حكم الجماع بعد السعي وقبل التقصير - ترك التقصير عالماً 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4580

 

ــ[161]ــ

   مسألة 351 : إذا جامع بعد السعي وقبل التقصير جاهلاً بالحكم فعليه كفارة بدنة على الأحوط

(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

بضعف السند أو الدلالة كما في الجواهر(1) بل للروايات المطلقة المتقدمة (2) في كفارات تروك

الاحرام .

   ولا يخفى أن الشيخ(3) لم يصرّح بذلك ، وإنما ظاهر كلامه العموم للحج وعمرة المفردة وعمرة

التمتّع ، واستدل الشيخ بروايتين : الاُولى صحيحة معاوية بن عمار والثانية صحيحة عيص الدالّة على

أن من أخذ من شعره أو حلق رأسه عمداً فعليه دم(4) هذا في المتعمد العالم .

   وأمّا غير المتعمد كالناسي أو غير العالم كالجاهل ، فمقتضى النصوص أنه لا شيء عليه، ولكن في

خصوص المقام دلّت رواية على ثبوت الكفارة في مورد الخطأ والنسيان فتثبت في الجاهل بطريق أولى ،

لأن الجاهل متعمّد ويقصد إلى الفعل مع الالتفات لكن عن جهل بالحكم ، وإذا ثبت التكفير في مورد

الغفلة والخطأ فتثبت في مورد الالتفات بالأولوية وإن كان جاهلاً بالحكم .

   وأمّا الرواية فهي ما رواه أبو بصير ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) «عن المتمتّع أراد أن

يقصّر فحلق رأسه ، قال : عليه دم يهريقه» (5) .

   ولكن الرواية ضعيفة بمحمد بن سـنان على طريق الشيخ ، وبعلي بن أبي حمزة البطائني على طريق

الصدوق ، فلا بأس بالاحتياط استناداً إلى هذه الرواية .

 (1) إن جامع قبل التقصير عن عمد فقد تقدم حكمه مفصلاً في باب الكفارات حجّاً وعمرة(6)

ولكن في خصوص المقام ـ وهو ما لو جامع جاهلاً بالحكم بعد الفراغ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 20 : 454 .

(2) في شرح العروة  28 : 466 .

(3) التهذيب 5 : 158 ، الاستبصار 2 : 242 .

(4) في التهذيب والاستبصار لم يستدل الشيخ إلاّ برواية أبي بصير .

(5) الوسائل 13 : 510 / أبواب التقصير ب 4 ح 3 .

(6) شرح العروة 28 : 360  المسألة 220 .

ــ[162]ــ

من السعي وقبل التقصير ـ وردت رواية صحيحة عن الحلبي على طريق الشيخ (1) وعن حماد على

طريق الصدوق (2) تدل على أن كفارته بدنة .

   والرواية ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت

فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصّر ، قال : عليك بدنة ، قال : قلت : إني لما

أردت ذلك منها ولم يكن قصّرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها ، فقال : رحمها الله

كانت أفقه منك ، عليك بدنة وليس عليها شيء» (3) وهي كالصريحة في أن الحلبي كان جاهلاً بالحكم

، لقوله (عليه السلام) «هي أفقه منك» يعني هي عالمة بالحكم وأمّا أنت فكنت جاهلاً به ، فلا مانع من

الالتزام بمضمونها .

   وليس بازائها رواية تعارضها غير العمومات والمطلقات التي لا تصلح للمعارضة بل هي قابلة

للتخصيص والتقييد بهذه الصحيحة ، نعم ، هناك صحيحة لمعاوية بن عمار يتحد مورد السؤال فيها مع

مورد صحيحة الحلبي ، وقد دلت على عدم ثبوت الكفارة على الجاهل قال : «سألت أبا عبدالله (عليه

السلام) عن متمتع وقع على امرأته ولم يقصّر ، قال : ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه

إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا شيء عليه» (4) .

   إلاّ أن الكلام في ثبوت هذه الرواية بهذا المضمون ، فان الكليني رواها بعين السند والمتن في موردين

، في أحد الموردين رواها «ولم يقصّر» وفي مورد آخر رواها وذكر «ولم يزر» بدل «ولم يقصر» (5)

وكذلك الشيخ (6) فتكون الرواية بناء على ذكر «ولم يزر» أجنبية عن مورد الكلام ، لأنها تكون

حينئذ في مورد طواف الحج ولا نحتمل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 5 : 162 / 543 .

