إذا غصب الأرض غاصب - إذا عين المالك نوعاً من الزرع 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3856


ــ[259]ــ

   [ 3500 ] مسألة 8 : إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم يمكن الاسترداد منه ، فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخيّر بين الفسخ وعدمه (1) ، وإن كان بعده لم يكن له الفسخ (2).

   وهل يضمن الغاصب تمام منفعة الأرض في تلك المدة للمالك فقط. أو يضمن له بمقدار حصّته ـ من النصف أو الثلث ـ من منفعة الأرض، ويضمن له أيضاً قيمة حصّته من عمل العامل حيث فوّته عليه، ويضمن للعامل أيضاً مقدار حصّته من منفعة الأرض؟ وجهان((1))(3). ويحتمل ضمانه لكلّ منهما، ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على العامل شيئاً ، لأنه لم يكن يملك حصّة من منفعة الأرض على ما عرفت بيانه مما تقدّم ، باعتبار أنّ عقد المزارعة مبنيّ على بذل كل من الطرفين ما يجب عليه مجاناً بإزاء اشتراكهما في النتيجة خاصة ، فلا وجه للحكم بضمانه لحصته من منفعة الأرض .

   وأوضح من ذلك في الفساد القول بضمانه للحصة من الحاصل تخميناً ، فإنها ليست مملوكة للعامل بالفعل كي يضمنها المالك له .

   نعم ، إنه كان سيملكها على تقدير ظهورها ، وقد منع المالك من تحققها برفع موضوعها ، إلاّ أنه غير موجب للضمان جزماً .

   وممّا تقدّم يظهر الحال في التفصيل بين العذر وغيره ، فإنه لا موجب له بالمرّة ، بعد عدم شمول دليل الضمان للمقام .

   نعم ، المالك آثم بتركه التسليم ، لامتناعه عما هو واجب عليه .

   (1) لما تقدّم من ثبوت الخيار عند عدم التسليم .

   (2) لتمامية العقد به .

   (3) ظهر مما تقدّم في المسألة السابقة ، أن الأقوى في المقام هو القول الأوّل . فإنّ العامل لا يملك شيئاً من منفعة الأرض كي يضمن له نتيجة لفواته بالغصب بموجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أقربهما الأوّل .

ــ[260]ــ

   [ 3501 ] مسألة 9 : إذا عيّن المالك نوعاً من الزرع ، من حنطة أو شعير أو غيرهما ، تعيّن ولم يجز للزارع التعدي عنه (1) .

   ولو تعدّى إلى غيره((1)) ، ذهب بعضهم إلى أنه إن كان ما زرع أضرّ مما عيّنه المالك ، كان المالك مخيَّراً بين الفسخ وأخذ اُجرة المثل للأرض، والإمضاء وأخذ الحصّة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضرّ . وإن كان أقلّ ضرراً لزم وأخذ الحصّة منه. وقال بعضهم يتعيّن أخذ اُجرة المثل للأرض مطلقاً، لأنّ ما زرع غير ما وقع عليه العقد، فلا يجوز أخذ الحصّة منه مطلقاً .

   والأقوى (2) أنه إن علم أنّ المقصود مطلق الزرع وأنّ الغرض من التعيين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قاعدة الإتلاف ، كما أنّ المالك لا يملك شيئاً من عمل العامل كي يضمن له بالإتلاف أيضاً ، فإنّ كلاً منهما متبرع بالذي عليه للاشتراك في النتيجة .

   ومن هنا يظهر الحال في الوجه الأخير أيضاً . فإنه لا معنى لضمان الغاصب ما لم يكن لمملوك بالفعل ، فإنّ الضمان إنما يختص بما يعد مالاً بالفعل ، وأما ما سيكون كذلك في المستقبل فلا يثبت الضمان برفع موضوعه والمنع من تحققه ، كما هو واضح .

