التنجيم 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10389


ــ[382]ــ

التنجيم

قوله : السادسة : التنجيم(1) حرام ، وهو كما في جامع المقاصد الإخبار عن أحكام النجوم(2).

أقول : تحقيق المرام يبتني على مقدّمتين :

المقدّمة الاُولى : في بيان أمرين :

الأمر الأول : أنّ اُصول الإسلام أربعة :

الأول : الإيمان بالله ، والإقرار بوجوده ، وكونه صانعاً للعالم وبجميع ما يحدث فيه من غرائب الصنع وآثار الرحمة وعجائب الخلق ، واختلاف الموجودات من الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والجبال والبحار والأشجار والأثمار واختلاف الليل والنهار . فمن أنكر ذلك كان كافراً ، كالدهرية القائلين بكون الاُمور كلّها تحت سلطان الدهر ، بلا احتياج إلى الصانع . وكفره ثابت بالضرورة من المسلمين ، بل ومن جميع الملّيين ، وقد دلّت الآيات الكثيرة على أنّ من لم يؤمن بالله وأنكره فهو كافر .

الثاني : الإقرار بتوحيده تعالى ، ويقابله الشرك والقول بأنّ للعالم أكثر من صانع واحد ، كما يقوله الثنوية وغيرهم . وكفر منكر التوحيد ثابت بكثير من الآيات ، كقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(3) والروايات .

الثالث : الإيمان بنبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) والاعتراف بكونه نبيّاً مرسلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نجّم من التفعيل : رعى النجوم وراقبها ليعلم منها أحوال العالم .

(2) المكاسب 1 : 201 .

(3) التوبة 9 : 28 .

ــ[383]ــ

(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى)(1) ومن أنكر ذلك ـ كاليهود والنصارى وأشباههم ـ كان كافراً بحكم الضرورة من المسلمين ، وقد دلّت عليه جملة من الآيات والروايات . وأمّا الإقرار بالأنبياء السابقين فهو داخل في الإقرار بما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فانكاره يوجب الكفر من جهة تكذيب النبي (صلّى الله عليه وآله) .

الرابع : الإيمان بالمعاد الجسماني ، والإقرار بيوم القيامة والحشر والنشر ، وجمع العظام البالية ، وإرجاع الأرواح فيها ، فمن أنكر المعاد أو أنكر كونه جسمانياً فهو كافر بالضرورة .

ولابدّ وأن يعلم أنّ الإقرار بهذه الاُمور الأربعة له موضوعية في التلبّس بحلية الإسلام ، وإنكار أي واحد منها في حد نفسه موجب للكفر ، سواء أكان مستنداً إلى العناد واللجاج أم كان مستنداً إلى الغفلة وعدم الالتفات الناشئ عن التقصير أو القصور ، وقد دلّت الآيات الكثيرة أيضاً على كفر منكر المعاد .

الأمر الثاني : أنه يجب على العباد الاعتراف بفرائض الله وسنن رسوله (صلّى الله عليه وآله) وبماء جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله) فمن تركها جاحداً وهو عالم بأنّ إنكاره هذا يستلزم تكذيب النبي (صلّى الله عليه وآله) فهو كافر ، وإلاّ فلا ملازمة بين الإنكار وبين الكفر ، ومن هنا لا يحكم بكفر المخالفين في الظاهر مع إنكارهم الولاية  .

وقد دلّت الآيات وروايات الفريقين على اعتبار الاُمور المذكورة في الإسلام  ، وحقن الدماء ، وحفظ الأموال . ففي موثّقة سماعة : « الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النجم 53 : 3 ـ 4 .

ــ[384]ــ

وعلى ظاهره جماعة الناس »(1). وفي رواية داود بن كثير الرقي : « إنّ الله تعالى فرض فرائض موجبات على العباد ، فمن ترك فريضة من الموجبات وجحدها كان كافراً »(2). ومن طرق العامة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «  اُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ويؤمنوا بي وبما جئت به ، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم »(3).

