الكلام في وجوب مبيت ليلة العيد في المزدلفة - مبدأ وجوب الوقوف ومنتهاه 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4384


ــ[202]ــ

   مسألة 372 : إذا أفاض الحاج من عرفات فالأحوط أن يبيت ليلة العيد في المزدلفة وإن كان لم يثبت

وجوبها (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

   (1) هل الواجب من الوقوف في المشعر هو الوقوف بين الطلوعين فقط ، أو يجب المبيت ليلة العيد

في المزدلفة أيضاً وإن لم يكن تركه عمداً يوجب الفساد ؟

   المشهور هو الأوّل(1) واختاره صاحب الجواهر (2) ونسبه إلى ظاهر الأكثر واستدل أوّلاً بالتأسي

، وفيه : أن التأسي لا يدل على الوجوب ، وإنما يدل على عدم المنع . واستدل ثانياً بعدة من

الروايات :

   منها : صحيحة معاوية بن عمار عن الحلبي «ولا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة» (3) فان المستفاد منها

عدم التجاوز عن الحياض ليلة العيد فيظهر منها لزوم المبيت ، وإنما المنهي التجاوز إلى الحياض .

   وفيه : أن التجاوز إلى الحياض ليلة العيد بأن يذهب إلى الحياض قليلاً ثم يرجع إلى المشعر جائز

بالضرورة ، ومن قال بوجوب المبيت لا يمنع عن هذا المقدار من التجاوز ، فالتجاوز إلى الحياض بعنوانه

ومستقلاً غير محرم قطعاً ، فحينئذ يمكن أن يكون النهي عن التجاوز لأجل درك الوقوف بالمشعر

وخوف فوت الموقف .

   مضافاً إلى أنه لا دلالة في الصحيحة على وجوب المبيت حتى مع قطع النظر عما ذكرنا ، وذلك فان

النهي عن التجاوز إلى الحياض لا يدل على وجوب المبيت ، إذ يمكن أن يفيض من عرفات ويبيت في

الطريق قبل الوصول إلى المشعر ، فيصدق عليه أنه غير متجاوز عن الحياض .

 ومنها : صحيحة معاوية بن عمار : «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف إن شئت قريباً من

الجبل وإن شئت حيث شئت» الحديث (4) فان المستفاد منها المفروغية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والصحيح أن يقول : المشهور هو الثاني .

(2) الجواهر 19 : 73 .

(3) الوسائل 14 : 18 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 3 .

(4) الوسائل 14 : 20 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1 .

ــ[203]ــ

   مسألة 373 : يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد إلى طلوع الشمس، لكن الركن

منه هو الوقوف في الجملة، فاذا وقف مقداراً ما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمداً صح حجّه

وإن ارتكب محرماً (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

عن المبيت ليلة العيد .

   والجواب عن ذلك لعله واضح ، وهو أن الإصباح على طهر يصدق ولو بالوصول إلى المشعر قبل

الفجر بقليل ، ولا يحتاج صدق ذلك على المبيت .

   والحاصل : الوقوف الواجب هو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ولا بدّ من الوقوف قبل

الفجر بقليل من باب المقدمة العلمية فحينئذ يصدق عليه الاصباح بطهور في المشعر .

   ومنها : خبر عبدالحميد بن أبي الديلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سمِّي الأبطح أبطح ، لأن

آدم (عليه السلام) اُمر أن يتبطح في بطحاء جمع ، فتبطح حتى انفجر الصبح ، ثم اُمر أن يصعد جبل

جمع ، وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ففعل ذلك» (1) فانه يدل على بقاء آدم في المشعر

قبل الفجر .

   وفيه أوّلاً : ضعف السند بعبد الحميد بن أبي الديلم ، وبمحمد بن سنان الواقع في السند .

