المراد من الدم الّذي يجب بدل صوم الثلاثة - هل يجب الهدي على من تمكّن منه بعد الصِّيام بدل الهدي ؟ 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4188


   الظاهر أن التعارض بين تلك الروايات الدالّة على جواز الصوم في الطريق أو في البلد وبين

صحيحتي منصور بن حازم تعارض العموم من وجه، وذلك لاختصاص تلك الروايات بذوي الأعذارر

وعمومها بالنسبة إلى خروج الشهر وعدمه، واختصاص الصحيحتين بخروج الشهر وعمومها بالنسبة

إلى العذر وغيره ، فيتحقق التعارض في مورد العذر عند دخول شهر محرم ، فانإطلاق تلك الروايات

يثبت الصوم ، وإطلاق الصحيحتين يثبت الدم ، فالنفي والاثبات يتواردان على مورد واحد

ويتساقطان ، والمرجع حينئذ الآية الكريمة ومقتضى قوله تعالى (فِي الحَجّ) (1) اشتراط وقوع الصوم في

شهر ذي الحجة ، وقد صرح في النص بأن في الحج أي في ذي الحجة ، فان التقييد بالحج يوجب دخل

القيد في البدلية وإلاّ لكان ذكر القيد لغواً ، فاذا انقضى شهر ذي الحجة فالبدلية غير ثابتة فلا بدّ من

الهدي، فالنتيجة تكون مطابقة لمفاد صحيحتي منصور بن حازم .

   ثم إنه وقع الكلام في أن الدم حينئذ هدي أو كفارة ؟

   المعروف أنه هدي ، واحتمل كاشف اللثام أنه كفارة بل قال هي أظهر(2) ولكن المستفاد من قوله

: «فعليه دم شاة وليس له صوم» (3) كون الشاة هدياً ، لأن الصوم بدل الهدي ونفيه يقتضي كون

الشاة الثابتة عند عدم تحقق الصوم هدياً ، لسقوط البدلية حينئذ ، وإلاّ لا موقع لقوله : «ليس له

صوم» فلابد أن يذبحه بمنى أيام النحر .

 نعم ، مقتضى النبوي «من ترك نسكاً فعليه دم» (4) كون الدم كفارة ، ولكن النبوي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 196 ونصّها (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) .

(2) كشف اللثام 1 : 365 السطر 26 .

(3) كما في صحيحة منصور بن حازم المتقدمة في ص 298 .

(4) سنن البيهقي 5 : 152 .

 
 

ــ[301]ــ

   مسألة 395 : من لم يتمكّن من الهدي ولا من ثمنه وصام ثلاثة أيام في الحج ثم تمكن منه وجب عليه

الهدي على الأحوط (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

ضعيف سنداً ولم ينقل من طرقنا . والأولى ثبوت الكفارة أيضاً لأجل النبوي فيذبح شاتين للهدي

والكفارة .

   (1) المعروف بين الأصحاب أنه لو صام ثلاثة أيام ثم وجد الهدي كان له المضي على الصوم وليس

عليه الهدي . وعن بعضهم كالقاضي وجوب الهدي وأنه لا دليل على سقوطه حينئذ (1) .

   يقع البحث تارة فيما تقتضيه النصوص واُخرى فيما تقتضيه القاعدة المستفادة من الآية الكريمة .

   أمّا ما تقتضيه القاعدة المستفادة من الآية الشريفة كقوله (فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ فَما اسْتَيْسَرَ

مِنَ الهَدْيِ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ)(2) فوجوب الهدي ، لكشفه عن وجدان الهدي ، لأن الفقدان يعتبر في

تمام الشهر على الترتيب بين وجدانه في يوم العيد أو في أيام التشريق أو في طول ذي الحجة ، فاذا

وجد الهدي في شهر ذي الحجة فهو واجد له فلا ينتقل الفرض إلى البدل وهو الصيام ، ولذا لو علم

بوجدان الهدي في اليوم الرابع عشر أو الخامس عشر من ذي الحجة ليس له الصوم .

