لو باع للغير ثمّ ملكه بعد ذلك 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4526


ــ[32]ــ

المسألة الثانية

ما إذا باعه للغير إلاّ أنه صار ملكه بعد ذلك بالارث أو الشراء أو بالهبة ونحوها  ، فله صورتان الأُولى : أن يبيعه للمالك . الثانية أن يبيعه للأجنبي معتقداً أنه المالك  . أمّا الصورة الأُولى ، فهل تصحّ المعاملة فيها باجازته بعد الملك أم لا ؟ ذكر شيخنا الأنصاري(1) أنّ هذه الصورة خارجة عن أخبار لا تبع ما ليس عندك ، لأنه باعه للمالك لا لنفسه ، فلا مانع من صحّتها فيما إذا أجازها بعد الانتقال إليه ، هذا .

ولا يخفى أنه لا إشكال في عدم صحّتها بدون الاجازة بعد الانتقال ، وأمّا إذا أجازها فقد عرفت أنّ شيخنا الأنصاري ذهب إلى صحّتها وذكر أنه نظير بيع الغاصب لنفسه فيما إذا أجازه المالك حيث إنّ المعاملة إنّما تتقوّم بالمبادلة بين المالين من دون خصوصية المالكين والأشخاص ، والمقام نظير ذلك وعكسه حيث إنه باعه للمالك فأجازه بنفسه ، هذا .

ولا يخفى أنّ أخبار لا تبع ما ليس عندك وإن لم يشمل المقام لأنه لم يبع شيئاً لنفسه ، إلاّ أنّ النهي عن الاشتراء إلاّ من المالك كما ورد في بعض هذه الأخبار حيث قال (عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم « ليس به بأس إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه  »(2) يقتضي عدم صحّة الشراء من غير المالك للمال ، وفي المقام إنّما اشترى المشتري المال قبل انتقال المال إلى البائع فهو شراء من غير مالك المال فيبطل ، فهذه الصورة لا تقاس ببيع الغاصب حيث إنه يدّعي الملك ويرى نفسه مالكاً للمال فشراء المشتري من مثله ممّا لا مانع عنه ، وهذا بخلاف المقام لما عرفت من شمول النهي عن اشتراء شيء من غير مالكه ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 456 .

(2) الوسائل 18 : 51 / أبواب أحكام العقود ب8 ح8 .

ــ[33]ــ

مضافاً إلى أنّ المعاملة في حدّ نفسها باطلة في المقام من دون حاجة إلى الأخبار ، وذلك لأنّ المعاملة ليست إلاّ تبديل طرفي الاضافة ، وهذه المبادلة إنّما أوقعها الفضولي للمالك بحسب الفرض ، والمالك لم يجزها كما هو المفروض وإنّما أجازها الفضولي بعد انتقال المال إليه ، وهذه الاجازة بلا ثمرة إذ لا فائدة في إجازة المبادلة الواقعة على ملك الآخر ، لأنّ المبادلة السابقة إنّما وقعت على ملك المالك فاجازتها بلا فائدة ، ولم تقع مبادلة أُخرى على ملك الفضولي حتّى يجزها ، فما وقع غير قابل للاجازة والقابل للاجازة غير واقع فتبطل المعاملة لا محالة من دون حاجة في بطلانها إلى الأخبار ، وهذا بخلاف بيع الغاصب فإنه إنّما بدّل الاضافة للمالك بدعوى أنه هو والمالك إنّما أجاز المبادلة الواقعة للمالك فيتطابقان ، لما عرفت من أنّ دعواه أنه المالك كذب والمبادلة إنّما وقعت بعنوان المالك فإذا لحقتها الاجازة فلا يبقى للإشكال في صحّتها مجال وذلك ظاهر .

ومن ذلك يظهر الحال في الصورة الثانية وهي ما لو باعه للأجنبي لا لنفسه ولا للمالك باعتقاد أنّ الأجنبي مالك ثمّ انتقل المال إليه فأجازه ، والوجه في الظهور أنّ المعاملة في المثال باطلة ، لا لأجل النهي عن بيع ما ليس عندك ، لأنّ الأجنبي لم يبع ما ليس عنده ، بل لأجل اشتراط الاشتراء بكونه من المالك وهو إنّما اشتراه من غيره فيبطل . مضافاً إلى أنّها بنفسها باطلة ، لأنّ ما وقع من المبادلة إنّما وقع للمالك وأُضيف إليه وهذا غير قابل لاجازة البائع الفضولي ، إذ لا معنى لاجازة المبادلة الواقعة على ملك الغير ، والمفروض أنه لم تقع مبادلة أُخرى على ماله بعد الانتقال إليه ، فما أجازه غير قابل للاجازة والقابل للاجازة غير واقع وغير مجاز فيبطل .

وملخّص الدعوى أنّ مقتضى القاعدة اتّحاد المجيز والمالك حال العقد ، وأنّ المجيز لابدّ وأن يكون مالكاً للمال حال المعاملة ولا يكفي الانتقال إلى الغير بالارث أو البيع أو غيرهما أبداً .

