العلم بالحرمة موجب للحرمة الأبدية 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4540


   وإن كان مع العلم بالحرمة حرمت الزوجة عليه أبداً (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
   (2) الروايات الواردة في المقام على طوائف ثلاث :

   الاُولى : ما دلّ على الحرمة الأبدية مطلقاً .

   الثانية : ما دلّ على عدمها مطلقاً .

   الثالثة : ما تضمن التفصيل بين صورتي العلم والجهل .

   أما الطائفة الاُولى ، فكمعتبرة أديم بن الحر الخزاعي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إنّ المحرم إذا تزوج وهو محرم فرّق بينهما ولا يتعاودان» (1) .

   ومثلها رواية إبراهيم بن الحسن عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «إنّ المحرم إذا تزوج وهو محرم فرّق بينهما ثم لا يتعاودان أبداً» (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 12 كتاب الحج ، أبواب تروك الاحرام ، ب 15 ح 2 .

(2) الوسائل ، ج 12 كتاب الحج ، أبواب تروك الاحرام ، ب 15 ح 1 .

ــ[247]ــ

   إلاّ أن إبراهيم بن الحسن لما كان مجهولاً ، فلا مجال للاعتماد على روايته .

   وأما الطائفة الثانية، فكمعتبرة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحلّ فقضى أن يخلي سبيلها ولم يجعل نكاحه شيئاً حتى يحلّ ، فإذا أحلّ خطبها إن شاء ، وإن شاء أهلها زوّجوه وإن شاؤوا لم يزوّجوه» (1) . ودلالتها على جواز التزوّج منها ثانياً واضحة .

   وأما الطائفة الثالثة ، فكمعتبرة أديم بن الحر عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : «والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أ نّه حرام عليه لم تحلّ له أبداً» (2) .

   ومن الواضح أنّ النسبة بين الطائفة الاُولى والطائفة الثانية إنّما هي التباين ، إلاّ أن نسبة الطائفة الثالثة إلى الطائفة الثانية هي نسبة الخاص إلى العام ، فتكون مخصصة لعمومها لا محالة ، وبذلك فتنقلب النسبة بينهما وبين الطائفة الاُولى فيخصص الحكم بالحرمة الأبدية في الاُولى بصورة العلم ، نظراً لدلالة الطائفة الثانية ـ بعد تخصيصها بالطائفة الثالثة ـ على جواز التزوج منها ثانياً في صورة الجهل .

   على أ نّا لو فرضنا عدم وجود الطائفة الثانية ، كان القول باختصاص الحرمة الأبدية بصورة العلم متعيناً أيضاً وذلك لوجود الطائفة الثالثة ، فإنّ تقييد الحرمة في معتبرة أديم بصورة العلم يقتضي ذلك حتى وإن لم نقل بمفهوم القيد . والوجه فيه ما  ذكرناه غير مرة من أن ذكر القيد إنّما يكشف عن عدم ثبوت الحكم مطلقاً ، وإلاّ لكان ذكره لغواً محضاً .

   بل لو فرضنا عدم وجود هذه الطائفة أيضاً ، لكان الحكم بالحرمة مختصاً بصورة العلم أيضاً ، وذلك لصحيحة عبدالصمد بن بشير عن أبي عبدالله (عليه السلام) حيث ورد فيها : «أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه» (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 12 كتاب الحج ، أبواب تروك الاحرام ، ب 15 ح 3 .

(2) تقدّمت في ص 246 هـ 1 .

(3) الوسائل ، ح 13 كتاب الحج ، أبواب بقية كفارات الاحرام ، ب 8 ح 3 .

ــ[248]ــ

سواء دخل بها أو لا(1) . وإن كان مع الجهل بها لم تحرم عليه على الأقوى (2) دخل بها أو لم يدخل (3) لكن العقد باطل على أي حال (4) بل لو كان المباشر للعقد محرماً بطل وإن كان من له العقد محلاًّ (5) .

   ولو كان الزوج محلاًّ ، وكانت الزوجة محرمة ، فلا إشكال في بطلان العقد (6) . لكن هل يوجب الحرمة الأبدية ؟ فيه قولان ، الأحوط الحرمة بل لا يخلو عن قوة (7) .