المقدّمة الثانية : أنه لا إشكال في اختلاف الأجرام العلوية والكيفيات الخاصة الحاصلة بين الفلكيات بعضها مع بعض ، وتأثيرها في الأوضاع الأرضية والأجسام العنصرية ، كتأثير قرب الشمس من خط الاستواء وبعدها عنه في اختلاف الفصول ، وكزيادة الرطوبة في الأبدان بزيادة نور القمر ونقصانها بنقصانه وزيادة أدمغة الحيوانات وألبانها بزيادة نوره ونقصانها بنقصانه ، وزيادة البقول والثمار نمواً ونضجاً احمراراً واخضراراً عند زيادة نور القمر ، بل ذكر المحقّق البهائي في الحديقة الهلالية(4) أنّ المزاولين لها يسمعون صوتاً من القثاء والقرع والبطيخ عند تمدّده وقت زيادة النور ، وكزيادة المياه في البحار والشطوط والينابيع في كل يوم من النصف الأول من الشهر ونقصانها يوماً فيوماً في النصف الأخير منه  ، إلى غير ذلك من الآثار الواضحة التي يجوز الاعتقاد بها والإخبار عنها ، من دون أن يترتّب عليه محذور شرعاً .

وأيضاً لا إشكال في جواز النظر إلى أوضاع الكواكب وسيرها ، وملاحظة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوافي 4 : 77 / 1 .

(2) راجع الوافي 4 : 187 / 2 .

(3) راجع سنن البيهقي 8 : 202 .

(4) الحديقة الهلالية : 138 .

ــ[385]ــ

اقتران بعضها مع بعض ، والإذعان بها والإخبار عنها ، كالإخبار عن سير الكواكب حركة سريعة من المشرق إلى المغرب في يوم وليلة ، التي بها يتحقّق طلوعها وغروبها ، ويتحقّق الليل والنهار كما حقّق في الهيئة القديمة ، وكالإخبار عن الخسوف والكسوف ، وعن ممازجات الكواكب ومقارناتها ، واختفائها واحتراقها  ، ونحوها من الاُمور الواضحة المقرّرة في علم معرفة التقويم وعلم الهيئة  ، فإنّ الإخبار عنها ـ  نظير الإخبار عن طلوع الشمس في أول اليوم وعن غروبها في آخره ـ مبني على التجربة والامتحان والحساب الصحيح الذي لا يتخلّف غالباً ، ومن الواضح جدّاً أنه لا يرتبط شيء منها بما نحن فيه ، بل هي خارجة عن علم النجوم .

نعم إذا استند المخبر عن تلك الاُمور إلى الظنون غير المعتبرة عقلا ، وكان كلامه ظاهراً في الإخبار الجزمي ، كان الإخبار حراماً من جهة الكذب ، وعليه فلا وجه لما ذكره المصنّف من تجويز الإخبار عن سير الكواكب مع الاستناد إلى الأمارات الظنّية .

إذا عرفت هاتين المقدّمتين فنقول : قد اختلفت الأقوال في جواز تعلّم النجوم وتعليمها والنظر فيها مع عدم اعتقاد تأثيرها أصلا وعدم جوازه ، وتنقيح المسألة وتهذيبها يقع في اُمور :

الأول : قال جمع من الفلاسفة : إنّ للأفلاك نفوساً ترتسم فيها صور المقدّرات ويقال لها لوح المحو والإثبات ، وإنّ الأفلاك متحرّكة على الاستدارة والدوام حركة إرادية اختيارية ، للشبه بعالم العقول ، والوصول إلى المقصد الأقصى  ، وإنّها مؤثّرة فيما يحدث في عالم العناصر من الموت والمرض والصحة والفقر والغنى ، وإنّ نظام الكل بشخصيته هو الإنسان الكبير ، والعقول والنفوس بمنزلة القوى العاقلة والعاملة التي هي مبادئ الإدراكات والتحريكات ، والنفوس المنطبعة بمنزلة الروح الحيواني . وعلى الجملة : التزموا بأنّ الموجودات الممكنة برمّتها مفوّضة إلى النفوس الفلكية

ــ[386]ــ

والعقول الطولية ، وأنّ الله تعالى بعد خلقه العقل الأول منعزل عن التصرّف في مخلوقه .

وفيه : أنه على خلاف ضرورة الدين وإجماع المسلمين ، والاعتقاد به كفر وزندقة ، لكونه إنكاراً للصانع ، فإنّ الأدلّة العقلية والسمعية من الآيات والروايات مطبقة على إثبات الصانع ، وإثبات القدرة المطلقة له تعالى ، وأنّ أزمّة المخلوقات كلّها في قبضة قدرته ، يفعل فيها ما يشاء ، ولا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون . إلاّ أن يكون مراد الفلاسفة أنّ الفيّاض على الإطلاق في جميع الحالات هو البارئ تعالى ولكن إفاضة الوجود بواسطة النفوس الفلكية ، وهي طرق لوصول الفيض ، وليست مؤثّرة في عالم العناصر ليلزم منه إنكار الصانع . ويظهر هذا من كلام جماعة منهم .