ــ[34]ــ

وأمّا ما ذكره شيخنا الأُستاذ (قدّس سرّه)(1) من أنّ الوارث قائم مقام مورّثه في الماليات فإذا أجاز المعاملة فكأنّ المورّث أجازها فتكشف عن الملكية من زمان حياة المورّث ، فهو من غرائب الكلام ، إذ لم يرد دليل على ذلك التنزيل ولم يدلّ شيء على أنّ الوارث كالمورّث في جميع الأحكام ، بل إنّما ورد(2) أنّ ما تركه الميّت فلوارثه ، وهذا يكشف عن أنّ الميّت قد تركه وزالت ملكيته عنه والوارث شخص آخر غيره كما هو ظاهر .

ثمّ إنّه إذا قلنا ببطلان بيع من باع ثمّ ملك فأجاز، ففي صورة عدم الاجازة بعد الملك يبطل بطريق أولى ولعلّه ظاهر. وأمّا إذا بنينا على صحّته مع الاجازة وأغمضنا عمّا ذكرناه سابقاً فهل يصحّ بدون الاجازة أيضاً كما نقله شيخنا الأنصاري(3) عن بعضهم ، أو أنه بدون الاجازة باطل ؟ هناك وجهان ، والصحيح أنه يقع باطلا في صورة عدم الاجازة ، وذلك لأنه تارة يبيع للمالك ثمّ يملكه وأُخرى يبيعه لنفسه .

فأمّا في الصورة الأُولى فلا وجه لصحّته بعد الانتقال إليه في صورة عدم الاجازة ، إذ المفروض أنه لم يبع لنفسه لتقع المعاملة له بعد الانتقال إليه وذلك ظاهر .

وأمّا في الصورة الثانية فكذلك لا وجه لصحّته بدونها أي بدون الاجازة إلاّ احتمال أنّ العمومات نحو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ونحوه يشمله بعد الانتقال إليه وإن لم يشمله من الابتداء يعني قبل تملّكه ، فلا يحتاج إلى الاجازة بعد ذلك ، إلاّ أنه مندفع بأنّ العمومات لا تشمله حين المعاملة لأنه ليس بملكه ، وبعد ما صار ملكه لم يقع عليه بيع لتشمله العمومات لأنها خطابات للملاّك ، وقبل الانتقال لا ملك لتشمله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 127 .

(2) ورد مضمونه في الوسائل 26 : 251 / أبواب ولاء ضمان الجريرة ب3 ح14 .

(3) المكاسب 3 : 457 .

ــ[35]ــ

وبعده لا بيع حتّى نتمسّك في صحّته بالعمومات ، وبهذا ظهر ما في جواب شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ المقام مقام استصحاب حكم الخاص لا مقام الرجوع إلى حكم العام ، فإنّ الدوران بين الأمرين إنّما هو فيما إذا كان هناك فرد وقد خرج عن حكم العام في زمان وبعده يقع الكلام في أنّ الفرد محكوم بحكم المخصّص بالاستصحاب أو أنه مشمول للعام وهو بحث مشهور ، وهذا غير متحقّق في المقام إذ قبل التملّك لافرد للعقد إذ لا عقد له قبل الانتقال إليه وقد عرفت أنه خطاب للملاّك دون غيرهم ، وبعد الملك لا بيع ولا عقد له لتشمله العمومات ، هذا .

ولو سلّمنا وبنينا على أنّ مقتضى العمومات صحّة البيع بعد الانتقال إليه فيكفينا في الحكم بالبطلان الأخبار المتقدّمة الدالّة على فساد البيع قبل الملك فتكون هذه الروايات مخصّصة للعمومات .

فالمتحصّل أنه لا وجه للحكم بالصحّة من دون توقّف على الاجازة بوجه .

ومن ذلك يظهر أنّ ما أفاده شيخنا الأُستاذ من أنّ المعاملة إنّما تتوقّف على الاجازة لأجل أمرين : أحدهما الرضا . وثانيهما : الاستناد ، وكلاهما حاصلان في المقام لأنّ المفروض أنه باعه لنفسه فلا نحتاج إلى الاجازة بعد الانتقال ، من غرائب الكلام  ، لأنّ المعتبر من الرضا والاستناد إنّما هو رضا المالك واستناد العقد إليه ، لا رضا غير المالك والاستناد إليه ، وهو قبل الانتقال غير مالك فلا يكفي رضاه والاستناد إليه قبل الانتقال ، وأمّا بعده فلم يحصل منه شيء من الأمرين بحسب الفرض .

نعم هناك صورة أُخرى ذكرناها في أوائل البحث وهي ما لو باعه فعلا ما سيملكه بعد الموت في الارث أو بعد الشراء في البيع ، وهذا على نحو التعليق بأن يكون الانشاء فعلياً والملكية بعد مدّة ، والرضا والاستناد فيها صحيحان إلاّ أنّها باطلة لأجل الاجماع على بطلان التعليق في العقود ، والأخبار الناهية عن الشراء

ــ[36]ــ

قبل أن يشتريه البائع من مالكه ، وهذه الصورة خارجة عمّا نحن فيه ، إذ الكلام فيما إذا كان البيع بحيث لو أجازه المالك صحّ ، وهذا لا يصحّ ولو باجازة المالك لاختلاله من ناحية أُخرى . هذا كلّه في المسألة الثانية .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net