(2) الفقيه 2 : 238 / 1138 .

(3) الوسائل 13 : 508 / أبواب التقصير ب 3 ح 2 .

(4) الوسائل 13 : 130 / أبواب كفارات الاستمناع ب 13 ح 4 ، وفي ص 121 ب 9 ح 1 .

(5) الكافي 4 : 440 / 5 ، وص 378 / 3 .

(6) التهذيب 5 : 161 / 539 ، وص 321 / 1104 .

ــ[163]ــ

   مسألة 352 : يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي ، فلو فعله عالماً عامداً لزمته الكفارة (1) .

   مسألة 353 : لا تجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في أيّ محل شاء ، سواء كان في

المسعى أو في منزله أو غيرهما (2) .

   مسألة 354 : إذا ترك التقصير عمداً فأحرم للحج بطلت عمرته ، والظاهر أن حجّه ينقلب إلى

الافراد فيأتي بعمرة مفردة بعده ، والأحوط إعادة الحج في السنة القادمة (3) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

أنهما روايتان إحداهما جاء فيها : «ولم يقصر» والاُخرى قال «ولم يزر» لاتحاد السند والمتن ، ومعه يبعد

التعدد . فاذن لم يعلم أن الصادر هو جملة «ولم يقصر» أو «ولم يزر» فتسقط عن الاعتبار ، فتكون

صحيحة الحلبي الواردة في المقام بلا معارض فلا بد من الالتزام بمضمونها ، ولكن حيث لم ينقل من أحد

من الأصحاب الفتوى بمضمونها بل لم يتعرضوا لمضمونها نفياً وإثباتاً فلا بد من الاحتياط الوجوبي على

الأقل ، فيكون هذا المورد مستثنى من مورد الجهل الذي لا يترتب عليه شيء .

   (1) لا ريب أن محل التقصير بعد الفراغ من السعي على ما نطقت به الروايات الكثيرة ، فلو قدّمه

عالماً عامداً تجب عليه الكفارة ، لاطلاق أدلّة ثبوت الكفارة على المحرم إذا أزال شعره وأخذه .

   (2) لا دليل على وجوب المبادرة إلى التقصير بعد السعي ، وله التأخير والفصل بينهما إلى أن يضيق

الوقت للحج ، كما أن ليس له مكان خاص فيجوز فعله في أيّ مكان شاء ، في المروة أو في المسعى أو

في منزله أو في غير ذلك ، لعدم الدليـل وللاطلاق والتسالم على عدم الموالاة .

   (3) إذا طاف المتمتع وسعى ثم أحرم للحج قبل أن يقصّر ، فان فعل ذلك عامداً فالمشهور أنه تبطل

عمرته ويصير الحج مفرداً . وخالف ابن إدريس وذهب إلى بطلان الاحرام الثاني ـ لأنه وقع في غير

محله ـ والبقاء على الاحرام الأول ، فيجب عليه

ــ[164]ــ

التقصير ويتم حجّه متمتعاً (1) .

   واستدل للمشهور بروايتين :

   الاُولى : معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى بالحج

قبل أن يقصّر ، فليس له أن يقصّر وليس عليه متعة» (2) وفي التهذيب «وليس له متعة» (3) وهو

الصحيح .

   الثانية : رواية العلاء بن الفضيل قال : «سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل أن يقصّر ،

قال : بطلت متعته هي حجة مبتولة» (4) .

   ولا يخفى أنه لو أغمضنا عن الروايتين فالحق مع ابن إدريس ، إذ لا موجب للانقلاب إلى الافراد ،

فان الانقلاب يحتاج إلى الدليل فكلامه (قدس سره) على طبق القاعدة ، ولذا ذكر السيد صاحب

المدارك بعد نقل الخبرين وقصورهما من حيث السند عنده ، لضعف الخبر الأول لأن في السند إسحاق

بن عمار وهو مشترك بين الثقة وغيره، والثاني ضعيف بمحمد بن سنان، فيشكل التعويل عليهما في

إثبات حكم مخالف للأصل(5) واستحسنه صاحب الحدائق بناء على مسلك المدارك وأصله من عدم

اعتماده على الموثقات ومناقشته في أسناد كثير من الروايات ، ولكن أورد عليه بأنه لا موقع للمناقشة

في أسناد هذه الروايات بعد ذكرها في الكتب الأربعة المعتبرة(6) .

