تحرم على الزوج زوجته التي أفضاها قبل إكمالها تسع سنين 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 15377


ــ[124]ــ


فصل

[  عدم جواز وطء الزّوجة قبل اكمال تسع سنين  ]

   [ 3694 ] مسألة 1 : لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين(1) حرّة كانت أو أَمة، دواماً كان النكاح أو متعة(2)، بل لا يجوز وطء المملوكة(3) والمحلّلة كذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل

   (1) وهو في الجملة محلّ وفاق ، وتدلّ عليه جملة من النصوص .

   منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «إذا تزوّج الرجل الجارية وهي صغيرة ، فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين» (1) .

   ومنها : موثَّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين» (2) . وحيث إنّ الترديد في الحدّ أمر غير معقول فلا بدّ من حمل الحد الثاني على الأفضلية لا محالة .

   ومنها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام)، قال: «لا توطأ جارية لأقلّ من عشر سنين ، فإنْ فعل فعيبت فقد ضمن» (3) . ولا بدّ من حملها على الأفضلية أو دخولها في العاشرة لا إتمامها لها ، فتتحد مع ما تقدم . إلى غير ذلك من النصوص .

   (2) لإطلاق النصوص المتقدمة .

   (3) وفي الجواهر حكاية الإجماع عليه من جماعة (4) ، وهو مقتضى إطلاق بعض النصوص المتقدمة .

   لكن الذي يظهر من صاحب الوسائل (قدس سره) بل هو صريح عبارته ، هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 45 ح 1 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 45 ح 2 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 45 ح 7 .

(4) الجواهر 29 : 414 .

ــ[125]ــ

اختصاص الحرمة بالزوجة وعدم شمولها للمملوكة ، فإنّه (قدس سره) ذكر في الوسائل باباً بعنوان : باب سقوط الاستبراء عمّن اشترى جارية صغيرة لم تبلغ وجواز وطئه إيّاها (1) ، وقد استدلّ لذلك بعدة نصوص ذكرها في ذلك الباب .

   إلاّ أنّ الظاهر أنّ ما أفاده (قدس سره) غير تامّ ، فإنّ تلك النصوص أجنبية عن محلّ الكلام ، حيث لم يرد شيء منها في جواز وطء الأَمة قبل بلوغها تسع سنين ، وإنّما هي واردة لفصل الموارد التي يجب فيها الاستبراء عن التي لا يجب فيها ذلك .

   كما يظهر ذلك بوضوح من ملاحظة عمدة تلك النصوص ، وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قال في رجل ابتاع جارية ولم تطمث ، قال : «إنْ كانت صغيرة لا يتخوّف عليها الحبل فليس له عليها عدّة وليطأها إنْ شاء ، وإنْ كانت قد بلغت ولم تطمث فإنّ عليها العدّة» (2) .

   فإنّ هذه الصحيحة ليست بصدد بيان جواز وطء الأَمة قبل بلوغها تسع سنين ، إذ أن كلمة «صغيرة» فيها مستعملة في معناها العرفي ـ  أعني ما يقابل الكبيرة لا ما  يقابل البالغة ـ على ما يشهد له تقييدها بـ «لا يتخوّف عليها الحبل» . فإنّ ظاهر القيد لما كان هو الاحتراز لم يكن معنى الإرادة ما يقابل البالغة منها ، فإنّ الصغيرة بهذا المعنى ليست إلاّ قسماً واحداً لعدم قابليتها للحبل ، فلا معنى لتقسيمها إلى ما يتخوّف عليها الحبل وما لا يتخوّف ذلك ، وتخصيص الحكم بالقسم الثاني دون الأول .

   وإنّما ينسجم هذا التقييد ـ الذي يكون نتيجته التخصص لا محالة ـ مع ما ذكرناه من إرادة ما يقابل الكبيرة منها ، فإنّها على قسمين :

   منها : ما يتخوّف عليها من الحبل كابنة الأربع عشرة سنة .

   ومنها : ما لا يتخوّف عليها ذلك كابنة العشر .

   ومما يزيد في ذلك وضوحاً ملاحظة صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل ، قال: «ليس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والاماء ، ب 3 .

