إذا استعار أرضاً للمزارعة - إذا شرط أحدهما على الآخر شيئاً 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3808


ــ[246]ــ

   [ 3496 ] مسألة 4: إذا استعار أرضاً للمزارعة(1) ثمّ أجرى عقدها لزمت لكن للمعير الرجوع في إعارته((1))(2) فيستحق اُجرة المثل لأرضه على المستعير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لصدوره عن أمره لا بقصد التبرع والمجانية .

   وأما في الصورة الثانية ، فعليه مضافاً إلى اُجرة مثل العمل ، عوض البذر مثلاً أو قيمة ، حيث يكون تالفاً بسببه .

   نعم ، لو كان البذر للمالك ، لم يكن عليه للعامل إلاّ اُجرة مثل عمله .

   ومن هنا يظهر أنه لا وجه لما ذكره (قدس سره) ، من إلزام المالك للعامل باُجرة مثل أرضه فترة بقاء الزرع بعد الرجوع . بل العامل بالخيار بين قبول ذلك ، وبين الإعراض عن زرعه ومطالبته المالك باُجرة مثل عمله وعوض بذره ، حيث تلف نتيجة للزرع في الأرض المعيّنة .

   فالمتحصل أنه بناءً على جواز الرجوع في هاتين الصورتين : فإن كان الصادر من العامل شيئاً غير الزرع ، فليس له على المالك إلاّ اُجرة مثل عمله . وإن كان المأتي به هو الزرع ، فله مضافاً إلى اُجرة مثل عمله ، المطالبة بعوض البذر .

   هذا لكنك قد عرفت أنّ الصحيح بناءً على صحة هذه المعاملة ، هو لزومها وعدم جواز الرجوع للمالك ، وبذلك فيترتب عليه آثاره .

   (1) لا ينبغي الإشكال في صحّة الإعارة هذه ، فإنّ الانتفاع بالأرض قد يكون بالمباشرة كزراعتها من قبله ، وقد يكون بالتسبيب والواسطة بالاتفاق مع الغير .

   (2) الكلام في هذا الفرع من هذه المسألة هو الكلام في المسألة السابقة حرفاً بحرف، فإنّ التعليل المذكور في صحيحة محمد بن الحسين المتقدِّمة شامل له أيضاً، فإنّه ليس للمالك الرجوع عن الإذن وفسخ العارية فيما إذا استلزم تضرر العامل .

   نعم ، بناءً على جواز الرجوع للمالك ، فلا بأس بما ذكره (قدس سره) من استحقاقه لاُجرة مثل أرضه فترة بقاء الزرع على المستعير .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد عدم جواز رجوعه .

ــ[247]ــ

كما إذا استعارها للإجارة (1) فآجرها ، بناءً على ما هو الأقوى((1)) من جواز كون العوض لغير مالك المعوض .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولا يقاس هذا بالمزارعة الإذنية . فإنّ المالك في المقام أجنبي عن الزرع بالمرة ، فإنه لم يصدر عن أمره كي يكون ضامناً له ، وإنما أتى العامل مجاناً وتبرعاً ليستفيد هو بنفسه .

   فإذا رجع ، فإن تصالحا على شيء فهو ، وإلاّ فله المطالبة باُجرة مثل أرضه في الفترة الباقية ، لرجوع منفعة تلك المدة إليه . ومعه فلا يجوز للعامل التصرّف فيها واستيفاؤها ، بل لا بدّ له إما من رفع يده عن زرعه ورضاه بتلفه ، أو استجابته في دفع اُجرة مثل أرضه إليه .

   وهذا بخلاف الفرض السابق ، حيث كان عمله بأمر من المالك لا بقصد التبرع والمجانية .

   (1) وقد استشكل في صحّة هذه الإجارة بوجهين :

   الأوّل : أنّ العارية متقوِّمة باستفادة المستعير من عين المال ، فإذا آجرها من غيره حكم ببطلانها ، نظراً لانتفاعه بالاُجرة حينئذ وهي غير معارة له ، فإنّ الاُجرة عين اُخرى أجنبية عن العين المعارة ، وليست هي منفعة لها .