   إذن فالصحيح هو ضمان الغاصب للمالك خاصة منفعة أرضه الفائتة بالغصب لعموم قاعدة الضمان للمنافع كالأعيان .

   (1) لوجوب الوفاء بالعقد عليه ، وانتفاء الإذن في التصرّف في غيره .

   (2) بل الأقوى هو ان يقال : إنه قد يفرض انكشاف الحال للمالك بعد تمامية الزرع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصحيح أن يقال : إنّه إذا علم به بعد بلوغ الحاصل فليس له إلاّ المطالبة باُجرة مثل المنفعة الفائتة من الأرض ، وأمّا الحاصل فهو للعامل إن كان البذر له ، وإن كان للمالك فله المطالبة ببدله أيضاً ، وعلى تقدير البذل كان الحاصل للعامل أيضاً وليست له مطالبة المالك باُجرة العمل مطلقاً ، وإذا علم به قبل بلوغ الحاصل فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة وإلزام العامل بقلع الزرع أو إبقائه بالاُجرة أو مجّاناً إذا كان البذر له ، وأمّا إذا كان للمالك فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة وبدل البذر أيضاً ، فإن دفع بدله كان حكمه حكم ما إذا كان البذر له من أوّل الأمر ، هذا كلّه إذا كان التعيين بعنوان التقييد ، وأمّا إذا كان بعنوان الاشتراط فإن تنازل المالك عن شرطه فهو ، وإلاّ فسخ العقد وجرى عليه حكم التقييد .

 
 

ــ[261]ــ

الذي تعدّى الزارع به وبلوغ الحاصل ، وقد يفرض انكشافه في أثناء العمل وقبل بلوغ النتاج .

   ثمّ وعلى كلا التقديرين ، إما أن يكون ما عينه المالك على نحو التقييد ، وإما أن يكون على نحو الشرطية ، فإنه أمر ممكن وإن كان على خلاف المرتكزات العرفية حيث إنها قائمة على كون التعيين على نحو التقييد وإن كان ظاهره هو الاشتراط .

   فإن كان على نحو التقييد ، فحيث إنّ ما وقع عليه العقد لم يتحقق في الخارج وما تحقق لم يتعلق به العقد ، كان الزارع بتصرفه هذا معتدياً ومتصرفاً في مال الغير بغير إذنه ، وبذلك يضمن ما يستوفيه من منفعة الأرض . وليس هناك ضمان آخر لهذه المنفعة غير هذا الضمان ، فإنّ المنفعة الواحدة لا يكون لها إلاّ ضمان واحد ، وسيأتي مزيد توضيح له إن شاء الله .

   هذا كلّه فيما يتعلق بضمان الأرض واستيفاء الزارع لمنفعتها .

   وأمّا البذر فإن كان للمالك ، فله أن يُسقط ضمان العامل الثابت عليه بوضعه ليده عليه بغير إذنه ، وبذلك فيكون له جميع الحاصل ، على ما تقتضيه قاعدة تبعية النتاج للبذر . كما أنّ له مطالبة العامل بالبذر ، لأنه قد أتلفه عليه بالزرع ، فإذا بذله له وخرج عن عهدته ملك الحاصل قهراً تبعاً للبذر ، على ما يقتضيه بناء العقلاء ويساعد عليه الارتكاز العرفي ، فإنهم يعاملون مع المؤدي لبدل التالف معاملة المالك له بقاءً ، على ما ذكرناه مفصلاً في مسألة ضمان الأيادي المتعدِّدة من مباحث المكاسب .

   هذا كلّه فيما إذا انكشف الحال للمالك بعد تمامية الزرع وبلوغ الحاصل . وأما إذا كان ذلك في أثناء المدّة ، فالأمر كما تقدّم بالقياس إلى المدة الفائتة ، فإن العامل يضمن له اُجرة مثل أرضه في تلك الفترة .