   وبالجملة : لو كنّا نحن والآية ولم تكن في البين رواية لالتزمنا بوجوب الهدي وعدم سقوطه سواء

صام أو لم يصم ، أمّا في فرض عدم الصوم فالأمر أوضح ، لعدم وقوع البدل فلا موجب لسقوط

الهدي بعد وجدانه . وأمّا في فرض الصوم فكذلك لأنه ينكشف أنه كان واجداً للهدي ولكن لا

يدري بذلك .

   نعم ، هنا رواية يظهر منها أن العبرة بالوجدان وعدمه إلى يوم النحر ، وهي رواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المهذب 1 : 259 .

(2) البقرة 2 : 196 .

ــ[302]ــ

أحمد بن عبدالله الكرخي قال : «قلت للرضا (عليه السلام) المتمتع يقدم وليس معه هدي أيصوم ما لم

يجب عليه ؟ قال : يصبر إلى يوم النحر فان لم يصب فهو ممن لم يجد» (1) فاعتبره فاقداً إذا لم يصب

الهدي إلى يوم النحر وإن وجده بعد أيام النفر ولكن الرواية ضعيفة بالارسال ، لأن الكليني يرسلها عن

بعض أصحابنا (2) فلا يمكن العمل بها . على أن مضمونها مقطوع البطلان ، إذ لا نحتمل أن تكون

العبرة بالفقدان بعدم الوجدان إلى يوم النحر بعد استفاضة النصوص وتسالم الأصحاب باستمرار وقت

الهدي إلى آخر شهر ذي الحجّة ، ومناف لاطلاق الآية الشريفة ، لأن موضوعها التمكن والتيسير ولم

يقيد بقبل يوم النحر أو بعده .

   ثم إن صاحب الوسائل رواها في مورد آخر وذكر «فان لم يصبر فهو ممّن لم يجد» (3) بدل «فان لم

يصب» وهو غلط .

   وأمّا ما تقتضيه النصوص الواردة في المقام فقد استدل المشهور للاكتفاء بالصوم وسقوط الهدي بعد

أيام صيامه وإن وجده بعد أيام التشريق بصحيحة أبي بصير عن أحدهما (عليه السلام) قال : «سألته

عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم ؟ قال : بل

يصوم ، فان أيام الذبح قد مضت» (4) ولا يخفى أن المراد بيوم النفر المذكور فيها يوم نفر الحجاج من

مكة إلى بلادهم ، أي من اليوم الرابع عشر غالباً ، وذلك بقرينة قوله (عليه السلام) : في ذيل الرواية

«فان أيام الذبح قد مضت» ومن المعلوم أن أيام الذبح تنتهي في اليوم الثالث عشر . فذكروا أن

المستفاد من الرواية أن من صام ثم وجد الهدي بعد أيام الذبح وبعد أيام التشريق يسقط عنه الهدي .

والرواية معتبرة سنداً لا قصور فيها سنداً ودلالة ، فما ذكره صاحب الجواهر من قصورها من وجوه

(5) لا نعرف له وجهاً . نعم بعض طرقه فيه ضعف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 199 / أبواب الذبح ب 54 ح 2 .

(2) الكافي 4 : 510 / 16 .

(3) الوسائل 14 : 180 / أبواب الذبح ب 46 ح 6 .

(4) الوسائل 14 : 177 / أبواب الذبح ب 44 ح 3 .

(5) الجواهر 19 : 166 .

ــ[303]ــ

كطريق الكليني (1) ولكن بقية الطرق صحيحة .

   والجواب عن ذلك أوّلاً : أن الرواية رويت بنحو آخر وهو قوله (عليه السلام) : «فلم يجد ما

يهدي ولم يصم الثلاثة الأيام» وكلامنا في من صام .

   وثانياً : أن قوله : «فان أيام الذبح قد مضت» ينافي مع المستفيضة المعتبرة وما تسالموا عليه من أن

أيام الذبح تستمر إلى طول ذي الحجّة .

