أحكام من كان عنده أربع فطلق واحدة وأراد نكاح اُخرى 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5275


ــ[160]ــ

   [ 4707 ] مسألة 4 : إذا كان عنده أربع فطلق واحدة منهنّ وأراد نكاح الخامسة ، فإن كان الطلاق رجعياً لا يجوز له ذلك إلاّ بعد خروجها عن العدّة (1) . وإن كان بائناً ففي الجواز قبل الخروج عن العدّة قولان ، المشهور على الجواز ، لانقطاع العصمة بينه وبينها .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هي من الاُمور الاعتبارية التي ليس لها وجود سوى اعتبار من بيده الاعتبار ، فلا مجال فيها بالمرة لأن يقال بكفاية علّة حدوثها في بقائها .

   وعليه فحيث أن الزوجية تنقسم بطبيعة الحال إلى قسمين مؤقت وغير مؤقت، فلا يخلو المنشئ لها من أن ينشئها مطلقة أو مقيدة بزمان معيّن ، لعدم معقولية الإهمال في الواقعيات ، على ما تقدم بيانه غير مرة .

   ومن هنا فإذا دار أمر المنشأ بين الإطلاق والتقييد ، لم يكن أحدهما موافقاً للأصل والآخر مخالفاً له ، فإن كلاًّ منهما حادث فلا مجال لإحراز أحدهما بالأصل .

   نعم ، بلحاظ الأثر الخارجي فالمقدار المتيقن قد اُنشئ جزماً ، أما في ضمن الإطلاق أو في ضمن التقييد ، فيرجع الشكّ إلى إنشاء الزائد عن ذلك ، وقد ذكرنا أنّ الأصل إنّما هو عدم إنشاء الزوجية بالنسبة إليه .

   والحاصل أ نّه لما لم يكن في المقام أصل أو دليل يحرز به كون العقد المشكوك عقداً دائماً ، كان مقتضى القاعدة هو الالتزام بجواز التزويج بالتي يريد التزوج منها ، لعدم إحراز كونها خامسة بالمعنى الذي ذكرناه .

   ثم إنّه لا يخفى أ نّه لا منافاة بين الزوجية الدائمة وبين الطلاق حيث أنّ الطلاق إنّما هو بمنزلة الرافع ، فلا ينافي كون المنشأ هو الزوجية الأبدية ، نظير البيع بالنسبة إلى الملكية إذ لا منافاة بينهما، فيحق للذي يملك الشيء بالملكية الأبدية أن يرفعها وينقل ذلك الشيء بالبيع أو غيره إلى غيره .

   وبالجملة : فالذي يتحصل من جميع ما تقدم هو أنّ ما ورد في عبارة جملة من الأصحاب ، من أنّ الزوجية الدائمة والزوجية المنقطعة نوعان وصنفان هو الصحيح .

   (1) بلا خلاف في ذلك . وتدل عليه ـ مضافاً إلى كونه موافقاً للقاعدة حيث أن

 
 

ــ[161]ــ

   وربّما قيل((1)) بوجوب الصبر إلى انقضاء عدّتها (1) عملاً بإطلاق جملة من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلقة رجعية زوجة حقيقة على ما اخترناه ، أو هي في حكمها على ما ذهب إليه المشهور ـ عدّة نصوص معتبرة :

   كصحيحة محمد بن قيس ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في رجل كانت تحته أربع نسوة فطلق واحدة ، ثم نكح اُخرى قبل أن تستكمل المطلقة العدّة قال : «فليلحقها بأهلها حتى تستكمل المطلقة أجلها» ، الحديث (2) .

   وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «إذا جمع الرجل أربعاً وطلّق إحداهن ، فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدّة المرأة التي طلق» وقال : «لا  يجمع ماءه في خمس» (3) . إلى غيرهما من النصوص .

   (1) وهو الصحيح ، لإطلاق الروايات المتقدمة ، حيث لم يرد التقييد في شيء منها بالطلاق الرجعي .

   ودعوى أن التقييد مستفاد من إجماع الأصحاب على اختصاص الحكم بالطلاق رجعياً .

   يدفعها أنّ ثبوته أوّل الكلام ، فقد ذهب جملة منهم كالمفيد على ما نسب إليه في الحدائق (4) ، والشيخ على ما نسب إليه في كشف اللثام (5) إلى الحرمة مطلقاً .

   إذن فلا يبقى موجب لرفع اليد عن إطلاق تلك النصوص ، وتقييدها بالطلاق الرجعي .

   كما أن دعوى استفادة ذلك من معتبرة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل طلّق امرأة أو اختلعت أو بانت ، أله أن يتزوج باُختها ؟ قال فقال : «إذا برئت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا القول إن لم يكن أظهر فهو أحوط  .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب 3 ح 1 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب 2 ح 1 .

(4) الحدائق 23 : 627 .

(5) كشف اللثام 2 : 146 .