على أنّ الظاهر من الآيات والروايات أنّ حركة الأفلاك إنّما هي حركة قسرية ، وبمباشرة الملائكة ، فالاعتقاد على خلافه مخالف للشرع ، وتكذيب للنبي الصادق (صلّى الله عليه وآله) في إخباره ، فيكون كفراً . وإرادة النفوس الفلكية من الملائكة من تأويلات الملاحدة ، كما صرّح به المجلسي (رحمه الله) في اعتقاداته(1).

ثم إنّ الاعتقاد بالاُمور المذكورة إنّما يوجب الكفر إذا علم المعتقد بالملازمة بينها وبين إنكار الصانع أو تكذيب النبي (صلّى الله عليه وآله) وإلاّ فلا محذور فيه كما عرفت في المقدّمة الثانية(2).

الأمر الثاني : أن يلتزم بتأثير الأوضاع الفلكية والكيفيات الكوكبية بنفسها في حوادث العوالم السفلية ، كتوسعة الرزق ، واُنوثة الولد ورجولته ، وصحّة المزاج وسقمه ، وازدياد الأموال ونقصانها ، وغيرها من الخيرات والشرور  ، سواء قلنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاعتقادات : 28 .

(2) ] بل الأمر الثاني في المقدّمة الأُولى في ص383 [ .

ــ[387]ــ

بالنفوس الفلكية أم لم نقل .

وهو على وجهين ; الأول : أن يكون ذلك علّة تامّة لحدوث الحوادث . والثاني : أن يكون شريكاً للعلّة في الاُمور المذكورة .

وكلا الوجهين باطل ، لأنه إنكار للصانع أو لتوحيده جلّ وعلا ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك بين الشيعة والسنّة(1) بل قامت الضرورة بين المسلمين على كفر من اعتقد بذلك . قال العلاّمة المجلسي في مرآة العقول : إنّ القول باستقلال النجوم في تأثيرها كفر وخلاف لضرورة الدين ، وأنّ القول بالتأثير الناقص إمّا كفر أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 6 : 212 إنّ المعلوم ضرورة من الدين إبطال حكم النجوم ، وتحريم الاعتقاد بها ، والزجر عن تصديق المنجّمين.

وفي سنن البيهقي 3 : 358 في حديث زيد الجهني قال الشافعي : وأمّا من قال : مطرنا بنوء كذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أن أمطره نوء كذا ، فذلك كفر .

وفي الموضع المزبور عن الجهني عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال الله : أصبح من عبادي مؤمن وكافر ، فأمّا من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأمّا من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب . ورواه العلاّمة (رحمه الله) مرسلا في التذكرة 4 : 223 في صلاة الاستسقاء . ورواه صاحب الوسائل أيضاً مرسلا في 11 : 374 / أبواب آداب السفر ب14 ح10 .

وفي لسان العرب ] 1 : 176 [ مادّة نوأ : قال أبو عبيد : الأنواء ثمانية وعشرون نجماً معروفة المطالع في أزمنة السنة ... وكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر قالوا : لابدّ من أن يكون عند ذلك مطر أو رياح ، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى ذلك النجم فيقولون مُطِرْنا بنوء الثريا ... وإنّما سمّي نوءاً لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ، أي نهض وطلع .

ــ[388]ــ

فسق(1). وقال المحقّق البهائي في الحديقة الهلالية : إنّ الالتزام بأنّ تلك الأجرام هي العلّة المؤثّرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو أنّها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده ، وعلم النجوم المبتني على هذا كفر(2). إلى غير ذلك من كلمات الأعاظم الصريحة فيما ذكرناه(3).

الأمر الثالث : أن يلتزم بكون أوضاع الكواكب ـ من التقارن والتباعد والاتّصال والتربيع والاختفاء وغيرها من الحالات ـ علامة على حوادث عالم العناصر التي تحدث بقدرة الله وإرادته ، بأن يجعل الوضع الفلاني علامة رجولة الولد والوضع الفلاني علامة اُنوثته وهكذا ، كما أنّ سرعة حركة النبض علامة على الحمى واختلاج بعض الأعضاء علامة على بعض الحوادث المستقبلة ، ونصب العلم علامة على التعزية والرثاء .