   ولا فرق في البطلان والتحريم الأبدي بين أن يكون الإحرام لحج واجب أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فالنتيجة أنّ القول بالتفصيل بين صورة العلم والجهل ـ على ما ذهب إليه المشهور ويقتضيه الجمع بين الأخبار ـ هو الصحيح وإن خالف فيه المرتضى وسلار على ما في الجواهر (1) .

   (1) لإطلاق الأدلة ، حيث لم يرد في شيء منها التقييد بالدخول .

   ولا يقاس ما نحن فيه بالتزويج بذات البعل أو ذات العدّة ، فإنّ كلاًّ منهما موضوع خاص ومستقلّ عن الآخر ، فلا موجب لتعدي الحكم الثابت لأحد الموضوعين إلى الآخر .

   (2) لما عرفت .

   (3) لإطلاق صحيحة محمد بن قيس .

   (4) لإطلاق ما دلّ على البطلان .

   (5) لصحيحة يونس بن يعقوب ومعتبرة عبدالله بن سنان المتقدمتين .

   (6) نظراً لبطلان عقد المحرم ، من غير فرق بين كونه رجلاً أو امرأة .

   (7) وذلك فلأن الروايات الواردة في المقام وإن كان بعضها وارداً في قضية شخصية ، إلاّ أنّ أكثرها يتضمن إثبات الحكم للعنوان الوصفي ـ  أعني المحرم  ـ وأ نّه لا  يتزوج ولا يزوج . ومن هنا فلا يفرق في الحكم بين كون المتصف بذلك العنوان رجلاً أو امرأة ، إذ الحكم لما كان ثابتاً لموضوع معيّن هو العنوان الوصفي ، كان الحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 29 : 450 .

ــ[249]ــ

ثابتاً لجميع الأفراد المتصفة بذلك العنوان ، نظير القصر والإفطار الثابتين للمسافر أو الإتمام الثابت للحاضر ، فإنّه لا يفرق في الفرد المتصف بذلك العنوان بين أن يكون رجلاً أو امرأة ، على ما هو واضح .

   ولذا حكم الأصحاب ببطلان عقد المحرمة ، والحال أ نّه لم يرد فيه بخصوصه ولا نص ضعيف ، فإنّه ليس ذلك إلاّ لشمول لفظ المحرم لهما على حد سواء ، فإذا ثبت هذا في الحكم بالبطلان ثبتت الحرمة الأبدية أيضاً لا محالة . فإنّ موضوعهما واحد وهو عنوان المحرم ، فإن كان هو أعمّ من الرجل والمرأة لزم الحكم بثبوت الحرمة كما ثبت البطلان ، وإن كان هو مختصاً بالرجل فلا موجب للحكم ببطلان عقدها إذا كانت محرمة ، وحيث إنّ الأصحاب قد التزموا ببطلان عقدها كشف ذلك عن عموم الموضوع لهما .

   ويؤيد ما ذكرناه بقاعدة الاشتراك بين الرجل والمرأة في التكليف ، فإنّ نسبة التزويج إليهما واحدة إذ أ نّه من العناوين المتضايفة لا يصدق إلاّ بالطرفين كالاُخوة وعليه فإذا كان التزويج محرماً بالنسبة إلى الزوج كان محرماً بالنسبة إلى المرأة أيضاً .

   وممّا ذكرناه يظهر فسـاد دعوى أنّ المحرّم على الرجل لما كان هو التزوج بالمرأة وكان هذا الأمر غير ممكن في جانب المرأة حيث إنّها لا تتزوج بالمرأة ، ونتيجة لذلك لم يتحد الموضوع ، لم يمكن التمسك فيه بقاعدة الاشتراك .

   ووجه الفساد هو أنّ التزويج معنى واحد ، ونسبته إليهما على حد سواء . نعم ، هما يختلفان فيه بحسب الخصوصيات الخارجية ، فإنّ تزويج الرجل إنّما يكون بتزوجه من المرأة ، في حين إنّ تزويج المرأة إنّما يكون بتزوجها من الرجل ، إلاّ أن ذلك لا يعني اختلاف معنى التزويج وكون نسبته إليهما مختلفاً .

   والحاصل إنّ نسبة التزوج إلى كل من الرجل والمرأة لما كانت واحدة ، لم يكن هناك مانع من التمسك بقاعدة الاشتراك . على أ نّا بعد إثبات الحكم ـ  ببيان أنّ الحكم وارد على العنوان الوصفي وهو يصدق على كل من الرجل والمرأة  ـ في غنىً من التمسك بقاعدة الاشتراك .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net