   وثالثاً : لو سلمنا أن المتن الثابت في الرواية هو ما ذكرناه أوّلاً «فلم يجد ما يهدي ... أيذبح أو

يصوم» وليس فيه «ولم يصم الثلاثة الأيام» فالسؤال والجواب واضحان في أنه لم يصم من الأول

وقوله : «أيصوم» ظاهر في إنشاء الصوم بمكة وأنه يصوم أم يذبح فأجاب (عليه السلام) بأنه يصوم ،

فحمله على استمرار الصوم بالصوم في بلده بمعنى أن وظيفته انقلبت إلى الصوم بعيد جداً .

   ورابعاً : أن التعليل لسقوط الهدي بقوله : «فان أيام الذبح قد مضت» ظاهر في أن سبب الحكم

بالسقوط هو مضى أيام الذبح صام أو لم يصم ، فتكون الرواية على هذا المتن مساوقة لمتنها الآخر وهو

«ولم يصم الثلاثة الأيام» فتكون الرواية على كلا المتنين مخالفة لما تسالم عليه الأصحاب من عدم سقوط

الهدي فيما إذا لم يصم الثلاثة فلا بدّ من رد علم هذه الصحيحة إلى أهلها ولا يمكن العمل بها .

   واستدل المشهور أيضاً بخبر حماد بن عثمان قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن متمتع صام

ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هدياً يوم خرج من منى ، قال : أجزأه صيامه» (2) .

   والخبر صريح في مذهب المشهور ، ولكن الكلام في السند ، ففيه عبدالله بن بحر كما في الكافي (3)

وفي التهذيب والاستبصار عبدالله بن يحيى(4) وهذا الاختلاف موجود

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 4 : 509 / 9 .

(2) الوسائل 14 : 177 / أبواب الذبح ب 45 ح 1 .

(3) الكافي 4 : 509 / 11 .

(4) التهذيب 5 : 38 / 112 ، الاستبصار 2 : 260 / 919 .

ــ[304]ــ

بين الكافي والتهذيب في غير مورد، فالرواية على مسلك المشهور ضعيفة، لأن المذكور في السند إن

كان عبدالله بن بحر فلم يوثق ، وإن كان عبدالله بن يحيى فهو مجهـول ولكن عبدالله بن بحر ثقة عندنا ،

لأنه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي ، ولكن لم يثبت أنه عبدالله بن بحر ويحتمل أنه عبدالله بن

يحيى فهو مجهول ، فالرواية على كلا المسلكين ضعيفة ولا يمكن تخصيص القرآن بالخبر الضعيف .

   على أنه معارض بمعتبرة عقبة بن خالد الصريحة في عدم سقوط الهدي «قال : سألت أبا عبدالله (عليه

السلام) عن رجل متمتع وليس معه ما يشتري به هدياً ، فلما أن صام ثلاثة أيام في الحج أيسر ،

أيشتري هدياً فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله ؟ قال : يشتري هدياً فينحره

ويكون صيامه الذي صامه نافلة له» (1) .

   والمحقق(2) وصاحب الجواهر(3) وغيرهما حملوا الرواية على الأفضلية ولكن لا موجب له ، فان

الرواية وإن كانت ضعيفة على مسلك المشهور ولكن على مسلكنا معتبرة ، لأن عقبة بن خالد من

رجال كامل الزيارات فتكون معارضة لخبر حماد وبعد التساقط فالمرجع الآية الشريفة الدالة على

وجوب الهدي صام أو لم يصم .

   على أن الحمل على الأفضلية في خصوص المقام لا يخلو من الجمع بين المتنافيين لأن موضوع الهدي في

الآية الكريمة هو الوجدان وموضوع الصوم هو عدم وجدان الهدي وفقدانه ، فالهدي على الواجد

والصوم على الفاقد ، فكيف يقال بجواز الهدي والصوم له حتى يقال بأن الهدي أفضل والصوم يجتزئ

به ، إذ مرجع ذلك إلى أنه واجد وفاقد وهو غير معقول .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 178 / أبواب الذبح ب 45 ح 2 .

(2) الشرائع 1 : 299 .

(3) الجواهر 19 : 184 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net