وهذا الوجه قد اختاره السيد ابن طاووس في محكي كلامه في رسالته النجومية(4)، ووافقه عليه جمع من الأعاظم ، كالمحقّق البهائي في الحديقة الهلالية(5) والسيد الجزائري في شرح الصحيفة السجّادية(6). والمحدّث النوري في المستدرك(7) وغيرهم ، وحملوا عليه ما روي من صحة علم النجوم وجواز تعلّمه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرآة العقول 26 : 480 ـ 481 .

(2) الحديقة الهلالية : 139 .

(3) راجع المكاسب 1 : 209 وما بعدها .

(4) فرج المهموم : 8 ، 48 ، 53 .

(5) الحديقة الهلالية : 139 .

(6) نور الأنوار (في شرح الصحيفة السجّادية) : 181 ـ 182 .

(7) المستدرك 13 : 105 / أبواب ما يكتسب به ذيل ب21 .

ــ[389]ــ

الأمر الرابع : أن يلتزم بأنّ الله تعالى قد أودع في طبائع أوضاع الكواكب خصوصيات تقتضي حدوث بعض الحوادث ، من غير أن يكون لها استقلال في التأثير ولو بنحو الشركة ، وتلك الخصوصيات كالحرارة والبرودة المقتضيتين للإحراق والتبريد .

وهذان الوجهان وإن لم يكن الاعتقاد بهما موجباً للكفر بنفسيهما ، إلاّ أنّهما باطلان لوجوه :

الأول : أنه لا طريق لنا إلى كشف هذا المعنى في مقام الإثبات ، وإن كان ممكناً في مقام الثبوت .

الثاني : أنّ ذلك مناف لإطلاق الروايات الدالّة على حرمة العمل بعلم النجوم وجعلها علامة على الحوادث(1)، وظاهر جملة من الروايات أنّ لعلم النجوم حقيقة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منها ما في الوسائل 11 : 371 / أبواب آداب السفر ب14 ح4 ، ومرآة العقول 26 : 464 عن عبدالله بن عوف بن الأحمر قال : « لمّا أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) المسير إلى النهروان أتاه منجّم فقال له : ياأمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة ، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار ، فقال (عليه السلام) : ولِمَ ذاك ؟ قال : لأنّك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذى وضرّ شديد ، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت وظهرت وأصبت كل ما طلبت ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم اُنثى ؟ قال : إن حسبت علمت ، قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : من صدّقك على هذا القول كذّب بالقرآن (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الاَْرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْض تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ما كان محمد (صلّى الله عليه وآله) يدّعي ما ادّعيت ، أتزعم أنّك تهتدي إلى الساعة التي من سار فيها حاق به الضر . من صدّق بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله في ذلك الوجه وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه ، وينبغي له أن يوليك الحمد دون ربّه . فمن آمن لك بهذا فقد اتّخذك من دون الله ندّاً وضدّاً ، ثم قال (عليه السلام) : اللهم لا طير إلاّ طيرك ، ولا ضير إلاّ ضيرك ، ولا خير إلاّ خيرك ، ولا إله غيرك . بل نكذّبك ونخالفك ونسير في الساعة التي نهيت عنها » . وهي ضعيفة بعبدالله بن عوف ، وعمر بن سعد ، ومحمد ابن علي القرشي ، وغيرهم ، ولكن آثار الصدق منها ظاهرة . وقريب منه ما نقله السيد في نهج البلاغة : 96 مرسلا : أعني الخطبة 76 من خطبه (عليه السلام) . قوله  : « حاق به الضرّ  » أي أحاط به .

وفي الباب المزبور من الوسائل ح6 عن معاني الأخبار ] 270 / 2 [ عن الكابلي قال : «  سمعت زين العابدين ـ إلى أن قال ـ : والذنوب التي تظلم الهواء السحر ، والكهانة ، والإيمان بالنجوم » وهي ضعيفة بأحمد بن يحيى بن زكريا ، وبكر بن عبدالله بن حبيب ، وغيرهما .

وفي مرآة العقول 26 : 478 . والوافي 26 : 521 / 5 ، والوسائل 11 : 370 / أبواب آداب السفر ب14 ح1 عن عبدالملك بن أعين قال « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي قد ابتليت بهذا العلم فاُريد الحاجة ، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع الشرّ جلست ولم أذهب فيها ، وإذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة ، فقال لي : تقضي ؟ قلت : نعم ، قال : احرق كتبك » وهي حسنة بعبدالملك .

