الكلام في اعتبار العربية وعدمه - اعتبار الماضوية وعدمه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5104


ــ[196]ــ

الكلام في اعتبار العربية وعدمه

كلامنا في المقام يقع في مسائل أربع :

المسألة الاُولى : وقع الخلاف في اعتبار العربية في العقود ، واستدلّ لأصل اشتراط العربية بوجوه :

الأوّل : التأسّي لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يتكلّم بالعربية في عقوده وإيقاعاته ، ومقتضى التأسّي به (صلّى الله عليه وآله) أن يعتبر العربية في جميع العقود والايقاعات .

الثاني : الأولوية ، لأنّا إذا بنينا على عدم صحّة العقد العربي غير الماضي فلابدّ من أن نلتزم بعدم صحّة العقد غير العربي بطريق أولى .

الثالث : أنّ العقد إنّما يصدق على العربي فما لا يكون عربيّاً لا يصدق عليه العقد عرفاً فلا محالة يقع باطلا .

والجواب عن الوجه الأوّل : أنّه لا دليل على وجوب التأسّي بالنبي (صلّى الله عليه وآله) بل ولا على استحبابه في غير الأحكام ، وإلاّ فلازم ذلك أن يقال بحرمة التكلّم بغير العربي في المحاورات العرفية عند التمكّن من العربي ، لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يتكلّم في جميع محاوراته بالعربية ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به ، لأنّه (صلّى الله عليه وآله) إنّما كان يتكلّم بالعربي لكونه عربياً لا من جهة وجوبه ولزومه
هذا كلّه مضافاً إلى أنّ التأسّي على تقدير وجوبه حكم تكليفي يوجب مخالفته استحقاق العقاب وهو لا ربط له بالمقام ، لأنّ الكلام في وجوبه الوضعي واشتراطه في العقود وعدمه وهو أجنبي عن الحكم التكليفي .

وأمّا الجواب عن الوجه الثاني : فهو أنّه لا معنى للأولوية في المقام ، لأنّ فساد العقد العربي غير الماضي إنّما هو من جهة عدم كونه ماضياً لا من جهة أنّه ليس عربياً  ، ولازم ذلك صحّة التعدّي إلى العقد الفارسي غير الماضي ويقال إنّه أيضاً

ــ[197]ــ

فاسد بطريق أولى ، وأمّا التعدّي إلى الفارسي الماضي فهو ممّا لا محصّل له بوجه ، إذ ما معنى أن يقال إنّ الفارسي الماضي باطل بطريق أولى من جهة بطلان العربي غير الماضي ، ولعلّه ظاهر .

وأمّا الجواب عن الوجه الثالث : فهو أنّ العقد لا يتوقّف صدقه على أن يكون عربياً وإلاّ فلازمه أن لا يكون في العالم عقد ولا إيقاع إذا لم يكن في العالم عربي وهو كما ترى .

والتحقيق أنّه إذا فرضنا عدم تمامية العمومات والاطلاقات الواردة في أبواب العقود والايقاعات وكان الدليل على صحّة العقود هو الإجماع فلابدّ من اعتبار العربية في العقود من باب أنّ العربي هو المقدار المتيقّن في العقود والايقاعات ، إذ مع عدم كونه عربياً نشكّ في صحّته ونحتمل الفساد ، ومع الشكّ في الصحّة والفساد أصالة الفساد محكّمة ، لأنّ المفروض أنّه لا إطلاق ولا عموم في البين يقتضي صحّة العقد الفاقد للعربية ، وكيف كان فأخذ العربية في صحّة العقود حينئذ إنّما هو من جهة الاحتياط والأخذ بالمقدار المتيقّن لا من جهة دلالة الدليل على اعتبارها وذلك ظاهر .

وأمّا مع تمامية المطلقات والعمومات كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(1)و  (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(3) فلا مجال للشكّ في الفاقد للعربية بوجه ، فإنّ مقتضى الاطلاق عدم اعتبار العربية أبداً ، وأنّ العربي وغير العربي كلاهما صحيحان إلاّ فيما قام الدليل على اشتراط العربية فيه بالخصوص كالطلاق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة : 2 : 275 .

