حرمة نظر المرأة إلى الأعمى - جواز سماع صوت الأجنبية وعدمه 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5276


ــ[79]ــ

   [ 3670 ] مسألة 38 : الأعمى كالبصير في حرمة((1)) نظر المرأة إليه (1) .

   [ 3671 ] مسألة 39 : لا بأس بسماع صوت الأجنبية (2) ما لم يكن تلذّذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وهو إنما يتمّ بناء على ما اختاره جماعة من حرمة نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي ، إذ على ذلك لا خصوصية للبصير نظراً إلى أن العبرة بنظر المرأة نفسها لا بنظر الرجل ، كما هو واضح .

   وأما بناء على ما اخترناه من جواز نظرها إلى مثل الرأس والوجه والرقبة واليدين والساقين من الرجل ، لقيام السيرة القطعية على ذلك ، فلا يختلف الحال بين كون الرجل أعمى أو بصيراً أيضاً .

   وأما مرفوعة أحمد بن أبي عبدالله، قال: استأذن ابن اُم مكتوم على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعنده عائشة وحفصة ، فقال لهما : «قوما فادخلا البيت» . فقالتا : إنّه أعمى . فقال : «إنْ لم يركما فإنّكما تريانه» (2) .

   ومرسلة اُمّ سلمة ، قالت : كنت عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعنده ميمونة ، فأقبل ابن اُم مكتوم وذلك بعد الأمر بالحجاب ، فقال : «احتجبا» . فقلنا : يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ؟ قال : «أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه» (3) .

   فلا تصلحان للاستدلال بهما ، لضعف سندهما بالرفع في الاُولى والإرسال في الثانية . على أنه لو فرض صحتهما من حيث السند ، فمن المحتمل قريباً كون الحكم أخلاقياً مختصاً بنساء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فلا تدلاّن على ثبوت الحكم لمطلق النساء .

   (2) نسب القول بالحرمة إلى المشهور ، واستدل له :

   أوّلاً : بأنّ صوت المرأة كبدنها عورة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم الكلام فيه [ في المسألة 3663 ] .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 129 ح 1 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 129 ح 4 .

ــ[80]ــ

   وثانياً : بالروايات الناهية عن ابتداء الرجل بالسلام على المرأة ، كموثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تبدؤوا النساء بالسلام ، ولا تدعوهن إلى الطعام ، فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : النسـاء عيّ وعورة ، فاسـتروا عيّهنّ بالسكوت ، واسـتروا عوراتهنّ بالبيوت»(1) .

   وفيه :

   أمّا الأول : فهي وإنْ كانت كلمة مشهورة بينهم ، إلاّ أ نّها لم ترد في شيء من النصوص ، فلا وجه لجعلها دليلاً .

   وأمّا الثاني : فلأنّ هذه الروايات غير ناظرة للنهي من حيث عدم جواز سماع صوتهن ، وإنّما النهي من أجل منع إظهار المودّة والمحبّة لها ، كما يشهد لذلك ما ورد من «أنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) كان يسلِّم على النساء وكان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ ، ويقول : أتخوّف أن يعجبني صوتها ، فيدخل عليَّ أكثر مما طلبت من الأجر» (2) .

   فهذه الرواية تكشف بوضوح عن أنّ النهي عن ابتدائهن بالسلام ليس من أجل عدم جواز سماع صوتهن ، وإنّما ذلك من أجل المنع عن إظهار المحبة لهن ، وإلاّ فلو كان النهي من أجل حرمة سماع صوتهن ، لكان الأَوْلى تعلّق النهي بجواب المرأة وتوجيه الخطاب إليها ، فإنّه أنسب بحرمة سماع صوتها من نهي الرجل عن ابتدائها بالسلام ، كما هو أوضح من أن يخفى .

   وعلى هذا فلا تدلّ هذه الرواية على حرمة سماع صوتها والكلام معها إذا لم يكن في ذلك إظهار المحبة والمودة .

   وعليه فلا مانع من الالتزام بالجواز لقصور ما استدل به للحرمة عن إثبات المدّعَى ، بل لوجود الدليل على ذلك ، وهو ـ مضافاً إلى السيرة القطعية المتصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) حيث كانت النساء تتكلّم مع الرجال من دون تقيد بحالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 131 ح 1 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 131 ح 3 .

 
 

ــ[81]ــ

الضرورة ، كما يشهد له سكنى العوائل المتعددة من الاُسرة الواحدة أو غيرها في دار واحدة ، فإنّ ذلك يستلزم عادة تكلّم النساء مع الرجال الذين ليسوا بمحرم لها من دون أن يرد في ذلك ردع ـ صحيحة عمّار السـاباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه سأله عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم ، قال : «المرأة تقول : عليكم السلام ، والرجل يقول : السلام عليكم» (1) .

