6 ـ حكم تعذّر المثل في المثلي من حيث الاجبار على أخذ القيمة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5096


الأمر السادس

لو تعذّر المثل في المثلي فلا كلام في وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك ، وإنّما الكلام يقع في جهتين : الاُولى : أنّه هل يكون للضامن إجبار المالك على أخذ القيمة بعد فرض عدم القدرة على أداء المثل ، لأنّ التكليف به تكليف بما لا يطاق أم لا ؟

الثانية : هل تكون للمالك المطالبة بالقيمة واجبار الضامن على دفع القيمة مع


ــ[268]ــ

أنّ الواجب على الضامن هو المثل أم لا ؟

أمّا الاُولى : فليس للضامن الاجبار على القيمة مع إرادة المالك الصبر حتّى يوجد المثل ، لأنّ المضمون هو المثل لا القيمة فلا يسقط إلاّ برضا المالك .

وأمّا الثانية : فيجوز للمالك مطالبة القيمة ، لأنّ المال مع أوصافه النوعية أو الصنفية من حقوق المالك على الضامن فيجوز له أن يطالب بالمال مع الصفات أو يرفع اليد عن حقّه بالاضافة إلى الصفات ويطالب بالقيمة كاشتراط المشتري على البائع شيئاً فإنّ له أن يطالب بأصل المبيع من دون مطالبة للشرط لأنّه حقّه ، والدليل على ذلك هو السيرة العقلائية حيث لا يمهلون الضامن حتّى يوجد المثل مع مطالبة المالك بالقيمة .

ثمّ يأتي النزاع في أنّ القيمة التي يجب ردّها هل هي قيمة يوم التلف ، أو يوم الدفع ، أو يوم الأخذ ، أو أعلى القيم من زمان الأخذ إلى يوم التلف ، أو أعلاها من يوم الأخذ إلى يوم الدفع ؟ أقوال .

ولكن هذه متوقّفة على أن يصير المثلي التالف أو المثل أو الجامع بين التالف والمثل قيمياً بالاعواز ، ولكن لا وجه له لعدم الدليل عليه ، وذلك لما ذكرناه من أنّ المضمون في الذمّة هو نفس العين وبعد تلف العين إن كان المثل موجوداً فهو وإلاّ ينتقل إلى القيمة يوم الدفع . ودعوى أنّ المالك بمطالبته للقيمة يبرئ الضامن من الصفات النوعية فلابدّ من أداء قيمة يوم المطالبة فاسدة ، لأنّ المالك إنّما يتنازل في مقام الوفاء ويرضى بالقيمة وليس ذلك إسقاطاً للمثل عن الذمّة ، بل هي مشغولة بالمثل حتّى بعد مطالبة المالك للقيمة ، ولذا لو لم يدفعها الضامن بعد المطالبة ثمّ وجد المثل بعد ذلك فللمالك أن يأخذه دون القيمة .

ثمّ لا فرق فيما ذكرنا من اشتغال الذمّة بالعين بين تعذّر المثل من الأوّل أو أن يطرأ التعذّر بعد وجود المثل ، كما لا فرق بين أن يكون التعذّر موقتاً أو مستمرّاً إلى

ــ[269]ــ

الأبد ، فإنّ الثابت في الذمّة هو العين إلى زمان الدفع فإن كان المثل موجوداً فهو وإلاّ تصل النوبة إلى القيمة .

ثمّ إنّ المحكي عن التذكرة(1) أنّ المراد من إعواز المثل أن لا يوجد في البلد وما حوله ، وزاد في المسالك(2) قوله ممّا ينقل عادة منه إليه ، كما ذكروا هذا القيد في السلم أيضاً ، هذا .

ولكن من جهة عدم ورود الاعواز وتحديده في دليل شرعي فلابدّ من الالتزام بما تقتضيه القاعدة وقد عرفت أنّها تقتضي ردّ المثل إلاّ إذا تعذّر ، فيكون المناط هو التعذّر الشخصي بلا فرق بين وجوده في البلد وما حوله وعدمه ، فلو تمكّن من أداء المثل ولو من أقصى البلاد يجب ، إلاّ أن يكون في أداء المثل ضرر أزيد ممّا يقتضيه ردّ المثل فتكون قاعدة لا ضرر محكّمة ، كما أنّه لو كان المثل في بلده ولكن لا يتمكّن من شرائه لعذر لا يجب أداء المثل .

ثمّ إنّ في تقويم التالف مع تعذّر المثل إشكالا من جهة أنّه هل يلاحظ قيمة زمان قلّة وجود المثل أو زمان كثرته ؟

الظاهر أنّه كما ذكرنا تكون العين ثابتة في الذمّة إلى يوم الدفع ، فيفرض أنّ مثل التالف موجود في زمان الدفع فيقوّم فيؤدّي قيمة ذلك الوقت كما لو كانت العين موجودة إلى زمان الدفع ثمّ تلفت ، فلابدّ من أداء قيمة هذا الزمان وهو زمان الدفع إلى المالك فلا يبقى إشكال في المقام .

ثمّ إنّه لو فرض تعذّر المثل في البلد ولكن من باب الصدفة ذهب المالك والضامن إلى بلد آخر فطالب المالك بدل عينه التالفة ، فإن كان المثل موجوداً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تذكرة الفقهاء 2 : 383 السطر 16 .

(2) المسالك 12 : 183 .

