إذا شرط مدّة معيّنة والزرع لم يبلغ - لو ترك الزارع الزرع حتى انقض المدّة 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3671


   [ 3498 ] مسألة 6 : إذا شرط مدّة معينة يبلغ الحاصل فيها غالباً ، فمضت والزرع باق لم يبلغ ، فالظاهر أنّ للمالك الأمر بإزالته بلا أرش ، أو إبقاءه ومطالبة الاُجرة إن رضي العامل بإعطائها . ولا يجب عليه الإبقاء بلا اُجرة ، كما لا يجب عليه الأرش مع إرادة الإزالة ، لعدم حقّ للزارع بعد المدة ، و «الناس مسلّطون على أموالهم» (4) . ولا فرق بين أن يكون

ـــــــــــــــــــــــ
   (4) إلاّ أنه قد يقال : بأنّ قاعدة السلطنة محكومة لدليل «لا ضرر» فإنّ في قلع


ــ[253]ــ

المالك للزرع من دون دفع الأرش إلى العامل ضرراً عليه ، حيث يوجب ذهاب عمله أو هو مع البذر ـ على تقدير كونه منه ـ هدراً ، فيشمله دليل لا ضرر ، وهو حاكم على جميع الأدلّة بما في ذلك قاعدة السلطنة .

   ومن هنا فليس للمالك الزام العامل بقلع الزرع . لكنه حيث لا يذهب مال المسلم هدراً ، لم يجب على المالك إبقاؤه في أرضه مجاناً ، بل له مطالبة العامل باُجرة الأرض في الفترة الباقية .

   وبهذا فيكون العامل في الحقيقة بالخيار ، بين دفع اُجرة مثل الأرض في الفترة الباقية للمالك ، وبين تنازله عن زرعه وقبوله لقلعه من غير أرش .

   لكنك قد عرفت منّا عند التعرض لقاعدة «لا ضرر» أن نفي الضرر في الإسلام كنفي الحرج وسائر المنفيات والمرفوعات ، وارد مورد الامتنان على الاُمّة المرحومة . ومن هنا يجب أن يكون الحكم المنفي امتنانياً على جميع المكلفين على حدّ واحد لا  البعض دون البعض الآخر ، فإنه لو كان في رفع الحكم امتنان على بعض وضرر على غيره لم يثبت ، لمنافاته للامتنان والتفضل من الشارع المقدّس .

   وعليه ففي المقام حيث يكون منع المالك من التصرّف في أرضه والحجر عليه في ماله ضرراً عليه ، فلا يشمله ـ المقام ـ دليل نفي الضرر ، لمنافاته للامتنان .

   ولو قلنا بشموله لمثل ذلك ، لوجب القول به فيما لو اشتبه أحد فزرع في أرض الغير خطأً ، ثمّ تبيّن له الحال ولم يرض المالك ببقائه في أرضه . والحال أنه لا يمكن الالتزام في هذه الصورة بلزوم إبقاء المالك لزرع الغير أو بنائه ، وانتفاء سلطنته على ماله .

   بل وينبغي أن يقال به في صورة العمد والغصب أيضاً ، إذ في أمر المالك بالقلع ضرر على الغاصب ، وهو مرفوع في الشريعة المقدسة .

   ودعوى أنّ الغاصب بفعله مقدم على الضرر ، لعلمه بغصبه وعدم جوازه له وحديث نفي الضرر لا يشمل موارد الإقدام عليه .

   مدفوعة بأنّ الإقدام على الضرر إنما يكون فيما إذا كان فعل المكلف ضرراً بنفسه وقد أقدم عليه مع الالتفات إليه ، كما لو باع ماله الذي يسوى بمائة بعشرة مع التفاته إلى ذلك . فإنه لا يمكن الحكم حينئذ ببطلان هذه المعاملة ، أو ثبوت الخيار له ، تمسكاً

ــ[254]ــ

بدليل نفي الضرر ، فإنّ الضرر إنما أتى من قبل نفسه بإقدامه عليه . بل شمول دليل نفي الضرر لمثله يكون على خلاف الامتنان ، فإنّ نقض الشارع لما يختاره المكلف لنفسه لا يعد امتناناً عليه ، بل هو على خلاف الامتنان ، كما لا يخفى .