   الثاني : ما أشار إليه الماتن (قدس سره) من أنّ المستعير إنما يملك الانتفاع بالعين دون منفعتها ، فإنها باقية على ملك المالك المعير . ومن هنا فإذا انتقلت بالإجارة إلى ملك المستأجر ، حيث تتضمن الإجارة تمليك المنفعة ، كان لازم ذلك دخول العوض في كيس غير من خرج منه المعوض ، فإنّ المنفعة تخرج من ملك المعير ، في حين يدخل العوض في كيس المستعير ، وهو أمر غير جائز .

   إلاّ أن كلا هذين الإشكالين قابل للدفع .

   أما الأوّل ، فيردّه أن الانتفاع بالعين المعارة لا يلزم أن يكون من المنفعة مباشرة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرّ أنّ الأقوى خلافه ، والمسألة غير مبتنية عليه .

ــ[248]ــ

بمعنى كونه من نفسها وعينها ، بل يجوز أن يكون ببدلها مع إجازة المالك ، بلا إشكال بل لعله مما لا خلاف فيه أيضاً . ولذا يجوز له دفع العين المعارة إلى غيره بإزاء انتفاعه بعين الآخر مع رضى المالك .

   ومما يشهد له جواز استعارة اللحاف وما شاكله للضيوف ، فإنه مما لا ينبغي الإشكال في جوازها ، والحال أنّ المستعير لا يستفيد من العين المعارة بالمباشرة ، فإنه ليس إلاّ لكون استفادة الضيف انتفاعاً للمضيف ، حيث إنه من عياله ولا بدّ له من القيام بشؤونه وواجباته ، ومنها تهيئة الغطاء له .

   فإذا صحّ ذلك مجّاناً صحّ مع العوض أيضاً ، فإنه لا ينافي حقيقة الاستعارة ، فإنّ الاُجرة بدل عن منفعة الأرض ، فيصحّ أن يقال للمستعير المستفيد منها أنه مستفيد من منفعة الأرض .

   وأما الثاني ، فقد ردّه الماتن (قدس سره) بأن الأقوى جواز كون العوض لغير مالك المعوض .

   إلاّ أنك قد عرفت منا غير مرّة ، أنّ ما أفاده (قدس سره) ممنوع كبروياً ، فإنّ مفهوم المعاوضة متقوِّم بدخول العوض في ملك مالك المعوض ، وإلاّ فلا يكون عوضاً له ، بل كل منهما يعتبر هبة مجانية وبلا عوض .

   ومن هنا فلا يصلح ما أفاده (قدس سره) جواباً للإشكال .

   فالصحيح في مقام الجواب هو المنع الصغروي . فإنّ مسألة جواز الإعارة للإجارة غير مبنية على هذا الاعتبار ، أعني جواز كون العوض لغير مالك المعوض ، فإنها جائزة حتى بناءً على ما هو المشهور والصحيح ، من اعتبار دخول العوض في ملك من يخرج منه المعوض .

   وقد ظهر وجهه مما تقدّم في جـواب الإشكال الأوّل ، فإنّ العارية نوع تمليك وليست بإباحة محضة .

   نعم ، ذكر الأعلام أنها تمليك للانتفاع . إلاّ أنه لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ الانتفاع من أفعال المستعير ، فلا معنى لتمليكه من قبل الغير ، إذ لا معنى لتمليك أحد غيره فعل

ــ[249]ــ

   [ 3497 ] مسألة 5: إذا شرط أحدهما على الآخر شيئاً في ذمته أو في الخارج ـ  من ذهب أو فضة أو غيرهما  ـ مضافاً إلى حصّته من الحاصل صحّ(1). وليس قراره مشروطاً بسلامة الحاصل(2) بل الأقوى صحّة استثناء((1)) مقدار معين من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نفسه ـ الغير ـ فإنه مالك لعمله وفعله واقعاً ومن دون حاجة إلى التمليك .