(2) المائدة 5 : 1 .

(3) النساء 4 : 29 .

ــ[198]ــ

وأمّا في غيره فلا وجه لاعتبارها ، نعم الاحتياط الشديد في النكاح يقتضي اعتبار العربية فيه ، لكثرة اهتمام الشارع به .

المسألة الثانية : إذا قلنا باعتبار العربية في العقود والايقاعات ، فهل اللازم أن يكون جميع ألفاظ العقد من أوّلها إلى آخرها عربية أو أنّ اللازم هو العربية في خصوص إنشاء العقود والايقاعات ، وأمّا غيره كألفاظ الثمن والمثمن أو الشروط المذكورة فيهما فلا مانع من ذكرها بغير العربية أيضاً ، فإذا قال بعت إين دار را بده درهم ، فلا محالة يقع البيع صحيحاً ؟

إذا قطعنا النظر عن الاطلاقات الواردة في العقود والايقاعات فلا محيص عن اعتبار العربية في جميع أجزاء العقد من أوّلها إلى آخرها ، للشكّ في صحّة مثل بعت إين دار را بده درهم ، ومع الشكّ في ذلك فأصالة الفساد تقتضي الفساد كما هو واضح وفاقاً لشيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) في المقام حيث قال : الأقوى هو الأوّل ، يعني اعتبار العربية في جميع أجزاء العقد .

نعم مع النظر إلى المطلقات كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاض) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) لا يعتبر العربية في العقود أصلا ، فضلا عن اعتبارها في جميع أجزاء العقد ، إلاّ أنّ مفروض كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) إنّما هو عدم الاطلاق والعموم فراجع ، هذا كلّه فيما إذا كان ذكر الثمن والمثمن وغيرهما من متعلّقات البيع أو غيره من العقود معتبراً .

وأمّا إذا قلنا بعدم اعتبار ذكرها في ايجاب البيع كعدم اعتبار ذكرها في القبول قطعاً لأنّه لا يجب عليه أن يقول قبلت الدار بكذا ، فلا ينبغي الإشكال في عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 136 .

(2) تقدّم تخريج الآيات آنفاً .

ــ[199]ــ

اعتبار العربية فيها مطلقاً ـ كان هناك إطلاق أم لم يكن ـ لأنّ غاية ما هناك أن يكون ذكر الثمن والمثمن بغير العربي لغواً حينئذ ، وأمّا كونه مبطلا للبيع فهو ممّا لا يحتمل بوجه .

المسألة الثالثة : هل يشترط في صحّة العقود أن يكون العاقد عالماً بوضع اللفظ وبمعناه تفصيلا ، بأن يعلم أنّ معنى البيع ماذا ومعنى التاء في بعت أي شيء وأنّه للاسناد إلى نفسه ، والبيع يستفاد من مادّة بعت ، أو أنّه لا يشترط ذلك في صحّتها بل إذا علم إجمالا بأنّ معنى مجموع هذا الكلام هو بيع الدار بكذا وإن لم يعلم أنّ أيّها استفيد من أيّ لفظ من الألفاظ ، واحتمل أن يكون التاء بمعنى البيع والبيع بمعنى الاسناد يكفي ذلك في صحّته ؟

لا ينبغي الإشكال في أنّه إذا لم يعلم معنى اللفظ بخصوصه لا يكون استعماله اللفظ جارياً على قانون الوضع ، لأنّ معنى الاستعمال كذلك كما ذكرناه في الاُصول عبارة عن استعمال اللفظ بقصد تفهيم معناه ، ومع الجهل بالمعنى كيف يقصد تفهيمه للمخاطب ، إلاّ أنّ الاستعمال كذلك لا يشترط في صحّة العقود ، وإنّما المعتبر في صحّتها أن يكون هناك شيء مبرز للاعتبار النفساني ، ولا ينبغي الإشكال في أنّه بتكلّمه بلفظة بعتُ يبرز اعتباره وإن لم يعلم بأنّ معنى البيع بخصوصه ماذا ومعنى التاء بخصوصه أيّ شيء ، وذلك لأنّ المفروض أنّه يعلم بأنّ مجموع هذه الكلمة بمعنى كذا وإن لم يعلم أنّ أيّها استفيد من أي لفظ ، فيعلم أنّه باستعماله ذلك باع داره فيكون استعماله مبرزاً لاعتباره النفساني لا محالة ، وهذا كما إذا علم إجمالا بأن جئني بالماء إنّما يقال عند العرب فيما إذا كان عطشاناً وطالباً للماء وإن لم يعلم أنّ معنى جئني أي شيء ومعنى الماء أي شيء فإنّه إذا عطش وقال : جئني بالماء فلا محالة يبرز مقصوده بذلك خارجاً وإن لم يعلم بمعاني الكلام تفصيلا وذلك ظاهر .

