجهر بها ، ولو قلنا بأن ظاهر الروايات هو تأخير الجهر فتأخير التلبية بأي مجوز وبأي دليل .

   والحاصل : لا يمكن الجمع بين الأمرين ، فإنه لو قلنا باستحباب التعجيل وإتيان التلبية في نفس المسجد في قبال تأخيرها إلى البيداء فلا يساعده الروايات ، لظهورها في لزوم تأخير نفس التلبية ، وإن قلنا بأن مفادها استحباب تأخير الجهر بها فتأخير التلبية لا دليل عليه .

   والبيداء اسم لأرض مخصوصة بين مكّة والمدينـة على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة على يسار الذاهب إلى مكّة ، وهو المـكان الذي يقول النّاس يخسف بالجيش وقد وقع التصريح بذلك في عدّة من الروايات(1) ، وصرّح بذلك في مجمع البحرين وحدّده بما ذكرنا وبأنه دون المكان المسمّى بالحفيرة بثلاثة أميال(2) 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 369 / أبواب الإحرام ب 34 .

(2) مجمع البحرين 3 : 18 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net