   وثانياً : ضعف الدلالة ، لأن الأمر بالبطح(2) حتى ينفجر الصبح يتحقق ولو بالمكث قبل الفجر

بقليل ولا يحتاج إلى المبيت ، فالرواية أجنبية عن المبيت بمقدار ثلث الليل أو نصفه ، فلا دليل على لزوم

المبيت وإن كان هو أحوط .

   (1) لا ريب في وجوب الوقوف في المشعر فيما بين الطلوعين من يوم العيد ، وهل يجب الاستيعاب

في هذه المدة بأن يقف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، أو أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 11 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 4 ح 6 .

(2) البطح : هو الانطراح والبسط ومنه الانطراح على وجهه [ لسان العرب 2 : 412 ] .

ــ[204]ــ

الواجب هو الوقوف في الجملة ، وإن لم يستوعب تمام هذه المدة ؟

   المعروف هو وجوب الاستيعاب ، بينما ذهب آخرون إلى عدم وجوبه ، وممّن صرح بذلك صاحب

الجواهر واستدل بالأصل وإطلاق الأدلة وأنه لا دليل على التقييد (1) .

   فيقع البحث تارة من حيث المبدأ واُخرى من حيث المنتهى .

   أمّا من حيث المبدأ ولزوم الوقوف من طلوع الفجر ، فقد يستدل عليه بصحيح معاوية بن عمار

المتقدم «اصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريباً من الجبل ، وإن شئت حيث

شئت» (2) فان المستفاد منه لزوم الاصباح في المشعر فلا يجوز التأخر عن طلوع الفجر ، بل لو لم يكن

دليل على عدم اعتبار الطهارة في الوقوف لالتزمنا بوجوب الاصباح عن طهارة ، إلاّ أن الدليل قام

على عدم اعتبار الطهارة في جميع  الأعمال والمناسك عدا الطّواف وصلاته ، فيحمل على الاستحباب، 

فما  ذكره صاحب الجواهر من أنه لا يدل على وجوب الوقوف عند طلوع الفجر ، وأن الرواية في

مقام بيان اختيار أيّ مكان شاء ، وليست في مقام بيان الكون في المشعر ، وإنما تدل على أن المبدأ بعد

صلاة الصبح ، لا يمكن المساعدة عليه .

   وأمّا من حيث المنتهى ووجوب الوقوف إلى طلوع الشمس فيدل عليه ما في ذيل صحيح معاوية بن

عمار «ثم افض حيث يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع أخفافها»(3) فان الأمر بالاضافة حتى يشرق

ثبير ـ أي يضيء ثبير وهو جبل بمكة ـ كناية عن طلوع الشمس .

   وذكر صاحب الجواهر أن المراد من الاشراق الاسفار، لرؤية الابل مواضع أخفافها عند الإسفار ،

وذلك أعم من طلوع الشمس(4) ولكن ما ذكره مبني على حمل هذه الجملة على معناها الحقيقي

وإرادة الإسفار والاضاءة من الاشراق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 19 : 76 .

(2) ، (3) الوسائل 14 : 20 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1 .

(4) الجواهر 19 : 76 .

ــ[205]ــ

   وفيه : أن الظاهر كون المراد من هذه الجملة معنى كنائياً عن طلوع الشمس ، ويقال أشرق ثبير أي

طلعت الشمس كما صرح بذلك في اللغة (1) وقد فسرت هذه الجملة بطلوع الشمس في رواية

معتبرة أيضاً وهي ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ثم أفض

حين يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع أخفافها ، قال أبو عبدالله (عليه السلام) كان أهل الجاهلية

يقولون أشرق ثبير ـ  يعنون الشمس  ـ كيما نغير ، وإنما أفاض رسول الله (صلّى الله عليه وآله

وسلّم) خلاف أهل الجاهلية ، كانوا يفيضون بايجاف الخيل وإيضاع الابل ، فأفاض رسـول الله (صلّى

الله عليه وآله وسلّم) خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة» الحديث (2) والرواية واضحة الدلالة

على أن المراد بهذه الجملة هو طلوع الشمس ، فكأنه قال : ثم أفض حيث تطلع الشمس وترى الابل

مواضع أخفافها .