ثمّ إنّ هذه المسألة والمسألة التي تأتي بعدها غير مختصتين بما إذا اشترطنا

ــ[200]ــ

العربية في العقود على ما يظهر من كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بل تأتيان على القول بصحّة العقد غير العربي أيضاً ، وأنّه إذا قال : فروختم بكذا ، لابدّ أن يعلم أنّ البيع استفيد من مادّة فروختم وأنّ الاسناد استفيد من لفظة ميم ، أو أنّه إذا علم إجمالا بأنّ فروختم بمعنى بعت وإن لم يعلم أنّ أيّها استفيد من أي لفظ ، كان كافياً .

المسألة الرابعة : هل يعتبر عدم اللحن في العقود أو لا ، فإذا قال : بعت بالفتح أو فروختم بكسر الفاء كان صحيحاً ؟

إذا قطعنا النظر عن الاطلاقات الواردة في العقود والايقاعات فلا محيص عن اعتبار عدم اللحن للشكّ في صحّة الملحون ، ومع الشكّ فأصالة الفساد تقتضي الفساد ، ولم يعلم وجه ما ذكره السيّد في حاشيته(1) معلّقاً على قول شيخنا الأنصاري « الأقوى ذلك » من أنّ المتعيّن خلافه ، وذلك لأنّ مفروض كلام الشيخ إنّما هو مع عدم الاطلاق والعموم ، وقد عرفت أنّ الصحيح حينئذ هو ما أفاده (قدّس سرّه) لاحتمال الفساد مع اللحن ومعه يرجع إلى أصالة الفساد . نعم بالنظر إلى المطلقات لا يعتبر عدم اللحن لشمولها للملحون أيضاً .

والتحقيق أن يقال : إنّ اللحن من حيث المادّة أو الهيئة تارةً يكون نوعياً ودارجاً عند العرف وظاهراً في المعنى عندهم ، وهذا ممّا لا إشكال في صحّته وجواز الاكتفاء به في العقود ، لأنّه مبرز للاعتبار النفساني عندهم ، فإذا قال : جوّزتك عوض زوّجتك يقع صحيحاً لا محالة ومبرزاً للاعتبار وهو كاف في صحّة العقود وإن كان غلطاً بحسب اللغة .

واُخرى يكون اللحن شخصياً ولا يكون متعارفاً عند العرف بوجه بل يعدّه العرف من الأغلاط ولا يراه مبرزاً للاعتبار كما إذا قال : بَغت عوض بِعت ، أو قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 87 .

 
 

ــ[201]ــ

فخست عوض فسخت ، فلا محالة يقع باطلا ، لأنّ العرف لا يرى مثله كاشفاً عن الاعتبار بوجه ، وهذه المسألة أيضاً غير مختصّة بما إذا اشترطنا العربية في العقود كما أشرنا إليه آنفاً .

الكلام في اعتبار الماضوية في العقود وعدمه

المشهور اشتراط الماضوية في العقود وعدم وقوعها بالمضارع والأمر ، بل حكي الإجماع على ذلك واستدلّ عليه : بأنّ الماضي صريح في الانشاء وأمّا المضارع فهو أشبه بالوعد والأمر بالاستدعاء فليسا ظاهرين في إنشاء التمليك كالماضي . وبأنّ المتعارف في باب العقود والايقاعات إنّما هو الماضي دون المضارع والأمر والعمومات الواردة فيهما ناظرة إلى إمضاء العقود والايقاعات المتعارفة ، هذا .