   وأمّا البذر فإن كان للعامل ، فللمالك إلزامه بتخلية أرضه وإخراج بذره كيفما كان وليس للعامل إلزامه ببقائه في أرضه في مقابل الاُجرة فضلاً عن المجانية .

   وإن كان للمالك فالكلام فيه هو الكلام فيما لو انكشف الحال له بعد تمامية الزرع وبلوغ الحاصل حرفاً بحرف . فإنّ له أن يسقط ضمان العامل ويرضى ببقائه في ملكه

ــ[262]ــ

ملاحظة مصلحة الأرض وترك ما يوجب ضرراً فيها ، يمكن أن يقال أنّ الأمر كما ذكر من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ ، وتعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضرراً . لكن التحقيق مع ذلك خلافه .

   وإن كان التعيين لغرض متعلق بالنوع الخاص لا لأجل قلة الضرر وكثرته فإما أن يكون التعيين على وجه التقييد والعنوانية ، أو يكون على وجه تعدّد المطلوب والشرطية (1) .

   فعلى الأوّل ، إذا خالف ما عيّن فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلاً حتى انقضت المدّة ، فيجري فيه الوجوه الستة المتقدِّمة في تلك المسألة(2) . وأمّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيكون الحاصل له . وله أن يطالب العامل بضمانه ، وبعده فله الخيار أيضاً ، بين رضاه ببقائه في قبال الاُجرة ، أو أمره بالقلع من غير أرش .

   ثمّ إنّ هذا كله فيما إذا كان التعيين على نحو التقييد . وأما لو كان على نحو الاشتراط خلافاً للمرتكزات العرفية بالتصريح أو القرينة ، فالمالك بالخيار بين إسقاط شرطه ورضاه بالمزروع بالفعل ، فيكون الحاصل على ما قرراه في العقد . وبين فسخ العقد من جهة تخلف الشرط ، وحينئذ فيكون حاله حال التقييد ، حيث يفرض العقد كأن لم يكن ، وبذلك فيضمن العامل اُجرة مثل الأرض ، لتصرفه فيها بغير إذن مالكها .

   وحكم البذر ما تقدّم من التفصيل بين كونه للمالك أو العامل تماماً ، فراجع .

   (1) تقدّم منّا غير مرّة ، أنّ ذلك وإن كان ممكناً في حدّ ذاته ، إلاّ أنه على خلاف المرتكزات العرفية جداً . فإنّ الاشتراط في الكلي بملاحظتها تقييد لها لا محالة ، وإن كان ظاهر التعبير هو الشرطية ، فإنّ معناه كون مورد العقد خصوص الحصّة المعيّنة من الزرع دون الطبيعي أينما سرى .

   نعم ، ما يؤخذ في الأعيان الخارجية كالكتابة في العبد ، يكون شرطاً لا محالة وإنْ ذكر بنحو القيدية ، إذ لا مجال لتصور الإطلاق فيها كي يتصور التقييد .

   (2) وقد عرفت أن أقواها هو ضمان العامل لمنفعة الأرض ، فيما إذا كان قد استلمها من المالك بحيث أصبحت تحت سلطانه ، أو كان المالك جاهلاً بالحال .

ــ[263]ــ

بالنسبة إلى الزرع الموجود ، فإن كان البذر من المالك فهو له ، ويستحق العامل اُجرة عمله (1) على إشكال في صورة علمه بالتعيين وتعمده الخلاف ، لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله . وإن كان البذر للعامل كان الزرع له ، ويستحقّ المالك عليه اُجرة الأرض مضافاً (2) إلى ما استحقه من بعض الوجوه المتقدِّمة . ولا  يضرّ استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه مرتين على ما بيّناه في محلّه ، لأنه من جهتين ، وقد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة أيضاً .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) والذي أظنه ـ والله العالم ـ أنه (قدس سره) قد غفل عما أفاده في غير مورد من عدم استحقاق العامل للاُجرة عند علمه بفساد العقد .