   إذن فتعبيرهم (قدس سرهم) بأنها تمليك الانتفاع ، لا يخلو من المسامحة الواضحة . فإنها في الحقيقة من تمليك المنفعة حالها في ذلك حال الإجارة ، غاية الأمر أنها ليست مثلها من حيث تضمنها لتمليك المنفعة على الإطلاق ، فإنها ـ العارية ـ إنما تتضمن تمليك حصّة خاصة من المنفعة ، هي المنفعة من حيث استعدادها لانتفاع المستعير . ولذا فلا تنتقل إلى ورثته بعد موته ، كما إنه ليس له نقلها إلى غيره بغير إجازة المالك .

   وعلى ضوء هذا يتضح أنّ الإجارة في المقام محكومة بالصحة فيما إذا كانت صادرة عن رضا المالك المعير ، فإنّ المنفعة لما كانت ملكاً للمستعير بحكم العارية ، كان العوض ـ الاُجرة ـ داخلاً في كيس من خرج منه المعوض لا محالة .

   وبهذا فلا يبقى محذور يمكن أن يستند إليه في مقام المنع عن صحة هذا العقد ، فإنه مستكمل لجميع شرائط الصحة ، بما في ذلك اعتبار كون العوض داخلاً في ملك من يخرج منه المعوض .

   (1) بلا كلام فيه . فإنّ الشرط لا يتضمن مخالفة للعقد ، لأنه لا يتقوّم إلاّ بكون الأرض من أحدهما والعمل من الآخر على أن يكون النتاج بينهما ، ومن هنا فتشمله عمومات وجوب الوفاء بالشرط .

   (2) نظراً لعدم ارتباط كل من الأمرين بالآخر ، فإنّ دليل وجوب الوفاء بالشرط أجنبي عن دليل العقد الذي اقتضى كون الناتج بينهما والتالف عليهما . ومن هنا فحيث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في القوّة إشكال بل منع ، لأنّ العمومات كما عرفت لا تشمل مثل هذه المعاملات ، والدليل الخاص غير موجود ، وكذا الحال في استثناء مقدار البذر .

ــ[250]ــ

الحاصل لأحدهما(1) مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعاً بينهما، فلايعتبر إشاعة جميع الحاصل بينهما على الأقوى.

   كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان التزام المشروط له بالعقد معلقاً على التزام صاحبه بالشرط ، وقد تحقق منه ذلك وجب عليه الوفاء به لأدلّة لزوم الوفاء بالشروط ، وإن لم يتمّ الحاصل .

   (1) فيه نظر بل منع ، يظهر وجهه مما تقدّم . فإنّ العمومات والإطلاقات غير شاملة لمثل هذا العقد الذي يتضمن تمليك المعدوم بالفعل ، ومن هنا فلا بدّ في الحكم بصحتها من الدليل الخاص . وحيث إنّ المورد خارج عن مورد النصوص الواردة في المزارعة ، باعتبار أنها إنما تضمّنت الصحة فيما إذا كان الحاصل مشاعاً بينهما ، وهذا مفقود في المقام فإن أحدهما يختصّ بمقدار منه ويكون الباقي مشاعاً بينهما ، يحكم ببطلانه بمقتضى القاعدة لا محالة .

   ثمّ لا بأس بما أفاده (قدس سره) بناءً على مختاره ، من شمول العمومات والإطلاقات لمثل هذه المعاملات .

   (2) ظاهر تشبيهه (قدس سره) لاستثناء الأرطال المعلومة باستثناء مقدار البذر هو كون الحكم بالصحة في الثاني مفروغاً عنه .

   إلاّ أن الأمر ليس كذلك . فإنّ الحال في البذر هو الحال في الأرطال المعلومة من حيث القاعدة ، فينبغي الحكم فيه بالبطلان أيضاً .

   نعم ، ادّعى بعضهم الصحة في المقام ، حتى مع القول بالبطلان في استثناء الأرطال المعلومة ، خروجاً عن القاعدة لأجل النصّ الخاص .

   واستدلّ عليه بصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج ، فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها ويصلحها ويؤدّي خراجها ، وما كان من فضل فهو بينهما ، قال : «لا بأس» (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 19 كتاب المزارعة والمساقاة ، ب 10 ح 2 .

