2 ـ هل يعتبر في الاجازة اللفظ ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3998


التنبيه الثاني

في أنّ الاجازة هل يعتبر أن تكون باللفظ أو يكتفى فيها بكلّ شيء يستفاد منه الرضا والاجازة ، فقد حكى شيخنا الأنصاري(1) عن بعضهم أنّه توهّم أنّ الاجازة كالبيع في استقرار الملك فكما أنّ البيع لا يتحقّق إلاّ باللفظ ، فكذلك الاجازة . وأجاب عن ذلك بأنّه مصادرة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 422 .

ــ[490]ــ

واستدلّ على اعتبار اللفظ في الاجازة أيضاً : بأنّ اللفظ بحكم الاستقراء في العقود معتبر في اللزوم فلذا قلنا بعدم اللزوم في المعاطاة .

وفيه : أنّا لو سلّمنا عدم اللزوم في المعاطاة وبنينا على اعتبار اللفظ في المعاملات اللازمة ، لا نلتزم به في المقام لأنّ الاجازة ليست معاملة ولا بيعاً ، وإنّما هي من شرائط صحّة البيع الحاصل باللفظ الذي أصدره الفضولي ، ونحن إذا اعتبرنا اللفظ في المعاملات فلا يمكن أن نعتبره في شرائطها أيضاً ولعلّه ظاهر ، بل الصحيح أنّ الاجازة لا تحتاج إلى لفظ صريح وتتحقّق بكلّ لفظ أو فعل يدلّ عليها .

ويؤيّده : ما ورد في رواية عروة من قوله (صلّى الله عليه وآله) « بارك الله في صفقة يمينك »(1) فإنّه بالالتزام يكشف عن الرضا والاجازة .

وكذا يكفي في الاجازة قول أحسنت ونحوه .

ثمّ إنّه بعد عدم اعتبار اللفظ في الاجازة فهل يكتفى بمجرد الرضا الباطني بالعقد فيما إذا أحرزناه بوجه ولا يعتبر فيها الابراز بمبرز قولي أو فعلي ، أو أنّ الابراز بشيء من القول والفعل معتبر في صحّة الاجازة ؟

بما أنّ شيخنا الأنصاري بنى على أنّ الرضا الباطني المقارن للعقد يخرجه عن الفضولي فذهب في المقام إلى أنّ العلم بالرضا يكفي في صحّة الاجازه والبيع ، لأنّ ما يخرج العقد عن الفضولي بوجوده المقارن يكفي في الاجازة بوجوده المتأخّر ولا يعتبر فيها الابراز بمبرز فعلي أو قولي ، واستشهد على كفاية مجرد الرضا في الاجازة في المعاملات بعدّة من الروايات وكلمات الأصحاب:

فمن الروايات : ما ورد(2) من أنّ سكوت الباكرة رضىً منها بالعقد ، فيدلّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 13 : 245 / أبواب عقد البيع وشروطه ب18 ح1 .

(2) الوسائل 20 : 274 / أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب5 .

ــ[491]ــ

ذلك على أنّ المناط في الصحّة نفس الرضا الباطني .

وفيه : أنّ السكوت فعل من أفعالها وهو يكشف عن رضاها ويبرزه خارجاً وهذا يكفي في الابراز . ولو سلّمنا أنّ السكوت غير كاشف فمن أين نعلم رضاها بالعقد عند السكوت ، فلا نعلم برضاها الباطني إلاّ بالسكوت .

ومنها : ما ورد(1) في من زوّجت نفسها في حال السكر ، من أنّها بعد الافاقة لو أقامت مع الزوج فذلك رضىً منها ، فإنّه دلّ على أنّ الاعتبار إنّما هو برضاها الباطني .

والجواب عن ذلك : يظهر ممّا أسلفناه آنفاً من أنّ الاقامة معه فعل من الأفعال ، ولا مانع من الاكتفاء به في المقام لكفاية الابراز العملي في إجازة النكاح . ولو سلّمنا أنّ الاقامة غير كاشفة فنعيد النقض المتقدّم من أنّ الرضا حينئذ من أين نعلمه ، هذا . مضافاً إلى أنّا لو سلّمنا كفاية مجرّد الرضا الباطني في المقام كما إذا فرضنا رواية دلّت على كفايته مثلا ، فلا يمكننا التعدّي منه إلى الفضولي أبداً ، لأنّ تزويج السكرى ليس من المعاملات الفضولية بوجه ، بل إنّما هي زوّجت نفسها باللفظ مع سائر الشرائط المعتبرة في النكاح إلاّ شرط الرضا والاختيار ، فإذا علمنا بوجوده بعد الافاقة فلا محالة يتمّ النكاح ، وهذا بخلاف المقام لأنّ الكلام إنّما هو في الفضولي لا في أفعال نفسه .

