الثالث - الرابع 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3659


ــ[499]ــ

   الثالث : الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال (1) . وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرع المحال عليه بالوفاء ، بأن قال للمحتال : (أحلت بالدَّين الذي لك على فلان على نفسي) وحينئذ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل ، لا وجه له ، إذ المفروض لا يكون من الحوالة بل هو من الضمان (2) .

   وكذا من المحال عليه إذا كان بريئاً ، أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه (3) . وأمّا إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف((1)) (4) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومن هنا فلا بدّ في الحكم باعتباره من تتبع موارد ثبوته ، ففي كلّ مورد تمّ الإجماع على اعتباره فهو ، وإلاّ فلا موجب للالتزام باعتباره حتى ولو كان ذلك مشهوراً ، إذ  لا حجّية للشهرة . ولذا التزمنا بصحّة الوكالة المعلّقة ، مستشهدين على عدم تحقّق الإجماع على اعتبار التنجيز فيها بتصريح المحقق القمي (قدس سره) في جامع شتاته به(2) .

   وحيث إنّ الحوالة أيضاً كذلك إذا لم يتمّ الإجماع على اعتباره فيها ، كما يشهد له عدم تعرّض جملة ممن ذكروه شرطاً في باقي العقود له إلى اعتباره فيها ، فلا موجب لاعتباره . ويكفينا في ذلك الشكّ في تحقق الإجماع .

   (1) نظراً لكون الحوالة عقداً يقتضي انتقال الدَّين الثابت للمحتال في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فيتوقف على رضا طرفيه لا محالة .

   (2) فإنّ الحوالة ـ وكما عرفتها ـ عقد بين الدّائن والمدين ، في حين إنّ هذا عقد بين الدّائن والأجنبي، فيكون ضماناً وإن عبّر عنه بالحوالة .

   (3) إذ لا سلطنة للمحيل على إشغال ذمّة المحال عليه ، بأصل المال أو الجنس الخاص ، بعد أن كانت بريئة منه .

   (4) نسب إلى المشهور القول باعتباره ، بل عن الأردبيلي (قدس سره) دعوى عدم الخلاف فيه بل احتمل بعضهم كونه طرفاً للعقد ، كما تقدّم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأقوى عدم الاعتبار ، والتفصيل لا محصّل له ، والتوكيل خارج عن محلّ البحث .

(2) جامع الشتات  1 : 207  حجري .

ــ[500]ــ

ولا يبعد التفصيل(1) بين أن يحول عليه بما لَهُ عليه، بأن يقول: (أعطه من الحقّ الذي لي عليك) فلا يعتبر رضاه، فإنه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه(2) وإن كان

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   لكنّه ـ لو تمّ ما نُسب إلى المشهور ـ لا وجه له . فإنّ المال ملك للمحيل وله نقله إلى من شاء وبأيّ سبب يختاره ، من بيع أو صلح أو هبة أو حوالة أو غيرها ، ومن غير أن يكون لمن عليه الحقّ الاعتراض عليه ، فإنه أجنبي عن المال وعليه أداؤه إلى مالكه .

   نعم ، قد يعلل ذلك باختلاف الناس في الاقتضاء من حيث السهولة والصعوبة . وحيث إنه مما يؤثر مباشرة على المحال عليه ، فلا بدّ من اعتبار رضاه بنقل المال من ملك المحيل إلى ملك المحتال .

   إلاّ أنه واضح الاندفاع ، إذ لا يعتبر في صحّة النقل تساوي الطرفين في الاقتضـاء . ولذا لم يذهب إليه أحد في بيع الدَّين على الإطلاق ، فإنه يصحّ سواء أرضي المدين أم لم يرض به ، سواء أكان المشتري سهلاً في الاقتضاء أم صعباً .

   على أنه لو تمّ ما ذكر لكان لازمه تخصيص الحكم باعتبار رضا المحال عليه ، بما لو كان المحتال شديد المطالبة وصعباً في الاقتضاء ، كما هو واضح .

   (1) بل هو بعيد جداً ، بل لم يظهر له وجه محصّل .

   فإنه لو أحاله عليه مقيداً بكونها غير ما يطلبه ، كما لو صرح بكونها أجنبية عما له في ذمّته ، فلا إشكال في بقاء ذمّة المحال عليه مشغولة بما كان للمحيل عليه أوّلاً ، فإنه من الحوالة على البريء جزماً وخارج عن محل الكلام ، إذ المفروض الحوالة على المدين بوصف كونه مديناً ، وهذه حوالة على المدين مقيداً بعدم هذا الوصف .

   وأما لو أحاله عليه بمثل ما عليه من الحقّ ، لكن من غير تقييد بكونها من الحقّ الذي له عليه أو عدمه ، فلا ينبغي الإشكال أيضاً في انطباقه على الفرد الذي له عليه قهراً وانتقال ملكيّة المال إلى المحتال ، وبذلك فيكون حالها حال الحوالة المقيدة بكونها من الحقّ الذي عليه .