   وأما إذا لم يكن الفعل بنفسه ضررياً ، إلاّ أنه كان مقدّمة لحكم شرعي ضرري كان مشمولاً لدليل نفي الضرر جزماً وبلا إشكال فيه ، حيث إنّ الضرر إنما جاء من قبل حكم الشارع لا من قبل فعل المكلف نفسه .

   ولذا لا يمكن أن يقال بوجوب الغسل أو الوضوء على من يكون استعمال الماء له ضررياً ، إذا أجنب نفسه عمداً أو نقض وضوءه كذلك ، بدعوى أنه هو الذي أقدم عليه . فإنه لم يقدم على الغسل أو الوضوء ، وإنما أقدم على مقدمة حكم الشارع بوجوبهما ، والإقدام عليها لا يعتبر إقداماً على الضرر نفسه ، بل يبقى الضرر ناشئاً من حكم الشارع خاصة ، وإنْ تحقق موضوعه بفعل المكلف اختياراً .

   والحاصل أنّ مقتضى التمسك بدليل لا ضرر، هو القول بشموله لمورد الغصب أيضاً . فإن الغاصب لم يقدم على الضرر مباشرة ، وإنما أقدم على الزرع في أرض الغير وهو بحدّ نفسه بضرري ليس عليه ، وإنّما الضرر يحصل من حكم الشارع بالقلع ، فينبغي أن يقال بانتفائه ، والحال أنّ بطلان هذا الحكم يكاد أن يكون من الضروريات .

   إذن فالصحيح أن يقال بعدم شمول دليل لا ضرر للمقام ، نظراً لمنافاته للامتنان . وحينئذ فمقتضى دليل السلطنة ، جواز إلزام المالك له بالقلع من غير ضمان .

   وهل للمالك مباشرة إزالة الزرع بنفسه ، أم لا ؟

   قيل بالأوّل ، لأنه لما كان له إلزام العامل بالقلع ، كان له مباشرة ذلك بنفسه .

   وفيه : أنه لا ملازمة بين الأمرين ، فله أن يطالبه بالإزالة وليس له تصديه لذلك فإنه إتلاف لمال الغير بلا موجب .

   ولذا لو دخل حيوان الغير إلى داره ، كان للمالك إلزامه بإخراجه ولو بذبحه عند تعذّر إخراجه حيّاً . وليس له مباشرة ذلك بنفسه ، ولو فعل كان ضامناً له ، لأنه تصرف في مال الغير وإتلاف له من غير رضاه .

ــ[255]ــ

ذلك بتفريط الزارع أو من قبل الله (1) كتأخيره المياه أو تغيّر الهواء .

   وقيل بتخييره بين القلع مع الأرش ، والبقاء مع الاُجرة . وفيه : ما عرفت (2) خصوصاً إذا كان بتفريط الزارع ، مع أنه لا وجه لإلزامه العامل بالاُجرة بلا رضاه . نعم ، لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى البلوغ ـ بلا اُجرة أو معها ـ إن مضت المدّة قبله لا يبعد صحته (3) ووجوب الإبقاء عليه .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   نعم ، لو امتنع العامل من القلع ، كان له رفع أمره إلى الحاكم الشرعي لإجباره عليه ، وعند تعذره يتولاّه عدول المؤمنين ، وعند تعذرهم يصل الدور إلى نفسه ، على ما تقتضيه قواعد المرافعات ومطالبة الحقوق .

   (1) إذ لا أثر لذلك في قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» .

   (2) من كونه منافياً لسلطنة المالك على ماله .

   (3) خلافاً لجملة من الأصحاب ، حيث حكموا بفساد الشرط ، وآخرون بسرايته للعقد أيضاً .

   واسـتدلّ للأوّل ، بأن إبقاء الزرع بعد المدة إذا كان معلقاً على عدم بلوغه فيها حكم ببطلانه لمكان التعليق .

   في حين استدل للثاني ، بأنه لا بدّ في المزارعة من تعيين المدة ، فإذا ترددت بين الفترة المعينة وما بعدها إلى حين بلوغ الزرع ، حكم ببطلانها لجهالة المدّة .