   فإنّها تدلّ بوضوح على أنّ أصل جواز سلامها على الرجال أمر مفروغ عنه ، وأنّ السؤال إنّما هو عن الكيفية . وإلاّ فلو كان صوت المرأة كبدنها عورة ، أو كان إظهار صوتها أمراً محرماً ، لكان على الإمام (عليه السلام) تنبيهه على ذلك وإلفاته إلى عدم الجواز . فتقريره (عليه السلام) للسائل على أصل المشروعية ، وتصدّيه لبيان الكيفية خير دليل على عدم الحرمة .

   هذا مضافاً إلى أنّ ظاهر قوله تعالى : (فَلا تَخْضَعْنَ بالقَول) (2) أنّ المنهي عنه هو خصوص الخضوع بالقول لا مطلق التكلّم ، وإلاّ لكان اللاّزم توجيه النهي إليه مباشرة .

   وعليه فيتحصل مما تقدّم أنّ القول بالجواز هو المتعيّن ، وذلك لقصور أدلّة الحرمة مضافاً إلى دلالة الآية الكريمة ، وصحيحة عمار ، وقيام السيرة عليه .

   ثم إنّ الشهيد الأول (قدس سره) في (اللمعة) لم يتعرض لهذا الفرع في كتاب النكاح، مع أ نّه قد ذكر في كتاب الصلاة منها أ نّه: لا جهر على المرأة (3). وقد علّق عليه الشهيد الثاني (قدس سره) بأنّ الحكم مختصّ بصورة سماع من يحرم استماعه صوتها، وإلاّ فهي مخيّرة بين الجهر والإخفات(4).

   نعم ، قد تعرّض (قدس سره) في كتاب النكاح لعكس هذه المسألة ، فذكر أ نّه : يحرم على المرأة أن تسمع صوته إلاّ لضرورة (5) ولم يعلّق عليه الشهيد الثاني (قدس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 131 ح 4 .

(2) سورة الأحزاب 33 : 32 .

(3) و (4) اللمعة الدمشقية 1 : 260 .

(5) اللمعة الدمشقية 5 : 99 .

ــ[82]ــ

ولا ريبة (1) من غير فرق بين الأعمى والبصير ، وإنْ كان الأحوط الترْك في غير مقام الضرورة . ويحرم عليها إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه وترقيقه ، قال تعالى : (فَلا تَخْضَعْنَ بالقَولِ فَيَطْمعَ الَّذِي فِي قَلْبهِ مَرَضُ ) (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سره) مع أ نّه من غرائب الفتاوى ، حيث لم يقل بذلك أحد بل هو مقطوع البطلان . ومن الغريب عدم انتباه المحشين عليها، بل ولا من تأخر عنهما من الأعلام ـ عدا صاحب المستند (1) ـ لذلك .

   ومن المظنون قوياً ـ والله العالم ـ أنّ ذلك من غلط النساخ أو سهو القلم ، والصحيح بقرينة ما ذكره (قدس سره) في كتاب الصلاة من أ نّه : لا جهر على المرأة ، أن تكون العبارة هكذا : يحرم على المرأة أن تسمع صوتها إلاّ لضرورة ، بتأنيث الضمير .

   (1) وإلاّ فيحرم بلا خلاف ، لما عرفت من دلالة الآية الكريمة على حصر الاستمتاعات الجنسية بالزوجة وما ملكت يمينه .

   (2) مصدر الآية الكريمة قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبيِّ لَستُنّ كأَحد مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقيتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بالقَولِ فَيَطْمعَ الَّذِي فِي قَلْبهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَوْلاً مَعرُوفاً) (2) .

   فهي تدلّ على حرمة إظهار المرأة صوتها للرجل الأجنبي مطلقاً من دون اختصاص لنساء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . والوجه في ذلك أنّ الآية الكريمة وإنْ وجّهت الخطاب إلى نساء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ أ نّها تكفّلت بيان مطلبين :

   الأوّل : أفضلية نساء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غيرهنّ إن اتقين .

   الثاني : بيان كيفية التقوى وأسبابها .

   فأفادت المطلب الأوّل بقوله : (يا نِساءَ النَّبيِّ لَستُنّ كأَحد مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ)في حين أفادت المطلب الثاني بتفريع عدّة اُمور بالفاء على ذلك ، منها عدم الخضوع بالقول والقرار في البيوت ، وعدم التبرج ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستند الشيعة 2 : 474 .

(2) سورة الأحزاب 33 : 32 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net