الثالث : عدم فعلية النهي الدالّ على المنع فيما لا يؤكل حال الجهل 

الكتاب : مجمع الرسـائل - رسـالة في اللباس المشكوك   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 7146

 

الثالث : دعوى أنّ المانعية في المقام حيث إنّها منتزعة عن النهي عن الصلاة في غير المأكول فتكون فعليتها تابعة لفعليّته ، وحيث إنّ النهي لا يكون فعلياً مع الجهل فلا تكون المانعية أيضاً فعلية ، فتصحّ الصلاة في فرض الجهل بكون اللباس أو ما يستصحبه المصلّي من غير المأكول واقعاً .

نعم لو كان دليل المانعية بلسان أنّه لا صلاة في غير المأكول ونحوه ممّا لا يكون من قبيل التكليف ، لكان مقتضاه المانعية المطلقة المقتضية للفساد ولو في ظرف الجهل أو النسيان ، ما لم يدلّ دليل ثانوي على الصحّة والإجزاء . لكن الأمر في المقام ليس كذلك .

ويرد عليه أوّلا : أنّ غالب أدلّة عدم الجواز وإن كانت بلسان النهي إلاّ أنّ موثّقة ابن بكير(2) صريحة في المانعية وفي فساد الصلاة في غير المأكول ، فيتمسّك باطلاقها للحكم بالبطلان في حال الجهل ، فلابدّ من التماس دليل آخر [للصحّة] في ظرف الجهل .

وثانياً : أنّ النواهي الواردة في أجزاء المركّب وقيودها كالأوامر المتعلّقة بها ليس لها ظهور في إنشاء البعث والزجر ، كيف وتعلّقها في العبادات والمعاملات بسنخ واحد ، مع عدم شائبة الطلب في المعاملات أصلا ، بل الظاهر منها الإرشاد إلى المانعية ، كما أنّ الظاهر من الأوامر فيها الجزئية أو الشرطية .

وكونها منتزعة عن الحكم التكليفي معناه أنّها تنتزع عن الأوامر المتعلّقة بالمركّبات المقيّدة بالقيود الوجودية أو العدمية ، لا أنّها تنتزع عن الأمر المتعلّق
ــــــــــــــــــــــــــــ

(2) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلّي ب2 ح1 ، وقد تقدّمت في ص19 .

ــ[37]ــ

بالجزء أو الشرط أو النهي المتعلّق بالمانع . وعليه لا موجب لاعتبار العلم في فعلية هذا النهي الذي هو إرشادي محض ، ضرورة أنّ الاشتراط بالعلم من لوازم الطلب ، لا من لوازم كل إنشاء ولو لم يكن بداعي البعث والزجر ، وهذا ظاهر بأدنى تأمّل .

وثالثاً : أنّه لا وجه لاعتبار العلم بالموضوع في فعلية الطلب مع عدم أخذه فيه في لسان الدليل ولا في دليل آخر منفصل ، ضرورة أنّ فعلية الحكم إنّما تكون بفعلية موضوعه التامّ ، وإلاّ لزم تخلّف الموضوع عن حكمه ، وهو في حكم تخلّف العلّة التامّة عن معلولها .

نعم لا يكون الحكم الفعلي منجّزاً في ظرف الجهل ، ولا يصحّ العقاب على مخالفته ، وأين ذلك من الفعلية وتحقّق البعث أو الزجر في الواقع، خصوصاً في القضايا الحقيقية التي لا نظر فيها إلى شخص موضوع ، وإنّما اُنشئ فيها الحكم على موضوعها المقدّر وجوده أينما تحقّق .

ومن هنا علم أنّ الأمر كذلك حتّى فيما كانت المانعية مترتّبة على التكليف النفسي التحريمي ، كما إذا بنينا على استحالة اجتماع الأمر والنهي من جهة اتّحاد متعلّقهما في الخارج وجوداً وتقديم جانب النهي ، فإنّ حرمة المجمع واقعاً تكون مانعاً عن شمول إطلاق الأمر له ولو لم يعلم المكلّف بالتحريم ، لأنّ استحالة اجتماع الضدّين غير متوقّفة على علم المكلّف .

ولذا ذكرنا في محلّه(1) أنّ لازم هذا القول هو الحكم بفساد الصلاة في الدار المغصوبة ولو مع الجهل بغصبيّتها ، إلاّ أن يدلّ دليل خارجي على الصحّة والإجزاء وأنّ فتوى المشهور بالصحّة في الفرض المزبور لابدّ وأن تكون مبنيّة على القول
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة الوثقى 13 : 17 ـ 18 .

ــ[38]ــ

بالجواز ، المبني على تعدّد الوجودين وكون التركيب بينهما انضمامياً لا اتّحادياً فإنّه على هذا القول يدخل المجمع في كبرى باب التزاحم لا التعارض ، ولازمه الالتزام بالصحّة في فرض المعذورية وعدم تنجّز الحرمة الواقعية المستلزمة لعدم اتّصاف الفعل بالقبح الفاعلي .

وما وجّه به المحقّق صاحب الكفاية (قدّس سرّه) فتوى المشهور من عدم فعلية النهي في ظرف الجهل فلا مانع من شمول إطلاق دليل الأمر له(1)، قد عرفت ما فيه ، وتمام الكلام في محلّه .

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 156 / الأمر العاشر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net