(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والاماء ، ب 3 ح 1 .

ــ[126]ــ

وأما الاستمتاع بما عدا الوطء من النظر واللّمس بشهوة والضم والتفخيذ فجائز في الجميع(1) ولو في الرضيعة.

   [ 3695 ] مسألة 2: إذا تزوج صغيرة واماً أو متعة، ودخل بها قبل إكمالها تسع سنين فأفضاها، حرمت عليه أبداً على المشهور (2) وهو الأحوط وإن لم تخرج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عليها عدّة يقع عليها» (1) .

   فإنّها واضحة الدلالة في أنّ النظر فيها ليس إلى بلوغها من حيث السن ، وإنّما النظر إلى بلوغها من حيث الحبل ، وما يجب فيها من الاستبراء .

   نعم ، رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام) في حدّ الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها ، قال : «إذا لم تبلغ استُبرئت بشهر» . قلت : وإن كانت ابنة سبع سنين أو نحوها مما لا تحمل ؟ فقال : «هي صغيرة ، ولا يضرّك أن لا تستبرئها» . فقلت : ما بينها وبين تسع سنين؟ فقال : «نعم تسع سنين» (2) واضحة الدلالة على جواز الوطء قبل بلوغها تسع سنين .

   إلاّ أ نّها ضعيفة سنداً ، لوقوع جعفر بن نعيم بن شاذان (شيخ الصدوق (قدس سره) ) ومحمد بن شاذان في طريقها ، وهما ممن لم يرد فيهما توثيق ، فلا يمكن الاعتماد عليها .

   ومن هنا فلا تصلح هذه النصوص لمعارضة إطلاق النصوص المتقدمة ، الدالة على عدم جواز وطء الجارية قبل بلوغها تسع سنين ، فيتعيّن العمل بالإطلاق والقول بالحرمة قبل بلوغها تسع سنين ، من دون فرق بين الزوجة والمملوكة ، وفاقاً لما اختاره المشهور .

   (1) لعدم الدليل على الحرمة ، بل لعمومات جواز الاستمتاع بالزوجة والمملوكة .

   (2) واستدلّ له بمرسلة يعقوب بن يزيد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين، فُرِّق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والاماء ، ب 3 ح 3 .

(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والاماء ، ب 3 ح 11 .

ــ[127]ــ

عن زوجيته . وقيل بخروجها عن الزوجية أيضاً  (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بينهما ولم تحل له أبداً» (1) .

   إلاّ أ نّها كما ترى قاصرة سنداً ودلالة ، فإنّها مرسلة مضافاً إلى وقوع سهل بن زياد في طريقها . على أ نّها دالّة على التحريم بمجرد الدخول وإن لم يفضها وهو لا قائل به ـ على ما سيأتي ـ فلا تصلح للاستدلال بها على المدعى .

   ودعوى أ نّها من نسبة الحكم إلى السبب وإرادة المسبب ، بمعنى أنّ الرواية قد تكفّلت نسبة التحريم إلى الدخول الذي هو سبب في الإفضاء وإرادة بيان ثبوت التحريم عند الإفضاء ، كما تراه بعيد جداً بحاجة إلى التأويل ولا دليل عليه .

   نعم ، قد يتمسك له بالإجماع ، لكن الكلام بعد ثبوته في حجيته ، حيث استند كثير من القائلين بالحرمة إلى المرسلة المتقدمة .

   (1) نسب ذلك في بعض الكلمات إلى الشيخين وابن إدريس (قدس سرهم) على تأمل في النسبة(2).

   وتدلّ عليه المرسلة المتقدمة ، إلاّ أنّ في الاستدلال بها ما عرفت .

   نعم ، قد يستدلّ لخروجها عن الزوجية بأنّ التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح بحيث لا ينسجم القول بالتحريم مع بقاء الزوجية ، وعليه فإذا ثبت الأوّل كان لازمه انتفاء الثاني لا محالة .