ــ[270]ــ

وجب ردّه ، لأنّ العين ثابتة في الذمّة إلى يوم الدفع فيؤدّي المثل بالمطالبة في غير بلد المعاوضة ولو كانت قيمته فيه أكثر من قيمته في بلد المعاوضة ، وأمّا لو أعوز المثل في ذلك البلد أيضاً فهل يجوز له المطالبة بالقيمة ولو كانت القيمة في ذلك البلد ضعف بلد المعاوضة ؟ الظاهر ذلك ، لأنّ الضامن ملزم بردّ المثل يوم المطالبة ، فإذا تعذّر فللمالك أن يتنازل كما مرّ سابقاً عن حقّه في الصفات النوعية ويطالب بأصل المالية وهو القيمة ، وأمّا الزيادة السوقية فلا يرتبط بما يؤدّيه لأنّها زيادة اعتبارية لا توجب ضرراً على الضامن كما ذكرنا .

ثمّ إذا سقط المثل عن القيمة رأساً كما إذا أخذ بالبيع الفاسد ثلجاً في الصيف وأراد أن يؤدّيه في الشتاء ، فإنّ الثلج في هذا الوقت لا قيمة له ، فهل يكون مثل ذلك ملحقاً بما إذا تعذّر المثل أم لا ؟ الظاهر أنّه كذلك ، لأنّ مقتضى السيرة وظاهر على اليد وجوب ردّ المال ، فلابدّ أن تكون للمضمون مالية ، والمفروض في المقام عدم بقاء مالية للمثل فتصل النوبة إلى القيمة في الوقت الذي وصل المثل فيه إلى أدنى القيم وسقط بعده عن القيمة ، لما ذكرنا من أنّ العين تثبت في الذمّة إلى يوم الدفع فلو طالبه في يوم السقوط عن القيمة وجب دفع قيمة ذلك اليوم لا قيمة يوم التلف ولا أعلى القيم ولا غيرهما من الوجوه المذكورة في المسألة .

ثمّ إنّه لو كان المثل متعذّراً وطالب المالك بالقيمة لم يسقط المثل عن الذمّة بمجرد مطالبة القيمة ، بل يكون المثل ثابتاً في الذمة إلى زمان الدفع ، ولذا لو طالب بالقيمة عند تعذّر المثل ثم وجد المثل فندم وطالب بالمثل فله ذلك ، وأمّا لو طالب المالك عند تعذّر المثل بالقيمة وقد أعطاها الضامن خارجاً ورضيا بذلك ثم وجد المثل فهل يكون للمالك أن يردّ القيمة ويطالب بالمثل أم لا؟

ــ[271]ــ

ذكر الشيخ (قدّس سرّه)(1) بأنه لو قلنا بأن الثابت في الذمّة هو المثل ولا يسقط المثل عن الذمة بالتعذّر إلى زمان دفع القيمة فليس له المطالبة ، لأنّهما تراضيا على أداء ما في الذمة بالقيمة ، فالذمة فرغت بها فلا موجب لاشتغالها بعد ذلك ، كما لو كان المثل موجوداً وتراضيا على القيمة فانّ دفع القيمة في المفروض إنّما يكون في مقام أداء ما اشتغلت به الذمّة فلا معنى لمطالبة المثل بعده ، وأمّا لو قلنا بسقوط المثل عن الذمة بتعذّره وأنّ العين التالفة تنتقل إلى القيمة وتصير قيمية بمجرد تعذّر المثل فالسقوط لما في الذمة أولى ، لأن نفس المضمون كان هو القيمة وقد أدّاها فلا وجه لمطالبة المثل بعد ذلك بالأولوية . وأمّا لو قلنا بأنّ المثل عند تعذّره صار قيمياً فيحتمل أن يكون للمالك مطالبة المثل لأنّ القيمة إنّما تكون من قبيل بدل الحيلولة عن المثل فإذا وجد المثل ينتفي الحيلولة ، هذا .

ولكنّه من غرائب كلمات الشيخ (قدّس سرّه) لأنه لا وجه لكون القيمة بدل الحيلولة على القولين الأخيرين ، لأنا إذا فرضنا انتقال نفس العين التالفة أو المثل إلى القيمة فما أدّاه هو عين ما اشتغلت به ذمّته لا بدل حيلولة له ، نعم لو قام دليل على بدل الحيلولة لأمكن جريانه على القول الأول أي القول بعدم انقلاب المثلي التالف ولا المثل إلى القيمة وبقاء المثل في الذمة إلى يوم دفع القيمة ، فإنّه يمكن أن يقال إنّ القيمة المؤدّاة تكون من قبيل بدل الحيلولة للمثل حتى يوجد .

إلاّ أنّ لنا كلاماً في أصل بدل الحيلولة وما ذكره السيد الطباطبائي(2) من أنّ بدل الحيلولة إنما يتصوّر في الأعيان الخارجية لا بالاضافة إلى الذمم كالمقام لا وجه له ، لأنّ معنى بدل الحيلولة أن يجعل بدلا عن السلطنة الممنوعة للمالك على العين لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 239 فرع .

(2) حاشية المكاسب (اليزدي) : 102 .

ــ[272]ــ

بدلا عن أصل العين ، فلا فرق بين أن يكون المبدل منه من الأعيان الخارجية أو ما في الذمم، هذا تمام الكلام في المثلي .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net