وفي الوسائل 17 : 143 / أبواب ما يكتسب به ب24 ح10 ، والمستدرك 8 : 123 / أبواب آداب السفر ب11 ح3 . ومرآة العقول 26 : 470 . والاحتجاج للطبرسي 2 : 242 في حديث احتجاج الصادق (عليه السلام) على الزنديق « قال : فما تقول في علم النجوم ؟ قال (عليه السلام) : هو علم قلّت منافعه ، وكثرت مضرّاته ، لأنه لا يدفع به المقدور ، ولا يتّقى به المحذور ، إن أخبر المنجّم بالبلاء لم ينجه التحرّز من القضاء ، وإن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله ، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه ، والمنجّم يضاد الله في علمه بزعمه أن يرد قضاء الله عن خلقه » وهي مرسلة .

وفي الباب المذكور من الوسائل عن المحقّق في المعتبر ] 2 : 688 [ والعلاّمة في التذكرة ]  1 : 271 [ والشهيدين ] الثاني منهما في المسالك 2 : 53 [ قالوا : « من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما اُنزل على محمد (صلّى الله عليه وآله) » . وهي مرسلة .

ــ[390]ــ

ــ[391]ــ

واقعية ، ولكن لا يحيط بها غير علاّم الغيوب ومن ارتضاه لغيبه ، فلا يجوز لغيره أن يجعلها علامة على الحوادث(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في مرآة العقول 26 : 466 عن قيس بن سعد قال : « كنت كثيراً اُساير أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا سار إلى وجه من الوجوه ، فلمّا قصد النهروان وصرنا بالمدائن وكنت يومئذ مسايراً له إذ خرج إليه قوم من أهل المدائن ، إلى أن قال : وكان في من تلقّاه دهقان ، وكانت الفرس تحكم برأيه في النجوم ، فجرى بينه وبين علي (عليه السلام) بعض الأسئلة ، فقال الدهقان : لا أدري ، ثم قال علي (عليه السلام) : لو علمت ذلك لعلمت أنّك تحصي عقود القصب في هذه الأجمة . ومضى أمير المؤمنين فهزم أهل النهروان فقتلهم وعاد بالغنيمة والظفر فقال الدهقان : ليس هذا العلم بما في أيدي أهل زماننا ، هذا علم مادّته من السماء » وهي ضعيفة بأبي الجارود زياد بن المنذر .

وفي الاحتجاج 2 : 250 / 224 والموضع المذكور من مرآة العقول ] ص468 [ عن أبان بن تغلب قال : « كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن ، إلى أن قال (عليه السلام) : ما صناعتك ياسعد ؟ فقال : جعلت فداك أنا من أهل بيت ننظر في النجوم لا يقال إنّ باليمن أحداً أعلم بالنجوم منّا ، إلى أن ذكر أبو عبدالله (عليه السلام) اُموراً فقال له اليماني : ما ظننت أنّ أحداً يعلم هذا وما يدري ما كنهه » وهي مرسلة .

وفي الكافي 8 : 351 / 549 ، والوافي 26 : 516 / 2 ، والوسائل 17 : 141 / أبواب ما يكتسب به ب24 ح2 عن هشام الخفّاف قال « قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : كيف بصرك بالنجوم ؟ قال قلت : ما خلّفت بالعراق أبصر بالنجوم منّي ، إلى أن قال (عليه السلام) : إنّ أصل الحساب حق ، ولكن لا يعلم ذلك إلاّ من علم مواليد الخلق كلّهم » وهي مجهولة بحمّاد الأزدي .

وفي الكافي 8 : 195 / 233 ، والوافي 26 : 513 / 1 ، والوسائل 17 : 141 / أبواب ما يكتسب به ب24 ح1 عن عبدالرحمن بن سيابة عن أبي عبدالله (عليه السلام) بعد أن جوّز النظر إلى النجوم قال : « إنّكم تنظرون في شيء منها كثيره لا يدرك ، وقليله لا ينتفع به » وهي ضعيفة بعبدالرحمن بن سيابة ، ومجهولة بالحسن بن أسباط .

وفي الوافي 26 : 522 / 6 ، والكافي 8 : 306 / 474 عن سليمان بن خالد قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحرّ والبرد ممّا يكونان ؟ فأجاب الإمام (عليه السلام) بما حاصله  : أنّ المريخ كوكب حار ، وزحل كوكب بارد ، فكلّما ارتفع المريخ درجة انحطّ زحل درجة ، فلذلك يشتدّ الحرّ في الصيف ، وإذا انعكس الأمر اشتدّ البرد كما في الشتاء ، وشدّة البرد في الصيف أحياناً مستندة إلى القمر ، وشدّة الحرّ في الشتاء أحياناً مستندة إلى الشمس  »  . وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم . إلى غير ذلك من الروايات المذكورة في الأبواب المتقدّمة وغيرها ، وأكثرها مذكورة في مرآة العقول 26 : 464 ـ 480 ] مع تفاوت عمّا في الوافي [ .