   (2) التعليل بكون المحال عليه بمنزلة الوكيل يعدّ غريباً منه (قدس سره) ولعله من

 
 

ــ[501]ــ

بنحو اشتغال ذمّته للمحتال وبراءة ذمّة المحيل بمجرد الحوالة ، بخلاف ما إذا وكله (1) فإنّ ذمّة المحيل مشغولة إلى حين الأداء . وبين أن يحوله عليه من غير نظر إلى الحقّ الذي له عليه على نحو الحوالة على البريء ، فيعتبر رضاه ، لأنّ شغل ذمّته بغير رضاه على خلاف القاعدة (2) .

   وقد يعلّل باختلاف الناس في الاقتضاء فلا بدّ من رضاه. ولايخفى ضعفه كيف وإلاّ لزم عدم جواز بيع دينه على غيره مع أنه لا إشكال فيه (3) .

   الرابع: أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل، سواء كان مستقراً أو متزلزلاً (4) . فلا تصحّ في غير الثابت ، سواء وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سهو قلمه الشريف، إذ المحال عليه بعد تمامية الحوالة إنما يفي الدَّين عن نفسه، لاشتغال ذمّته به للمحتال بعد براءة ذمّة المحيل بالحوالة . وهو لا ينسجم مع كونه وكيلاً فيـه فإنّ الوكيل إنما يؤدّي عن غيره ، في حين إنّ المحال عليه إنما يفي عن نفسه ، كما هو واضح .

   على أنه لو كان وكيلاً للزم اعتبار رضاه مطلقاً حتى بناءً على مختاره (قدس سره) من كون الوكالة من الإيقاعات ، وهذا يتنافى مع تصريحه (قدس سره) بعدم اعتبار رضاه في هذه الصورة .

   (1) إذا كان المراد من هذه الصورة ـ الاُولى ـ التوكيل في الأداء ، فلا ينبغي الإشكال في عدم فراغ ذمّة المحال عليه من الدَّين ، إلاّ أنه خارج عن محل الكلام ، فإنّ الحوالة باب والوكالة باب آخر ، ولا يجوز الخلط بينهما .

   (2) لكنّك قد عرفت الإشكال فيه ، وأنّ الانطباق حينئذ قهري .

   (3) مضافاً إلى ما ذكرناه من لزوم تخصيص الاعتبار بفرض صعوبة المحتال في الاقتضاء .

   (4) لتوقف صدق الحوالة ونقل الدَّين من ذمّة إلى اُخرى عليه ، إذ المعدوم لا يقبل الانتقال إلى وعاء آخر .

ــ[502]ــ

ومال السبق والرماية قبل حصول السبق ، أو لم يوجد سببه أيضاً كالحوالة بما يستقرضه .

   هذا هو المشهور ، ولكن لا يبعد ((1)) كفاية حصول السبب كما ذكرنا في الضمان (1) .

   ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وقد تقدّم الإشكال عليه هناك مفصلاً ، حيث قد عرفت أنّ بطلان ضمان ما لم يجب من القضايا التي قياساتها معها . إذ الضمان الفعلي ، بمعنى اشتغال ذمّة الضامن قبل اشتغال ذمّة المضمون عنه ، أمر غير معقول ، فإن المعدوم لا يعقل انتقاله إلى ذمّة الغير وانقلابه موجوداً ، فما لا ثبوت له في ذمّة المضمون عنه لا يمكن نقله إلى ذمّة الضامن ليثبت فيها بالفعل .

   والضمان على نحو الواجب المشروط ، بمعنى إنشاء انتقال المال من ذمّته إلى ذمّة الضامن في ظرفه وبعد ثبوته ، وإن كان أمراً معقولاً في حدّ ذاته إلاّ أنه باطل ، لعدم تعارفه بين العقلاء . مضافاً إلى عدم شمول أدلّة الصحّة له ، نظراً لظهورها في ترتب الأثر على العقد بالفعل ومن حين الإنشاء ، فلا تشمل العقود المقتضية لترتب الأثر عليها بعد مرور فترة من وقوعها ، إلاّ ما خرج بالدليل كالوصية .

   وهذا الذي تقدّم في الضمان يجري بعينه وحرفياً في الحوالة أيضاً . فإنّ الحوالة الفعلية ، بمعنى انتقال الدَّين بالفعل من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، أمر غير معقول لاستحالة انتقال المعدوم . والحوالة على نحو الواجب المشروط وإن كان أمراً معقـولاً إلاّ أنها محكومة بالبطلان ، لعدم شمول أدلّة الصحّة لها .

   إذن فما ذكره (قدس سره) من كفاية حصول السبب للدَّين في صحّة الحوالة قبل ثبوته في الذمّة ، بعيد غايته ولا يمكن المساعدة عليه بوجه .

   والصحيح ما ذهب إليه المشهور من اعتبار ثبوته بالفعل في صحّتها ، من غير فرق بين كونه مستقرّاً أو متزلزلاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع ، وكذا فيما بعده .

ــ[503]ــ

بل لا يبعد الصحّة (1) فيما إذا قال : (أقرضني كذا وخذ عوضه من زيد) فرضي ورضي زيد أيضاً ، لصدق الحوالة ، وشمول العمومات ، فتفرغ ذمّة المحيل وتشتغل ذمّة المحال بعد العمل وبعد الإقراض .
ــــــــــــــــــــــــ

   (1) بل هي بعيدة غاية البعد ، لما عرفته في سابقه . فإنه من أظهر مصاديق ضمان ما لم يجب ، المحكوم بعدم المعقولية على تقدير ، والبطلان على تقدير آخر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net