ــ[162]ــ

عصمتها ولم يكن عليها رجعة ، فله أن يخطب اُختها» (1) وغيرها . بتقريب : أنّ جوابه (عليه السلام) إنّما يكشف عن كون المانع من التزوج بالاُخت في الطلاق الرجعي هو بقاء العصمة ، ولما كان هذا المحذور منتفياً في الطلاق البائن فلا مانع من التزوج باُختها ، فيفهم من ذلك أنّ الملاك في الجواز وعدمه هو بقاء العصمة وعدمه ، فلا يجوز مع الأول ويجوز مع الثاني . وعلى هذا فتكون هذه الرواية مقيدة لإطلاق الأخبار المتقدمة ، حيث تدلّ على الجواز فيما إذا انقطعت العصمة وكان الطلاق بائناً ، فيختص عدم الجواز بما إذا كان الطلاق رجعياً .

   مردودة بأن مورد الرواية أجنبي عما نحن فيه بالمرة ، فإنّها إنّما تضمنت الجواز عند طلاق الاُخت طلاقاً بائناً من حيث الجمع بين الاُختين ، وإنّ الحرمة الثابتة له منتفية في هذه الحالة ، باعتبار أنّ الطلاق البائن يوجب قطع العصمة فلا يكون التزوج باُختها من الجمع بين الاُختين ، وأين ذلك من محل كلامنا والتزوج بالخامسة في أثناء عدّة إحدى المطلقات بائناً ! فإن ذلك من التعدي عن مورد الحكم التعبدي وقياس واضح .

   ومثل هذا الوجه في البطلان ما قيل من تقييد قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة : «ولا يجمع ماءه في خمس» لإطلاق هذه النصوص . بدعوى أ نّه عند الطلاق البائن تخرج المرأة عن الزوجية ، فلا يكون نكاح الأخيرة من جمع الماء في خمس ، إذ لم يكن للرجل عند ذلك خمس زوجات بالفعل .

   والوجه في البطلان أنّ جمع الماء في خمس في حدّ نفسه لما لم يكن من المحاذير جزماً حيث يجوز ذلك في الإماء والمتعة قطعاً ، فمن غير البعيد أن تكون هذه الفقرة من النص جملة مستقلة ، تتضمن بيان حكم مستقل عما تكفلت الفقرات الاُولى بيانه ، بحيث يكون الإمام (عليه السلام) بعد بيانه لحكم من طلق واحدة من أربع وأراد التزوج باُخرى في عدّة تلك ، قد تعرض لبيان حكم الجمع بين خمس زوجات دائمات ابتداءً فأفاد (عليه السلام) بأنه أمر غير جائز . وبذلك تكون هذه الفقرة من أدلة عدم جواز

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 22 كتاب النكاح ، أبواب العدد ، ب 48 ح 2 .

ــ[163]ــ

الأخبار ، والأقوى المشهور ، والأخبار محمولة على الكراهة (1) .

   هذا ولو كانت الخامسة اُخت المطلقة ، فلا إشكال في جواز نكاحها قبل الخروج عن العدّة البائنة ، لورود النص فيه((1)) (2) معلّلاً بانقطاع العصمة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التزوّج بأكثر من أربع نساء ، فلا تكون لها قرينية على تقييد إطلاق ما دلّت عليه الفقرات الاُولى ، من عدم جواز التزوّج بالخامسة ما لم تنقضِ عدّة المطلقة بما إذا كان الطلاق رجعياً .

   ولو تنزلنا عن ذلك فلا يخفى أ نّه لا مجال للجمود على حاق ألفاظ الرواية والأخذ بها ، إذ أنّ جمع الماء في خمس بمعناه الحقيقي في آن واحد أمر غير معقول ، لوضوح عجزه عن مقاربة أكثر من واحدة في آن واحد ، بل لا بدّ من التصرف شيئاً ما في ظاهرها الأول وحملها على إرادة جمع مائه في رحم خمس من النساء في آن واحد حيث أنّ المفروض أ نّه قد دخل بهن وإلاّ لما كان للمطلقة عدّة ، فيكون ماؤه بالدخول بالخامسة موجوداً في رحم خمس نساء .

   ومن هنا فلا تصلح هذه الفقرة لتقييد الحكم بعدم الجواز بما إذا كان الطلاق رجعياً ، فإنّ ما هو المحذور فيه موجود بعينه في الطلاق البائن ، بل تكون الرواية شاملة للمطلقة بائناً على حد شمولها للمطلقة رجعية ، فإن ماءه موجود في رحمها بعد الطلاق أيضاً .

   والحاصل أنّ هذه الفقرة على كل تقدير لا تصلح للقرينية على تقييد إطلاق أدلّة المنع كالوجهين السابقين ، وعلى هذا فحيث بقي إطلاق الأدلة سالماً عن المقيد ، فالقول بالتعميم إن لم يكن أظهر فهو أحوط بلا كلام .