ــ[392]ــ

ومن هنا قال الشهيد في محكي قواعده : وأمّا ما يقال من أنّ استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلى النار ، وغيرها من العاديات ، إلى أن قال : فهذا لا يكفر معتقده ، ولكنّه مخطئ أيضاً(1).

الثالث : أنّ ذلك مناف للأخبار المتواترة الواردة في الحثّ على الدعاء والصدقات وسائر وجوه البرّ ، والدالّة على أنّها تردّ القضاء الذي نزل من السماء واُبرم إبراماً ، وأنّها تردّ البلاء المبرم ، ومن الواضح جدّاً أنّ الالتزام بالوجهين المذكورين إنكار لذلك ، وهو مستلزم للكفر ، من حيث إنّه تكذيب النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ولا يفرق في ذلك بين كون الالتزام بأنّ أوضاع الكواكب مجرّد علامة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القواعد والفوائد 2 : 35 ـ 36 .

ــ[393]ــ

على الحوادث ، أو مؤثّرة فيها ولو بغير شعور واختيار نظير الحرارة والبرودة .

لا يقال : قد ورد في بعض الأحاديث أنه يكره التزويج في بعض الأيّام والساعات لنحوستها ، كمحاق الشهر ، وعند كون القمر في برج العقرب(1) فيستفاد من ذلك أنّ سير الكواكب وأوضاعها علامة على بعض الحوادث .

فإنّ ذلك لا ينافي ما قدّمنا بعد أن كان المبيّن له هو الشارع على ألسنة اُمنائه وقد عرفت دلالة بعض الأخبار على أنّ لعلم النجوم حقيقة ولكن لا يعلم بها غير علاّم الغيوب ومن ارتضاه لغيبه .

على أنّ ذلك أجنبي عمّا نحن فيه ، فإنّ كراهة التزويج في تلك الأوقات ككراهة الصلاة في المواضع المكروهة ، وكراهة الجماع في الأوقات المخصوصة ، فلا دلالة في ذلك على المطلوب .

الأمر الخامس : هل يجوز تعلّم علم النجوم في حدّ ذاته من غير إذعان بتأثير الكواكب أم لا ؟ نسب الشهيد في محكي الدروس القول بالحرمة إلى بعض الأصحاب(2). ولكن الظاهر من بعض الأحاديث(3) هو الجواز إذا كان ذلك لمجرّد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في التهذيب 7 : 461 / 1844 ، والوسائل 20 : 114 / أبواب مقدّمات النكاح ب54 ح1 عن محمد بن حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام) : « من تزوّج امرأة والقمر في العقرب لم ير الحسنى » وعن الصدوق « روي أنه يكره التزويج في محاق الشهر » .

وفي الوسائل 11 : 367 / أبواب آداب السفر ب11 ح1 عن الكليني ] في الكافي 8 : 275 / 416  [ والصدوق ] في الفقيه 2 : 174 / 778 [ والمحاسن ] 2 : 84 / 20 [ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب لم ير الحسنى » .

(2) الدروس 3 : 165 .

(3) في مرآة العقول 26 : 478 عن ابن أبي عمير أنّه قال : « كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع فيدخلني من ذلك شيء ، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) فقال : إذا وقع في نفسك شيء فتصدّق على أوّل مسكين ثم امض ، فإنّ الله يدفع عنك » . وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم . وقد تقدّم ] في ص390 ، 392 [ في رواية عبدالملك بن أعين ورواية عبدالرحمن بن سيابة ما يدلّ على ذلك .

ــ[394]ــ

معرفة سير الكواكب وأوضاعها الخاصّة ، وفاقاً لجمع من الأعاظم (رضوان الله عليهم)  . وأمّا ما يوهم حرمة تعلّم النجوم من أحاديث الشيعة(1) والسنّة(2)فمحمول على غير هذه الصورة ، والله العالم .
ــــــــــــــ

(1) راجع المصادر المذكورة والبحار 55 : 217 / باب علم النجوم والعمل به .

(2) راجع سنن البيهقي 8 : 138 / باب ما جاء في كراهة اقتباس علم النجوم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net