   إلاّ أنّ في كليهما نظراً ، وما ذهب إليه الماتن (قدس سره) هو الصحيح . فإنّ مرجع هذا الشرط إنما هو إلى جعل مدّة المزارعة هي فترة بلوغ الحاصـل وإدراك الزرع تحقق في المدة المعيّنة فهو ، وإلاّ فإلى حين حصوله . ولا ريب في صحة العقد مع تعيين المدة بالبلوغ وإدراك الحاصل ، إذ لا يعتبر في عقد المزارعة تعيين المدة الزمانية . ولا تضرّ مثل هذه الجهالة ، فإنها إنما تبطل بلحاظ الغرر ، وهو منتف في المقام .

   ومن هنا يظهر الحال في دعوى البطلان من جهة التعليق ، فإنه لا تعليق حقيقة وفي الواقع ، مضافاً إلى أنه لا دليل على البطلان عند التعليق في التوابع والشروط .

ــ[256]ــ

   [ 3499 ] مسألة 7 : لو ترك الزارع الزرع بعد العقد وتسليم الأرض إليه حتى انقضت المدّة ، ففي ضمانه اُجرة المثل للأرض، كما أنه يستقر عليه المسمى في الإجارة. أو عدم ضمانه أصلاً، غاية الأمر كونه آثماً بترك تحصيل الحاصل. أو التفصيل بين ما إذا تركه اختياراً فيضمن، أو معذوراً فلا. أو ضمانه ما يعادل الحصّة المسمّاة، من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة. أو ضمانه بمقدار تلك الحصّة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث، ومن قيمة عمل الزارع. أو الفرق بين ما إذا اطلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن ، وبين صورة عدم اطلاعه إلى ان فات وقت الزرع فيضمن، وجوه، وبعضها أقوال((1)) (1) .

   فظاهر بل صريح جماعة الأوّل، بل قال بعضهم يضمن النقص((2)) الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص. واستظهر بعضهم الثاني. وربما يستقرب الثالث. ويمكن القول بالرابع. والأوجه الخامس. وأضعفها السادس .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وقد ذكر بعضهم وجهاً سابعاً ، هو ضمان العامل للمالك قيمة العمل ، لأنه قد ملكه عليه بعقد المزارعة ، فإذا أتلفه بتركه ضمنه بقيمته .

   والتحقيق أن يقال : إنّ الأصل في المقام يقتضي القول الثاني ، أعني عدم الضمان مطلقاً . فإنّ إثبات الضمان يحتاج إلى الدليل ، وإلاّ فمقتضى الأصل العدم .

   ومن هنا فلا بدّ من ملاحظة الوجوه المذكورة ، وما يمكن أن يقال في توجيهها .

   فنقول : أما ضمان العامل لقيمة العمل كلاً كما هو الوجه الأخير ، أو بعضاً على ما هو مختار المصنف (قدس سره) ، فلا وجه له بالمرّة . فإنّ عقد المزارعة على ما يستفاد من نصوصها ليس إلاّ معاملة بين طرفين ، على أن يبذل أحدهما الأرض والآخر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر هو التفصيل بين ما إذا كانت الأرض بيد الزارع وما إذا كانت بيد المالك ، وعلى الثاني فقد يطلع المالك على ترك العامل للزرع وقد لا يطلع إلى فوات وقته ، ففي الصورة الاُولى والثالثة يثبت الضمان على العامل لاُجرة المثل ، ولا ضمان في الثانية .

(2) ولعلّه هو الصحيح على التفصيل المزبور آنفاً .

ــ[257]ــ

العمل واشتراكهما في الحاصل ، ومن دون أن يكون كل منهما مالكاً على الآخر شيئاً . فليس صاحب الأرض مالكاً للعمل على المزارع ، كما لا يملك هو منفعة الأرض على صاحبها ، بل كل منهما يبذل الذي عليه من الأرض أو العمل مجاناً وبإزاء لا شيء ، إلاّ الشركة في النتيجة والحاصل .

   وما ذكرناه فيما لو كان البذر من العـامل أوضح مما لو كان من صاحب الأرض فإنه حينئذ إنما يعمل في بذره ويكون عمله له ، غاية الأمر أنه يجعل نصيباً من الحاصل للمالك بإزاء تصرّفه في أرضه . ومعه فما معنى أن يقال بأنّ المالك يملك على المزارع العمل ، فإنه لم يعمل إلاّ لنفسه .