   (1) لا وجه لذلك بعد ما عرفت من دلالتها على المنع مطلقاً .

   (2) وهو عجيب منه (قدس سره) ، فإنّ مراده من النص إنّما هو صحيحة الحلبي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لم يرد نص في المقام ، وإنّما ورد في جواز نكاح المرأة في عدّة اُختها إذا كان الطلاق بائناً ، وبين المسألتين بون بعيد ، وعليه فلا فرق في الخامسة بين كونها اُختاً للمطلّقة وعدمه .

ــ[164]ــ

   كما أ نّه لا ينبغي الإشكال إذا كانت العدّة لغير الطلاق (1) كالفسخ بعيب أو نحوه ، وكذا إذا ماتت الرابعة ، فلا يجب الصبر إلى أربعة أشهر وعشر ، والنص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المتقدمة ، وقد عرفت أ نّها إنّما تتكفل الجواز من حيث محذور الجمع بين الاُختين ، فلا تكون لها دلالة على الجواز مطلقاً وإن ابتلي بمحذور من جهة اُخرى .

   وبعبارة اُخرى : إنّ الجواز من حيث الجمع بين الاُختين لا يلازم الجواز من حيث كونها خامسة لعدم انقضاء عدّة المطلقة ، فإنّ كلاًّ منهما مسألة مستقلة ، فلا وجه لتسرية الحكم الثابت في إحداهما إلى الاُخرى ـ على ما تقدم ـ بل يبقى الإشكال في المسألة السابقة على حاله في هذا المورد أيضاً .

   (1) لخروجها عن مورد النصوص المتقدمة ، فلا وجه للالتزام فيها بعدم الجواز ـ  بعد أن كان الحكم الثابت في المطلقة على خلاف القاعدة  ـ غير القياس ، وهو واضح البطلان .

   ومن هنا فلا وجه للقول بعموم الحكم لمطلق موارد الطلاق ، فإنّه لا موجب له بعد أن كان مورد النص خصوص ما لو طلّق إحدى الأربع وأراد التزوج في عدّتها فلا  يشمل ما لو طلّق ثانية بعد تلك بالطلاق البائن وأراد التزوج بغيرها في عدتها .

   وبعبارة اُخرى : إنّ الثابت بمقتضى هذه النصوص هو زوجية المطلقة بائناً في صورة خاصّة فقط ، وهي ما لو كانت المطلقة رابعة لا مطلقاً ، وعليه فلا مجال لإثبات الحكم لغيرها ، حيث لا يلزم من التزوج في عدّتها ـ إذا لم تكن رجعية ـ الجمع بين خمس زوجات .

   ومن هنا يظهر وجه عدم شمول تلك النصوص للحر إذا طلّق إحدى الأَمتين ، أو العبد إذا طلق إحدى الحرتين ، بالطلاق البائن وأراد التزوج بغيرها في عدتها ، فإنّه لا  دليل على المنع في ذلك كلّه بعد قصور النصوص عن إثبات زوجية المطلقة بائناً في هذه الصّور .

   والحاصل أنّ الحكم بالمنع مختص بمورد النص ، وهو ما لو طلّق إحدى زوجاته

ــ[165]ــ

الوارد بوجوب الصبر (1) معارض بغيره (2) ومحمول على الكراهة .

   وأمّا إذا كان الطلاق أو الفراق بالفسخ قبل الدخول، فلا عدّة حتى يجب الصبر أو لا يجب(3) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأربع وأراد التزوج في عدتها ، فلا مجال للقول به في غيره من الموارد .

   (1) وهو معتبرة عمار، قال: سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون له أربع نسوة فتموت إحداهن ، فهل يحل له أن يتزوج اُخرى مكانها ؟ قال : «لا ، حتى تأتي عليها أربعة أشهر وعشر» . سئل فإن طلق واحدة ، هل يحل له أن يتزوج ؟ قال : «لا ، حتى تأتي عليها عدّة المطلقة» (1) .

   (2) وهو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال :

سألته عن رجل كانت له أربع نسوة فماتت إحداهن ، هل يصلح له أن يتزوج في عدّتها اُخرى قبل أن تنقضي عدّة المتوفاة ؟ فقال : «إذا ماتت فليتزوج متى أحبّ» (2) .

   (3) فانتفاء الحكم فيها من باب السالبة بانتفاء الموضوع .

   ويؤيده خبر سنان بن طريف عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل كنّ له ثلاث نسوة ، ثم تزوج امرأة اُخرى فلم يدخل بها ، ثم أراد أن يعتق أَمة ويتزوجها ، فقال : «إن هو طلق التي لم يدخل بها فلا بأس أن يتزوج اُخرى من يومه ذلك ، وإن طلق من الثلاث النسوة اللاّتي دخل بهن واحدة ، لم يكن له أن يتزوج امرأة اُخرى حتى تنقضي عدّة المطلقة» (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب 3 ح 5 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب 3 ح 7 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، ب 3 ح 6 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net