   ولا يخفى أن الوسائل لم يذكر جملة «يعنون الشمس» ولكنها موجودة في التهذيب .

   ثم إن الموجود في الوسائل المطبوع بالطبعة الجديدة شرف ، وأشرف ثبير ـ  بالفاء  ـ وهو غلط

جزماً ، وكذا في الطبعة القديمة .

   وأمّا من حيث السند فالظاهر أن الرواية معتبرة ، والمراد بإبراهيم الأسدي الواقع في السند الذي

روى عنه موسى بن القاسم هو إبراهيم بن صالح الأنماطي الأسدي الذي وثقه النجاشي(3) لأنه

معروف وله كتاب وينصرف إبراهيم الأسدي إليه . مضافاً إلى أن الصدوق رواه في العلل بسند

صحيح ليس فيه إبراهيم الأسدي (4) .

 وما جاء في صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا تتجاوز وادي محسّر حتى

تطلع الشمس» (5) . فالمراد بهذا النص عدم الدخول في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أشرق ثبير كيما نَغير ، أو أشرق ونغير أي نسرع إلى النحر وندفع النفر وسميت أيام التشريق

بذلك ، لأن الهدي والضحايا لاتنحر حتى تشرق الشمس أي تطلع . مجمع البحرين 5 : 191 .

(2) الوسائل 14 : 26 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 5 ، التهذيب 5 : 192 / 637 .

(3) رجال النجاشي : 15 / 13 .

(4) العلل : 444 ب 192 ح 1 .

(5) الوسائل 14 : 25 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 2 .

ــ[206]ــ

وادي محسر وحدوده حتى تطلع الشمس ، وعدم التجاوز وعدم التعدي بالدخول في أوّل الوادي ،

فبطبيعة الحال لا بدّ أن يبقى في المزدلفة إلى طلوع الشمس ، فقبل طلوع الشمس ليس له الدخول في

وادي محسّر ، وعدم جواز الخروج عن وادي محسّر إلى منى قبل طلوع الشمس، وإلاّ لو كان المراد

ذلك لقال لا تدخل منى حتى تطلع الشمس.

   والحاصل : المنهي هو الدخول في وادي محسّر قبل طلوع الشمس .

   ويؤيد : ما ورد في حج آدم (عليه السلام) وأنه اُمر أن ينبطح في بطحاء جمع فانبطح في بطحاء جمع

حتى انفجر الصبح ، وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ففعل ذلك (1) .

   وبازاء هذه الروايات مرسلة علي بن مهزيار «ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس ،

وسائر الناس إن شاؤوا عجلوا وإن شاؤوا أخروا» (2) فيسوع لسائر الناس التعجيل والنفر إلى منى

قبل طلوع الشمس .

   والجواب أوّلاً : أن الرواية ضعيفة بالارسال .

   وثانياً : أن التعجيل والتأخير إنما هما بالنسبة إلى الافاضة والشروع في النفر ، وذلك يحتاج إلى مدة

من الزمان ، فمعنى الرواية أن الإمام ـ أي أمير الحاج ـ ليس له النفر والحركة حتى تطلع الشمس ،

ولكن سائر الناس لهم أن يعجّلوا ويتوجّهوا إلى منى وذلك لا يدل على جواز الخروج قبل طلوع

الشمس ، فان الافاضة والشروع في الحركة يحتاج إلى مدّة من الزمان كما بيناه ، وعليه أن لا يتعدّى

إلى وادي محسّر .

 وبما ذكرنا يظهر الجواب عن موثقة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) أيّ

ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع ؟ قال : قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليّ ،

قلت : فان مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال : لا بأس» (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 227 / أبواب أقسام الحج ب 2 ح 21 .

(2) الوسائل 14 : 26 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 4 .

(3) الوسائل 14 : 25 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net