   فإنّ ما أفاده (قدس سره) في تلك الموارد وإن لم يكن تامّاً في نفسه ، لما عرفته من عدم مدخلية العلم بالفساد في ارتفاع الضمان لعدم ملازمته للتبرع وقصد المجانية ، إلاّ أنه وعلى تقدير تماميته إنما يختص بما إذا كان صادراً عن أمر الغير ، كالإجارة الفاسدة ونحوها . وأما إذا لم يكن العمل واقعاً عن أمر الغير ، فلا وجه لأن يقال بأنّ للعامل اُجرة مثل عمله على الغير فيما إذا كان جاهلاً بالحال ، فإنه لم يكن قد صدر عن أمره كي يكون ضامناً له .

   فالصحيح هو الحكم بعدم الضمان مطلقاً ، سواء أكان العامل عالماً أم جاهلاً .

   (2) وفيه : أنّ الضمان من جهة الترك لم يكن ضماناً من جهة الحاصل أو عمل العامل في الأرض، وإنما كان ضماناً من جهة تفويته لمنفعة الأرض ، تمسّكاً بقاعدة اليد أو الإتلاف .

   وحيث أنّ في المقام لا شيء وراء الاستيفاء ، حيث لم يفت من المالك إلاّ منفعة أرضه ، سواء استوفاها العامل بزرع بذره أم لا ، فلا وجه للضمان الثاني . فإن من يغصب الدار أو غيرها لا يضمن منفعتها إلاّ بضمان واحد سواء أسكنها أم لا ، وليس عليه مضافاً إلى ذلك على تقدير سكناه فيها اُجرة المثل لتلك المدة .

   ومن هنا يظهر أنّ قياسه (قدس سره) للمقام على الإجارة ، فيما إذا استأجر العين لاستيفاء منفعة معينة كالدابة للركوب عليها إلى كربلاء مثلاً فترك ذلك وركبها إلى

ــ[264]ــ

   وعلى الثاني ، يكون المالك مخيراً (1) بين أن يفسخ المعاملة لتخلّف شرطه فيأخذ اُجرة المثل للأرض (2) وحال الزرع الموجود حينئذ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر ، وبين أن لا يفسخ ويأخذ حصّته من الزرع الموجود بإسقاطه حق شرطه وبين أن لا يفسخ ولكن لا يسقط حق شرطه أيضاً (3) بل يغرم العامل على بعض الوجوه الستة المتقدِّمة . ويكون حال الزرع الموجود كما مرّ من كونه لمالك البذر .
ــــــــــــــــــــــــ

الكوفة ، حيث يضمن المنفعتين معاً ، قياس مع الفارق .

   فإنّ المنفعتين في باب الإجارة لما كانتا متضادتين وجب ضمانهما معاً ، فإنه يضمن الاُجرة المسماة بإزاء ملكيته لمنفعة ركوب الدابة إلى كربلاء والتي فوّتها على نفسه بتركه لها اختياراً ، كما يضمن منفعة ركوبها إلى الكوفة لاستيفاء منفعة لم يكن يملكها .

   وأين هذا من المقام ، حيث تنحصر الفائدة بالتي فوّتها العامل على المالك تارة بالاستيفاء واُخرى مع عدمه ؟

   (1) لتعليقه التزامه بالعقد على التزام الآخر بالزرع المعين ، فمع عدمه ثبت له الخيار .

   وقد تقدّم الكلام غير مرّة في حقيقة الشرط وبيانها .

   (2) حيث يفرض العقد حينئذ كالعدم ، ومن هنا فيترتب عليه ما ذكر في فرض التقييد .

   (3) هذا الاحتمال لا وجه له بالمرة ، بعدما عرفت مراراً من أنّ الاشتراط لا يؤثر إلاّ في ثبوت الخيار عند تخلفه ، فهو إما أن يفسخ ، وإما أن يبقي العقد على حاله .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net