صيغ القبول - تعيين الموجب من القابل 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5007


صيغ القبول

وأمّا ألفاظ القبول ، فلا إشكال في وقوعه بلفظ قبلتُ ورضيت واشتريت


ــ[193]ــ

وشريت وابتعت وتملّكت وملكت بالتخفيف ، وهل يصحّ بلفظ بعت أو ملّكت بالتشديد ؟ الظاهر صحّة ذلك ، لأنّ البيع والتمليك بالعوض يعمّان البيع والشراء بحسب اللغة ، وغاية ما هناك أن يكون من إنشاء القبول بالألفاظ المجازية ، بل لو قلنا بأنّ البيع مشترك بين البيع والشراء يكون إنشاء القبول به من الانشاء باللفظ المشترك ، وكلاهما صحيح كما عرفت .

بل يمكن أن يقال بكفاية الايجاب من الطرفين في صحّة العقد ولو لم يكن في البين قبول أصلا كما إذا أنشأ كلّ منهما تبديل عين ماله بشخص مال الآخر مقارناً فقال أحدهما بعت داري ببستانك ، وقال الآخر بعت بستاني بدارك صحّ ذلك لصدق عنوان العقد والتجارة عن تراض ، فإنّ العقد عبارة عن الالتزامين المربوط أحدهما بالآخر ، وهو متحقّق في الفرض ، كما أنّ التجارة عن تراض لم يؤخذ فيها القبول . نعم لا يصدق عنوان البيع والشراء على ذلك ، فلا يترتّب عليه أحكام البيع والشراء . وقد ذكرنا سابقاً(1) أنّه إذا قصد كلّ من المتعاملين خصوصية مال الآخر فلا يكون بيعاً ولا يترتّب عليه أحكام البيع ، والمقام من هذا القبيل .

وهل ينعقد القبول بلفظ أنفذت أو أمضيت أو أجزت وشبهها ؟ ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) أنّ فيه وجهين ولم يعيّن أحدهما . وعن بعض مشايخنا المحقّقين(3) أنّ الانفاذ والامضاء ونحوهما إنّما تلحق العقد التامّ مع قطع النظر عن الامضاء كعقد الفضولي والمكره ، والايجاب وحده مع قطع النظر عن الامضاء ليس عقداً تامّاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة 10 .

(2) المكاسب 3 : 134 .

(3) حاشية المكاسب (الأصفهاني) 1 : 273 .

ــ[194]ــ

وفيه : أنّه لا مانع من إبراز القبول بكلّ لفظ كاشف عنه عرفاً ، فيتحقّق العقد بنفس الامضاء .

تعيين الموجب والقابل

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري(1) تعرّض لصورة الاختلاف في تعيين الموجب والقابل وخصّ ذلك بما إذا أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة بين الايجاب والقبول فاختلفا في تعيين الموجب والقابل منهما فادّعى كلّ واحد منهما أنّه موجب أو قابل بناءً على جواز تقديم القبول ، وأمّا بناءً على عدم جوازه فالمتقدّم منهما وإن كان موجباً إلاّ أنّهما اختلفا في المتقدّم وأنّ أيّهما متقدّم ، هذا .

ولكنّك خبير بأنّ هذا النزاع لا يختصّ بما إذا أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة بين الايجاب والقبول ، إذ لو فرضنا أنّهما أوقعاه بغير الألفاظ المشتركة أيضاً يصحّ النزاع في أنّ أيّهما موجب وأيّهما قابل وأنّ المتلفّظ باللفظ المخصوص بالايجاب أيّهما ولعلّ الشيخ ذكره مثالا لا أنّه من جهة الاختصاص .

وكيف كان ، فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أنّه لا يبعد التحالف حينئذ وعدم ترتيب شيء من الآثار المختصّة بكلّ من البيع والاشتراء على شيء منهما هذا .

ولا يخفى أنّه لا أثر مهمّ يختصّ بخصوص البائع أو المشتري ليقع الاختلاف في تعيين المشتري أو البائع وتميّزه عن غيره ، لأنّ قاعدة « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه »(2) غير مختصّة بالبائع وتجري في المشتري أيضاً للإجماع ، أو لأنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 134 .

(2) المستدرك 13 : 303 / أبواب الخيار ب9 ح1 .

ــ[195]ــ

المراد بالمبيع أعمّ من المثمن والثمن فلا يبقى أثر يختصّ بهما أبداً إلاّ خيار الحيوان لأنّه يختصّ بخصوص المشتري لقوله (عليه السلام) « صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام »(1) ونزاعهما في تعيين البائع والمشتري يرجع إلى الاختلاف في أنّ البيع خياري أو لازم ، لأنّ من انتقل إليه الحيوان بادّعائه أنّه مشتر يدّعي أنّ البيع جائز وله الخيار ، فيكون مدّعياً لمخالفة قوله الأصل ، ومن يدّعي أنّ صاحب الحيوان هو البائع ولا خيار في البين يكون منكراً لموافقة قوله للأصل ، فلا وجه لاحتمال الحكم بالتحالف في المقام ، لأنّه عليه يكون أحدهما مدّعياً والآخر منكراً ، فلابدّ من إعمال قواعد المدّعي والمنكر ، ولا يجري الحكم بالتحالف لاختصاصه بما إذا كان كلّ واحد منهما مدّعياً من جهة ومنكراً من جهة اُخرى ، والمقام ليس من هذا القبيل.

ولعلّ الوجه فيما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في المقام من أنّه لا يبعد الحكم بالتحالف هو ما عنونوه في باب القضاء من أنّ المناط في تعيين المدّعي والمنكر هو الدلالة المطابقية أو الأعّم منها ومن الدلالة الالتزامية .

فإن قلنا بأنّ المناط أعمّ من المطابقية والالتزامية ، فمدّعي اللزوم في المقام يكون منكراً بالدلالة الالتزامية لما ادّعاه خصمه من الخيار فيكون أحدهما مدّعياً والآخر منكراً ولا يبقى للتحالف مجال .

وأمّا إذا قلنا بأنّ المناط إنّما هو الدلالة المطابقية فكلّ واحد منهما يكون مدّعياً لأنّ أحدهما يدّعي الخيار والآخر يدّعي اللزوم ، والحكم فيه هو التحالف . ولعلّ شيخنا الأنصاري لم يكن جازماً بأحد الطرفين في باب القضاء وكان مائلا إلى الاحتمال الثاني من الاحتمالين أعني الاعتبار بخصوص الدلالة المطابقية ، فلذا ذكر أنّه لا يبعد الحكم بالتحالف فلا تغفل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 10 / أبواب الخيار ب3 ح2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net