   أقول : أمّا الخبر الثاني فالأمر كما ذكره ، وأمّا الخبر الأول فمعتبر ، فان إسحاق بن عمار غير

مشترك بين الثقة وغيره ، فانه إسحاق بن عمار الساباطي وقد يوصف بالصيرفي وهما شخص واحد ،

وكونه فطحياً لا يمنع عن وثاقته كما حقق في محلّه ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السرائر 1 : 581 .

(2) الوسائل 12 : 412 / أبواب الاحرام ب 55 ح 5 .

(3) التهذيب 5 : 159 / 529 .

(4) الوسائل 12 : 412 / أبواب الاحرام ب 55 ح 4 .

(5) المدارك 7 : 282 .

(6) الحدائق 15 : 119 .

ــ[165]ــ

فالرواية معتبرة ولابدّ من العمل بمضمونها، إنما الكلام في دلالتها على مذهب المشهور.

   وقد يناقش بدعوى أنها لا تدل على الانقلاب إلى الإفراد ، وإنما تدل على بطلان متعته ، فيكون

حال هذا المكلف حال من لم يتمكّن من الاتيان بالمتعة وحال من عجّز نفسه اختياراً عن الاتيان بها ،

نظير من لا يتمكّن من المتعة لضيق الوقت أو مفاجئة الحيض ونحو ذلك من الموانع .

   وفيه : أن الدلالة تامة ، وذلك لأن السؤال في الرواية في الحقيقة يرجع إلى أمرين : أحدهما حكم

الاحرام قبل التقصير . والآخر وظيفته بالنسبة إلى إتيان أعمال الحج والإمام (عليه السلام) لم يتعرّض

لاحرامه للحج وأنه باطل أم لا ، بل أمضاه ، وإلاّ لو كان إحرامه للحج باطلاً كان عليه إلغاؤه ، فيعلم

من عدم تعرضه أنه أمضاه ، ولذا ليس له أن يقصّر ، ولو كان إحرامه للحج بحكم العدم وكان باطلاً

فلا مانع من التقصير ، فعدم جواز التقصير يكشف عن صحة إحرامه الثاني وأنه يأتي بأعمال الحج فاذا

لم تكن له متعة والمفروض صحة إحرامه طبعاً ينقلب إحرامه للحج إلى حج الإفراد ، فقوله «وليس له

أن يقصّر وليس له متعة» ظاهر في إمضاء الاحرام فيستمر في أعمال الحج .

   وهل ذلك وظيفته ؟ يعني تنقلب وظيفته من التمتّع إلى الإفراد أو عليه الحج تمتعاً من قابل ؟ لا يبعد

ظهور الرواية في انقلاب الوظيفة وعدم وجوب الحج تمتعاً في السنة الآتية ، فيأتي بعمرة مفردة بعد

الحج ، ولكن الأحوط إتيان الحج تمتعاً في السنة المقبلة .

   ويمكن تقريب ما ذكرنا بوجه آخر ، وهو أن تكليفه بالتمتع في هذه السنة قد سقط عنه لقوله : «

ليس له متعة» وبعد ذلك ما هو تكليفه ، هل يقتصر بالحج الإفرادي أو يأتي بالتمتع في السنة الآتية ؟

مقتضى العلم الاجمالي هو إتيان الإفراد في هذه السنة والتمتّع في السنة المقبلة ، فان قلنا بانقلاب وظيفته

من التمتّع إلى الإفراد فهو ، وإن لم ينقلب فلا بدّ له من إتيان التمتّع في السنة الآتية ، فان قلنا بظهور

الرواية في الانقلاب فالاحتياط غير واجب ، وإن لم يكن لها ظهور ، فيجب الجمع للعلم الاجمالي ، هذا

حكم العامد سواء كان عالماً بالحكم أو جاهلاً به .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net