ومن ذلك يظهر الجواب عن الروايات(2) الواردة في نكاح العبد بدون إذن سيّده من أنّه إذا سكت المولى صحّ النكاح ولا يشترط فيه الابراز بشيء ، والوجه في الجواب ـ مضافاً إلى ما عرفت من كون السكوت مبرزاً عرفياً ـ أنّ نكاح العبد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 20 : 294 / أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب14 ح1 .

(2) الوسائل 21 : 117 / أبواب نكاح العبيد والاماء ب26 .

ــ[492]ــ

وإن كان مشروطاً برضا سيّده إلاّ أنّه ليس من قبيل المعاملات الفضولية بل هو من أفعال نفسه ، غاية الأمر أنّه متوقّف على إجازة الغير وإذنه ، نظير تزويج الزوج مع بنت أخي زوجته أو بنت اُختها فإنّه فعل نفس الزوج غاية الأمر أنّه يتوقّف على إجازة الزوجة ورضاها فإذا رضيت بذلك أو رضي السيّد بالنكاح فلا مانع من الالتزام بالصحّة حينئذ ، لأنّه كان فاقداً لبعض الشروط وبالرضا تتمّ الشرائط في مثله ، وهذا لا يقاس بالمقام الذي هو من المعاملات الفضولية والكلام في كيفية استنادها إلى المالك ، وأنّه كيف يمكن الاكتفاء في الاستناد بمجرد الرضا ما لم يبرز بالقول أو الفعل ، إذ لولاه لا يمكن إسناد البيع إلى المالك والقول بأنّ المالك باع ماله .

وأمّا ما استشهد به من كلمات العلماء فمنها : تعليلهم عدم كفاية السكوت في الاجازة بأنّه أعمّ من الرضا ، فيستفاد منه أنّ المناط مجرد الرضا ولا اعتبار بالابراز  .

وفيه : أنّ السكوت مباين للرضا لا أنّه أعمّ فما معنى أنّه أعمّ ، ولعلّهم أرادوا بذلك من حيث الكشف والابراز ، وأنّ السكوت لا يكشف عنه دائماً ، إذ ربما يوجد السكوت والرضا غير موجود ، ومن المعلوم أنّ الأعمّ لا يدلّ على الأخصّ ، ومعناه أنّه لابدّ في الرضا من شيء مبرز عنه لا محالة .

ومنها : ما ذكروه من أنّ الموكّل إذا أنكر الاذن فيما أوقعه الوكيل من المعاملة فحلف انفسخت ، لأنّ الحلف يدلّ على كراهتها وعدم الرضا بها ، هذا .

وفيه : أنّ ذلك إمّا محمول على صورة كون المعاملة خيارية كاشتراء الحيوان الذي فيه ثلاثة أيّام للخيار فإنّ في مثله إذا أنكر الموكّل الاذن فنفس ذلك فسخ للعقد الخياري ، وإمّا محمول على العقد غير الخياري إلاّ أنّه لمّا كان من المعاملات الفضولية لانكاره الاذن فيها وحلفه على ذلك ، وفي الفضولي يكفي الردّ بالفعل فمجرد التبرّي والحلف على نفي الاذن يكون ردّاً فعلياً ، وكيف كان فلا يمكن

ــ[493]ــ

الاستشهاد بشيء ممّا استشهد به في المقام مع أنّ كلمات الأصحاب على تقدير موافقتها معه لا تكون دليلا على المدّعى وحجّة على غيرهم غاية الأمر أنّ له موافقاً في هذه المسألة .

فالمتحصّل : أنّه يعتبر في الاجازة الابراز بشيء من القول والفعل .

وتظهر الثمرة فيما إذا رضي بالزواج أو المعاملة الفضولية ولم يبرزه خارجاً ثمّ ندم وأراد الفرار ، فعلى ما ذكره الشيخ لا يمكنه الردّ ورفع اليد عن الزواج أو المعاملة  ، إذ برضاه تحقّقت الاجازة فصارت لازمة ، وأمّا على ما ذكرناه فبما أنّ الاجازة لم تتحقّق فله أن يرجع عن الزواج ويردّه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net