ثمّ أشار شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) إلى الروايات الدالّة على صحّة الايجاب بلفظ المضارع وقوّى صحّة العقود بغير الماضي فيما إذا كان صريحاً في الانشاء على وجه لا يحتاج إلى القرينة ثمّ أمر بالتأمّل ، هذا .

ولا يخفى عليك ضعف ما استدلّ به على اعتبار الماضوية في العقود ، أمّا الثاني فلأنّ إنشاء العقد بلفظ المضارع والأمر أيضاً متعارف عندهم ، فيقول أحدهما للآخر أبيعك هذا بدرهم ويقول الآخر قبلت ، وهذا واقع في الفارسية والعربية كثيراً وليس أمراً خارجاً عن المتعارف بين الناس ، كما يقولون في الهبة خذ هذا المال وهو أمر ، فإذا صحّ استعمال الأمر في الهبة فيصحّ استعماله في البيع لا محالة ، لما مرّ من أنّ الهبة والبيع مشتركان في اشتمالهما على التمليك ، غاية ما هناك أنّ الهبة تمليك مجّاني والبيع تمليك في مقابل مال . هذا مضافاً إلى أنّه لا اعتبار بالتعارف بعد كون الصيغة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 138 .

ــ[202]ــ

مبرزة للاعتبار النفساني عرفاً وتحقّق مصداق العقد خارجاً .

وعليه فلا مانع من إنشاء التمليك بالمضارع والأمر بوجه فيما إذا كانا ظاهرين في الانشاء . نعم البحث في أنّهما ظاهران فيه أو غير ظاهرين بحث آخر لا ربط له بالمقام ، فإنّ الكلام بعد الفراغ عن ظهورهما في ذلك كما هو ظاهر وقد عرفت أنّهما ظاهران في الانشاء عند العرف إلاّ في بعض الموارد والمقامات كما إذا أمرنا الدلاّل في الطريق ببيع شيء من أشيائنا بأن قال : بع عباءك بكذا ، فإنّه غير ظاهر في الانشاء كما هو واضح .

وأمّا الاستدلال للأوّل من عدم صراحة المضارع والأمر في الانشاء ففيه : أنّ الصراحة من حيث الهيئة غير معتبرة قطعاً ، إذ ليس في هيئات ألفاظ العقود ما تكون متمحّضة في الانشاء حتّى هيئة الماضي ، فإنّها تستعمل في الاخبار كثيراً ومنه يعلم فساد تقييد جواز الانشاء بالمضارع بفرض صراحته في الانشاء .

بقي هناك أمر لم يتعرّض له شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وهو أنّ العقود هل يصحّ إنشاؤها بالجمل الاسمية كقوله : هذا لك ، أو يشترط أن يكون الانشاء بالجمل الفعلية دائماً ؟

الظاهر عدم اعتبار الفعلية ، لتعارف الانشاء بالاسمية أيضاً كما تراهم يقولون  : هذا لك في مثل البيع والهبة وهو ظاهر في المعنى المقصود عرفاً . نعم الانشاء بمثل أنا بائع لك أو أنت مشتر لهذا بكذا غير صحيح عند العرف جدّاً ، لعدم ظهور مثله في الابراز عن الاعتبار النفساني ، فيكون إبرازه بمثله غلطاً عند العرف فلا يصدق عليه البيع ولا النكاح ولا غيرهما من العقود والايقاعات إلاّ في مثل الطلاق والعتق ، فإنّ انشاءهما بالجملة الاسمية صحيح ، وقد خرجا عمّا ذكرناه بالتخصيص لصحّة الطلاق بمثل أنت طالق أو زوجتي هي طالق وعدم وقوعه بغيرهما ، وكذا العتق فإنّه إنّما ينشأ بمثل قولنا أنت حرّ لوجه الله .

ــ[203]ــ

فالمتحصّل : أنّ العقد يصحّ بالجملة الاسمية أيضاً في الجملة لا في جميع الموارد هذا كلّه فيما يرجع إلى الهيئة الافرادية في الايجاب والقبول .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net