ــ[251]ــ

   وخبر إبراهيم الكرخي ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : اُشارك العلج فيكون من عندي الأرض والبذور والبقر ويكون على العلج القيام والسقي (السعي) والعمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيراً ، وتكون القسمة ، فيأخذ السلطان حقه ويبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ولي الباقي ، قال : «لا بأس بذلك» . قلت : فلي عليه أن يرد عليّ مما أخرجت الأرض البذر ويقسم ما بقي ؟ قال : «إنما شاركته على أنّ البذر من عندك ، وعليه السقي والقيام» (1) .

   إلاّ أنّ الاستدلال بهما محلّ نظر ، بل منع .

   أما الصحيحة فهي أجنبية عن محلّ الكلام بالمرة ، إذ ليس فيها أية دلالة أو إشعار على إخراج البذر من الحاصل ، بل هي كسائر نصوص الباب دالّة على إشاعة الحاصل بينهما ، كما يقتضيه قوله (عليه السلام) : (وما كان من فضل فهو بينهما) . فما اُفيد من دلالتها على المدّعى غير واضح .

   على أننا لو سلّمنا دلالتها على إخراج البذر من الحاصل ، كان مقتضاه خروج البذر من الحاصل مطلقاً ، سواء اشترط ذلك ضمن العقد أم لم يشترط . وهو مقطوع البطلان ، حيث لا قول به بل لا وجه له ، فإنه لا يستثنى منه من غير الشرط جزماً وإنما الكلام في استثنائه على تقدير الاشتراط .

   وأمّا الخبر فهو ـ مضافاً إلى ضعف سنده بإبراهيم الكرخي ، حيث لم يرد فيه مدح فضلاً عن التوثيق ـ قاصر الدلالة أيضاً ، فإنّ ظاهر قوله (عليه السلام) : «إنما شاركته على أنّ البذر من عندك وعليه السقي والقيام» أنّ النتاج الحاصل إنما هو وليدة أمرين معاً ، البذر من جهة والعمل من جهة اُخرى . ومن هنا يكون الحاصل لهما معاً على حد سواء ، من غير اختصاص لأحدهما به كلاًّ أو بعضاً .

   إذن فالاستدلال بهذا الخبر على بطلان الاشتراط ، أوْلى من الاستدلال به على صحّته ، فلاحظ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 19 كتاب المزارعة والمساقاة ، ب 10 ح 1 .

ــ[252]ــ

أو استثناء مقدار خراج السلطان(1) أو ما يصرف في تعمير الأرض(2) ثمّ القسمة . وهل يكون قراره في هذه الصورة مشروطاً بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع الثمار، أوْ لا؟ وجهان((1))(3) .
ــــــــــــــــــــــــــ

   (1) على ما دلّت عليه صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدِّمة وغيرها .

   (2) فيدخل في عنوان الإعمار والإصلاح المذكورين في الصحيحة المتقدِّمة .

   (3) كونها محمولة على الإشاعة ، فيحسب التالف على الشارط والمشروط عليه بالنسبة . وكونها من قبيل الكلّي في المعين ، فلا ينقص من الشرط شيء .

   والأوّل هو الأقوى . فإنّ نسبة المستثنى ـ الحصّة المعينة ـ والمستثنى منه إلى المجموع واحدة ، فلا يختص أحدهما بملك الشخص والآخر بملك الكلّي ، بل ملكهما معاً على نحو واحد ، والموجود بالفعل مضاف في الملك إليهما على حدّ سواء .

   ومما يدلّنا على ذلك ، أنه لو تلف جميع الحاصل ولم يبق منه إلاّ مقدار البذر أو الشرط ، لم يمكن أن يقال بكونه للمشروط له . فإنه مخالف لوضع المزارعة وقانونها حيث إنّ مقتضاها لزوم بقاء مقدار من الناتج لكل منهما بعد إخراج الشرط ، بحيث لا يبقى أحد منهما فاقداً للنصيب مع وجود الحاصل حتى مع الإشتراط . وهو انما ينسجم مع القول بكون الحصّة على نحو الاشاعة ، لا الكلي في المعين . وعليه فيتعين القول بها .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد قرب الوجه الأوّل ، فلو تلف نصف الحاصل مثلاً يحسب التالف على المستثنى والمستثنى منه بالنسبة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net