   إلاّ أنّ فيه : أنّ ما يلازم بطلان الزوجية إنّما هو حرمة النكاح لا محالة ، كما لو صارت زوجته الصغيرة بنتاً له بالرضاع ، فإنّها تحرم عليه بقاءً كما كانت تحرم عليه حدوثاً لو كان الارتضاع قبل التزوج منها ، وهذا بخلاف حرمة الوطء خاصة دون سائر الاستمتاعات ، إذ لا ملازمة بينها وبين بطلان الزوجية .

   هذا كلّه مضافاً إلى دلالة صحيحة حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 34 ح 2 .

(2) راجع الجواهر 29 : 418 .

ــ[128]ــ

بل الأحوط حرمتها عليه بمجرد الدخول (1) وإن لم يفضها . ولكن الأقوى بقاؤها على الزوجية وإن كانت مفضاة (2) وعدم حرمتها عليه أيضاً (3) خصوصاً إذا كان جاهلاً (4) بالموضوع أو الحكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سُئل عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك فلما دخل بها افتضها فأفضاها ، فقال : «إنْ كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين افتضها فإنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج ، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها ، وإنْ أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه» (1) صريحاً على بقاء الزوجية وعدم ارتفاعها بمجرد الإفضاء ، حيث جوّز (عليه السلام) إمساكها وعدم تطليقها .

   ويؤيدها رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل افتض جارية ـ يعني امرأته ـ فأفضاها ، قال : «عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين» قال : «وإنْ أمسكها ولم يطلّقها فلا شيء عليه ، إن شاء أمسك وإن شاء طلّق» (2) .

   (1) لمرسلة يعقوب بن يزيد المتقدمة .

   (2) لصحيحة حمران المتقدمة حيث دلت على ذلك صراحة .

   (3) لعدم الدليل عليها ، على ما عرفت .

   (4) وذلك لأنّ دليل التحريم إن كان هو الإجماع المدّعى ، فلا ينبغي الشكّ في عدم وجود إطلاق له يشمل الجاهل أيضاً ، لا سيما بملاحظة تصريح جماعة منهم بأنّ الحكم بالتحريم المؤبَّد إنّما هو عقوبة للفاعل ، فإنّها إنّما تترتّب على فعل العامد خاصة .

   وإن كان الدليل هو المرسل المتقدم ـ بحمل الدخول على الإفضاء ـ فالحكم أيضاً كذلك ، لأنّ الحكم إنّما هو مترتّب على الإفضاء .

   وقد تقدم غير مرة أنّ موضوع الحكم إذا كان عملاً من الأعمال ، فالعبرة في ترتّب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 34 ح 1 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 34 ح 3 .

ــ[129]ــ

أو كان صغيراً(1) أو مجنوناً(2) أو كان بعد اندمال جرحها(3) أو طلّقها ثم عقد عليها جديداً (4) .
ـــــــــــــــــــ

الحكم عليه إنّما هو بإتيانه عمداً ، فلا يترتب على العمل الصادر عن جهالة أثر أصلاً
بل يكون في حكم العدم ، على ما دلّت عليه عدّة نصوص .

   (1) لأنّ مستند الحكم إن كان هو الاجماع فهو لا إطلاق له يشمله ، وإن كان هو المرسل فموضوعه إنّما هو الرجل وهو لا يصدق على الصغير .

   (2) وحاله حال الصغير إذا كان المستند هو الإجماع ، وأمّا إذا كان هو المرسل فإطلاقه لا بأس به ، غير أنّ حديث الرفع مانع من العمل به إذ لا يترتب على عمله حكم .

   (3) فإن كان المستند هو الإجماع فالأمر كما تقدم ، للشكّ في عموم موضوعه للمرأة بعد اندمال جرحها . ولا مجال لإثبات الحكم بالاستصحاب ، نظراً إلى أ نّه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية ولا نقول بحجيته . مضافاً إلى تغيّر الموضوع بنظر العرف ، حيث إنّ الحكم كان ثابتاً للمرأة بوصف كونها مفضاة ، فلا يمكن إثباته للمرأة بعد زوال الوصف .

   وإن كان المستند هو المرسل فلا بأس بإثبات التحريم فيها ، تمسكاً بإطلاق قوله : «ولم تحلّ له أبداً» .

   (4) يجري فيه ما تقدم في الصورة السابقة حرفاً بحرف .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net