   لكن هذا لا يعني خفاء الحكم فيما لو كان البذر من صاحب الأرض ، فإنّ الحال فيه هو الحال في فرض كون البذر من المزارع ، لأنه إنما يعمل لكي يكون النصيب المعيّن والحصّة المفروضة من الحاصل له ، لا أن تكون له منفعة الأرض ، كي يقال بأنّ المالك يملك عليه بإزاء ذلك العمل .

   وأما الضمان من جهة الأرض فلا بدّ فيه من التفصيل ، بين ما لو سلّمها المالك إليه بحيث كانت تحت يد المالك ، وبين ما لو خلى السبيل بينها وبين العامل .

   ففي الأوّل ، لا بدّ من الحكم بالضمان ، للقاعدة . فإنّ تصرف العامل في الأرض بالاستيلاء عليها تصرّف عدواني ، لفقده إذن المالك ورضاه ، لأنه إنما أذن له في الاستيلاء عليها مقيداً بالعمل فيها ، فإذا لم يعمل ـ كما هو المفروض ـ كان استيلاؤه فاقداً لرضاه ، فيحكم بالضمان لا محالة ، حاله في ذلك حال سائر موارد الغصب . من غير فرق في الحكم بين علم المالك بالحال وجهله به ، وبين كون ترك العمل لعذر وعدمه ، فإنّ الضمان بقاعدة اليد غير مشروط بجهل المالك أو عدم العذر للمستولي .

   بخلاف الثاني ، حيث يختص ضمانه بفرض جهل المالك بالحال . فإنه لا مجال لإثبات الضمان في هذا الفرض بقاعدة اليد إذ المفروض بقاؤها تحت يد المالك ، وإنما لا بدّ في إثباته من التمسّك بقاعدة الإتلاف ، ومقتضاها اختصاص الضمان بفرض جهل المالك بالحال حتى فوات أوان الزراعة ، فإنه حينئذ يستند تلف المنفعة إلى ترك

ــ[258]ــ

   ثمّ هذا كلّه إذا لم يكن الترك بسبب عذر عام ، وإلاّ فيكشف عن بطلان المعاملة (1) .

   ولو انعكس المطلب، بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد، فللعامل الفسخ(2). ومع عدمه، ففي ضمان المالك ما يعادل حصّته من منفعة الأرض، أو ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين، أو التفصيل بين صورة العذر وعدمه أو عدم الضمان حتى لو قلنا به في الفرض الأوّل، بدعوى الفرق بينهما ، وجوه((1)) (3).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الزارع للزراعة فيها ، إذ لو كان عالماً بالحال لاستند الفوات إلى تركه ـ المالك ـ الانتفاع بأرضه ، بعد علمه بترك العامل للعمل في أرضه .

   إذن فالصحيح في المقام هو التفصيل على النحو الذي ذكرناه ، من الفرق بين ما لو كانت الأرض تحت يد العامل فيضمن منفعتها مطلقاً ، وبين ما لو كانت تحت يد المالك فالتفصيل بين علمه بالحال وجهله به ، فيضمن في الأوّل دون الثاني .

   ثمّ إنّ مما ذكرنا يظهر الحال في الآثار المترتبة على ترك الزرع ، كما لو فرضنا تضرّر الأرض بذلك ، فإنّ العامل يضمنه مضافاً إلى ضمان المنفعة ، على التفصيل المتقدِّم حرفاً بحرف .

   (1) لما تقدّم من اعتبار إمكان الزراعة ، إذ مع عدمه لا معنى لإيقاع عقد تكون نتيجته الاشتراك في الحاصل .

   وعليه فلا ضمان في المقام ، فإنّ العين أمانة في يده ، وفوات المنافع غير مستند إليه .

   (2) بموجب خيار عدم التسليم ، ومعه فيفرض العقد كأن لم يكن .

   (3) أقواها الأخير .

   ويظهر وجهه مما تقدّم . فإنّ ضمان العامل لمنفعة الاُجرة إنما كان بملاك قاعدة اليد عند استيلائه على الأرض ، أو قاعدة الإتلاف عند جهل المالك بالحال مع عدم استيلاء العامل عليها . وحيث أنه لا شيء منهما متحقّق في المقام ، إذ المالك لم يفوّت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أقربها الأخير .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net